الأمر السادس فی عدم ابتناء النزاع علی إحراز المناط فی المجمع
ربما یتراءی من بعض العبارات ، ابتناء النزاع فی هذه المسألة علی وجود المناط فی کلّ واحد من الأمر والنهی مطلقاً حتّی فی مورد التصادق ؛ بحیث یکون علی جواز الاجتماع محکوماً بحکمین فعلیین ، وعلی الامتناع محکوماً بحکم أقوی المناطین ، وأمّا إذا لم یکن لمتعلّق الأمر والنهی مناط کذلک ، فلا یکون من هذا الباب ، بل من باب التعارض .
ولکنّ التحقیق یقتضی عدم ابتناء النزاع فی هذه المسألة ـ بحسب الواقع ـ علی وجود المناط فی متعلّق کلّ واحد من الأمر والنهی فی مورد التصادق ؛ لا فی مقام الثبوت ، ولا فی مقام إحرازهما فی مقام الإثبات ، من غیر فرق بین کون النزاع فی مسألة الاجتماع صغرویاً ، کما یظهر من بعضهم ، منهم المحقّق الخراسانی قدس سره أو کبرویاً ، کما هو المختار .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 47
أمّا علی صغرویة النزاع فواضح ؛ لأنّ مرجع البحث حینئذٍ إلی أنّ تعدّد الجهة مع وحدة الموضوع ، هل یوجب رفع التنافی والتضادّ ، أم لا؟ وهذا لا یتوقّف علی وجود المناط واقعاً وإحرازه إثباتاً .
وبعبارة اُخری : النزاع علی هذا حیثی ؛ أی فی أنّ تعدّد العنوان هل یوجب تعدّد المعنون ، أم لا؟ واشتمالهما علی المناط وعدمه لا یوجب تعدّد المعنون ، ولا وحدته .
وأمّا علی کبرویة النزاع ـ وأنّه هل یجوز اجتماع الأمر والنهی فی عنوانین متصادقین علی موضوع واحد ـ فعدم اعتبار المناط أوضح ؛ لأنّ البحث علی ذلک فی الإمکان وعدمه ، لا فی الوقوع وعدمه ، فلم یرتبط بوجود المناط واقعاً وإحرازه إثباتاً ، فأخذ وجود المناط فی کلّ منهما ثبوتاً وإحرازهما فی مقام الإثبات فی عنوان البحث ـ علی أیّ تقدیر ـ مستدرک ، کما کان عدم اعتبار المندوحة فی مقام الإثبات کذلک ، فلابدّ فی عنوان البحث من أخذ قیود یکون لها دخل تامّ فی عنوان البحث .
ومن هنا یظهر : أنّ ما ذکره المحقّق الخراسانی قدس سره فی الأمر الثامن والتاسع : «من أنّه إنّما تکون المسألة من باب الاجتماع ، إذا کان لکلّ من الأمر والنهی ، مناط حکمه مطلقاً حتّی فی مورد التصادق والاجتماع فی مقام الثبوت ، واُحرز کذلک فی مقام الإثبات ، وإلاّ فإن لم یکن لهما مناط کذلک فیکون من باب التعارض» ، علی ظاهره لیس علی ما ینبغی. ولعلّه قدس سره لا یرید ظاهره ، بل بصدد بیان دفع إشکال ربما یتوهّم فی المقام ، ولیس ببعید عن مساق بعض عبارته ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 48
إشکال ودفع
أمّا الإشکال المتوهّم فحاصله : أنّ القوم ذکروا لمسألة الاجتماع مثالاً تکون النسبة بین دلیلی الأمر والنهی ، عموماً من وجه ، کالصلاة والغصب ، فاختار جمع الجواز ؛ وأنّه لا تعارض بینهما فی محلّ التصادق ، ولمّا وصل القائلون بالجواز إلی باب التعارض ، ذکروا أنّ أحد وجوه التعارض ما کانت النسبة بین الدلیلین عموماً من وجه ، وأخذوا بمرجّحات باب التعارض ، ولم یجمع أحد بینهما معتذراً بجواز الاجتماع ، مع أنّ الاعتبار یساعد علی وحدة المقال فی البابین .
فتصدّی المحقّق الخراسانی قدس سره لدفع الإشکال بالفرق بین البابین ؛ بأنّ العامّین من وجه إنّما یکونان من باب الاجتماع إذا اُحرز وجود المناط لکلیهما حتّی فی مورد التصادق ، وإلاّ فإن کان لأحدهما مناط دون الآخر فهذا داخل فی مسألة التعارض .
والحاصل : أنّه قدس سره تصدّی لبیان الفرق الواقعی بین البابین ، لا ابتناء مسألة الاجتماع علی وجود مناط کلّ منهما فی مورد التصادق .
وقد دفع المحقّق النائینی قدس سره الإشکال المتوهّم بوجه آخر : «وهو أنّ الترکیب فی مسألة الاجتماع انضمامی ، دون الترکیب فی مسألة التعارض ، فإنّه اتحادی ، فکلّ مورد یکون الترکیب فیه انضمامیاً ، یکون من باب مسألة الاجتماع ، وکلّ مورد یکون الترکیب فیه اتّحادیاً ، یکون من باب التعارض» .
