المقصد الثانی فی النواهی

الأمر الخامس فی جریان النزاع حتّی مع تعلّق الأوامر والنواهی بالأفراد

الأمر الخامس فی جریان النزاع حتّی مع تعلّق الأوامر والنواهی بالأفراد

قد یقال :‏ إنّ النزاع فی هذه المسألة، مبنی علی مسألة تعلّق الأحکام بالطبائع‏‎ ‎‏أو الأفراد‏ ‏؛ بحیث إنّ کلّ من قال بتعلّق الأحکام بالطبائع‏ ‏، فلابدّ له وأن یقول هنا‏‎ ‎‏بجواز الاجتماع‏ ‏، ومن قال بتعلّقها بالأفراد فلابدّ له من اختیار امتناع الاجتماع‏ .

‏أو یقال : إنّ النزاع فی هذه المسألة‏ ‏، إنّما یتمشّی لو قیل بتعلّق الأحکام‏‎ ‎‏بالطبـائع‏ ‏، وأمّا لو قیل بتعلّقها بالأفـراد فلا مناص فـی هـذه المسألة مـن اختیار‏‎ ‎‏الامتناع‏ .

ولکن‏ الذی یقتضیه التأمّل‏ ‏، عدم ابتناء النزاع فی هذه المسألة علی ذلک إلاّ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 42
‏بإرادة بعض معانی الفرد‏ ‏؛ وذلک لأنّه یحتمل ـ بحسب التصوّر ـ أن یکون مراد‏‎ ‎‏القائلین بتعلّق الأحکام بالأفراد‏ ‏، أحد هذه المعانی :‏

الأوّل :‏ أن یراد بالفرد المصداق والفرد الخارجی الذی یصدر من المکلّف‏ .

الثانی :‏ أن یراد عنوان الفرد الجامع لکلّ ما یلحقه‏ ‏؛ سواء کانت ملازمة له‏ ‏، أو‏‎ ‎‏مفارقة إیّاه‏ ‏؛ بحیث یکون متعلّق الأمر مثلاً الصلاة المتعانقة مع تلک اللواحق‏ ‏، فتکون‏‎ ‎‏تلک الاُمور مأخوذةً فی الموضوع‏ ‏، وکذا فی جانب النهی تکون طبیعة الغصب مع ما‏‎ ‎‏یقارنها‏ ‏، متعلّقةً للنهی‏ .

‏وبعبارة اُخری : یراد بـ‏ ‏«تعلّقها بالفرد» تعلّقها به مع کلّ ما یلازمه ویقارنه‏‎ ‎‏حتّی الاتفاقیات منه‏ ‏، مثلاً تکون الصلاة مع جمیع ما یقارنها ـ حتّی وقوعها فی الدار‏‎ ‎‏الغصبیة ـ متعلّقة للأمر‏ ‏؛ بحیث اُخذت هذه الاُمور فی الموضوع‏ ‏، وتکون طبیعة‏‎ ‎‏الغصب مع ما یقارنها حتّی وقوعها فی حال الصلاة‏ ‏، متعلّقة للنهی‏ .

الثالث :‏ أن یراد بتعلّقها بالفرد عنوان إجمالی الفرد‏ ‏؛ بأن یکون معنی «صلّ»‏‎ ‎‏مثلاً : أوجد فرد الصلاة‏ ‏، ومعنی «لا تغصب» : لا توجد فرداً من الغصب‏ .

الرابع :‏ أن یراد بالفرد الحصّة الملازمة لأین ما‏ ‏، ومکان ما‏ ‏، وهکذا بالمعنی‏‎ ‎‏الذی یراه المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‎[1]‎ .

‏وبعبارة اُخـری : یراد بـ‏ ‏«الفـرد» الطبیعـة الملازمـة للعناوین المشخّصـة‏‎ ‎‏وأمارات التشخّص‏ ‏، کطبیعی الأین‏ ‏، والمتی، والوضع‏ ‏، وهکذا سائر العناوین‏ ‏، فیکون‏‎ ‎‏الواجب طبیعة الصلاة مـع مکان کلّـی‏ ‏، وهکذا سائر العناوین‏ ‏، والحرام الطبیعة‏‎ ‎‏الغصبیة المتصفة بالوضع والمکان الکلّیین وغیرهما‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 43
الخامس :‏ أن یراد بالفرد الوجود الخاصّ قبال الوجود السِعِی الذی فسّره به‏‎ ‎‏المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‎[2]‎ ‏؛ یعنی وجود الصلاة والغصب فی مقابل الوجود السِعِی‏ .

