المقصد الثانی فی النواهی

تزییف بعض أدلّة المجوّزین

تزییف بعض أدلّة المجوّزین

‏قد ظهر ووضح ـ بحمد الله ـ جواز اجتماع الأمر والنهی من دون إشکال‏ ‏،‏‎ ‎‏ولکن ربما استدلّ بعض المجوّزین‏‎[1]‎‏ بما لا یخلو من نظر‏ ‏، فقال : إنّ أدلّ الدلیل علی‏‎ ‎‏إمکان الشیء وصحّته هو وقوعه‏ ‏، وقد وقع فی الشریعة المقدّسة ما یکون نظیراً‏‎ ‎‏لمسألة الاجتماع‏ ‏؛ وذلک مثل استحباب الصلاة فی المسجد‏ ‏، وکراهة الصلاة فی الحمّام‏ ‏،‏‎ ‎‏وکراهة الصوم یوم العاشور‏ . . ‏. إلی غیر ذلک من الأمثلة‏ ‏، فقد اجتمع الوجوب‏‎ ‎‏والاستحباب فی المثال الأوّل‏ ‏، کما اجتمع الوجوب والکراهة فی المثال الثانی‏ ‏، وقد‏‎ ‎‏اجتمع الاستحباب والکراهة فی المثال الثالث‏ .

‏وبالجملة : حیث إنّ الأحکام الخمسة بأسرها عندهم متضادّة من دون‏‎ ‎‏اختصاص لها بالوجوب والحرمة‏ ‏، ففی الواجبات المستحبّة کالصلاة المفروضة فی‏‎ ‎‏المسجد‏ ‏، أو الواجبات المکروهة کالصلاة فی الحمّام‏ ‏، أو المستحبّات المکروهة ـ کصوم‏‎ ‎‏یوم العاشور ـ اجتمع حکمان فی موضوع واحد کمسألتنا هذه‏ .

‏بیان الملازمة : أنّه لو کان التضادّ بین الأحکام الخمسة مانعاً عن القول‏‎ ‎‏بجواز الاجتماع‏ ‏، فلیکن مانعاً فی تلک الأمثلة ونظرائها ممّا هو کثیر فی الشریعة‏ ‏،‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 99
‏فبملاحظة هذه الموارد وأشباهها فیها یستکشف بطلان المقدّم‏ ‏؛ وهو امتناع اجتماع‏‎ ‎‏الوجوب والحرمة‏ .

ولکن فیه أوّلاً :‏ أنّ الاستدلال بالظاهر فی المسألة العقلیة غیر وجیه‏ ‏؛ لأنّ‏‎ ‎‏القائل بالامتناع یری امتناع الاجتماع‏ ‏، فإن ورد هناک ظاهر أوّله أو طرحه‏ .

‏وبالجملة : الاستدلال بظواهر الأدلّة بعد قیام البرهان العقلی علی الامتناع‏‎ ‎‏ـ لو تمّ ـ خارج عن آداب المناظرة‏ ‏، کما لا یخفی‏ .

وثانیاً :‏ أنّ الاستدلال بالوقوع إنّما هو بعد مسلّمیة الوقوع‏ ‏، ولم تکن العبادات‏‎ ‎‏المستحبّة أو المکروهة عند القائل بالامتناع کذلک‏ ‏؛ لأنّه یأوّلها أو یطرحها‏ .

وثالثاً :‏ أنّ مجرّد اجتماع الحکمین ـ کالوجوب والکراهة فی مورد مثلاً ـ‏‎ ‎‏لا یکون من مسألة الاجتماع حتّی یکون دلیلاً علی الجواز؛ لأنّه یتصوّر علی أقسام:‏

‏فتارة : یتعلّق النهی بعنوان تکون النسبة بینه وبین عنوان تعلّق به الأمر‏ ‏،‏‎ ‎‏عموماً من وجه‏ ‏، کالصلاة فی مواضع التهمة بناءً علی أن تکون کراهتها من جهة‏‎ ‎‏کراهة الکون فیها المتحد مع الصلاة‏ ‏؛ فإنّ النهی لم یتعلّق بعنوان تعلّق به الأمر بذاته‏ ‏،‏‎ ‎‏بل تعلّق بعنوان یجامع عنوان العبادة وجوداً‏ .

‏واُخری : تعلّق النهی بعنوان تکون النسبة بینه وبین ما تعلّق به الأمر‏ ‏، عموماً‏‎ ‎‏مطلقاً‏ ‏، کالأمر بالصلاة‏ ‏، والنهی عن الصلاة فی الحمّام‏ .

‏وثالثة : تعلّق النهی بعین ما تعلّق به الأمر‏ ‏، کصوم یوم العاشور‏ ‏، والنوافل‏‎ ‎‏المبتدئة عند طلوع الشمس وغروبها‏ ‏، ومن المعلوم أنّ القسم الثالث خارج عن‏‎ ‎‏مسألة الاجتماع‏ ‏، بل عرفت فی الأمر التاسع أنّ دخول بعض أقسام القسم الثانی فی‏‎ ‎‏محطّ البحث‏ ‏، لا یخلو من إشکال‏ .

‏فبقی القسم الأوّل من الواجب والمکروه فی محطّ البحث‏ ‏؛ وهو ما إذا تعلّق‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 100
‏النهی بعنوان تکون النسبة بینه وبین ما تعلّق به الأمر‏ ‏، عموماً من وجه‏ ‏، والکلام فیه‏‎ ‎‏هو الکلام فیما لو تعلّق الأمر الوجوبی بعنوان‏ ‏، والنهی التحریمی بعنوان‏ ‏، وکانت النسبة‏‎ ‎‏بینهما عموماً من وجه‏ ‏، فکما قلنا بالجواز هناک نقول بالجواز هنا طابق النعل بالنعل‏ ‏.‏‎ ‎‏وکذا الحال فی أقسام القسم الثانی‏ ‏، ففی القسم الثالث وبعض أقسام القسم الثانی‏ ‏،‏‎ ‎‏لا بدّ لکلّ من القائلین بالجواز والامتناع من التفصّی عن الإشکال فیما لو تعلّق النهی‏‎ ‎‏التنزیهی بعین ما تعلّق به الأمر‏ ‏، وکذا بعض أقسام کون النسبة بین الدلیلین عموماً‏‎ ‎‏مطلقاً‏ ‏. والبحث فی ذلک وإن کان خارجاً عن مسألة الاجتماع‏ ‏، إلاّ أنّه لا یخلو من‏‎ ‎‏ارتباط بها‏ ‏، وهذا ما ستقرأه تحت عنوان :‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 101

  • )) قوانین الاُصول 1 : 142 / السطر 13 .