ذهاب المحقّق النائینی إلی أنّ الصلاة فی الدار المغصوبة مرکّب انضمامی
وربما یظهر من بعضهم ـ کالمحقّق النائینی قدس سره ـ ابتناء جواز الاجتماع وعدمه علی کون الترکیب انضمامیاً أو اتحادیاً ؛ فإن کان الترکیب انضمامیاً یصحّ القول بالجواز ، وإلاّ فلا ، ورتّب صحّة الصلاة فی الدار المغصوبة وفسادها علی ذلک . وقد مهّد قدس سره مقدّمة طویلة الذیل لإثبات ذلک ؛ وأنّ الترکیب بینهما انضمامی .
ونحن لا نرید الآن بیان أنّ المبعّد کیف یکون مقرّباً ، ولا إثبات عدم ابتناء الجواز وعدمه علی اختلاف نحوی الترکیب من حیث الانضمامیة والاتحادیة ، وسیوافیک حالهما إن شاء الله ، بل الذی یکون مقصوداً بالبحث هنا هو استعراض ما اختاره المحقّق النائینی قدس سره من جعله المثال المعروف ـ وهو الصلاة فی الدار المغصوبة ـ من الترکیب الانضمامی ، وقد ذکر فی هذا المقام مقالاً مفصّلاً .
وحاصل ما أفاده : هو أنّه لا إشکال فی کون المقولات العشر ، متباینات بحسب الذات والحقیقة ؛ أی أنّها اعتبرت بشرط لا بالنسبة إلی نفسها وإن کانت بالنسبة إلی موضوعها یمکن لحاظها لا بشرط ، وأنّ المقولات بأجمعها ـ حتّی النسبیة منها ـ بسائط خارجیة، فیکون ما به الاشتراک فیها عین ما به الامتیاز ، وأنّ الحرکة فی کلّ مقولة عین تلک المقولة ، ولیست الحرکة بمنزلة الجنس للمقولات ؛ لاستلزامه الترکیب فی الأعراض مع کونها بسائط ، ولا هی عرض آخر غیر المقولات ؛ لاستلزامه قیام العرض بالعرض ، وهو محال .
ثمّ إنّ الصلاة من مقولة الوضع ، کما فی أحد تقریری بحثه ، أو إنّ أفعال الصلاة من مقولة الوضع ؛ سواء قلنا بأنّ المأمور به فی مثل الرکوع والسجود هو
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 53
الهیئة ، کما هو مختار صاحب «الجواهر» ، أو الفعل ، کما هو المختار ، فیکون الانحناء إلی الرکوع أوضاعاً متلاصقة متصلة ، کما فی التقریر الآخر ، وأمّا الغصب فهو من مقولة الأین ؛ لأنّه عبارة عن شاغلیة الشخص للمکان ، فکما أنّ الصلاة والغصب متغایران بحسب الهویة والحقیقة ، فکذلک الحرکة الصلاتیة مغایرة للحرکة الغصبیة بعین مغایرة الصلاة للغصب ، ویکون فی المجمع حرکتان : حرکة صلاتیة ، وحرکة غصبیة .
ولیس المراد من «الحرکة» رفع الید ووضعها ، ولا حرکة الرأس والرجل ووضعهما ؛ فإنّ ذلک لا دخل له فی المقام حتّی یبحث عن أنّها واحدة أو متعدّدة ، بل المراد مـن «الحرکـة» الحرکة الصلاتیة ، والحرکة الغصبیـة ، وهما متعدّدتان لا محالة ، فعلی هذا لا یتحد متعلّق الأمر والنهی ، ولا یکون متعلّق أحدهما عین ما تعلّق به الآخر .
وممّا یشهد علی أنّ الحرکة فی کلّ مقولة غیر الحرکة فی الاُخری ، هو أنّ نسبة المکان إلی المکین والإضافة الحاصلة بین المکین والمکان ، لا یعقل أن تختلف بین أن یکون المکین من مقولة الجواهر ، أو من مقولة الأعراض ، فکما لا یعقل الترکیب الاتحادی بین الجوهر والإضافة فی قولک : «زید فی الدار» فکذلک لا یعقل الترکیب الاتحادی بین الضرب والإضافة فی قولک : «ضرب زید فی الدار» أو الصلاة والإضافة فی قولک : «صلاة زید فی الدار» وکما لا یکون زید غصباً ، کذلک لا تکون الصلاة غصباً ، أو الضرب غصباً .
وبالجملة : قولک : «صلاة زید فی الدار» له إضافة واحدة ونسبة فاردة ، فلابدّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 54
وأن لا تختلف بین أن یکون طرف الإضافة من مقولة الجواهر ، أو الأعراض ، فکما لا یکون زید غصباً ، فکذلک لا تکون الصلاة غصباً .
فتحصّل : أنّ الترکیب بین الصلاة والغصب انضمامی ، فلا شبهة فی جواز اجتماع الأمـر والنهـی وعـدم لزوم تعلّق الأمر بعین ما تعلّق بـه النهی ، انتهی کلامه محرّراً .
