المقصد الثانی فی النواهی

الأمر الثالث فی کون المسألة اُصولیة

الأمر الثالث فی کون المسألة اُصولیة

‏ظهر لک ممّا ذکرنا : أنّه یمکن عقد عنوان المسألة بنحوین :‏

النحو الأوّل :‏ بما ذکرناه من جواز اجتماع الأمر والنهی علی عنوانین متصادقین‏‎ ‎‏فی الخارج‏ ‏، وقد أشرنا إلی أنّه مراد من عنون المسألة من السلف إلی الخلف : «بأنّه‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 29
‏هل یجوز اجتماع الأمر والنهی فی شیء واحد؟»‏‎[1]‎ ‏. مع تسامح فی تعبیرهم‏ ‏، کما أشرنا‏‎ ‎‏وقلنا : إنّ النزاع علی ذلک کبروی‏‎[2]‎ .

النحو الثانی :‏ بما عنونه المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ وتبعه فی ذلک غیره وهو : «أنّ‏‎ ‎‏تعدّد الجهة فی شیء واحد‏ ‏، هل یوجب رفع غائلة اجتماع الأمر والنهی والضدّین‏ ‏، أم‏‎ ‎‏لا؟» وقلنا : إنّ النزاع علیه صغروی‏‎[3]‎ .

‏وعلی کلا التقدیرین وقع الخلاف فی کون المسألة من المسائل الاُصولیة‏ ‏، أو من‏‎ ‎‏المسائل الکلامیة‏ ‏، أو الفقهیة‏ ‏، أو من المبادئ الأحکامیة‏ ‏، أو من المبادئ التصدیقیة‏‎ ‎‏لمسألة اُخری‏ .

ربّما یظهر من بعضهم‏ عدّها مسألة فقهیة بتوهّم : أنّ البحث عنها فی صحّة‏‎ ‎‏الصلاة فی الدار المغصوبة مثلاً وعدمها‏ .

وفیه:‏ أنّ البحث فی المسألة عقلی؛ إذ هو فی جواز الاجتماع وإمکانه وعدمه علی‏‎ ‎‏النحو الذی ذکرناه‏ ‏، وفی لزوم ذلک علی النحو الآخر‏ ‏، ومن الواضح أنّ البحث علیهما‏‎ ‎‏لا یکون بحثاً فی مسألة فقهیة‏ ‏؛ حیث إنّ المسألة الفقهیة ما تتعلّق بفعل المکلّف بلا‏‎ ‎‏واسطة من حیث الصحّة والفساد‏ ‏، ولیست هذه المسألة متکفّلة لذلک‏ .

‏نعم‏ ‏، نتیجة هذه المسألة تنتهی إلی الفقه‏ ‏؛ وهی صحّة الصلاة فی الدار المغصوبة‏‎ ‎‏وعدمها مثلاً‏ ‏، ولکن من الواضح أنّ مجرّد ذلک لا یوجب عدّ المسألة فقهیة‏ ‏، وإلاّ یلزم‏‎ ‎‏أن یکون جلّ المسائل الاُصولیة ـ إن لم تکن کلّها ـ فقهیة‏ ‏؛ لانتهاء الأمر فیها إلی‏‎ ‎‏عمل المکلّف‏ ‏، وهو کما تری‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 30
وربما یظهر من بعضهم‏ عدّ المسألة من المسائل الکلامیة‏‎[4]‎ ‏؛ بلحاظ أنّ المسألة‏‎ ‎‏عقلیة‏ ‏؛ ویبحث فیها عمّا یصحّ ویمتنع علیه تعالی، لأنّ مرجع النزاع فیها إلی فعله‏‎ ‎‏تعالی‏ ‏؛ وأنّه هل یجوز علیه تعالی جعل حکمین متخالفین بعنوانین متصادقین علی‏‎ ‎‏واحد؟ وأنّه هل تجتمع إرادته تعالی وکراهته فی واحد کذلک‏ ‏، أم لا؟‏

‏وبالجملة : هل یصحّ من المولی الحکیم الأمر والنهی بعنوانین متصادقین علی‏‎ ‎‏واحد‏ ‏، أم لا؟‏

