المقصد الثانی فی النواهی

الأمر الثالث‏: فی عدم حکایة الماهیة اللا بشرط عمّا یتحد معها خارجاً

الأمر الثالث : فی عدم حکایة الماهیة اللا بشرط عمّا یتحد معها خارجاً

‏إنّ الماهیة اللا بشرط سواء أکانت مدخولة للفظة «کلّ» ونحوها أو لا‏ ‏، وسواء‏‎ ‎‏کانت ماهیة أصیلة کالإنسان‏ ‏، أو اعتباریة‏ ‏، کالغصب والصلاة ـ لا یحکی اللفظ‏‎ ‎‏الموضوع لها عمّا یتحد معها خارجاً‏ ‏؛ وإن کانت محفوفة فی الخارج بالخصوصیات‏ ‏،‏‎ ‎‏وتتحد معها فی الخارج‏ .

‏وبالجملة : قولهم : «إنّ الماهیة اللا بشرط تتحد مع ألف شرط فی الوجود‏‎ ‎‏الخارجی ممّا هو خارج عن ذاتها» لیس معناه حکایة الماهیة اللابشرط عن‏‎ ‎‏الخصوصیات الخارجیة والأفراد‏ ‏، بل معناه أنّها فی الخارج تکون عین هذا الفرد‏‎ ‎‏وذاک الفرد‏ . . ‏. وهکذا‏ ‏، وکم فرق بینهما کما لا یخفی!!‏

‏مثلاً : لفظ «العالم» و«الفاسق» ـ وکذا «الغصب» و«الصلاة» ـ عنوانان‏‎ ‎‏لا بشرطان یتحد کلّ منهما مع الآخر أحیاناً‏ ‏؛ فإنّ ماهیة الصلاة ربما تتحد مع ماهیة‏‎ ‎‏الغصب ـ علی مبنی القوم ـ فی بعض الجهات‏ ‏، کالحرکة الغصبیة‏ ‏، وکذا الفاسق‏‎ ‎‏قد یتحد مع العالم خارجاً‏ ‏، ولکنّ اللفظ الموضوع لأحدهما لا یحکی عن الآخر‏ ‏؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ حکایة اللفظ ـ بعد ما لم تکن طبعیة ـ تابعة للوضع والجعل‏ ‏، فکلّ ما‏‎ ‎‏یکون موضوعاً له یکون اللفظ حاکیاً وکاشفاً عنه‏ ‏، وهو منتفٍ فی المقام‏ .

‏فلا یحکی اللفظ الموضوع لعنوان عن عنوان آخر متحد معه أحیاناً‏ ‏، ولا عن‏‎ ‎‏الخصوصیات المکتنفة به‏ ‏؛ ألا تری أنّ أقوی مراتب الاتحاد الخارجی‏ ‏، إنّما هی بین‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 75
‏الماهیة والوجود‏ ‏، ولکن مع ذلک لا یحکی ولا یدلّ اللفظ الموضوع لأحدهما عن‏‎ ‎‏الآخر دلالة لفظیة‏ ‏، وکذا سائر الأعراض متحدة مع موضوعاتها خارجاً‏ ‏، وموجودة‏‎ ‎‏فیها‏ ‏، ومع ذلک لا یحکی اللفظ الموضوع للعرض ـ نحو «السواد» مثلاً ـ عن‏‎ ‎‏موضوعه‏ ‏؛ وهو الإنسان‏ ‏، فإذا وضع لفظ «العالم» للذات المبهمة المتصفة بالعلم‏‎ ‎‏فلا یحکی عن الخصوصیات المکتنفة والمتحدة معه خارجاً‏ .

نعم ‏، ربما یوجب تصوّر أحد المتلازمین انتقال الذهن إلی الآخر‏ ‏، ولکن ذلک‏‎ ‎‏من باب تداعی المعانی‏ ‏، لا دلالة اللفظ‏ ‏، ولذا ربما یکون الانتقال من أحد الضدّین إلی‏‎ ‎‏الآخر أیضاً‏ ‏؛ لأنّ تداعی المعانی ـ کما قرّر فی محلّه ـ یدور مدار الموافاة الوجودیة‏ ‏، أو‏‎ ‎‏وقوع المطاردة بینها فی محلّ واحد‏ ‏، وغایة ما یمکن أن یقال فیما نحن فیه تحقّق الموافاة‏‎ ‎‏الوجودیة بین عنوان «العالم» والخصوصیات المکتنفة به‏ ‏. وعلیه فالصلاة مثلاً وإن‏‎ ‎‏اتحدت أحیاناً مع التصرّف فی مال الغیر بلا إذنه‏ ‏، ولکن لا یمکن أن تکون مرآة له‏‎ ‎‏وکاشفة عنه‏ ‏، فالاتحاد فی الوجود غیر الکشف عمّا یتحد به‏ ‏، وهو واضح‏‎[1]‎ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 76

  • )) قلت : ولا یخفی أنّ هذا الأمر لا یهمّ فی إثبات الجواز ؛ لأنّه ولو قلنا : إنّ اللفظ الموضوع للطبیعة یحکی عن الخصوصیات المکتنفة بها ، فمع هذا یمکننا اختیار القول بالجواز ، کما سیجیء . [ المقرّر حفظه الله ]