وفیما ذکره مواقع للنظر نذکر ما هو المهمّ منها :
فأوّلاً : قوله قدس سره : «إنّ الصلاة» أو «أفعال الصلاة من مقولة الوضع» ممنوع ؛ لأنّه لیست الصلاة ولا أجزاؤها من مقولة الوضع ، فإنّ الصلاة ماهیة اعتباریة اختراعیة ؛ أوّلها التکبیر ، وآخرها التسلیم ، ولم یکن للهیئة الترکیبیة والهیئة الاجتماعیة ، تحقّق فی الخارج غیر ما یکون لأجزائها من التکبیر ، والقراءة ، والرکوع ، والسجود ، وغیرها ، کما یکون للماهیات الأصلیة تحقّق فیه ، فلم تندرج الصلاة تحت مقولة ؛ بداهة أنّ المقولات ـ حتّی الأعراض النسبیة منها ـ من الحقائق الخارجیة .
وثانیاً : لو سلّمنا أنّ للماهیة الاعتباریة الاختراعیة تحقّقاً فی الخارج ، وأنّه یمکن أن تندرج تحت مقولة ، لکنّ الصلاة لم تکن بهذه المثابة ؛ لأنّها مرکّبة من عدّة مقولات واُمور اعتباریة ، وذلک لأنّ الرکوع مثلاً ـ کما اعترف قدس سره به ـ هو الحرکة من الانتصاب إلی الانحناء تعظیماً ، والحرکة من الانتصاب إلی الانحناء تشبه أن تکون من مقولة الوضع ، والقراءة تشبه أن تکون من مقولة الکیف . . . إلی غیر ذلک ، فلا یمکن أن یقال : إنّ الصلاة من مقولة الوضع . هذا کلّه علی تقدیر أن یکون مراده أنّ الصلاة من مقولة الوضع ، کما فی أحد تقریری بحثه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 55
وإن أراد أنّ أفعال الصلاة من مقولة الوضع کما فی تقریره الآخر ، فهو وإن کان أقلّ محذوراً من سابقه ، ولکن یتوجّه علیه : أنّه اعترف ـ کما هو الحقّ أیضاً ـ بأنّ الرکوع هو الحرکة من الاستقامة إلی الانحناء تعظیماً ، ومن الواضح أنّ الحرکة الکذائیة بقصد التعظیم ، لا تکون من المقولة فی شیء .
نعم ، لو قطع النظر عن التعظیم ـ أی لوحظ مطلق الهویّ ـ تکون من المقولة ، ولکن لا من مقولة الوضع ، بل تشبه أن تکون من مقولة الحرکة فی الأین .
والعجب منه قدس سره حیث عدّ هذه الحرکة أوضاعاً متلاصقة ؛ ضرورة أنّه لو قلنا : إنّ الحرکة فی کلّ مقولة عینها ، فما یصدر من المکلّف هو الحرکة فی الأین ، فیکون جزء الرکوع من مقولة الأین ، نعم لهذه الحرکة فی کلّ آن وجود ، وتتحقّق هیئة ووضع ، فتنتزع من الهیئات الحاصلة أوضاع متعدّدة ، ولکن لیس شیء منها من الرکوع ، فتدبّر .
فظهر أنّ جزءً من الرکوع الذی هو فعل المکلّف ، من مقولة الأین ؛ وهو الهوی من الاستقامة إلی الانحناء ، وحیث إنّه تکون له هیئة ، فیشبه أن یکون جزءٌ من أفعال الصلاة من مقولة الأین ، نعم ینتزع من الهیئة الحاصلة لهذا الجزء وضع ، لکنّها لم تکن من أفعال الصلاة .
مضافاً إلی أنّ فی الأوضاع المتلاصقة إشکالاً عقلیاً مذکوراً فی محلّه . هذا کلّه فی الرکوع .
وأمّا السجدة ، فهی الهیئة الحاصلة من وضع المواضع السبعة علی ما یصحّ السجود علیه تعظیماً لله تعالی ، ومن المعلوم عدم اعتباره فی المقولة ، کما عرفته فی الرکوع ، فیکون جزء السجدة من مقولة الوضع .
وأمّا القراءة فتشبه أن تکون من مقولة الکیف المحسوس .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 56
فظهر أنّ القول بأنّ أفعال الصلاة من مقولة الوضع وکذا القول بأنّ الصلاة من مقولة الوضع ، لیس بسدید .
وثالثاً : قوله : «إنّ الغصب من مقولة الأین» ممنوع ؛ لأنّ الغصب هو الاستبداد والاستیلاء علی مال الغیر عدواناً ، فمن أخرج صاحب الدار عنها واستولی علیها ، یعدّ غاصباً ، فهو من الاُمور الاعتباریة ، کما أنّ استیلاء الشخص علی مال نفسه المعبّر عنه بـ «المالکیة» أمر اعتباری ، فلا یندرج الغصب فی المقولات التی هی من الحقائق الخارجیة .
وأمّا من دخل داراً بدون رضا صاحبها واستطرقها من دون أن یکون مستولیاً ومستبدّاً بها ، فلا یکون غاصباً ، نعم متصرّفاً فی مال الغیر بدون رضاه ، وهو حرام بنفسه ؛ حرم الغصب أم لا .
