المقصد الثانی فی النواهی

الأمر الأوّل‏: فی عنوان البحث

الأمر الأوّل : فی عنوان البحث

‏المعروف بینهم قدیماً وحدیثاً فی عنوان البحث : «هو أنّه هل یجوز اجتماع الأمر‏‎ ‎‏والنهی فی شیء واحد‏ ‏، أم لا؟»‏ ‏، ولا یخفی ما فیه‏ ‏؛ لأنّ المراد بـ‏ ‏«الواحد» إمّا الواحد‏‎ ‎‏الشخصی‏ ‏، أو الجنسی‏ ‏، أو النوعی‏ ‏، أو الأعمّ من الشخصی ومنهما :‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 23
لا سبیل‏ إلی إرادة الواحد الشخصی‏ ‏؛ لأنّ شخصیة الشیء إنّما هی بالوجود‏ ‏،‏‎ ‎‏وهو قبل الوجود کلّی‏ ‏، وبالوجود یصیر جزئیاً‏ ‏، فیلزم أن یکون البحث فی أنّه‏‎ ‎‏هل یجوز اجتماع الأمر والنهی فی الصلاة الخارجیة مثلاً الواقعة فی الدار الغصبیة‏ ‏، أم‏‎ ‎‏لا؟ ومن الواضح أنّ الخارج ظرف سقوط التکلیف لا ثبوته‏ ‏، فاجتماع الأمر والنهی‏‎ ‎‏لا معنی له‏ .

‏وبالجملة : الواحد الشخصی ـ بلحاظ کون الخارج ظرف سقوط التکلیف‏‎ ‎‏لا ثبوته ـ لا یعقل أن یتعلّق به تکلیف واحد‏ ‏، فضلاً عن تکلیفین‏ ‏، لأنّ الشیء بعد‏‎ ‎‏وجوده الخارجی لا یکاد یمکن أن یتعلّق به أمر أو نهی‏ ‏، فاجتماع الأمر والنهی فی‏‎ ‎‏الواحد الشخصی لا معنی له‏ .

ولو اُرید‏ بـ‏ ‏«الواحد» الواحد الجنسی ـ بأن یراد أنّ الواحد الذی له أنواع‏‎ ‎‏مختلفـة‏ ‏، متعلّق للأمر والنهی‏ ‏، کجنس الحرکـة الجامعـة بین الحرکة الصلاتیـة‏‎ ‎‏والحرکة الغصبیة ـ أو الواحد النوعی الذی له أصناف متعدّدة کالحرکة‏ ‏، لکنّها بعنایة‏‎ ‎‏اُخری‏ ‏، ففیه:‏

أوّلاً :‏ أنّ الواحد الکذائی ـ الجامع الجنسی أو النوعی ـ لم یتعلّق به أمر ولا‏‎ ‎‏نهی‏ ‏؛ لأنّ الأمر تعلّق بعنوان «الصلاة» مثلاً‏ ‏، والنهی تعلّق بعنوان «الغصب» أو‏‎ ‎‏«التصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه» وبعد تعلّق الأمر والنهی کذلک‏ ‏، یمکن انتزاع‏‎ ‎‏جامع جنسی أو نوعی منهما‏ ‏، ولکنّه غیر ما تعلّق به التکلیف‏ .

وثانیاً :‏ لا معنی لتعلّق الأمر والنهی بالواحد الجنسی مع قطع النظر عن‏‎ ‎‏التصادق علی الواحد الشخصی‏ ‏؛ لأنّ الحرکة فی ضمن الصلاة تکون مأموراً بها‏ ‏، کما‏‎ ‎‏أنّها فی ضمن الغصب والتصرّف فی مال الغیر‏ ‏، تکون منهیّاً عنها مع قطع النظر عن‏‎ ‎‏تصادقهما فی الخارج‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 24
‏وبالجملة : یجوز الأمر بالحرکة المتحصّصة بالصلاة‏ ‏، والنهی عن الحرکة‏‎ ‎‏المتحصّصة بالغصب‏ ‏، بلا إشکال وریب‏ ‏، وکالأمر بالسجود لله تعالی‏ ‏، والنهی عنه‏‎ ‎‏للصنم‏ ‏، فلا معنی للنزاع فی الواحد الجنسی أو النوعی مع قطع النظر عن التصادق علی‏‎ ‎‏الواحد الشخصی‏ .