والذی یقتضیه دقیق النظر : أنّه لا جهة مشترکة بین المسألتین حتّی یحتاج إلی بیان الفصل بینهما ، ولا ترتبط إحدی المسألتین بالاُخری حتّی یحتاج إلی التفرقـة بینهما ؛ وذلک لأنّ مـا یـذکر فـی مسألـة التعارض : «هـو أنّ الجمـع بین
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 49
الدلیلین أولی مـن الطرح» وقالوا : «لیس المراد بالجمع کلّ جمـع ممکن حتّـی العقلی منه ، بل المراد الجمع العرفی العقلائی» فإذا لم یمکن التوفیق بینهما فیکون أحـدهما مخالفاً أو معارضاً للآخـر ، والأخبار العلاجیـة الواردة فـی مقام بیان الوظیفة عند ذلک ، بین ما علّق علی عنوان «الخبرین المتعارضین» کما فی مرسلة زرارة فقط ، وبین ما علّق علی عنوان «الخبرین المتخالفین» کما هو لسان أکثر الأخبار العلاجیة ، فکلا العنوانین أو أحدهما ـ بعد إرجاع الآخر إلیه ـ هو موضوع البحث هناک ، فإذا ورد من الشرع مثلاً : «إذا اختلف الخبران . . . فکذا» فلا بدّ من أخذ موضوع هذا الدلیل من العرف والعقلاء ، کما هو الشأن فی أخذ موضوعات سائر الأدلّة الواردة فی الکتاب والسنّة منهم ، فکما یُؤخذ مفهوم «الصعید» أو «الوطن» وغیرهما من العرف ویترتّب علیه الأثر ، فکذلک یؤخذ مفهوم «الخبرین المختلفین» أو «المتعارضین» منهم فکلّ خبرین تعارضا أو اختلفا عند العرف والعقلاء ولا یمکن الجمع بینهما فی محیطهم ، یدخل فی موضوع باب التعارض وإن أمکن الجمع بینهما بنحو من التعمّل العقلی ، فمسألة التعارض مسألة عرفیة عقلائیة .
وهـذا بخلاف مسألـة الاجتماع ، فإنّهـا مسألـة عقلیـة لا سبیل للعـرف إلی نیلهـا ودرکهـا ، ألا تـری أنّ العرف لا یری تعارضاً بین «صلّ» و«لا تغصـب» ضرورة أنّ الحکم فیهما تعلّق بعنوانین غیر مرتبط أحدهما بالآخر ، مع أنّ العقل یری بینهما نحو تنافٍ فی تصادقهما فی موضوع واحد .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 50
فإذن کلّ دلیلین لا یمکن الجمع العرفی بینهما ویکون بینهما تنافٍ فی محیط العرف والعقلاء ـ وإن أمکن الجمع بینهما بنحو من أنحاء الجمع العقلی ـ فهو داخل فی موضوع أخبار التعارض ولو اُحرز وجود المناطین فی مورد التصادق ، وأمّا إذا تعلّق حکمان بعنوانین مختلفین فی عالم العنوانیة غیر مرتبط أحدهما بالآخر فی محیط العرف والعقلاء ، مثل «صلّ» و«لا تغصب» لتعلّق کلّ واحد منهما بعنوان غیر ما تعلّق به الآخر ، ولکن تصادقا فی موضوع واحد ، فیدخل فی موضوع مسألة الاجتماع ؛ سواء اُحرز المناط لکلیهما ، أو لأحدهما .
وبالجملة : کلّ دلیلین عُدّا فی محیط العرف والعقلاء مختلفین أو متعارضین ـ وإن اُحرز المناط فیهما ـ فهما داخلان فی باب التعارض ، ولابدّ فیه من إعمال قواعده من الجمع ، أو الترجیح ، أو التخییر ، أو الطرح ، کما أنّه إذا لم یرَ العرف بین دلیلین تخالفاً وتنافیاً ، ولکنّ العقل یری بینهما نحو تخالف ، فهو من باب الاجتماع وإن لم یحرز المناط فیهما .
فإذن موضوع باب التعارض هو الخبران المتخالفان أو المتعارضان ، والمناط فی فهم التخالف والتعارض هو الفهم العرفی ، والجمع هناک عرفی ، بخلافه فی باب الاجتماع ، فإنّ المسألة عقلیة محضة ، فلا ارتباط بین البابین أصلاً .
فظهر: أنّ مسألة الاجتماع غیر مسألة التعارض ، وغیر مبتنیتین علی وجود المناط فی الدلیلین فی الاُولی ، ولا وجود المناط فی أحدهما فی الثانیة ، فالفرق الذی ذکره المحقّق الخراسانی قدس سره بینهما ، لیس بسدید .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 51
وأمّا الفرق الذی قاله المحقّق النائینی قدس سره ، ففیه کلام سیجیء بیانه ودفعه ؛ وأنّ الترکیب الانضمامی لا ثمرة له هنا ، بل لا ترتبط الاتّحادیة والانضمامیة بهاتین المسألتین ، فارتقب حتّی حین .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 52