وفیه : ‏أنّ مجـرّد کون المسألـة عقلیة لا یوجب عـدّها مسألة کلامیة‏ ‏؛ وإلاّ‏‎ ‎‏یلزم أن تکون مسائل المنطق وسائر العلوم العقلیـة‏ ‏، مسائل کلامیـة‏ ‏، وهـو کما‏‎ ‎‏تری‏ ‏، ومجرّد إمکان إرجاع البحث فیها بنحو ـ کما ذکر ـ إلی المسائل الکلامیة‏ ‏،‏‎ ‎‏صرف للمسألة عن مسیرها من دون داعٍ‏ ‏، ولعلّ البحث علی ما ذکر أشبه شیء‏‎ ‎‏بالأکل من القفا‏‎[5]‎ .

یظهر من المحقّق النائینی ‏قدس سره‏‏ أنّ النزاع فی المسألة من المبادئ التصدیقیة‏‎ ‎‏لموضوع مسألة التعارض أو التزاحم‏ ‏؛ وذلک لأنّه ‏‏قدس سره‏‏ غیّر عنوان البحث عن ظاهره‏‎ ‎‏إلی أنّه إذا اجتمع متعلّق الأمر والنهی من حیث الإیجاد والوجود‏ ‏، فهل یلزم من‏‎ ‎‏الاجتماع کذلک أن یتعلّق کلّ من الأمر والنهی بعین ما تعلّق به الآخر‏ ‏، أو لا؟‏

ثمّ قال : ‏إنّ الکلام فی المسألة یقع فی مقامین :‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 31
‏المقام الأوّل : فی لزوم ذلک وعدمه‏ ‏، فإن لزم منه تعلّق الأمر بعین ما تعلّق به‏‎ ‎‏النهـی ـ ولو لمکان إطلاق کلّ منهما لمتعلّق الآخـر ـ فیمتنع تشریع الأمر والنهی معاً‏‎ ‎‏بلحاظ حال الاجتماع‏ ‏، ویکون بین الدلیلین المتکفّلین لذلک تعـارض العموم من‏‎ ‎‏وجه‏ ‏، وإن لم یلزم منه ذلک فلا یمتنع تشریع مثل هذا الأمر والنهی‏ ‏، ولا یکون بینهما‏‎ ‎‏تعارض‏ .

‏المقام الثانی : فی أنّه بعد ما لم یتعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی‏ ‏، فهل وجود‏‎ ‎‏المندوحة للمکلّف وتمکّنه من إیجاد الصلاة خارج الدار الغصبیة‏ ‏، یجدی فی رفع غائلة‏‎ ‎‏التزاحم بین الأمر والنهی‏ ‏، ویکفی فی انطباق المأمور به والمنهی عنه علی الجامع‏ ‏؛ وهو‏‎ ‎‏الصلاة فی الدار الغصبیة‏ ‏، فتصحّ الصلاة فیها‏ ‏، أو لا یجدی وجود المندوحة فی ذلک‏ ‏،‏‎ ‎‏ولا ینطبق المأمور به علی المجمع؟‏