‏إذا تمهّد لک حال إرادة الواحد الشخصی أو الواحد الجنسی أو النوعی‏ ‏، یظهر‏‎ ‎‏لک الأمر فی إرادة الأعمّ من الشخصی ومنهما‏ .

فظهر ممّا ذکرنا :‏ أنّ الواحد الشخصی لم یکن محلاًّ للبحث‏ ‏؛ لعدم معقولیته‏ ‏، ولا‏‎ ‎‏الواحد الجنسی أو النوعی‏ ‏؛ لعدم محذور فیه‏ ‏، بل لا ینبغی البحث والنزاع فیه‏‎ ‎‏لوضوحه‏ ‏، فالبحث فی الحقیقة إنّما هو فی انطباق عنوانی المأمور به والمنهیّ عنه‏‎ ‎‏وتصادقهما فی الموجود الخارجی‏ ‏، فالحری عقد عنوان البحث هکذا : هل یجوز اجتماع‏‎ ‎‏الأمر والنهی علی عنوانین متصادقین خارجاً علی واحد شخصی‏ ‏؛ بحیث یکون‏‎ ‎‏الموضوع الخارجی مجمع العنوانین‏ ‏، أم لا؟‏

فعلی هذا ‏، یکون النزاع فی هذه المسألة کبرویاً لا صغرویاً‏ ‏، خلافاً للعلمین‏‎ ‎‏الخراسانی والنائینی لأنّه یظهر منهما أنّ النزاع فی المسألة صغروی‏ ‏، فقد‏‎ ‎‏قال المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ فی الأمر الثانی عند بیان الفرق بین هذه المسألة‏‎ ‎‏ومسألة النهی فی العبادة : «إنّ الجهة المبحوث عنها فی هذه المسألة‏ ‏، هی أنّ‏‎ ‎‏تعدّد الوجه والعنوان فی الواحد‏ ‏، هل یوجب تعدّد متعلّق الأمر والنهی‏ ‏؛ بحیث‏‎ ‎‏یرتفع به غائلة استحالة الاجتماع فی الواحد بوجه واحد‏ ‏، أو لا یوجبه‏ ‏، بل یکون‏‎ ‎‏حاله حاله‏‎[1]‎‏؟‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 25
‏فالنزاع فی سرایة کلّ من الأمر والنهی إلی متعلّق الآخر‏ ‏؛ لاتحاد متعلّقیهما‏‎ ‎‏وجوداً‏ ‏، وعدم سرایته‏ ‏؛ لتعدّدهما وجهاً‏ . . . »‎[2]‎‏ .‏

‏فقال المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ : «إنّ ظاهر عنوانهم البحث ـ بأنّه هل یجوز اجتماع‏‎ ‎‏الأمر والنهی فی شیء واحد؟ ـ کون النزاع فی تضادّ الأمر والنهی وعدمه‏ ‏، مع أنّ‏‎ ‎‏تضادّ الأحکام بأسرها‏ ‏، أمر مفروغ عنه غیر قابل للنزاع فیه‏ ‏، فلیس ظاهر العنوان‏‎ ‎‏مراداً قطعاً‏ ‏، فالبحث إنّما هو فی أصل لزوم الاجتماع وعدمه‏ ‏، لاجوازه وعدمه‏ ‏،‏‎ ‎‏فالأولی تبدیل عنوان البحث هکذا : إذا اجتمع متعلّق الأمر والنهی من حیث الإیجاد‏‎ ‎‏والوجود‏ ‏، فهل یلزم مـن الاجتماع الکذائی أن یتعلّق کلّ مـن الأمر والنهی بعین‏‎ ‎‏ما تعلّق به الآخر‏ ‏، کما هو مقالة القائل بالامتناع‏ ‏، أو لا یلزم ذلک‏ ‏، کما هو مقالة‏‎ ‎‏القائل بالجواز؟‏ . . . »‎[3]‎‏ .‏

‏فتری أیّها الخبیر أنّهما بصدد تحریر محطّ النزاع بنحو لا یلزم القائلین‏‎ ‎‏بالجواز‏ ‏، اجتماع الأمر والنهی فی شیء واحد‏ ‏، فنزاع القوم فی الحقیقة فی أنّه هل یلزم‏‎ ‎‏اجتماع الأمر والنهی فی شیء واحد‏ ‏، أم لا؟ فیکون النزاع صغرویاً‏ .

