الأمر الثانی فی الفرق بین هذه المسألة ومسألة النهی عن العبادة أو المعاملة
إذا أحطت خبراً بما ذکرناه فی الأمر الأوّل ، یظهر لک الفرق بین هذه المسألة ومسألة النهی عن العبادة أو المعاملة التی سیجیء ذکرها ؛ وأنّه فی الموضوع والمحمول معاً ، أعنی بتمام الذات ؛ لوضوح أنّ موضوع هذه المسألة هو اجتماع الأمر والنهی علی عنوانین متصادقین علی موضوع واحد ، ومحمولها هو الجواز أو عدمه ، وموضوع تلک المسألة تعلّق النهی بالعبادة أو المعاملة ، ومحمولها إیجاب الفساد أو عدمه ، فامتازت کلّ من المسألتین عن الاُخری بتمام الذات ؛ لأنّ الامتیاز الذاتی بین المسألتین إمّا بالموضوع ، أو المحمول ، أو مجموعهما ، فالتمایز بالموضوع والمحمول تمایز بتمام الذات .
فإن کان الامتیاز بین المسألتین بأمر ذاتی بل بتمام الذات ، فلا تصل النوبة إلی الامتیاز بغیر الذات والذاتیات ، کالامتیاز بالأغراض ، فما أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره : «من أنّ الجهة المبحوث عنها الممیّزة لهذه المسألة عن تلک المسألة ؛ هی أنّ الجهة المبحوث عنها فی هذه المسألة ، هی أنّ تعدّد الوجه والعنوان هل یوجب تعدّد متعلّق الأمر والنهی ، أم لا؟ فالنزاع فی سرایة کلّ من الأمر والنهی إلی متعلّق الآخر ؛ لاتحاد متعلّقیهما وجوداً ، وعدم سرایته ؛ لتعدّدهما وجهاً ، والجهة المبحوث عنها هناک فی أنّ النهی عن العبادة أو المعاملة یوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجّه إلیها» ، لا یخلو من النظر ؛ وذلک :
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 28
أوّلاً : لأنّه إذا اختلفت مسألتان فی بعض الذات أو تمام الذات ـ أعنی الموضوع والمحمول ، کما فیما نحن فیه ـ فلا تصل النوبة إلی التمییز بینهما بالجهات الخارجیة والأغراض الخارجة عن حریم الذات ، ولا یصار إلیها بعد إمکان الامتیاز بما یکون دخیلاً فی الذات والذاتیات .
وثانیاً : أنّ الجهة المبحوث عنها فی هذه المسألة لیست ما ذکره ؛ لأنّ ما ذکره من المبادئ التصدیقیة .
والبرهان علی المسألة ؛ أی أنّه إذا اجتمع عنوانان تعلّق بواحد منهما أمر ، وبالآخر نهی ، وتصادقا علی موضوع واحد شخصی ، هل یجوز ، أم لا؟
وبالجملة : تمایز مسألة عن اُخری إنّما هو بموضوعها ومحمولها ، أو بأحدهما ، فإذا کانت المسألة متمیّزة عن اُخری بتمام ذاتها ـ کما فی المقام ـ فلا معنی للتمسّک بما هو خارج عن مرتبة الذات ؛ کسرایة کلّ من الأمر والنهی إلی متعلّق الآخر وعدمها فی المقام ، وکون النهی ـ بعد تسلیم السرایة ـ هل یوجب الفساد أم لا فی غیر المقام؟
مضافاً إلی أنّ الجهة المبحوث عنها فی المقام، لیست هی کون التعدّد فی الواحد یوجب تعدّد المتعلّق، أو لا، وأنّه هل یسری کلّ منهما إلی متعلّق الآخر، أو لا؟
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 29