تأیید المختار بالأمثلة العرفیة
ما ذکرناه هو مقتضی البرهان فی المسألة ، وحاصله : أنّه یمکن أن یتّصف شیء واحد بمثل هذه الانتزاعیات والاعتباریات ، وأنّه کما یمکن أن یکون شیء واحد محبوباً من جهة ومبغوضاً من جهة اُخری ، فکذلک یمکن أن یکون مقرّباً من جهة ، ومبعّداً من جهة اُخری ؛ من دون لزوم تضادّ وامتناع . فإن کان مع ذلک فی خواطرک ریب ، فنوضّح الأمر بمثالین لعلّه یذعن ویعترف بهما کلّ من کان له قلب أو ألقی السمع وهو شهید :
الأوّل : افرض أنّ للمولی عبدین نهاهما عن دخول بستانه ، وکان له فیه ابن عزیز علیه ، فخالفا مولاهما ودخلا البستان ، ولکنّ أحدهما مع ذلک ضرب ابنه ، والآخر أکرمه ونعّمه ، فمن الواضح بالوجدان أنّهما مختلفان ؛ فإنّهما وإن أغضبا
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 93
مولاهما بدخول البستان ، فیکون تصرّفهما فیه مبغوضاً للمولی ومبعّداً عن ساحته ، ولکن بإکرام أحدهما ولده یکون محبوباً له ومقرّباً إلی ساحته ، کما أنّ الآخر بضربه ولده یکون بعیداً عن ساحته کلّ البعد .
الثانی : إذا مسح الرجل علی رأس یتیم فی دار غصبیة وأحسن إلیه ، فحرکة الید من حیث إنّها تصرّف فی مال الغیر ، مبغوضة وذات فساد ومبعّدة ، ولکنّها من حیث إنّها رحمة بالیتیم ، محبوبة وذات صلاح ومقرّبة .
وهناک أمثلة اُخری کثیرة لا داعی لبیانها .
وعلیـه فالصلاة فـی الدار الغصبیـة مـن جهـة أنّها مصداق لقوله تعالی : « أقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ . . . » محبوبة ومقرّبة ، ومن جهة أنّها مصداق للتصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه ، مبغوضة ومبعّدة .
فتحصّل : أنّ البرهان مضافاً إلی الوجدان ، قائمان علی جواز اجتماع الأمر والنهی وصحّة الصلاة فی الدار الغصبیة ، فلیس مجرّد اجتماع الوجوب والحرمة المتعلّقین بعنوانین متصادقین علی موضوع واحد ، موجباً لبطلان الصلاة فی الدار الغصبیة مثلاً .
نعم ، قد یستفاد من الأدلّة شرطیة إباحة المکان وأنّه لا تصحّ الصلاة فی الدار الغصبیة ، ولکنّه کلام خارج عن محطّ البحث ، فاغتنم وتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 94