الأمر الثالث فی کون المسألة اُصولیة
ظهر لک ممّا ذکرنا : أنّه یمکن عقد عنوان المسألة بنحوین :
النحو الأوّل : بما ذکرناه من جواز اجتماع الأمر والنهی علی عنوانین متصادقین فی الخارج ، وقد أشرنا إلی أنّه مراد من عنون المسألة من السلف إلی الخلف : «بأنّه
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 29
هل یجوز اجتماع الأمر والنهی فی شیء واحد؟» . مع تسامح فی تعبیرهم ، کما أشرنا وقلنا : إنّ النزاع علی ذلک کبروی .
النحو الثانی : بما عنونه المحقّق الخراسانی قدس سره وتبعه فی ذلک غیره وهو : «أنّ تعدّد الجهة فی شیء واحد ، هل یوجب رفع غائلة اجتماع الأمر والنهی والضدّین ، أم لا؟» وقلنا : إنّ النزاع علیه صغروی .
وعلی کلا التقدیرین وقع الخلاف فی کون المسألة من المسائل الاُصولیة ، أو من المسائل الکلامیة ، أو الفقهیة ، أو من المبادئ الأحکامیة ، أو من المبادئ التصدیقیة لمسألة اُخری .
ربّما یظهر من بعضهم عدّها مسألة فقهیة بتوهّم : أنّ البحث عنها فی صحّة الصلاة فی الدار المغصوبة مثلاً وعدمها .
وفیه: أنّ البحث فی المسألة عقلی؛ إذ هو فی جواز الاجتماع وإمکانه وعدمه علی النحو الذی ذکرناه ، وفی لزوم ذلک علی النحو الآخر ، ومن الواضح أنّ البحث علیهما لا یکون بحثاً فی مسألة فقهیة ؛ حیث إنّ المسألة الفقهیة ما تتعلّق بفعل المکلّف بلا واسطة من حیث الصحّة والفساد ، ولیست هذه المسألة متکفّلة لذلک .
نعم ، نتیجة هذه المسألة تنتهی إلی الفقه ؛ وهی صحّة الصلاة فی الدار المغصوبة وعدمها مثلاً ، ولکن من الواضح أنّ مجرّد ذلک لا یوجب عدّ المسألة فقهیة ، وإلاّ یلزم أن یکون جلّ المسائل الاُصولیة ـ إن لم تکن کلّها ـ فقهیة ؛ لانتهاء الأمر فیها إلی عمل المکلّف ، وهو کما تری .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 30
وربما یظهر من بعضهم عدّ المسألة من المسائل الکلامیة ؛ بلحاظ أنّ المسألة عقلیة ؛ ویبحث فیها عمّا یصحّ ویمتنع علیه تعالی، لأنّ مرجع النزاع فیها إلی فعله تعالی ؛ وأنّه هل یجوز علیه تعالی جعل حکمین متخالفین بعنوانین متصادقین علی واحد؟ وأنّه هل تجتمع إرادته تعالی وکراهته فی واحد کذلک ، أم لا؟
وبالجملة : هل یصحّ من المولی الحکیم الأمر والنهی بعنوانین متصادقین علی واحد ، أم لا؟
وفیه : أنّ مجـرّد کون المسألـة عقلیة لا یوجب عـدّها مسألة کلامیة ؛ وإلاّ یلزم أن تکون مسائل المنطق وسائر العلوم العقلیـة ، مسائل کلامیـة ، وهـو کما تری ، ومجرّد إمکان إرجاع البحث فیها بنحو ـ کما ذکر ـ إلی المسائل الکلامیة ، صرف للمسألة عن مسیرها من دون داعٍ ، ولعلّ البحث علی ما ذکر أشبه شیء بالأکل من القفا .