وواضـح‏ أنّه لا داعی إلی عقد عنوان البحث صغرویاً بعد إمکان عقد البحث‏‎ ‎‏کبرویاً‏ ‏؛ أی فی جواز اجتماع الأمر والنهی علی عنوانین کلّیین متصادقین فی الخارج‏‎ ‎‏علی أمر واحد شخصی وعدمه‏ ‏، فمن لم یجز ذلک یری أنّ الأمر والنهی المتعلّقین‏‎ ‎‏بالعنوانین‏ ‏، یسریان إلـی الخارج‏ ‏، ومـن جوّزه یری عدم سرایة الحکم المتعلّق‏‎ ‎‏بالعنوان إلی الخارج‏ ‏، وما ذکره العلمان دلیل أحد شقّـی المسألة‏ ‏، وواضح أنّه‏‎ ‎‏لا بدّ من عقد عنوان البحث بنحو قابل للردّ والقبول‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 26
‏وبالجملة : لزوم التوالی الفاسدة من لزوم اجتماع الأمر والنهی فی شیء‏‎ ‎‏واحد واجتماع الضدّین‏ ‏، إنّما هو دلیل أحد طرفی التردید‏ ‏، فلا معنی لجعله معقداً‏‎ ‎‏للبحث‏ ‏، فتدبّر‏ .

إذا تمهّد لک ما ذکرنا یظهر لک :‏ أنّ المراد بـ‏ ‏«الواحد» هو الواحد الشخصی‏ ‏؛‏‎ ‎‏إبقاءً لما ورد من السلف إلی الخلف‏ ‏، خلافاً للمحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ حیث قال : «إنّ‏‎ ‎‏المراد بالواحد مطلق ما کان ذا وجهین ومندرجاً تحت عنوانین : بأحدهما کان‏‎ ‎‏مـورداً للأمـر‏ ‏، وبالآخـر للنهی‏ ‏؛ وإن کان کلّیاً مقولاً علـی کثیرین‏ ‏، کالصلاة فی‏‎ ‎‏المغصوب. وإنّما ذکر هـذا لإخـراج ما إذا تعـدّد متعلّق الأمـر والنهی‏ ‏، ولم یجتمعا‏‎ ‎‏وجـوداً ولو جمعهما واحـد مفهوماً‏ ‏، کالسجـود لله تعالی‏ ‏، والسجـود للصنـم‏ ‏، لا‏‎ ‎‏لإخراج الواحـد الجنسـی أو النوعـی‏ ‏، کالحرکـة والسکون الکلّیین المعنـونین‏‎ ‎‏بالصلاتیة والغصبیة‏ . . . »‎[4]‎‏ .‏

وأنت خبیر :‏ بأنّ الصلاة فی الدار المغصوبة لم تکن أمراً واحداً‏ ‏، ولم تکن متعلّقة‏‎ ‎‏للأمر‏ ‏، ولا النهی‏ ‏، بل الأمر تعلّق بعنوان«الصلاة» والنهی تعلّق بعنوان «الغصب»‏‎ ‎‏و«التسلّط علی مال الغیر بغیر رضاه» وهما فی عالم العنوانیة متغایران‏ ‏، غایة الأمر‏‎ ‎‏یتحدان باعتبار الوجود الخارجی‏ .

‏ثمّ إنّه لا یخفی : أنّه لو لم یلحظ الواحد بلحاظ وجوده الخارجی‏ ‏، فلا ینبغی‏‎ ‎‏الإشکال والخلاف فی جواز تعلّق الأمر والنهی به‏ ‏، کالسجود لله تعالی‏ ‏، وللصنم‏ ‏، وإنّما‏‎ ‎‏الإشکال والخلاف فیما إذا لوحظ اجتماعهما وتصادقهما علی موجود خارجی‏ ‏، فالأولی‏‎ ‎‏أن یتحدّد عنوان البحث بما ذکرنا‏ ‏، فتدبّر‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 27

  • )) قلت: یعنی یکون حال ذی الجهتین حال الشیء الواحد ذی الوجه الواحد فی استحالة اجتماع الأمر والنهی فیه . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) کفایة الاُصول : 184 .
  • )) فوائد الاُصول 1 : 396 ـ 397 .
  • )) کفایة الاُصول : 183 .