‏والبحث فی مسألة اجتماع الأمر والنهی وإن کان راجعاً إلی باب الملازمات‏‎ ‎‏العقلیة للخطابات الشرعیة‏ ‏، کالبحث عن مقدّمة الواجب‏ ‏، ومسألة الضدّ‏ ‏، مع فرق‏‎ ‎‏بینهما‏ ‏؛ حیث إنّ البحث فـی تلک المسائل عن لازم خطاب واحـد‏ ‏، وفـی هذه‏‎ ‎‏المسألة عن لازم خطابین‏ ‏، ولازم ذلک فی بادئ النظر وإن کان عدّ المسألة من‏‎ ‎‏المسائل الاُصولیـة کما کانت تلک المسائل کذلک‏ ‏، ولکن حیث إنّ مجرّد کون‏‎ ‎‏البحث عن الملازمات‏ ‏، لا یکفی فی عدّ المسألة اُصولیة إلاّ إذا کانت الکبری‏‎ ‎‏المبحوث عنها بنفسها‏ ‏، واقعةً فی طریق الاستنباط‏ ‏؛ بحیث یصلح أن تکون کبری‏‎ ‎‏لقیاس الاستنباط‏ ‏، ویستنتـج حکم فرعی کلّی‏ ‏، والکبری المبحوث عنها فی المقام‏‎ ‎‏لا تصلح لذلک‏ ‏، بخلاف کبریات تلک المسائل‏ ‏؛ وذلک لأنّ المبحوث عنها فیها هو‏‎ ‎‏عن اقتضاء الأمر بالشیء النهی عن ضدّه‏ ‏، واقتضاء إیجاب الشیء إیجاب مقدّماته‏ ‏،‏‎ ‎‏وکلّ واحـد منهما بنفسـه یقع کبری لقیاس الاستنباط‏ ‏، ویستنتج منه حکم کلّی‏ ‏؛‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 32
‏وهو فساد الضدّ إذا کان عبادة‏ ‏، ووجوب مقدّمة الواجب‏ .

‏وأمّا فیما نحن فیه فلیس کذلک‏ ‏؛ لأنّ المبحوث عنه فی المقام الأوّل فی‏‎ ‎‏استلزام تعلّق الأمر والنهی بعین ما تعلّق به الآخر عند اتحاد المتعلّقین‏ ‏، فیکون‏‎ ‎‏الأمر والنهی متعارضین‏ ‏، أو عدم استلزام ذلک‏ ‏، فلا تعارض‏ ‏، ومن الواضح أنّ ثبوت‏‎ ‎‏التعارض وعدمه‏ ‏، لا یقع بنفسه کبری القیاس ما لم ینضمّ إلیه قواعد التعارض من‏‎ ‎‏الترجیح أو التخییر‏ .

‏وفی المقام الثانی إنّما هو فی کفایة وجود المندوحة فی رفع غائلة التزاحم‏ ‏، وعدم‏‎ ‎‏کفایته‏ ‏، فیکون بحثاً عمّا یقتضی وجود التزاحم وعدمه‏ ‏، وهو أیضاً لیس بنفسه کبری‏‎ ‎‏القیاس ما لم تنضمّ إلیه قواعد التزاحم‏ .

‏فالإنصاف : أنّ البحث فی المسألة أشبه شیء بالبحث عن المبادئ التصدیقیة‏ ‏؛‏‎ ‎‏لرجوع البحث فیها إلی البحث عمّا یقتضی وجود الموضوع لمسألة التعارض‏‎ ‎‏والتزاحم‏ ‏، ولیس بحثاً عن المسألة الاُصولیة‏ ‏، ولا عن المبادئ الأحکامیة‏‎[6]‎ ‏، انتهی‏‎ ‎‏کلامه محرّراً‏ .

وما أفاده ‏قدس سره‏‏ غیر وجیه‏ ‏، ولتوضیح بعض الإشکال فیه ینبغی الإشارة الإجمالیة‏‎ ‎‏إلی معنی المبدأ التصوّری والمبدأ التصدیقی‏ ‏، وأنّ المبادئ الأحکامیة لیست أمراً‏‎ ‎‏خارجاً عنهما‏ ‏، بل اصطلاح محض فیما یرجع إلی الأحکام الشرعیة‏ .

فنقول : ‏لکلّ مسألة موضوع‏ ‏، ومحمول‏ ‏، ونسبة حکمیة‏ ‏، وحکم‏ ‏، فما یکون‏‎ ‎‏دخیلاً فی تصوّر موضوع المسألة أو محمولها ـ بل النسبة بینهما ـ یکون مبدءً تصوّریاً‏‎ ‎‏بالنسبة إلیها، وأمّا ما یکون دخیلاً فی التصدیق بالمسألة ـ أی فی التصدیق بثبوت‏‎ ‎‏المحمول للموضوع ـ فیکون مبدءً تصدیقیاً‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 33
‏مثلاً : «الأمر یدلّ علی الوجوب» مسألة‏ ‏، فکلّ ما یکون دخیلاً فی تصوّر الأمر‏‎ ‎‏وأنّه ماذا؟ وفی أنّ الوجوب ما هو؟ وفی النسبة بینهما؟ یکون مبدءً تصوّریاً بالنسبة‏‎ ‎‏إلیها‏ ‏، وأمّا ما یکون دخیلاً فی التصدیق بأنّ الأمر یدلّ علی الوجوب‏ ‏، فیکون مبدءً‏‎ ‎‏تصدیقیاً بالنسبة إلیها‏ ‏، فلکلّ مسألة جهة تصدیقیة‏ ‏، وجهات تصوّریة‏ .