یظهر من المحقّق النائینی قدس سره أنّ النزاع فی المسألة من المبادئ التصدیقیة لموضوع مسألة التعارض أو التزاحم ؛ وذلک لأنّه قدس سره غیّر عنوان البحث عن ظاهره إلی أنّه إذا اجتمع متعلّق الأمر والنهی من حیث الإیجاد والوجود ، فهل یلزم من الاجتماع کذلک أن یتعلّق کلّ من الأمر والنهی بعین ما تعلّق به الآخر ، أو لا؟
ثمّ قال : إنّ الکلام فی المسألة یقع فی مقامین :
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 31
المقام الأوّل : فی لزوم ذلک وعدمه ، فإن لزم منه تعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهـی ـ ولو لمکان إطلاق کلّ منهما لمتعلّق الآخـر ـ فیمتنع تشریع الأمر والنهی معاً بلحاظ حال الاجتماع ، ویکون بین الدلیلین المتکفّلین لذلک تعـارض العموم من وجه ، وإن لم یلزم منه ذلک فلا یمتنع تشریع مثل هذا الأمر والنهی ، ولا یکون بینهما تعارض .
المقام الثانی : فی أنّه بعد ما لم یتعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی ، فهل وجود المندوحة للمکلّف وتمکّنه من إیجاد الصلاة خارج الدار الغصبیة ، یجدی فی رفع غائلة التزاحم بین الأمر والنهی ، ویکفی فی انطباق المأمور به والمنهی عنه علی الجامع ؛ وهو الصلاة فی الدار الغصبیة ، فتصحّ الصلاة فیها ، أو لا یجدی وجود المندوحة فی ذلک ، ولا ینطبق المأمور به علی المجمع؟
والبحث فی مسألة اجتماع الأمر والنهی وإن کان راجعاً إلی باب الملازمات العقلیة للخطابات الشرعیة ، کالبحث عن مقدّمة الواجب ، ومسألة الضدّ ، مع فرق بینهما ؛ حیث إنّ البحث فـی تلک المسائل عن لازم خطاب واحـد ، وفـی هذه المسألة عن لازم خطابین ، ولازم ذلک فی بادئ النظر وإن کان عدّ المسألة من المسائل الاُصولیـة کما کانت تلک المسائل کذلک ، ولکن حیث إنّ مجرّد کون البحث عن الملازمات ، لا یکفی فی عدّ المسألة اُصولیة إلاّ إذا کانت الکبری المبحوث عنها بنفسها ، واقعةً فی طریق الاستنباط ؛ بحیث یصلح أن تکون کبری لقیاس الاستنباط ، ویستنتـج حکم فرعی کلّی ، والکبری المبحوث عنها فی المقام لا تصلح لذلک ، بخلاف کبریات تلک المسائل ؛ وذلک لأنّ المبحوث عنها فیها هو عن اقتضاء الأمر بالشیء النهی عن ضدّه ، واقتضاء إیجاب الشیء إیجاب مقدّماته ، وکلّ واحـد منهما بنفسـه یقع کبری لقیاس الاستنباط ، ویستنتج منه حکم کلّی ؛
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 32
وهو فساد الضدّ إذا کان عبادة ، ووجوب مقدّمة الواجب .
وأمّا فیما نحن فیه فلیس کذلک ؛ لأنّ المبحوث عنه فی المقام الأوّل فی استلزام تعلّق الأمر والنهی بعین ما تعلّق به الآخر عند اتحاد المتعلّقین ، فیکون الأمر والنهی متعارضین ، أو عدم استلزام ذلک ، فلا تعارض ، ومن الواضح أنّ ثبوت التعارض وعدمه ، لا یقع بنفسه کبری القیاس ما لم ینضمّ إلیه قواعد التعارض من الترجیح أو التخییر .
وفی المقام الثانی إنّما هو فی کفایة وجود المندوحة فی رفع غائلة التزاحم ، وعدم کفایته ، فیکون بحثاً عمّا یقتضی وجود التزاحم وعدمه ، وهو أیضاً لیس بنفسه کبری القیاس ما لم تنضمّ إلیه قواعد التزاحم .
