الأمر الخامس فی جریان النزاع حتّی مع تعلّق الأوامر والنواهی بالأفراد
قد یقال : إنّ النزاع فی هذه المسألة، مبنی علی مسألة تعلّق الأحکام بالطبائع أو الأفراد ؛ بحیث إنّ کلّ من قال بتعلّق الأحکام بالطبائع ، فلابدّ له وأن یقول هنا بجواز الاجتماع ، ومن قال بتعلّقها بالأفراد فلابدّ له من اختیار امتناع الاجتماع .
أو یقال : إنّ النزاع فی هذه المسألة ، إنّما یتمشّی لو قیل بتعلّق الأحکام بالطبـائع ، وأمّا لو قیل بتعلّقها بالأفـراد فلا مناص فـی هـذه المسألة مـن اختیار الامتناع .
ولکن الذی یقتضیه التأمّل ، عدم ابتناء النزاع فی هذه المسألة علی ذلک إلاّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 42
بإرادة بعض معانی الفرد ؛ وذلک لأنّه یحتمل ـ بحسب التصوّر ـ أن یکون مراد القائلین بتعلّق الأحکام بالأفراد ، أحد هذه المعانی :
الأوّل : أن یراد بالفرد المصداق والفرد الخارجی الذی یصدر من المکلّف .
الثانی : أن یراد عنوان الفرد الجامع لکلّ ما یلحقه ؛ سواء کانت ملازمة له ، أو مفارقة إیّاه ؛ بحیث یکون متعلّق الأمر مثلاً الصلاة المتعانقة مع تلک اللواحق ، فتکون تلک الاُمور مأخوذةً فی الموضوع ، وکذا فی جانب النهی تکون طبیعة الغصب مع ما یقارنها ، متعلّقةً للنهی .
وبعبارة اُخری : یراد بـ «تعلّقها بالفرد» تعلّقها به مع کلّ ما یلازمه ویقارنه حتّی الاتفاقیات منه ، مثلاً تکون الصلاة مع جمیع ما یقارنها ـ حتّی وقوعها فی الدار الغصبیة ـ متعلّقة للأمر ؛ بحیث اُخذت هذه الاُمور فی الموضوع ، وتکون طبیعة الغصب مع ما یقارنها حتّی وقوعها فی حال الصلاة ، متعلّقة للنهی .
الثالث : أن یراد بتعلّقها بالفرد عنوان إجمالی الفرد ؛ بأن یکون معنی «صلّ» مثلاً : أوجد فرد الصلاة ، ومعنی «لا تغصب» : لا توجد فرداً من الغصب .
الرابع : أن یراد بالفرد الحصّة الملازمة لأین ما ، ومکان ما ، وهکذا بالمعنی الذی یراه المحقّق العراقی قدس سره .
وبعبارة اُخـری : یراد بـ «الفـرد» الطبیعـة الملازمـة للعناوین المشخّصـة وأمارات التشخّص ، کطبیعی الأین ، والمتی، والوضع ، وهکذا سائر العناوین ، فیکون الواجب طبیعة الصلاة مـع مکان کلّـی ، وهکذا سائر العناوین ، والحرام الطبیعة الغصبیة المتصفة بالوضع والمکان الکلّیین وغیرهما .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 43
الخامس : أن یراد بالفرد الوجود الخاصّ قبال الوجود السِعِی الذی فسّره به المحقّق الخراسانی قدس سره ؛ یعنی وجود الصلاة والغصب فی مقابل الوجود السِعِی .
فإذا عرفت المحتملات فی إرادة الفرد :
فإن کان مراد القائل بتعلّق الأحکام بالأفراد أحد المعنیین الأوّلین ، لما کان للنزاع فی هذه المسألة مجال ؛ لاستلزامه تعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی ، وتکون طبیعة واحدة متعلّقةً للأمر والنهی ، فیخرج عن محطّ النزاع الذی هو فی تعدّد العنوانین واتحاد المعنون ، ویدخل فی موضوع باب التعارض .
ولکن الذی یسهّل الخطب ؛ هو أنّه لم یکن شیء من المعنیین ، مراد القائلین بتعلّق الأحکام بالأفراد .
مضافاً إلی أنّ المعنی الأوّل ضروری البطلان ؛ لما أشرنا من أنّ الخارج ظرف السقوط لا الثبوت ، فیدور أمرها بین المعانی الثلاثة الباقیة .
فإن اُرید المعنی الأوّل منها فیمکن أن یقال : إنّ المولی لاحظ عنوان «الصلاة» مثلاً ، وعلّق الأمر بإیجاد فرد منها ، ولاحظ عنوان «الغصب» وعلّق النهی بفرد منه ، فتکون الصلاة فی الدار الغصبیة مجمع العنوانین ؛ لانطباق عنوانی فرد الصلاة والغصب علیها ، نظیر ما لو تعلّق الأمر بعنوان «الصلاة» والنهی بعنوان «الغصب» وانطبقا علی معنون واحد ، فیصحّ أن ینازع فی جواز الاجتماع وعدمه .
وبالجملـة : علـی إرادة هذا المعنی مـن الفرد یصحّ النزاع ، کما یصحّ النزاع علی القول بتعلّق الأحکام بالطبیعة ؛ لأنّ فرد الصلاة وفرد الغصب عنوانان کلّیان
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 44
منطبقان علی معنون واحد ، کما أنّ نفس طبیعة الصلاة ونفس طبیعة الغصب ، تنطبقان علی معنون واحد .
وأولیٰ من ذلک بجریان النزاع لو اُرید المعنی الثانی منها؛ لأنّ الحصّة من الصلاة الملازمة لأین ما وکم ما ، غیر عنوان الحصّة من الغصب التی هی کذلک ، ولم تکن الصلاتیة والغصبیة من مشخّصات الاُخری ، فاختلف العنوانان ، واتحد المعنون .
کما أنّه لو اُرید بـ «الفرد» المعنی الثالث ـ أعنی الفرد الخاصّ مقابل الوجود السِعِی ـ یصحّ النزاع أیضاً ، فیکون متعلَّق الأمر وجوداً خاصّاً من الصلاة ، ومتعلّق النهی وجوداً خاصّاً من الغصب ، فیختلف العنوانان ، فیصحّ النزاع .
فتحصّل : أنّه لو قلنا فی تلک المسألة بتعلّق الأحکام بالأفراد ، فقد عرفت صحّة النزاع هناک علی تقدیر إرادة أحد المعانی الثلاثة الأخیرة التی یدور أمر القائل بتعلّقها بالأفراد بواحد منها .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 45