الأمر الثانی : فی معنی الإطلاق المقابل للتقیید
معنی الإطلاق المقابل للتقیید هو کون الماهیة من حیث هی ، تمامَ الموضوع للحکم ؛ بحیث لا یکون شیء آخر دخیلاً فیه وإن کان متحداً معها فی الخارج ، فضلاً عمّا یکون ملازماً لها ، أو مقارناً إیّاها ، مثلاً معنی الإطلاق فی قوله تعالی :« أَحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ » هو أنّه بعد جریان مقدّمات الحکمة ، تکون نفس طبیعة البیع بلا دخالة قید وشرط فیها ، تمام الموضوع للحکم علیها بالحلّیة ، وحیث إنّ الطبیعة توجد بتمامها بوجود الفرد ، فتنطبق الطبیعة علی هذا ، وذاک . . . وهکذا .
ولا یستفاد من جریان مقدّمات الحکمة تعلّق الحکم بأفراد البیع ، کما کان یستفاد ذلک من العموم إذا قیل مثلاً : «أحلّ الله کلّ بیع» فما یظهر من بعضهم من أنّ الإطلاق عبارة عن لحاظ المطلق ساریاً فی أفراده ، وجاریاً فی مصادیقه ، أو مرآة
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 73
لحالاته ؛ بحیث لا یکون فرق بین العموم والإطلاق إلاّ فی أنّ دلالة العموم علی الأفراد وضعیة ، بخلاف الإطلاق ، فإنّها بمقدّمات الحکمة ، غیر سدید ؛ لاستحالة کون الماهیة آلة للحاظ الخصوصیات وإن کانت متحدة معها ، بل لابدّ من دالٍّ آخر یدلّ علی الکثرة الإجمالیة من لفظة «کلّ» أو لام الاستغراق ونحوهما ، ومعه یصیر عموماً لا مطلقاً ، ولذا عقد الاُصولیون لکلّ من الإطلاق والعموم باباً مستقلاًّ ، وذکروا لکلّ منهما أحکاماً علی حدة ، کما سیوافیک مفصّلاً فی محلّه .
وبما ذکرنا یظهر ضعف ما ربما یظهر من بعضهم من أنّ معنی الإطلاق ، کون الشیء بتمام حالاته ولواحقه موضوعاً للحکم ، وأنّ معنی «إن ظاهرت فأعتق رقبة» : أنّه یجب علیک عتقها ؛ سواء کانت عادلة أو فاسقة ، عالمة أو جاهلة . . . وهکذا ؛ لما عرفت من عدم کون الماهیة آلة للحاظ تلک الخصوصیات ، فلابدّ للحاظها من دالّ آخر ، والمفروض عدمه .
وبالجملة : معنی الإطلاق عدم لحاظ الحالات والخصوصیات ، لا لحاظ عدمها حتّی یکون معنی «صلّ» مثلاً إنشاء وجوب طبیعة الصلاة سواء وقعت فی مکان غصبی ، أم لا ، بل معناه تعلّق الحکم بطبیعة الصلاة بلا دخالة أمر آخر فیها ، کما أنّ إطلاق قوله علیه السلام : «لایجوز التصرّف فی مال الغیر بلا إذنه» عبارة عن کون هذا العنوان تمام الموضوع للحرمة .
فعلی هذا لا یکون «صلّ» ناظراً إلی الصلاة فی الدار المغصوبة ، کما أنّ النهی عن التصرّف فی مال الغیر بلا إذنه ، لا یکون ناظراً إلی التصرّف الصلاتی ، ولذا قلنا : إنّ دلالة المطلق علی الإطلاق ، دلالة عقلیة بلحاظ دلالة فعل المتکلّم بما أنّه فاعل مختار ، لا دلالة لفظیة ، کما هو الشأن فی العموم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 74
فتحصّل : أنّ الحالات والخصـوصیات المتصـوّرة فـی المطلق کلّهـا خارجـة عن حریم المطلق ، کما أنّها داخلة فی حریم العموم ، وسیوافیک تفصیله فی محلّه إن شاء الله ، فارتقب حتّی حین .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 75