‏وبما ذکـرنا یظهر : أنّ المبادئ الأحکامیـة ـ کما یلهج بـه بعض الألسنـة ـ‏‎ ‎‏لیست شیئاً آخر وراء ما ذکرنا‏ ‏، والتعبیر بها مجرّد اصطلاح‏ ‏؛ لأنّ کلّ ما یکون دخیلاً‏‎ ‎‏فی موضوع الحکم الشرعی أو محموله أو النسبة بینهما‏ ‏، یکون مبدءً تصوّریاً للحکم‏‎ ‎‏الشرعی‏ ‏، وما یکون دخیلاً فی الحکم الشرعی یکون مبدءً تصدیقیاً بالنسبة إلیه‏ ‏،‏‎ ‎‏فلیس هنا أمر وراء ما ذکرنا نسمّیه بـ‏ ‏«المبادئ الأحکامیة» نعم وقع الاصطلاح فی‏‎ ‎‏تسمیة ما یکون دخیلاً فی الحکم الشرعی بـ‏ ‏«المبادئ الأحکامیة» ولا مضایقة فیه‏ .

‏فظهر لک المراد بـ‏ ‏«المبدأ التصوّری» و«التصدیقی» وأنّ الأوّل عبارة عن کلّ ما‏‎ ‎‏یکون دخیلاً فی تصوّر أطراف القضیة‏ ‏، وأنّ الثانی عبارة عمّا یکون دخیلاً فی‏‎ ‎‏التصدیق بأنّ المحمول للموضوع‏ .

وأمّا ‏ما یکون دخیلاً فی التصدیق بوجود موضوع المسألة أو محمولها ـ أی ما‏‎ ‎‏یکون دخیلاً فی تحقّق أطراف المسألة ـ فاختلف فی کونه مبدءً تصوّریاً أو تصدیقیاً‏ ‏،‏‎ ‎‏والحقّ کما أفاده بعض‏ ‏، أنّ ما یکون دخیلاً فی التصدیق بالهوهویة وأنّ المحمول هو‏‎ ‎‏الموضوع‏ ‏، مبدأ تصدیقی‏ ‏، وأمّا غیره ـ سواء کان دخیلاً فی تصوّر الأطراف‏ ‏، أو کان‏‎ ‎‏دخیلاً فی تحقّقها ـ فمبدأ تصوّری‏‎[7]‎ ‏، والتفصیل یطلب من محلّه‏ .

إذا تمهّد لک ذلک فنقول : فیما أفاده مواقع للنظر :


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 34
‏فأوّلاً :‏‏ أنّ النـزاع ـ کما أشـرنا إلیـه ـ فی مسألـة جواز الاجتماع کبروی‏‎ ‎‏لا صغروی‏ ‏؛ وفی سرایة کلّ من الأمر والنهی لعین ما تعلّق بالآخر وعدمها‏ ‏، حتّی‏‎ ‎‏یتوهّم کون البحث فیها عن مبدأ تصدیقی لموضوع مسألة التعارض علی وجه‏ ‏، أو‏‎ ‎‏لموضوع مسألة التزاحم علی وجه آخر‏ .

وثانیاً :‏ لو سلّم کون النزاع فی ذلک‏ ‏، ولکن ستعرف قریباً أنّ هذه المسألة‏‎ ‎‏لا تکون محقّقة لموضوع مسألة باب التعارض أو التزاحم‏ ‏، فارتقب حتّی حین‏ .

