المقصد الثانی فی النواهی

دفع الإشکالات الواردة علی القول بجواز الاجتماع

دفع الإشکالات الواردة علی القول بجواز الاجتماع

‏بقی فی المقام إشکالات من حیث إنّ مقتضی القول بجواز الاجتماع‏ ‏، لزوم‏‎ ‎‏کون شیء واحد مراداً ومکروهاً‏ ‏، أو محبوباً ومبغوضاً‏ ‏، وذا مصلحة ملزمة ومفسدة‏‎ ‎‏کذلک‏ ‏، أو مقرّباً ومبعّداً‏ ‏. وحیث إنّ تقریب الإشکال فیها علی نسق واحد‏ ‏، فلا نحتاج‏‎ ‎‏لتقریب الإشکال علی کلّ واحد منها علی حدة‏ ‏، فنقرّر الإشکال علی وجه واحد‏ ‏،‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 83
‏ونشیر إلی کلّ من الجهات‏ ‏، فالإشکال فی الحقیقة إشکال واحد ذو شعب متعدّدة‏ .

فنقول :‏ لا إشکال لدی عقل کلّ ذی مسکة‏ ‏، فی أنّ الذی تتعلّق به الإرادة‏‎ ‎‏والکراهة والحبّ والبغض‏ ‏، ما هو الموجود خارجاً‏ ‏؛ بداهة أنّ التفّاح الخارجی أو‏‎ ‎‏الماء الخارجی‏ ‏، یکون مراداً محبوباً‏ ‏، ویبذل المال لتحصیله‏ ‏، لا عنوان «التفّاح»‏ ‏، أو‏‎ ‎‏«الماء» لأنّ الذی یفرح القلب هو التفّاح الخارجی‏ ‏، وکذا الماء الخارجی یروی‏‎ ‎‏العطشان‏ ‏، لا عنوانهما‏ ‏، وکذا الخمر الخارجیة تکون مکروهة ومبغوضة‏ ‏؛ لأنّها تخمّر‏‎ ‎‏العقل وتزیله‏ ‏، لا عنوانها‏ ‏، فالمراد والمحبوب فی المثال هو الصلاة الخارجیة لا عنوانها‏ ‏،‏‎ ‎‏والمکروه والمبغوض هو الاستیلاء أو التصرّف الخارجیان فی مال الغیر بغیر رضاه‏ ‏،‏‎ ‎‏لا عنوانهما‏ ‏، وهکذا‏ ‏، فلازم القول بالجواز تعلّق الإرادة والکراهة والحبّ والبغض‏‎ ‎‏بشیءٍ واحد‏ .

‏وکذا فإنّ الموجودات الخارجیة ذوات صلاح وفساد‏ ‏، لا عناوینها‏ ‏، وکذا فإنّ‏‎ ‎‏المقرّب والمبعّد هو الموجود الخارجی‏ ‏، فإنّ الصلاة التی هی قربان کلّ تقی‏‎[1]‎‏ أو معراج‏‎ ‎‏المؤمن‏‎[2]‎‏ أو الناهیة عن الفحشاء‏‎[3]‎ ‏، إنّما هی الموجودة خارجاً‏ ‏، وهی التی بإتیانها‏‎ ‎‏یتقرّب العبد لمولاه‏ ‏، لا عنوانها والتصرّف الخارجی فی مال الغیر بغیر رضاه‏ ‏،‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 84
‏ذو مفسدة ومبعّد عن ساحة المولی تعالی‏ ‏، لا عنوانه‏ . . ‏. إلی غیر ذلک من الأمثلة‏‎ ‎‏ممّا هو ظاهر بأدنی تأمّل‏ .

‏فإذن الحرکة الخارجیة ـ من القیام‏ ‏، والرکوع‏ ‏، والسجود مثلاً ـ إذا کانت‏‎ ‎‏تصـرّفاً فـی مال الغیـر بغیـر رضـاه‏ ‏، تکون مکروهـة ومبغوضـةً‏ ‏، وذات مفسـدة‏ ‏،‏‎ ‎‏ومبعّدة عن ساحة المولی تعالی‏ ‏، فکیف تکون الحرکة الکذائیة مرادةً ومحبوبةً‏ ‏، وذات‏‎ ‎‏مصلحة‏ ‏، ومقرّبة إلی ساحته تعالی؟! ولذا تری أنّ بعض القائلین بجواز اجتماع الأمر‏‎ ‎‏والنهی‏ ‏، قائل ببطلان الصلاة فی الدار المغصوبة‏ ‏؛ من جهة أنّ المبعّد لا یکون مقرّباً‏‎[4]‎ .

‏ولعلّه یمکن للمستشکل أن یوسّع نطاق الإشکال ویجریه فی مبادئ الإرادة‏‎ ‎‏والکراهة من التصوّر‏ ‏، والتصدیق‏ ‏، والشوق‏ ‏. هذا حاصل الإشکال بشعبه‏ .

وأمّا الجواب عن الإشکال‏ فنقول من رأس : أمّا التصوّر والتصدیق‏ ‏، فمن‏‎ ‎‏الواضح أنّ المقنّن والآمر والناهی عند أمره أو نهیه‏ ‏، یتصوّر شیئاً‏ ‏، ومن المعلوم أنّ‏‎ ‎‏المتصوّر من کلّ منهما غیر الآخر‏ ‏، فیکون مورد التصدیق بالمصلحة غیر مورد‏‎ ‎‏التصدیق بالمفسدة‏ ‏، وهکذا الأمر بالنسبة إلی الاشتیاق‏ ‏، وقد سبق أنّه عند تصوّر‏‎ ‎‏العنوان لا ینقدح خصوصیات المصادیق‏ ‏، بل یری أنّ نفس العنوان بذاته فی الخارج‏ ‏،‏‎ ‎‏محصّل لغرضه‏ ‏، فیتصوّره‏ ‏، ویصدّق بفائدته‏ ‏، ویشتاق إلیه أحیاناً‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 85

  • )) راجـع وسائل الشیعـة 4 : 43 ، کتاب الصلاة ، أبواب أعـداد الفرائض ، الباب 12 ، الحدیث 1 و 2 .
  • )) قلت : لعلّنا أشرنا فیما تقدّم إلی أنّ سماحة الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ نبّه فی مجلس الدرس علی أنّه لم یرَ فی الجوامع الحدیثیة حدیث «الصلاة معراج المؤمن» نعم وجدناه فی اعتقادات المجلسی(أ) . [ المقرّر حفظه الله ]     أ ـ الاعتقادات ، المجلسی : 39 .
  • )) العنکبوت(29) : 45 .
  • )) لمحات الاُصول : 224 .