المقصد الثانی فی النواهی

توهّم تطرّق الجعل إلی الصحّة والفساد الظاهریین ودفعه

توهّم تطرّق الجعل إلی الصحّة والفساد الظاهریین ودفعه

قد توهّم‏ تطرّق الجعل إلی الصحّة والفساد الظاهریین‏ ‏، ولعلّه یظهر من المحقّق‏‎ ‎‏الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ حیث قال : «إنّ سقوط الإعادة والقضاء‏ ‏، ربما یکون مجعولاً وکان‏‎ ‎‏الحکم به تخفیفاً ومنّة علی العباد‏ ‏، مع ثبوت المقتضی لثبوتهما‏ ‏، کما عرفت فی مسألة‏‎ ‎‏الإجزاء‏ ‏، کما ربما یحکم بثبوتهما‏ ‏، فیکون الصحّة والفساد فیه حکمین مجعولین‏ ‏،‏‎ ‎‏لا وصفین انتزاعیین»‏‎[1]‎ .

وفیه :‏ أنّه وإن کان المقتضی لثبوت الإعادة أو القضاء فی بعض الموارد موجوداً‏‎ ‎‏فی حدّ نفسه‏ ‏، ولکن قیام الأمارة علی خلافه یوجب رفع الید عن اقتضاء ذلک‏ ‏، مثلاً‏‎ ‎‏الصلاة بلا سورة وإن لم تکن واجدة للمصلحة‏ ‏، لذا فمن أتی بها بلا سورة یلزم علیه‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 153
‏أن یعیدها أو یقضیها‏ ‏، ولکنّ قیام دلیل «‏لا تعاد . . . »‎[2]‎‏ علی عدم وجوب الإعادة‏‎ ‎‏عند ترک السورة سهواً أو نسیاناً أو جهلاً‏ ‏، یقتضی رفع الید عن جزئیة السورة عند‏‎ ‎‏طروّ تلک الحالات‏ ‏، وإلاّ فلا یکاد یعقل أن تکون الصلاة صحیحة عند ترک السورة‏‎ ‎‏مع حفظ جزئیة السورة حتّی حال السهو والنسیان والجهل‏ .

‏وبالجملة : من قامت عنده الأمارة علی عدم جزئیة السورة مثلاً‏ ‏، أو کان ذلک‏‎ ‎‏مقتضی الأصل‏ ‏، فلم یأتِ بها المصلّی فی الصلاة مع اعتبار السورة فیها واقعاً‏ ‏،‏‎ ‎‏فلا یوجب ذلک مجعولیة سقوط الإعادة أو القضاء‏ ‏، بل لابدّ من رفع الید عن جزئیة‏‎ ‎‏السورة بنفس قیام الأمارة أو الأصل علی خلافه‏ ‏؛ أی لابدّ من التصرّف فی منشأ‏‎ ‎‏الانتزاع‏ ‏، وإلاّ فلا یکاد یعقل انتزاع الصحّة من الصلاة بدون السورة مع اعتبارها فیها‏‎ ‎‏فی جمیع الأحوال‏ ‏؛ حتّی عند قیام الأمارة أو الأصل علی عدمها‏ .

‏فظهر : أنّ سقوط الإعادة أو القضاء‏ ‏، منتزع من رفع الید عن جزئیة السورة‏‎ ‎‏عند قیام الأمارة أو الأصل علی خلافها‏ ‏، فلا معنی لجعل الصحّة الظاهریة بدون‏‎ ‎‏تصرّف فی منشأ الانتزاع‏ ‏؛ ولو فی ظرف الشکّ وبحسب الظاهر‏ .

نعم ‏، للشارع الحکم بجواز ترتیب آثار الصحّة أو وجوب الإعادة عند الشکّ‏ ‏،‏‎ ‎‏وهما وإن کانا قابلین للجعل‏ ‏، ولکنّه غیر جعل الصحّة بنفسها‏ ‏. ولکنّ الظاهر أنّ‏‎ ‎‏جواز ذلک أو إیجابه ـ بدون رفع الید عن الجزئیة ـ غیر ممکن‏ ‏، ومعه یکون الانطباق‏‎ ‎‏قهریاً‏ ‏، ولعلّ القائل بالجعل هاهنا خلط بین الأمرین‏ ‏، فتدبّر‏ .

‏فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّ الصحّة والفساد بمعنی واحد فی جمیع الموارد‏ ‏؛ حتّی فی‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 154
‏الظاهریة منهما‏ ‏، والمراد بهما مطابقة المأتی للمأمور به وعدمها‏ ‏، بداهة أنّ مطابقة المأتی‏‎ ‎‏به بالنسبة إلی الحکم الظاهری‏ ‏، هی مثل مطابقة المأتی به للمأمور به بالأمر الواقعی‏ ‏.‏‎ ‎‏وأمّا بالنسبة إلی الإجزاء عن المأمور به بالأمر الواقعی‏ ‏، فلابدّ للقائل بالإجزاء من‏‎ ‎‏تقیید المأمور‏ ‏به بالأمر الواقعی بعدم قیام الأمارة أو الأصل علی خلافه‏ ‏، فعند ذلک‏‎ ‎‏یتطابق المأمور‏ ‏به بالأمر الظاهری مع المأمور به بالأمر الواقعی‏ ‏، فتدبّر‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 155

  • )) نفس المصدر : 221 ـ 222 .
  • )) تهذیب الأحکام 2 : 152 / 597 ، وسائل الشیعة 7 : 234 ، کتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 1 ، الحدیث 4 .