وثالثاً :‏ لو سلّم ذلک أیضاً‏ ‏؛ وأنّ هذه المسألة محقّقة لموضوع مسألة التعارض‏‎ ‎‏أو التزاحم‏ ‏، ولکن لا یوجب ذلک أن تکون هذه المسألة مبدءً تصدیقیاً بالنسبة إلیهما‏ ‏،‏‎ ‎‏بل لا تکون مبدءً تصوّریاً لهما أیضاً :‏

أمّا‏ عدم کونها مبدءً تصدیقیاً لهما‏ ‏؛ فلما أشرنا إلیه من أنّ المبدأ التصدیقی‏‎ ‎‏لمسألة‏ ‏، هو الذی یکون دخیلاً فی التصدیق بنفس المسألة. ولو تنزّلنا فیمکن أن‏‎ ‎‏یعدّ ما یکون دخیلاً فی التصدیق بوجود الموضوع أو المحمول‏ ‏، مبدءً تصوّریاً‏ ‏،‏‎ ‎‏ومن المعلوم أنّ محقّق موضوع المسألة غیر دخیل فی تصدیقها‏ ‏، ولا فی التصدیق‏‎ ‎‏بوجود الموضوع أو المحمول‏ .

وأمّا‏ عدم کونها مبدءً تصوّریاً لها‏ ‏؛ فلما أشرنا إلیه أیضاً من أنّه عبارة عمّا‏‎ ‎‏یکون دخیلاً فی تصوّر أطراف القضیة‏ ‏، أو دخیلاً فی التصدیق بوجود الموضوع أو‏‎ ‎‏المحمول‏ ‏، ومن الواضح أنّ ما یکون محقّقاً لموضوع مسألة‏ ‏، هو الذی إن لم یتمّ البحث‏‎ ‎‏فیه لا یکون وقْع للبحث فیها‏ ‏، وبعبارة اُخری : محقّق موضوع مسألة هو علّة‏‎ ‎‏وجودها‏ ‏، وکم فرق بین علّة وجود الشیء‏ ‏، وبین ما یکون دخیلاً فی تصوّره‏ ‏، أو‏‎ ‎‏التصدیق بوجوده‏ ‏، بل فی التصدیق بنفس القضیة!! ألا تری أنّه تعالی علّة وجود‏‎ ‎‏الموضوعات وتحقّقها‏ ‏، ولیس مبدءً تصوّریاً ولا تصدیقیاً لشیء من العلوم!!‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 35
‏فتحصّل : أنّ مسألة الاجتماع ـ لو سلّم کونها محقّقة لموضوع مسألة‏‎ ‎‏التعارض أو التزاحم ـ لا تکون مبدءً تصدیقیاً ولا تصوّریاً لهما‏ ‏، بل من علل‏‎ ‎‏وجودها‏ ‏، فتدبّر‏ .

ورابعاً :‏ أنّ مجرّد کون مسألة مبدءً تصدیقیاً لمسألة‏ ‏، لا یوجب أن لا تکون‏‎ ‎‏المسألة اُصولیة‏ ‏؛ لأنّه من الممکن أن تکون المسألة مع کونها مسألة اُصولیة‏ ‏،‏‎ ‎‏مبـدءً تصدیقیاً لمسألـة اُخری‏ ‏، ألا تـری أنّ مسألة حجّیة خبر الواحـد مسألـة‏‎ ‎‏اُصولیة‏ ‏، بل من مهمّاتها‏ ‏، مع أنّها بزعمه ‏‏قدس سره‏‏ تکون مبدءً تصدیقیاً لموضوع مسألة‏‎ ‎‏التعارض!! ومسألتنا هذه کذلک‏ ‏؛ لأنّها لو تمّت تکون مبدءً تصدیقیاً لموضوع مسألة‏‎ ‎‏التعارض أو التزاحم‏‎[8]‎ .