فالإنصاف : أنّ البحث فی المسألة أشبه شیء بالبحث عن المبادئ التصدیقیة ؛ لرجوع البحث فیها إلی البحث عمّا یقتضی وجود الموضوع لمسألة التعارض والتزاحم ، ولیس بحثاً عن المسألة الاُصولیة ، ولا عن المبادئ الأحکامیة ، انتهی کلامه محرّراً .
وما أفاده قدس سره غیر وجیه ، ولتوضیح بعض الإشکال فیه ینبغی الإشارة الإجمالیة إلی معنی المبدأ التصوّری والمبدأ التصدیقی ، وأنّ المبادئ الأحکامیة لیست أمراً خارجاً عنهما ، بل اصطلاح محض فیما یرجع إلی الأحکام الشرعیة .
فنقول : لکلّ مسألة موضوع ، ومحمول ، ونسبة حکمیة ، وحکم ، فما یکون دخیلاً فی تصوّر موضوع المسألة أو محمولها ـ بل النسبة بینهما ـ یکون مبدءً تصوّریاً بالنسبة إلیها، وأمّا ما یکون دخیلاً فی التصدیق بالمسألة ـ أی فی التصدیق بثبوت المحمول للموضوع ـ فیکون مبدءً تصدیقیاً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 33
مثلاً : «الأمر یدلّ علی الوجوب» مسألة ، فکلّ ما یکون دخیلاً فی تصوّر الأمر وأنّه ماذا؟ وفی أنّ الوجوب ما هو؟ وفی النسبة بینهما؟ یکون مبدءً تصوّریاً بالنسبة إلیها ، وأمّا ما یکون دخیلاً فی التصدیق بأنّ الأمر یدلّ علی الوجوب ، فیکون مبدءً تصدیقیاً بالنسبة إلیها ، فلکلّ مسألة جهة تصدیقیة ، وجهات تصوّریة .
وبما ذکـرنا یظهر : أنّ المبادئ الأحکامیـة ـ کما یلهج بـه بعض الألسنـة ـ لیست شیئاً آخر وراء ما ذکرنا ، والتعبیر بها مجرّد اصطلاح ؛ لأنّ کلّ ما یکون دخیلاً فی موضوع الحکم الشرعی أو محموله أو النسبة بینهما ، یکون مبدءً تصوّریاً للحکم الشرعی ، وما یکون دخیلاً فی الحکم الشرعی یکون مبدءً تصدیقیاً بالنسبة إلیه ، فلیس هنا أمر وراء ما ذکرنا نسمّیه بـ «المبادئ الأحکامیة» نعم وقع الاصطلاح فی تسمیة ما یکون دخیلاً فی الحکم الشرعی بـ «المبادئ الأحکامیة» ولا مضایقة فیه .
فظهر لک المراد بـ «المبدأ التصوّری» و«التصدیقی» وأنّ الأوّل عبارة عن کلّ ما یکون دخیلاً فی تصوّر أطراف القضیة ، وأنّ الثانی عبارة عمّا یکون دخیلاً فی التصدیق بأنّ المحمول للموضوع .
وأمّا ما یکون دخیلاً فی التصدیق بوجود موضوع المسألة أو محمولها ـ أی ما یکون دخیلاً فی تحقّق أطراف المسألة ـ فاختلف فی کونه مبدءً تصوّریاً أو تصدیقیاً ، والحقّ کما أفاده بعض ، أنّ ما یکون دخیلاً فی التصدیق بالهوهویة وأنّ المحمول هو الموضوع ، مبدأ تصدیقی ، وأمّا غیره ـ سواء کان دخیلاً فی تصوّر الأطراف ، أو کان دخیلاً فی تحقّقها ـ فمبدأ تصوّری ، والتفصیل یطلب من محلّه .
إذا تمهّد لک ذلک فنقول : فیما أفاده مواقع للنظر :
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 34
فأوّلاً : أنّ النـزاع ـ کما أشـرنا إلیـه ـ فی مسألـة جواز الاجتماع کبروی لا صغروی ؛ وفی سرایة کلّ من الأمر والنهی لعین ما تعلّق بالآخر وعدمها ، حتّی یتوهّم کون البحث فیها عن مبدأ تصدیقی لموضوع مسألة التعارض علی وجه ، أو لموضوع مسألة التزاحم علی وجه آخر .
