إشکال اجتماع الإرادة والکراهة والحبّ والبغض
وأمّا الإشکال من حیث اجتماع الإرادة والکراهة والحبّ والبغض ؛ فلأنّ الإرادة والحبّ ومقابلیهما ، من الصفات النفسانیة ذات الإضافة القائمة بنفس المرید
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 85
والکاره والمحبّ والمبغض ، فلابدّ لها من متعلّق یشخّصها ویعیّنها ؛ بداهة أنّ الإرادة بدون المراد أو الحبّ بدون المحبوب ، نظیر العلم ، فکما أنّ تشخّص العلم بالمعلوم ، فکذلک تشخّص الإرادة أو الحبّ بالمراد والمحبوب ، ومن المعلوم أنّ مشخّصاتها لیست الوجودات الخارجیة ، بل صورها وعناوینها الموجودة فی الذهن ، وإلاّ فلو کان الخارج مشخّصاً لما فی الذهن ، یلزم الانقلاب وصیرورة الذهن خارجاً ، أو بالعکس .
أضف إلی ذلک : أنّه یلزم من ذلک أن لا یتعلّق شیء منها بما لم یکن موجوداً فی الخارج ؛ لامتناع أن یکون المعدوم مقوّماً ومشخّصاً للموجود ، مع أنّا نری وجداناً صحّة تعلّق تلک الاُمور أحیاناً بما لم تکن موجودة فی الخارج .
وممّا ذکرنا یظهر : أنّه لا مناص من القول بأنّ متعلّق الحبّ والبغض أو الإرادة والکراهة ، متغایران حقیقة ؛ لأنّ وعاء الذهن وعاء التحلیل والتجزءة ، فصورة ما تعلّق به الحبّ والإرادة ، غیر صورة ما تعلّق به البغض والکراهة ، نعم لمّا کانت العناوین وجوهاً لمصادیقها ، فلا محالة یصیر الخارج محبوباً ومراداً أو مبغوضاً ومکروهاً بالعرض وبالواسطة .
وإن شئت مزید توضیح فلاحظ أنّه إذا تخیّلت وجود الأسد قریباً منک ، تخاف عند ذلک ، فهل أنّ خوفک من الأسد الخارجی ، أو أنّه من الصورة الحاصلة منه فی ذهنک؟ فإن قلت بالأوّل ، فلابدّ وأن یحصل لک الخوف عند ذلک وإن لم تکن ملتفتاً لوجود الأسد عندک ، مع أنّه لیس کذلک ضرورة ، ویلزمک أن لا تخافه إذا توهّمت کون هذه البقرة أسداً ، مع أنّه لیس کذلک ، فلابدّ وأن تقول بالثانی ؛ وأنّ الأسـد بوجـوده الخارجی غیـر مخـوّف إیّاک ، بل المخوّف هـو الصورة الأسدیة الحاصلة لک ؛ کان هناک أسد أم لا ، وهی متعلّق علمک بالذات ، لا الخارجی منها .
نعم ، حیث تکون العناوین وجوهاً لمصادیقها ، فلا محالة یکون الخارج معلوماً
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 86
بالعرض ، ولذا فإذا تخیّلت وجود الأسد قریباً منک ، تحصل لک دهشة واضطراب وإن لم یکن فی الخارج ، وإن لم تتحصّل لک صورته ، تکن مطمئنّاً غیر مضطرب وإن کان الأسد فی حجرتک ، فلا تخاف فی الحقیقة إلاّ من نفسک!!
والحاصل : أنّ الإرادة والحبّ والعلم ـ ونحوها من الصفات النفسانیة ذات الإضافة ـ لها نحو إضافة إلی المراد والمحبوب والمعلوم ، وتتشخّص بها ، ومعلوم ـ بدیهة ـ أنّ ما یکون فی الخارج حیث إنّه فی غیر وعاء النفس ، فلا یکاد یمکن أن یشخّص ما یکون فی وعاء النفس ، فلابدّ من وجود المشخّص فی اُفق النفس ؛ وهو عنوان کلّی فی الصور الکلّیة ، وعنوان جزئی فی الصور الجزئیة ، ولکن حیث إنّ العناوین الموجودة فی الذهن وجوه لمصادیقها ومرایا لما فی الخارج ، فیصیر الخارج مراداً ومکروهاً ومحبوباً ومبغوضاً ومعلوماً بالعرض ، والغافل یتوهّم أنّ الخارج متعلّق تلک الاُمور حقیقة .