ربما یظهر من بعض الأعاظم (دام ظلّه)‎[9]‎‏ : نفی کون مسألة الاجتماع مسألة‏‎ ‎‏اُصولیة‏ ‏؛ لأنّ موضوع علم الاُصول هو الحجّة فی الفقه‏ ‏، کما علیه الشافعی خرّیت‏‎ ‎‏فنّ الاُصول‏ ‏، وموضوع العلم ما یبحث فیه عن عوارضه الذاتیة‏ ‏، فلابدّ وأن یکون‏‎ ‎‏البحث فی مسائل علم الاُصول عن عوارض الحجّة‏ ‏، ومن الواضح أنّ مسألة جواز‏‎ ‎‏اجتماع الأمر والنهی وعدمه‏ ‏، لم تکن بحثاً عن عوارض الحجّة فی الفقه‏‎[10]‎ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 36
وقد تقدّم‏ الکلام مفصّلاً فی مقاله دام ظلّه فی صدر الکتاب‏‎[11]‎ ‏، وقلنا بأنّه‏‎ ‎‏لا دلیل علی لزوم أن یکون لکلّ علم موضوع‏ ‏؛ حتّی یبحث فیه عن عوارضه الذاتیة‏ ‏،‏‎ ‎‏وأنّه لا نسلّم کون الوجوب والحرمة من عوارض فعل المکلّف لو سلّم کونهما من‏‎ ‎‏العوارض‏ ‏، ولا دلیل علی کون موضوع علم الاُصول الحجّة فی الفقه‏ ‏، ولو سلّم کون‏‎ ‎‏موضوع علم الاُصول ما أفاده دام ظلّه فغایة ما یقتضیه الاعتبار ویمکن تسلّمه‏ ‏، هو‏‎ ‎‏ما یکون حجّة فی الفقه بالحمل الشائع وما یحتجّ به الفقیه فی الفقه‏ ‏، لا ما هو الحجّة‏‎ ‎‏بالحمل الأوّلی‏ ‏، ومن المعلوم أنّه کما أنّ البحث عن مسألة حجّیة خبر الواحد مسألة‏‎ ‎‏اُصولیة‏ ‏؛ لکون البحث فیها عمّا یکون حجّة بالحمل الشائع‏ ‏، ویستنتج منها الفقیه‏‎ ‎‏حکماً کلّیاً آلیاً فرعیاً‏ ‏، فکذلک مسألتنا هذه‏ ‏؛ فإنّه یبحث فیها عمّا یکون مصداقاً‏‎ ‎‏للحجّة‏ ‏، ویُثبِت بها حکماً کلّیاً آلیاً فرعیاً‏ .

‏وبالجملة : لو أراد دام ظلّه أنّ موضوع علم الاُصول مفهوم الحجّة فی الفقه‏ ‏،‏‎ ‎‏فیلزم خروج جلّ المسائل الاُصولیة عنه لو لم یخرج کلّها‏ ‏؛ لعدم کون البحث فیها عن‏‎ ‎‏عنوان «الحجّة فی الفقه» إلاّ مع تکلّفٍ وتعسّف‏ ‏، ألا تری أنّ مسألة مقدّمة الواجب‏‎ ‎‏مسألة اُصولیة‏ ‏، وکذا مسألة الضدّ مسألة اُصولیة‏ ‏، وهکذا غیرهما‏ ‏، مع أنّ البحث فیها‏‎ ‎‏لم یکن عن عنوان «الحجّة» ولا موجب للالتزام بکون موضوع علم الاُصول هو‏‎ ‎‏مفهوم «الحجّة فی الفقه» حتّی یتکلّف فی إدراج بعض المسائل الاُصولیة فیه‏ ‏، کما لا‏‎ ‎‏موجب لالتزام بعض أرباب المعقول‏‎[12]‎‏ بأخذ الوجود موضوعاً لعلم الفلسفة لإدراج‏‎ ‎‏بعض المسائل العقلیة فیه‏ .