وثانیاً : لو سلّم کون النزاع فی ذلک ، ولکن ستعرف قریباً أنّ هذه المسألة لا تکون محقّقة لموضوع مسألة باب التعارض أو التزاحم ، فارتقب حتّی حین .
وثالثاً : لو سلّم ذلک أیضاً ؛ وأنّ هذه المسألة محقّقة لموضوع مسألة التعارض أو التزاحم ، ولکن لا یوجب ذلک أن تکون هذه المسألة مبدءً تصدیقیاً بالنسبة إلیهما ، بل لا تکون مبدءً تصوّریاً لهما أیضاً :
أمّا عدم کونها مبدءً تصدیقیاً لهما ؛ فلما أشرنا إلیه من أنّ المبدأ التصدیقی لمسألة ، هو الذی یکون دخیلاً فی التصدیق بنفس المسألة. ولو تنزّلنا فیمکن أن یعدّ ما یکون دخیلاً فی التصدیق بوجود الموضوع أو المحمول ، مبدءً تصوّریاً ، ومن المعلوم أنّ محقّق موضوع المسألة غیر دخیل فی تصدیقها ، ولا فی التصدیق بوجود الموضوع أو المحمول .
وأمّا عدم کونها مبدءً تصوّریاً لها ؛ فلما أشرنا إلیه أیضاً من أنّه عبارة عمّا یکون دخیلاً فی تصوّر أطراف القضیة ، أو دخیلاً فی التصدیق بوجود الموضوع أو المحمول ، ومن الواضح أنّ ما یکون محقّقاً لموضوع مسألة ، هو الذی إن لم یتمّ البحث فیه لا یکون وقْع للبحث فیها ، وبعبارة اُخری : محقّق موضوع مسألة هو علّة وجودها ، وکم فرق بین علّة وجود الشیء ، وبین ما یکون دخیلاً فی تصوّره ، أو التصدیق بوجوده ، بل فی التصدیق بنفس القضیة!! ألا تری أنّه تعالی علّة وجود الموضوعات وتحقّقها ، ولیس مبدءً تصوّریاً ولا تصدیقیاً لشیء من العلوم!!
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 35
فتحصّل : أنّ مسألة الاجتماع ـ لو سلّم کونها محقّقة لموضوع مسألة التعارض أو التزاحم ـ لا تکون مبدءً تصدیقیاً ولا تصوّریاً لهما ، بل من علل وجودها ، فتدبّر .
ورابعاً : أنّ مجرّد کون مسألة مبدءً تصدیقیاً لمسألة ، لا یوجب أن لا تکون المسألة اُصولیة ؛ لأنّه من الممکن أن تکون المسألة مع کونها مسألة اُصولیة ، مبـدءً تصدیقیاً لمسألـة اُخری ، ألا تـری أنّ مسألة حجّیة خبر الواحـد مسألـة اُصولیة ، بل من مهمّاتها ، مع أنّها بزعمه قدس سره تکون مبدءً تصدیقیاً لموضوع مسألة التعارض!! ومسألتنا هذه کذلک ؛ لأنّها لو تمّت تکون مبدءً تصدیقیاً لموضوع مسألة التعارض أو التزاحم .
