المقصد الثانی فی النواهی

المورد الثانی‏: فی حکم الصلاة فی الدار المغصوبة

المورد الثانی : فی حکم الصلاة فی الدار المغصوبة

‏وأمّا الحکم الوضعی له فهو :‏

‏إن قلنا بجواز الاجتماع‏ ‏، فلا إشکال فی صحّة الصلاة فی الدار المغصوبة بعد‏‎ ‎‏تسلیم تعدّد المتعلّقین وتصادقهما علی موضوع واحد‏ ‏؛ وأنّ حیثیة المبغوضیة غیر‏‎ ‎‏حیثیة المحبوبیة‏ ‏، وهکذا حیثیة المبعّدیة غیر حیثیة المقرّبیة‏ .

‏وأمّا علی الامتناع‏ ‏، فصحّة الصلاة تتوقّف علی إثبات أمرین :‏

الأوّل :‏ اشتمال کلّ من متعلّقی الأمر والنهی علی ملاک تامّ‏ ‏؛ وإن کان عنواناً‏‎ ‎‏واحداً وحیثیة فاردة‏ .

والثانی :‏ عدم مغلوبیة ملاک الصحّة فی الصلاة بملاک الغصب‏ .

‏ودون إثباتهما خرط القتاد‏ ‏؛ لأنّ الأمر الأوّل ممتنع‏ ‏، لعدم إمکان اجتماع‏‎ ‎‏المصلحة والمفسدة فی شیء واحد‏ ‏، وبعنوان واحد‏ ‏، وحیثیة فاردة‏ ‏؛ إذ لا یعقل وجود‏‎ ‎‏ملاکی البعث والزجر فی شیء واحد بحیثیة واحدة‏ ‏، فإذا امتنع اجتماع المصلحة‏‎ ‎‏والمفسدة فی شیء واحد‏ ‏، فحدیث عدم مغلوبیة ملاک الصحّة فی الصلاة بملاک الغصب‏‎ ‎‏لا مورد له‏ .

‏هذا لو قلنا بالامتناع لأجل کونه تکلیفاً محالاً‏ .

‏وأمّا لو قلنا بالامتناع لأنّه تکلیف بالمحال‏ ‏، فیمکن تصحیح الصلاة ولو مع‏‎ ‎‏أقوائیة ملاک النهی من ملاک الأمر‏ ‏؛ لأنّ ملاک الغصب لا یزیل ملاک الأمر فی مقام‏‎ ‎‏تعلّق الأحکام بالعناوین‏ ‏، لکونها فی ظرف تعلّق الأحکام‏ ‏، مختلفةً غیر مختلطة‏ ‏، وإنّما‏‎ ‎‏امتنع الاجتماع لاُمور اُخر‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 136
وأمّا ما أفاده المحقّق النائینی ‏قدس سره‏‏ من تکاسر الملاکین وانکسار ملاک الأمر‏‎ ‎‏بملاک النهی‏‎[1]‎ ‏، فقد أشرنا إلی أنّه لیس فی المقام کسر وانکسار خارجیان‏ ‏، بل معنی‏‎ ‎‏أقوائیة النهی هو أنّ مراعاة المفسدة المترتّبة علی الغصب بترکه‏ ‏، أهمّ فی نظر الشارع‏‎ ‎‏من مراعاة مصلحة الصلاة‏ ‏؛ وأنّها ضعیفة بالنسبة إلی مفسدة الغصب‏ ‏، مع أنّها‏‎ ‎‏تمام الملاک للصلاة بدون نقص‏ ‏، فحینئذٍ یمکن تصحیح الصلاة بملاکها وإن لم یتعلّق‏‎ ‎‏أمر فعلی بها‏ .

وأمّا شیخنا العلاّمة الحائری ‏قدس سره‏‏ فقد صحّح الصلاة فی الدار الغصبیة علی القول‏‎ ‎‏بالامتناع‏ ‏، فقال ما حاصله : لا إشکال فی صحّة الصلاة فی الدار الغصبیة علی القول‏‎ ‎‏بالامتناع‏ ‏؛ لوضوح الفرق بین عبد دخل داراً نهاه مولاه عن دخولها‏ ‏، وبین عبد‏‎ ‎‏دخلها مثله‏ ‏، ولکن امتثل أمراً له بالخیاطة مثلاً‏ ‏، فإنّ عقاب الأوّل أکثر من الثانی‏ ‏؛‏‎ ‎‏حیث إنّ الثانی وإن ارتکب المنهی عنه‏ ‏، لکن امتثل أمراً له‏ ‏، دون الآخر‏ ‏. هذا فی‏‎ ‎‏التوصّلیات‏ ‏. وکذلک فی التعبّدیات‏ ‏، کما لو صلّی بدل الخیاطة‏ .

‏ثمّ قال : یمکن اجتماع المحبوبیة الفعلیة مع المبغوضیة الذاتیة فی عنوان واحد‏ ‏؛‏‎ ‎‏فإنّه لو أشرفت زوجة الرجل علی الغرق‏ ‏، فإنقاذ الأجنبی لها بالمباشرة مبغوض‏‎ ‎‏بالذات‏ ‏، لکنّه محبوب له فعلاً‏‎[2]‎ .

ولا یخفی :‏ أنّ الأمثلة العرفیة التی ذکرها صحیحة‏ ‏، ولکن وقع الخلط فی‏‎ ‎‏کلامه ‏‏قدس سره‏‏ لأنّ متعلّق الحبّ فی المثال مغایر لمتعلّق البغض‏ ‏؛ لأنّ الحبّ متعلّق بعنوان‏‎ ‎‏«الإنقاذ» والبغض متعلّق بعنوان «مباشرة الأجنبی لزوجته» وهو عنوان آخر‏ ‏، فهناک‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 137
‏عنوانان متغایران متصادقان علی موضوع واحد‏ .

‏هذا إجمال المقال فی الحکم الوضعی وقد تقدّم شطر من الکلام فیه فی الصلاة فی‏‎ ‎‏الدار المغصوبة‏‎[3]‎ ‏، وشطر منه مربوط بالفقه‏ ‏؛ وهو الصلاة فی ضیق الوقت وکیفیتها‏‎[4]‎ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 138

  • )) فوائد الاُصول 1 : 431 .
  • )) درر الفوائد، المحقّق الحائری : 164.
  • )) تقدّم فی الصفحة 52 .
  • )) قلت : ولیعلم القارئ الکریم : أنّه فاتنا ضبط بعض ما أفاده سماحة الاُستاذ فی ردّ مقال المحقّق النائینی قدس سره وما أفاده ـ دام ظلّه ـ فی الحکم الوضعی فی التوسط فی الأرض الغصبیة ، فمـا أوردنـاه هنا مقتبس ممّا أفاده سماحة الاُستاذ فـی المناهـج وما قرّر فی التهـذیب والتنقیح . [ المقرّر حفظه الله ]