فظهر أنّ مجرّد الکون فی المکان من غیر رضا صاحبه والصلاة فیه ، لا یعدّ غصباً .
ورابعاً : لو سلّم ذلک وقلنا : إنّ مجرّد الکون فی المکان غصب ، ولکن لا یصیر ذلک من المقولة ؛ لأنّ مقولة الأین هی الهیئة الحاصلة من الکون فی المکان ، لا نفس الکون فی المکان الذی فرضنا کونه غصباً .
وخامساً : لو سلّم ذلک أیضاً وأنّ مطلق الکون فی المکان مقولة ، نقول : قد اُخذ فی مفهوم الغصب کون الاستیلاء والتصرّف عدوانیاً ، ومن الواضح أنّه غیر مأخوذ فی حقیقة مقولة الأین ، فغایة ما یقتضیه التسلّم الباطل هی کون ماهیة الغصب من مقولة الأین ، فتدبّر .
وسادساً : أنّ بطلان الصلاة فی الدار المغصوبة ، لیس لأجل الغصبیة ، کما هو المعروف بینهم ، ومنهم هذا المحقّق ، بل لأجل التصرّف فی مال الغیر بغیر إذنه ورضاه ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 57
وهو عنوان غیر عنوان الغصبیة ، وهما قد یجتمعان فی مورد ، کما قد یفترق کلّ منهما عن الآخر ؛ وذلک لأنّه قد یکون الشخص متصرّفاً فی مال الغیر مع استقلال یده والاستیلاء علیه ، وقد یکون متصرّفاً فیه بلا استیلاء واستقلال یده علیه ، کما أنّه قد یکون مستولیاً علی مال الغیر مع التصرّف فیه ، وبطلان الصلاة فی الدار الغصبیة ـ عند القائل بامتناع الاجتماع ـ لأجل أنّ الحرکة الرکوعیة والسجودیة عین التصرّف فی مال الغیر ، وهی حرام .
نعم ، لو کانت هناک حرکتان : حرکة صلاتیة ، وحرکة غصبیة ، کما یراه هذا المحقّق ، وقد صرّح قدس سره فی کلا تقریری بحثه : «بأنّ الحرکة الغصبیة غیر الحرکة الصلاتیة ، وأنّ الحرکة فی کلّ مقولة عینها» فیمکن تصویر صحّة الصلاة. لکنّ الشأن فی صحّة ذلک ؛ بداهة أنّه لیس فی الرکوع ـ الذی هو عبارة عن الحرکة من الانتصاب إلی الانحناء ـ إلاّ حرکة واحدة ، لا حرکتان أو حرکات ، والوجدان أصدق شاهد علی ذلک .
والعجب من هذا المحقّق ، حیث تعدّی عن ذلک ورأی أنّ فی الخارج حرکات ثلاثاً : الحرکة الصلاتیة ، الحرکة الغصبیة ، الحرکة من الانتصاب إلی الانحناء ، وقد نفی قدس سره کون المراد بالحرکة المعنی الثالث ، مع أنّه لیس فی الخارج إلاّ تلک الحرکة لیس إلاّ ، وهل تسمح لنفسک بأن تتفوّه بأنّ فی الخارج حرکة غیر ما نعهده ونحسّه؟! ولعلّ وجدان هذا المحقّق أیضاً غیر مذعن بهذا المقال ، والتزامه بما یخالف الوجدان لازم المبنی ؛ أی کون الحرکة فی کلّ مقولة تابعة لها وعینها ، وأنّ الصلاة والغصب مقولتان . وقد أشرنا وعرفت أنّهما من الاُمور الاعتباریة ؛ لا واقعیة لهما فی
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 58
الخارج حتّی تنسلک فی عداد المقولات ، ولیس فی الخارج إلاّ حرکة واحدة ، وهی رفع الید ووضعها ، فتدبّر .
وسابعاً : أنّ ما ذکره أخیراً بعنوان التأکید من عجائب القول ؛ بداهة أنّ ذات زید فی الدار لم تکن من الأعمال حتّی تکون تصرّفاً کما نری ، أو غصباً کما یزعمه قدس سره بل هو غیر متصرّف وغاصب . نعم کونه فیها حیث إنّه من الأفعال ، تصرّف محرّم ، أو غصب ، والصلاة فیها ـ باعتبار کونها من الأعمال ـ عین التصرّف فی الدار ، أو الغصب .
فظهر أنّ بین زید والصلاة بوناً بعیداً ، وقیاس أحدهما بالآخر قیاس مع الفارق ، کما هو أوضح من أن یخفی ، فتدبّر وکن من الشاکرین .
ثمّ إنّ ما ذکره من أنّ الترکیب فی المقام انضمامی ، غیر مستقیم ؛ لما سیجیء من أنّه لا ملازمة بین القول بالترکیب الانضمامی أو القول بالترکیب الاتحادی ، وبین جواز الاجتماع وعدمه ، ولذا فنحن نری أنّ الترکیب بینها اتحادی ، ومع ذلک اخترنا جواز الاجتماع ، وسیوافیک بیانه ، فارتقب حتّی حین .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 59