المقصد الثانی فی النواهی

الأمر الأوّل‏: فی صور متعلّق الأمر والنهی

الأمر الأوّل : فی صور متعلّق الأمر والنهی

‏تتصوّر فی متعلّق الأمر أو النهی وجوه :‏

لأنّه تارة :‏ یکون المتعلّق فیهما نفس الطبیعة علی نحو الإطلاق‏ ‏؛ وإن کان‏‎ ‎‏مقتضی تعلّق البعث والزجر بالطبیعة‏ ‏، مختلفاً بحسب الفهم العرفی‏ ‏، حیث إنّه یفهم أنّ‏‎ ‎‏امتثال الأمر بالطبیعة بصرف وجود الطبیعة‏ ‏، وامتثال النهی عنها بترک جمیع الأفراد‏ ‏،‏‎ ‎‏کما سبق‏ .

واُخری :‏ یکون المتعلّق فیهما جمیع أفراد الطبیعة علی نحو العموم علی النحو‏‎ ‎‏المعقول‏ ‏؛ أی عنوان إجمالی الفرد‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 71
وثالثة : ‏یکون المتعلّق فی جانب الأمر بنحو الإطلاق، وفی جانب النهی‏‎ ‎‏بنحو العموم.‏

ورابعة :‏ بعکس الثالثة‏ .

‏وعلی جمیع التقادیر لابدّ للآمر أو الناهی ـ إذا کان ملتفتاً خبیراً ـ من لحاظ‏‎ ‎‏موضوع أمره أو نهیه بما لهما من الخصوصیات أوّلاً‏ ‏، ثمّ إصدار البعث أو الزجر نحوه‏ ‏،‏‎ ‎‏فربما تکون نفس الطبیعة من دون قید وشرط‏ ‏، محصّلة لغرضه‏ ‏، واُخری یکون‏‎ ‎‏لاعتبار شرط أو قید دخالة فی حصوله‏ ‏، ومن المعلوم أنّه لا یکاد تتعلّق إرادته‏‎ ‎‏الجدّیة بغیر ما یکون محصّلاً لغرضه‏ ‏، بل کلّ ما یکون دخیلاً فی حصول غرضه یتعلّق‏‎ ‎‏به البعث أو الزجر‏ ‏؛ لأنّ الإرادة التشریعیة تابعة للإرادة التکوینیة‏ ‏، فهی مثلها فی أنّها‏‎ ‎‏لا تتعلّق إلاّ بما یکون محصّلاً لغرضه‏ ‏، ولا تکاد تتجاوزه إلی غیره حتّی المتحد معه‏‎ ‎‏خارجاً‏ ‏، فضلاً عمّا یلازمه‏ ‏، فما ظنّک بما یقارنه!!‏

‏وبالجملة : لابدّ من ملاحظة الطبیعة بما لها من الخصوصیات الدخیلة فی‏‎ ‎‏تحصیل غرضه‏ ‏؛ إذا کان متعلّق الأمر أو النهی الطبیعة‏ ‏، أو ملاحظة فرد الطبیعة بما‏‎ ‎‏له من الخصوصیات‏ ‏، فیبعث نحوه‏ ‏، أو یزجر عنه‏ ‏، ولا یکاد أن یتجاوزا عن مصبّهما‏‎ ‎‏إلی ما یکون متحداً معه‏ ‏، أو ملازماً‏ ‏، أو مقارناً له‏ ‏، فالأمر فی قوله : «صلّ» مثلاً‏ ‏،‏‎ ‎‏متعلّق بنفس طبیعة الصلاة مجرّدة عن کافّة الخصوصیات‏ ‏، ولا یعقل تعدّیه عنها إلی‏‎ ‎‏ما هو خارج عنها وإن اتحد معها خارجاً أو ذهناً‏ ‏، فضلاً عمّا یلازمه أو یقارنه‏ ‏،‏‎ ‎‏وکذلک النهی فی «لا تغصب» متعلّق بنفس طبیعة الغصب مجرّدةً عن کافّة‏‎ ‎‏الخصوصیات‏ ‏، ولا یکاد یعقل تعدّیه عنها إلی ما هو خارج عنها وإن اتحد معها‏‎ ‎‏خارجاً أو ذهناً أو لازمها أو قارنها‏ .

‏والسرّ فی ذلک تبعیة الإرادة التشریعیة للإرادة التکوینیة‏ ‏، فکما أنّ الإرادة‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 72
‏التکوینیة من المولی الحکیم‏ ‏، تابعة لإدراک الصلاح والفساد‏ ‏، ولا تکاد تتعلّق إلاّ بما‏‎ ‎‏هو دخیل ـ بحسب الواقع ونفس الأمر ـ فی تحصیل الغرض‏ ‏، ولا یعقل تعدّیه عن‏‎ ‎‏موضوعه إلی ما لا دخالة له فی وعاء من الأوعیة ذهناً کان أو خارجاً‏ ‏، فکذلک‏‎ ‎‏الإرادة التشریعیة‏ ‏، فعلی هذا لا یتعلّق الأمر بالصلاة إلاّ إذا کانت الخصوصیات‏‎ ‎‏المأخوذة فیها دخیلةً فی تحصیل المصلحة‏ ‏، فکما لا یمکن تعلّقه بالفاقدة منها‏ ‏، فکذلک‏‎ ‎‏لا یمکن تعلّقه بالخصوصیة غیر الدخیلة فی تحصیل الغرض‏ ‏، وقس علیه تعلّق النهی‏‎ ‎‏بعنوان «الغصب» أو «التصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه»‏ .

‏وعلیه فالملازمات الوجودیة للمأمور به والمنهی عنه فی الوجود الخارجی أو‏‎ ‎‏الذهنی ـ فضلاً عن المقارنات الاتفاقیة ـ کلّها خارجة عن حریم الأمر والنهی‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 73