ربما یظهر من بعض الأعاظم (دام ظلّه) : نفی کون مسألة الاجتماع مسألة اُصولیة ؛ لأنّ موضوع علم الاُصول هو الحجّة فی الفقه ، کما علیه الشافعی خرّیت فنّ الاُصول ، وموضوع العلم ما یبحث فیه عن عوارضه الذاتیة ، فلابدّ وأن یکون البحث فی مسائل علم الاُصول عن عوارض الحجّة ، ومن الواضح أنّ مسألة جواز اجتماع الأمر والنهی وعدمه ، لم تکن بحثاً عن عوارض الحجّة فی الفقه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 36
وقد تقدّم الکلام مفصّلاً فی مقاله دام ظلّه فی صدر الکتاب ، وقلنا بأنّه لا دلیل علی لزوم أن یکون لکلّ علم موضوع ؛ حتّی یبحث فیه عن عوارضه الذاتیة ، وأنّه لا نسلّم کون الوجوب والحرمة من عوارض فعل المکلّف لو سلّم کونهما من العوارض ، ولا دلیل علی کون موضوع علم الاُصول الحجّة فی الفقه ، ولو سلّم کون موضوع علم الاُصول ما أفاده دام ظلّه فغایة ما یقتضیه الاعتبار ویمکن تسلّمه ، هو ما یکون حجّة فی الفقه بالحمل الشائع وما یحتجّ به الفقیه فی الفقه ، لا ما هو الحجّة بالحمل الأوّلی ، ومن المعلوم أنّه کما أنّ البحث عن مسألة حجّیة خبر الواحد مسألة اُصولیة ؛ لکون البحث فیها عمّا یکون حجّة بالحمل الشائع ، ویستنتج منها الفقیه حکماً کلّیاً آلیاً فرعیاً ، فکذلک مسألتنا هذه ؛ فإنّه یبحث فیها عمّا یکون مصداقاً للحجّة ، ویُثبِت بها حکماً کلّیاً آلیاً فرعیاً .
وبالجملة : لو أراد دام ظلّه أنّ موضوع علم الاُصول مفهوم الحجّة فی الفقه ، فیلزم خروج جلّ المسائل الاُصولیة عنه لو لم یخرج کلّها ؛ لعدم کون البحث فیها عن عنوان «الحجّة فی الفقه» إلاّ مع تکلّفٍ وتعسّف ، ألا تری أنّ مسألة مقدّمة الواجب مسألة اُصولیة ، وکذا مسألة الضدّ مسألة اُصولیة ، وهکذا غیرهما ، مع أنّ البحث فیها لم یکن عن عنوان «الحجّة» ولا موجب للالتزام بکون موضوع علم الاُصول هو مفهوم «الحجّة فی الفقه» حتّی یتکلّف فی إدراج بعض المسائل الاُصولیة فیه ، کما لا موجب لالتزام بعض أرباب المعقول بأخذ الوجود موضوعاً لعلم الفلسفة لإدراج بعض المسائل العقلیة فیه .
نعم ، لو أراد بذلک ما یکون مصداقاً للحجّة وما یحتجّ به الفقیه فی استنباط
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 37
الحکم الشرعی مـن الدلیل ، فیمکن الالتزام به ، ولعلّ الشافعی أیضاً یری أنّ موضوع علم الاُصول ما یکون حجّة بالحمل الشائع ، وواضح أنّ مسألتنا هذه ممّا یصحّ الاحتجاج بها فی الفقه ، ویستنتج منها حکم فرعی ؛ وهو جواز الصلاة فی الدار المغصوبة .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ مسألة الاجتماع ـ علی ما ذهبنا إلیه من کون النزاع فیها کبرویاً ، أو کما ذهب إلیه بعضهم من صغرویة النزاع ـ مسألة عقلیة اُصولیة .
ولقد أحسن وأجاد المحقّق الخراسانی قدس سره فی المقام ، حیث قال : «إنّ نتیجة هذه المسألة حیث تقع فی طریق الاستنباط ، کانت المسألة من المسائل الاُصولیة ، لا من مبادئها الأحکامیة ، ولا التصدیقیة ، ولا من المسائل الکلامیة ، ولا من المسائل الفرعیة ـ وإن کانت فیها جهاتها ، کما لا یخفی ـ ضرورة أنّ مجرّد ذلک لا یوجب کونها منها إذا کانت فیها جهة اُخری یمکن عقدها معها من المسائل ، وقد عرفت فی أوّل الکتاب : أنّه لا ضیر فی کون مسألة واحدة یبحث فیها عن جهة خاصّة من مسائل علمین ؛ لانطباق جهتین عامّتین علی تلک الجهة ؛ کانت بإحداهما من مسائل علم ، وبالاُخری من آخر» .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 38