‏فإذا عرفت المحتملات فی إرادة الفرد : ‏

فإن کان ‏مراد القائل بتعلّق الأحکام بالأفراد أحد المعنیین الأوّلین‏ ‏، لما کان‏‎ ‎‏للنزاع فی هذه المسألة مجال‏ ‏؛ لاستلزامه تعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی‏ ‏، وتکون‏‎ ‎‏طبیعة واحدة متعلّقةً للأمر والنهی‏ ‏، فیخرج عن محطّ النزاع الذی هو فی تعدّد‏‎ ‎‏العنوانین واتحاد المعنون‏ ‏، ویدخل فی موضوع باب التعارض‏ .

‏ولکن الذی یسهّل الخطب‏ ‏؛ هو أنّه لم یکن شیء من المعنیین‏ ‏، مراد القائلین‏‎ ‎‏بتعلّق الأحکام بالأفراد‏ .

‏مضافاً إلی أنّ المعنی الأوّل ضروری البطلان‏ ‏؛ لما أشرنا من أنّ الخارج ظرف‏‎ ‎‏السقوط لا الثبوت‏ ‏، فیدور أمرها بین المعانی الثلاثة الباقیة‏ .

فإن اُرید ‏المعنی الأوّل منها فیمکن أن یقال : إنّ المولی لاحظ عنوان‏‎ ‎‏«الصلاة» مثلاً‏ ‏، وعلّق الأمر بإیجاد فرد منها‏ ‏، ولاحظ عنوان «الغصب»‏‎ ‎‏وعلّق النهی بفرد منه‏ ‏، فتکون الصلاة فی الدار الغصبیة مجمع العنوانین‏ ‏؛ لانطباق‏‎ ‎‏عنوانی فرد الصلاة والغصب علیها‏ ‏، نظیر ما لو تعلّق الأمر بعنوان «الصلاة»‏‎ ‎‏والنهی بعنوان «الغصب» وانطبقا علی معنون واحد‏ ‏، فیصحّ أن ینازع فی جواز‏‎ ‎‏الاجتماع وعدمه‏ .

‏وبالجملـة : علـی إرادة هذا المعنی مـن الفرد یصحّ النزاع‏ ‏، کما یصحّ النزاع‏‎ ‎‏علی القول بتعلّق الأحکام بالطبیعة‏ ‏؛ لأنّ فرد الصلاة وفرد الغصب عنوانان کلّیان‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 44
‏منطبقان علی معنون واحد‏ ‏، کما أنّ نفس طبیعة الصلاة ونفس طبیعة الغصب‏ ‏، تنطبقان‏‎ ‎‏علی معنون واحد‏ .

وأولیٰ من ذلک ‏بجریان النزاع لو اُرید المعنی الثانی منها؛ لأنّ الحصّة من الصلاة‏‎ ‎‏الملازمة لأین ما وکم ما‏ ‏، غیر عنوان الحصّة من الغصب التی هی کذلک‏ ‏، ولم تکن‏‎ ‎‏الصلاتیة والغصبیة من مشخّصات الاُخری‏ ‏، فاختلف العنوانان‏ ‏، واتحد المعنون‏ .

کما أنّ‏ه لو اُرید بـ‏ ‏«الفرد» المعنی الثالث ـ أعنی الفرد الخاصّ مقابل الوجود‏‎ ‎‏السِعِی ـ یصحّ النزاع أیضاً‏ ‏، فیکون متعلَّق الأمر وجوداً خاصّاً من الصلاة‏ ‏، ومتعلّق‏‎ ‎‏النهی وجوداً خاصّاً من الغصب‏ ‏، فیختلف العنوانان‏ ‏، فیصحّ النزاع‏ .

‏فتحصّل : أنّه لو قلنا فی تلک المسألة بتعلّق الأحکام بالأفراد‏ ‏، فقد عرفت‏‎ ‎‏صحّة النزاع هناک علی تقدیر إرادة أحد المعانی الثلاثة الأخیرة التی یدور أمر القائل‏‎ ‎‏بتعلّقها بالأفراد بواحد منها‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 45

  • )) نهایة الأفکار : 385 و 421 .
  • )) کفایة الاُصول : 171.