الأمر الأوّل : الأقوال فی ترکیب المشتقّ وبساطته والحقّ فیها
اختلفوا فی أنّ المشتقّ بسیط أو مرکّب علی أقوال.
توضیح ذلک : أنّ الترکیب علی قسمین : الترکیب التفصیلی، کما فی «غلام زید»،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 177
وهو عبارة عن ترکّب اللّفظ من لفظین موضوعین؛ کلّ واحدٍ لمعنیً، والترکیب الانحلالی، وهو عبارة عن اللّفظ والمعنی البسیطین القابلین للتحلیل عند التعمّل العقلی مع بساطة اللّفظ ومعناه.
وهنا قسم آخر للبسیط : وهو ما لا یقبل لفظه الانحلال ولو عقلاً، وکذلک معناه لکنّه ینحلّ کانحلال الجوامد إلی الهیولی والصورة.
فلابدّ أوّلاً من التعرّض لبیان الوجه فی کلّ واحدٍ من أقسام الترکّب والبساطة، ثمّ التعرّض لما هو المختار فی المشتقّ.
فنقول : یمکن تصویر القسم الأوّل من الترکیب فی المشتقّات : بأن یقال إنّ المشتقّ مرکّب من المادّة والهیئة، وکلٌّ منهما موضوع لمعنیً : الاُولی لطبیعة الحدث، والثانیة لانتسابه إلی الفاعل، فکلّ واحدةٍ منهما موضوعة لمعنیً، فهو مرکّب بهذا المعنی لفظاً ومعنیً.
وتصویر القسم الثانی من الترکیب أیضاً فی المشتقّ : بأنّ کلّ واحدةٍ من المادّة والصورة وإن وضعت لمعنیً غیر الآخر، لکن المفهوم منها شیء واحد، وأمّا المادّة والهیئة فلا یستقلّ کلّ واحد منهما عن الآخر فی اللّفظ، ولا فی مقام الدلالة، ولا من حیث المعنی، وهذا فی عالم الألفاظ کالهیولی والصورة فی عالم الحقائق.
ویمکن تصویر البساطة بالمعنی الثالث : ـ أی الغیر القابل للانحلال ولو عقلاً ـ بأنّه لا فرق بین المصدر والمشتقّ إلاّ بالاعتبار، وهو اللاّبشرطیّة والبشرط لائیّة، کما ذهب إلیه المحقّق الدَّوانی وحیث إنّه لا یمکن حمل الحدث علی الذات وضعت هیئة المشتقّ لإمکان الحمل، لا لإفادة المعنی، نظیر ما تقدّم من أنّ هیئة المصدر موضوعة لإمکان النطق بالمادّة لا غیر، فعلی هذا فمفهوم المشتقّ بسیط غیر قابل للانحلال العقلی، فالأقوال فی المشتقّ ثلاثة : القول بأنّه مرکّب تفصیلاً، والقول بأنّه بسیط، لکنّه
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 178
قابل للانحلال بالتعمّل العقلی، والقول بأنّه بسیط غیر قابل للانحلال.
ثمّ إنّ هیئات المشتقّات اسمیّة وفعلیّة أیضاً مختلفة :
أمّا هیئة الأمر : فهی موضوعة لمعنیً حرفی، وهو إیجاد الطلب وحقیقة البعث بالحمل الشائع، وهو معنی قائم بالغیر.
وأمّا الماضی والمضارع : فقد عرفت أنّ لفظهما بسیط قابل للانحلال، ومعناهما أیضاً کذلک، فاللّفظ والمعنی فیهما متطابقان.
وأمّا المشتقّات الاسمیّة : فهی موضوعة لمعنیً بسیط؛ لعدم أخذ الذات ولا الانتساب إلی فاعل ولا غیر ذلک فی مفهومهما، بل الموادّ فیها موضوعة لنفس طبیعة الحدث، وهی فی تحصّلها تحتاج إلی التهیّؤ بهیئة من الهیئات، وتحصّلها بهیئة المصدر لا تفید فی إمکان الحمل، فوضع هیئة فاعل لمجرّد إمکان الحمل علی الذات، وإلاّ فلیس الانتساب إلی فاعل ما مأخوذاً فی مدلوله، فأظنّ أنّ المسألة ذات قولین لا غیر :
أحدهما : البساطة القابلة للانحلال.
الثانی : البساطة الغیر القابلة له.
وأمّا الترکّب التفصیلی : فلا أظنّ أنّ أحداً یلتزم به؛ بأن یکون مفاد «ضارب» ـ مثلاً ـ ثلاثة أشیاء مفصّلات : الذات، والانتساب إلی فاعل ما، والحدث؛ لشهادة الوجدان علی خلافه وأمّا ما یترائی من بعض کلماتهم ـ من أنّ معنی «ضارب» ذات ثبت لها الضرب ـ فلیس مرادهم أنّه مرکّب منهما، بل هو فی مقام تقریب المعنی إلی الأذهان.
