المطلب الأوّل فی الأوامر وفیه فصول

الأمر الأوّل

الأمر الأوّل

‏أنّهم اختلفوا فی أنّها من المسائل العقلیّة أو اللّفظیّة‏‎[1]‎‏، وعنونها بعضهم: بأنّ‏‎ ‎‏الإتیان بالمأمور به علی وجهه هل یقتضی الإجزاء أو لا‏‎[2]‎‏؟‏

وبعضهم: ‏بأنّ الأمر هل یدلّ علی الإجزاء إذا اُتی بالمأمور به علی وجهه أو لا‏‎[3]‎‏؟‏

وثالث: ‏بأنّه إن عُنوِنت المسألة بالأوّل فعقلیّة، وإن عُنوِنت بالثانی فلفظیّة‏‎[4]‎‏.‏

فنقول: ‏لا وجه للبحث فی دلالة الهیئة علیه فقط؛ لما مرّ أنّها موضوعة لمجرّد‏‎ ‎‏الإغراء والبعث، ولا فی المادّة فقط؛ لما مرّ من أنّها موضوعة لمجرّد الطبیعة لا بشرط،‏‎ ‎‏ولا مجموعهما، وکما أنّه لا دلالة للفظ الأمر علی الفور ولا علی التراخی ولا المرّة‏‎ ‎‏والتکرار، کذلک لا یدلّ شیء منها لفظاً علی سقوط الأمر إذا فعل المکلّف المأمور به،‏‎ ‎‏وهل تری أن یدلّ الأمر علی ذلک المعنی المفصّل؟!‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 284
‏والعجب من المحقّق العراقی مع ذهابه إلی أنّ المسألة لفظیّة‏‎[5]‎‏ قال: إنّ اللّفظ یدلّ‏‎ ‎‏بالالتزام علی ذلک‏‎[6]‎‏، فلابدّ أن یرید منه الدلالة الالتزامیة البیِّنة مثل دلالة طلوع‏‎ ‎‏الشمس علی وجود النهار کی تندرج فی الدلالات اللفظیّة، وهو کما تری.‏

‏وأمّا عنوانها بأنّ الإتیان بالمأمور به علی وجهه... إلی آخره، فنقول ملاحظة‏‎ ‎‏هذا العنوان مع الأبحاث المذکورة فی هذه المسألة وخلالها توجب تردّد النزاع بین‏‎ ‎‏أن یکون کُبرویّاً غیر قابل للبحث عنه لوضوحه، وبین أن یکون صغرویّاً؛ وذلک لأنّه‏‎ ‎‏إن وقع البحث فی أنّ کلاًّ من الأمر الواقعی الأوّلی والواقعی الثانوی ـ أی الاضطراری‏‎ ‎‏والأمر الظاهری ـ والعمل علی طبق الأمارات والاُصول هل یقتضی الإجزاء عن أمر‏‎ ‎‏نفسه؛ بمعنی سقوط أمر کلّ واحد منها بالعمل علی طبق کلّ واحد؟ فالنزاع فی‏‎ ‎‏الجمیع کُبروی واضح غیر قابل لوقوع البحث عنه والنزاع فیه بین الفحول، مع عدم‏‎ ‎‏وجود قائل بعدمه.‏

‏وإن کان البحث فی أنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری أو الاضطراری هل‏‎ ‎‏یقتضی الإجزاء عن الأمر الواقعی؛ بمعنی سقوطه وعدم وجوب الإتیان بالمأمور به‏‎ ‎‏بالأمر الواقعی عند رفع الاضطرار وانکشاف الخلاف فی الوقت أو خارجه؟ فهو وإن‏‎ ‎‏کان قابلاً لأن یقع فیه البحث بین الأعلام، لکنّه صُغروی؛ لأنّ مرجعه إلی أنّ الأمر‏‎ ‎‏الاضطراری أو الظاهری هل یصحّح موضوع التکلیف فیُجزی عن الواقع أو لا؟‏

وبعبارة اُخری: ‏مرجع البحث إلی أنّ الأوامر الظاهریّة أو الاضطراریّة هل هی‏‎ ‎‏حاکمة علی الأدلّة الواقعیة، أو لا، کما هو مقتضی حجّیّة الأمارات لأجل بناء العقلاء‏‎ ‎‏علیها، وهو التحقیق أیضاً؟‏

‏والظاهر أنّ عنوان البحث هو ما عنون به القدماء وهو أنّ الإتیان بالمأمور به‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285
‏علی وجهه هل یقتضی الإجزاء أو لا؟‏‎[7]‎‏ غایة الأمر أنّ بعض الأدلّة علیها عقلی،‏‎ ‎‏وبعضها لفظی ولا یحتاج إلی عنوان جامع بین العقلی واللّفظی؛ لأنّ الاختلاف فی‏‎ ‎‏کیفیّة الاستدلال من حیث إنّ بعض الأدلّة عقلی، وبعضها لفظی، وبالنسبة إلی أنّ‏‎ ‎‏الإتیان بکلّ واحد منها مُجزٍ عن أمر نفسه، فالدلیل علیه عقلی، وبالنسبة إلی إجزاء‏‎ ‎‏الأمر الظاهری أو الاضطراری عن الأمر الواقعی، فالدلیل علیه لفظی، والاختلاف فی‏‎ ‎‏کیفیّة الاستدلال لا ینافی شمول العنوان لکلیهما.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286

  • )) بدائع الأفکار (تقریرات العراقی) 1 : 260 ـ 261.
  • )) وقایة الأذهان : 196 ، کفایة الاُصول : 104 ، اُنظر الفصول الغرویّة : 116 ، ومعارج الاُصول : 72 ، والذریعة إلی اُصول الشریعة 1 : 121.
  • )) اُنظر المعتمد 1 : 90.
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات العراقی) 1 : 260 ـ 261.
  • )) نفس المصدر 1 : 261.
  • )) نفس المصدر 1 : 261 ـ 262.
  • )) اُنظر معارج الاُصول : 72، والذریعة إلی اُصول الشریعة 1 : 121.