نعم ‏، لو أراد بذلک ما یکون مصداقاً للحجّة وما یحتجّ به الفقیه فی استنباط‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 37
‏الحکم الشرعی مـن الدلیل‏ ‏، فیمکن الالتزام به‏ ‏، ولعلّ الشافعی أیضاً یری أنّ‏‎ ‎‏موضوع علم الاُصول ما یکون حجّة بالحمل الشائع‏ ‏، وواضح أنّ مسألتنا هذه ممّا‏‎ ‎‏یصحّ الاحتجاج بها فی الفقه‏ ‏، ویستنتج منها حکم فرعی‏ ‏؛ وهو جواز الصلاة فی‏‎ ‎‏الدار المغصوبة‏ .

فظهر ممّا ذکرنا : ‏أنّ مسألة الاجتماع ـ علی ما ذهبنا إلیه من کون النزاع فیها‏‎ ‎‏کبرویاً‏ ‏، أو کما ذهب إلیه بعضهم من صغرویة النزاع ـ مسألة عقلیة اُصولیة‏ .

‏ولقد أحسن وأجاد المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ فی المقام‏ ‏، حیث قال : «إنّ نتیجة هذه‏‎ ‎‏المسألة حیث تقع فی طریق الاستنباط‏ ‏، کانت المسألة من المسائل الاُصولیة‏ ‏، لا من‏‎ ‎‏مبادئها الأحکامیة‏ ‏، ولا التصدیقیة‏ ‏، ولا من المسائل الکلامیة‏ ‏، ولا من المسائل‏‎ ‎‏الفرعیة ـ وإن کانت فیها جهاتها‏ ‏، کما لا یخفی ـ ضرورة أنّ مجرّد ذلک لا یوجب کونها‏‎ ‎‏منها إذا کانت فیها جهة اُخری یمکن عقدها معها من المسائل‏ ‏، وقد عرفت فی أوّل‏‎ ‎‏الکتاب : أنّه لا ضیر فی کون مسألة واحدة یبحث فیها عن جهة خاصّة من مسائل‏‎ ‎‏علمین‏ ‏؛ لانطباق جهتین عامّتین علی تلک الجهة‏ ‏؛ کانت بإحداهما من مسائل علم‏ ‏،‏‎ ‎‏وبالاُخری من آخر»‏‎[13]‎ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 38

  • )) تقدّم فی الصفحة 23 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 25 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 26 .
  • )) قوانین الاُصول : 140 / السطر 19.
  • )) قلت : ولعلّه ممّا ذکرنا یظهر النظر فی عدّ المحقّق النائینی قدس سره المسألة کلامیة إذا کان البحث فی إمکان اجتماع الأمر والنهی وامتناعه ؛ بزعم أنّ علم الکلام هو المتکفّل لبیان حقائق الأشیاء من واجباتها وممکناتها وممتنعاتها(أ)، فتأمّل فیما ذکره وما ذکرناه. [ المقرّر حفظه الله ]     أ ـ فوائد الاُصول 1 : 399 .
  • )) فوائد الاُصول 1 : 397 ـ 400 .
  • )) راجع الإشارات والتنبیهات (حاشیة المحقّق الطوسی) 1 : 299 ـ 300، شرح المقاصد 1 : 171، الحاشیة علی تهذیب المنطق : 115.
  • )) قلت : لعلّ التدبّر فی مقاله قدس سره یرشد إلی عدم توجّه هذا الإشکال علیه ؛ لأنّه قدس سره لم یدّعِ ذلک ، بل صرّح بعدم المنافاة بینهما ، وغایة ما ذکره هی أنّ الکبری المبحوث عنها إذا لم تقع بنفسها کبری القیاس ـ کهذه المسألة ـ لا تعدّ مسألة اُصولیة ، فالنقض بحجیّة خبر الواحد لعلّه فی غیر محلّه ؛ لأنّها بنفسها تقع کبری لقیاس الاستنباط وإن کانت مع ذلک عنده محقّقة للموضوع . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) یعنی به اُستاذنا الأعظم البروجردی ـ دام ظلّه ـ . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) لمحات الاُصول : 215 ـ 216 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 27 .
  • )) الشفاء ، الإلهیات : 10 ، الحکمة المتعالیة 1 : 23 .
  • )) کفایة الاُصول : 185 .