فظهر أنّ الإرادة والکراهة والحبّ والبغض ، صفات حقیقیة ذات إضافة ، فلا بدّ لها من مشخّص فی الذهن ، وعنوان «الصلاة» حیث إنّه فانٍ فی المعنون ویکون مرآة له ، فلا یحکی إلاّ عن حیثیة الصلاتیة ، وأمّا الخصوصیات الاُخر فخارجة عن حریم کاشفیتها .
فإذا ظهر ما ذکرنا ، ووضح لک أنّ متعلّق الإرادة ومشخّصها ، غیر متعلّق الکراهة ومشخّصها ، وکذا فی جانب الحبّ والبغض ، تعلم أنّ متعلّق الإرادة أو الحبّ من العنوان ، یغایر متعلّق الکراهة والبغض ، فیکون الموجود الخارجی مراداً ومحبوباً من جهة ، ومکروهاً ومبغوضاً من جهة اُخری ، ولا غَرْوَ فی ذلک ؛ لأنّ کون شیء مراداً ومکروهاً ومحبوباً ومبغوضاً ، لا یوجب اتصاف الخارج بمبدأین متضادّین ، نظیر اتصاف الجسم بالسواد والبیاض حتّی یمتنع ، بل هو وجود تلک الصفات فی
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 87
النفس مضافة إلی الخارج ثانیاً وبالعرض بعد تعلّقها بصورها أوّلاً ، وواضح أنّه لا یحصل بذلک فی الخارج تغییر ، ولا وجود عرض حالّ فی المراد والمحبوب وهکذا .
وبالجملة : لیس بحذاء هذه الأوصاف شیء فی الخارج حتّی یلزم وجود مبدأین متضادّین فی الواحد ، بل صفات قائمة بنفس المرید والمحبّ مثلاً مضافة إلی ما فی الخارج ، فتدبّر .
ألا تری أنّ مرکّبات هذا العالم لابدّ وأن تنتهی إلی البسائط ؛ لبطلان التسلسل ، وأبسط البسائط ذات الواجب تعالی ، فإنّه بسیط غایة البساطة لا تشوبه شائبة الکثرة أصلاً ، ومع ذلک تصدق علی ذاته المقدّسة عناوین کثیرة ؛ ککونه تعالی عالماً ، قادراً ، سمیعاً ، بصیراً . . . إلی غیر ذلک من أسمائه الحسنی . بل هو تعالی محبوب کلّ مؤمن ، مع أنّه لا یمکن حدوث صفة وحالة فیه تعالی بعددهم .
وکـذا غیـره تعـالی مـن سـائر البسـائط ، فإنّ کلّ بسیـط یکـون مقـدوراً ومعلوماً ومرضیاً له تعالی ، وهکذا ، وهو بحیثیة کونه مقدوراً له تعالی معلوم ، وبالعکس ، وإلاّ یلزم أن تکون ذاته تعالی عالمة بحیثیة دون حیثیة ، ومع ذلک لا یلزم تکثّر البسیط!!
بل ربما یصدق عنوانان متقابلان علی شیء واحد بسیط ، کالحرکة الواحدة ، فإنّها ربما تکون معلومة من جهة کونها صلاة وحرکة رکوعیة ، ومجهولة من جهة کونها غصباً إذا شکّ فی کون المکان غصباً .
والسـرّ فـی ذلک : هـو أنّ تلک العناوین عناوین انتزاعیـة تنتزع مـن نحـو ارتباط بها ، لا اُمور حقیقیة قائمة به نظیر السواد والبیاض بالنسبة إلی الجسم ؛ لأنّ المحبوبیـة أو المبغوضیـة مثلاً ، تنتـزعان مـن تعلّق الحبّ أو البغض بالصـورة الحاکیة عن الخارج .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 88