والحقّ : أنّه موضوع لمعنیً بسیط قابل للانحلال العقلی، ولا مفرّ للقائل ـ بعدم
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 179
الفرق بین المشتقّ وبین مبدئه إلاّ بالاعتبار ـ عن الالتزام بالترکیب الانحلالی، وإلاّ فلا یمکنه حمل المشتقّ علی الذات.
ثمّ إنّه لا بأس بصرف عنان الکلام إلی التحقیق فی معنی قولهم : إنّه لا فرق بین المشتقّ ومبدئه إلاّ بالبشرط لائیّة واللاّبشرطیّة، وبیان أنّهما من الاُمور الاعتباریّة أو من الاُمور الواقعیّة، وهو یحتاج إلی تقدیم مقدّمة هی :
أنّ الموجودات الخارجیّة مختلفة فی أنفسها، ولها مراتب تسیر فیها، کالعناصر والمعادن والنباتات والحیوانات والإنسان، ولکلّ واحدةٍ من هذه المراتب مرتبتان : مرتبة التوقّف، ومرتبة التحرّک والسیر إلی المرتبة الأعلی منها، إلاّ المرتبة الأخیرة، وهی مرتبة الإنسانیّة، فلها مرتبة واحدة، وهی مرتبة التوقّف؛ وذلک لأنّ الموجود فی المرتبة الاُولی : إمّا أن یتوقّف فیها، وهی العناصر کالماء ـ علی القول ببساطته ـ وإمّا أن یتحرّک عنها، فهو العنصر المترقّی إلی أن یصیر معدناً، فإمّا أن یتوقّف فیه، فهی الجواهر المعدنیّة، وإمّا أن یتحرّک، ویترقّی إلی المرتبة التی فوقها، وهی مرتبة النباتیة، فإن توقّف فیها بعد الوصول إلیها، فهی النباتات، وإن لم یتوقّف، بل تحرّک وترقّی إلی ما فوقها، وهی مرتبة الحیوانیة کالبقر والغنم، فإمّا أن یتوقّف فیها، فهو الحیوان، وإلاّ فیتحرّک نحو المرتبة الأخیرة، وهی الإنسانیّة ویتوقف علیها.
ثمّ إنّ الأنواع مأخوذة من المراتب المتوقّفة، وکذلک الفصول، وأمّا الأجناس ـ متوسّطة وغیرها ـ فهی مأخوذة ومنتزعة من المراتب المتحرّکة، والمراتب المتحرّکة هی المعبّر عنها باللابشرط، کالعنصر المتحرِّک والمعدن المتحرِّک والحیوان المتحرِّک، والمراتب المتوقّفة هی المعبَّر عنها بالبشرط لائیّة، کالعناصر والمعادن والنباتات والحیوانات.
وحینئذٍ : فکلّ واحد من المعادن والنباتات والحیوانات : إمّا بشرط لا فی الواقع
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 180
ونفس الأمر، وهی المراتب المتوقّفة منها، أو اللاّبشرطیّة، وهی المراتب المتحرّکة منها.
فظهر من ذلک أنّ اللاّبشرطیّة والبشرط لائیّة من الاُمور الواقعیّة النفس الأمریّة التی لها واقع محفوظ، لا من الاُمور الاعتباریّة القائمة بالاعتبار فقط.
إذا عرفت هذا : فلنرجع إلی ما قیل من أنّ الفرق بین المشتقّ ومبدئه لیس إلاّ باللاّبشرطیّة والبشرط لائیّة، وقد أشرنا سابقاً أنّ مفاد الحمل هو الهُوهُویّة والاتّحاد، کما فی «الإنسان حیوان ناطق»، وهو إنّما یصحّ إذا اتّحدا؛ بأن یکون لهما هویّة واحدة فی الواقع ونفس الأمر فی المراتب اللاّبشرطیّة، وإلاّ لم یصحّ حمل أحدهما علی الآخر.
وکما أنّ الملاک فی صحّة الحمل فی مثل «زید إنسان» هو الاتّحاد والهُوهُویّة الخارجیّة، فکذلک فی مثل «الإنسان حیوان ناطق» و «زید ضارب» إلاّ أنّ الاتّحاد فی «زید ضارب» لیس ذاتیّاً، لکن للموضوع والمحمول فیه أیضاً نحو اتّحاد، وحیث إنّ الحدث البشرط لا آبٍ ومتعصٍّ عن الاتّحاد ـ لما عرفت من أنّ الاتّحاد إنّما هو فی المراتب اللاّبشرطیّة ـ وضعت الهیئة لإخراج المادّة عن التعصّی عن الحمل فقط، لا لإفادة المعنی، کما عن المحقّق الشیرازی، والقائل بالبساطة الغیر القابلة للانحلال لا مناص له عن الالتزام بذلک، وإلاّ فالقول بأنّ کلّ واحدة من المادّة والهیئة موضوعة بوضع علی حِدة لإفادة المعنی، لا یناسب القول بالبساطة علی النحو المزبور.
