المقصد الثانی فی النواهی

إشکال اجتماع المصلحة والمفسدة

إشکال اجتماع المصلحة والمفسدة

‏وأمّا قضیّة المصلحة والمفسدة‏ ‏، فغایة ما یقتضیه مذهب العدلیة‏‎[1]‎‏ هی تبعیة‏‎ ‎‏الأحکام ومبادئها ـ أی الإرادة والکراهة ـ للمصالح والمفاسد‏ ‏، وإلاّ یکن جعل‏‎ ‎‏الأحکام جزافیاً‏ ‏، ومن المعلوم أنّ الصلاح والفساد من الاُمور الاعتباریة الراجعة إلی‏‎ ‎‏حفظ المجتمع البشری‏ ‏؛ من دون أن یوجب الصلاح أو الفساد فی شیء‏ ‏، صفةً حقیقیةً‏‎ ‎‏فیه‏ ‏، کما یوجبه البیاض فی الجسم مثلاً‏ ‏، فشرب الخمر من الاُمور الحقیقیة‏ ‏، ولم تترتّب‏‎ ‎‏علیه صفة حقیقیة قائمة به بعنوان المفسدة‏ ‏، بل لأجل أنّ للخمر شأناً لو شربت‏‎ ‎‏لخمّرت العقل‏ ‏، وأوجبت هتکاً للأعراض والنفوس‏ ‏، ومفاسد اُخر‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 90
وکذا‏ ترتّب الصلاح علی الوفاء بالعقد‏ ‏، لیس معناه أنّ الوفاء بالعقد الذی هو‏‎ ‎‏أمر عقلائی‏ ‏، قامت به صفة حقیقیة‏ ‏، بل معناه أنّ النظام الاجتماعی یتوقّف علی اُمور‏ ‏،‏‎ ‎‏منها الوفاء بالعقد‏ .

وکذا‏ معراجیة الصلاة للمؤمن ـ علی تقدیر ثبوت روایتها ـ لم تکن صفة‏‎ ‎‏حقیقیة قائمة بما یکون أوّله التکبیر‏ ‏، وآخره التسلیم‏ .

وکذا‏ التصرّف فی مال الغیر بغیر إذنه‏ ‏، ظلم قبیح له مفسدة‏ ‏؛ لأنّ ذلک‏‎ ‎‏موجب للهرج والمرج والفساد من غیر أن تکون هذه العناوین أوصافاً خارجیة‏‎ ‎‏قائمة بالموضوع‏ .

‏والحاصل : أنّ المصالح والمفاسد فی الأشیاء‏ ‏، من الوجوه والاعتبارات‏‎ ‎‏العقلائیة‏ ‏، لا من الأعراض والصفات الخارجیة القائمة فی الأشیاء‏ ‏، فبعد ما عرفت من‏‎ ‎‏إمکان أن یکون شیء واحد مبغوضاً من جهة ومحبوباً من جهة اُخری‏ ‏، لا یبقی مجال‏‎ ‎‏للاستشکال فی أنّه کیف یکون شیء واحد ذا صلاح وفساد؟! لأنّ معنی کون شیء‏‎ ‎‏محبوباً فی الحقیقة هو کونه ذا صلاح‏ ‏، وکونه مبغوضاً کونه ذا فساد‏ ‏، وعلیه فالحرکة‏‎ ‎‏الخارجیة بما أنّها خضوع لله تعالی والرکوع له بما أنّه قیام بأمر العبودیة وشکر لبعض‏‎ ‎‏آلائه وقیام بأداء بعض حقّ العبودیة‏ ‏، ذات صلاح ومحبوبة‏ ‏، وهی بما أنّها غصب أو‏‎ ‎‏تصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه‏ ‏، ذات مفسدة ومبغوضة‏ .

‏وبالجملة : یصدق علی الحرکة الخارجیة عنوانان صدقاً حقیقیاً‏ ‏؛ ضرورة أنّها‏‎ ‎‏بما أنّها رکوع لله تعالی‏ ‏، حسنة وذات صلاح موجبة لأداء بعض حقوق العبودیة‏ ‏،‏‎ ‎‏ولکنّها بما أنّها تصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه‏ ‏، قبیحة لا حسن فیها أصلاً‏ .

‏فمن مَسّ رأس الیتیم فی الدار المغصوبة‏ ‏، من جهة أنّه رحمة به حسن‏‎ ‎‏ذو مصلحة‏ ‏، ومن جهة أنّه تصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه‏ ‏، قبیح ذو مفسدة‏ ‏؛ من‏‎ ‎‏غیر أن یکون ذلک من اجتماع الضدّین بالضرورة‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 91

  • )) کشف المراد : 306 ، 319 ـ 324 ، شرح المواقف 8 : 202 ـ 207 ، شرح المقاصد 4 : 301 ـ 306 .