وأمّا توهم : أنّ کلّ واحد من المشتقّ ومبدئه موضوع لمعنیً واحد وهو الحدث لکنّه إن اعتبر بنحو اللاّبشرط أمکن حمله علی الذات وإن اعتبر بنحو البشرط لا فهو آبٍ وعاص عن الحمل وأنّ الفرق بینهما بمجرّد اعتبار المعتبر لا فی الواقع ونفس الأمر.
فهو غیر معقول : فإنّ مجرّد اعتبار المعتبر لا یغیّر الحدث عمّا هو علیه فی الواقع ونفس الأمر، فإن کان فی الواقع ونفس الأمر متعصیاً عن الحمل، فلا یتبدّل عمّا هو
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 181
علیه بمجرّد اعتبار المعتبر له بنحو اللاّبشرطیّة، بل هو باقٍ عمّا هو علیه من إبائه عن الحمل مع الاعتبار أیضاً، وإلاّ فلا، سواء اُخذ بنحو اللاّبشرطیّة أو البشرط لائیّة.
وبالجملة : هما من الاُمور النفس الأمریّة، فلا یرد علی ما ذکرنا ما أورده صاحب «الفصول» قدس سره : بأنّه یمتنع حمل العلم والحرکة علی الذات وإن اعتُبرا بنحو اللاّ بشرط.
ثمّ إنّک قد عرفت : أنّ المناط فی صحّة الحمل هو الاتّحاد والهُوهُویّة الخارجیّة فی الحمل الشائع والاتّحاد فی المفهوم فی الحمل الأوّلی، وحینئذٍ فلابدّ فی صحّة حمل المشتقّ علی الذات من وجود الملاک المزبور، وهو اتّحاده معها فی الوجود، ومن المعلوم عدم اتّحاد الحدث مع الذات، فلابدّ أن یکون فی المشتقّ حیثیّة بها صحّ حمله علیها، واتّحاده معها فی الوجود، فلا محالة یکون مفهوم المشتقّ مرکّباً : إمّا من الذات والحدث والنسبة، وقد عرفت خلافه.
وإمّا من الحدث والنسبة، کما عن المحقّق العراقی قدس سره علی ما فی التقریرات، فدلالته علی الذات عقلیّة.
وفیه أیضاً : أنّه مستلزم للترکّب؛ لاحتیاج النسبة المأخوذة فی مفهومه إلی المنتسبین، فمرجعه إلی الأوّل الذی لا یلتزم هو قدس سره به.
وإمّا من الذات والصفة عند التعمّل العقلی وتحلیله، وإلاّ فالمتبادر من المشتقّ أنّه مفهوم بسیط؛ أی الذات المعنونة لا مقیّداً بالعنوان، وهذا هو الحقّ.
وعلی هذا : فکلّ واحد من لفظ المشتقّ ومفهومه، بسیط قابل للانحلال والترکیب عند التحلیل العقلی إلی المادّة والهیئة والذات والصفة، وکذلک مدلوله، کما مرّ نظیره فی الأفعال.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 182
وذهب فی «الکفایة» إلی أنّه بسیط من جمیع الجهات، وأنّ البساطة بحسب المفهوم وحدته إدراکاً وتصوّراً؛ بحیث لا یتصوّر عند تصوّره إلاّ شیء واحد، لا شیئان وإن انحلّ بتعمّل من العقل إلی شیئین، کانحلال مفهوم الحجر والشجر إلی شیء له الحجریّة والشجریّة، مع وضوح بساطة مفهومیهما انتهی.
وفیه : أنّ قیاس المشتقّ بالجوامد غیر صحیح؛ لأنّ تحلیل الجوامد إلی شیئین غیر تحلیل المشتقّ إلیهما؛ لأنّ تحلیل الجوامد إنّما هو إلی المادّة والصورة فی الخارج، بخلاف المشتقّ، فإنّ تحلیله إلیهما إنّما هو فی عالم المفهومیّة. والحقّ ما اخترناه.
وأمّا ما أورده المحقّق الشریف علی القول بالترکیب بأنّه إن اُخذ مفهوم الذات فیه أو الشیء یلزم دخول العرض العامّ فی الفصل، وهو محال، وإن اُخذ مصداق الذات أو الشیء فیه یلزم انقلاب القضیّة الممکنة إلی الضروریّة فی قولنا : «زید ضاحک أو قائم»؛ حیث إنّ زیداً مصداق الذات أو الشیء، وحمل الشیء علی نفسه ضروری.
وبعبارة اُخری : لو ترکّب المشتقّ من الذات والحدث، فإن اُرید بالذات مفهومها ونحوه کمفهوم الشیء، لزم دخول العرض العامّ ـ وهو مفهوم الذات ـ فی الفصل فی مثل الناطق ونظائره، وهو محال.
وإن اُرید بها مصداق الشیء والذات لزم انقلاب مادّة الإمکان إلی الضرورة فی مثل «الإنسان ضاحک» أو «زید ضارب»؛ لأنّ مصداق الذات أو الشیء هو الإنسان وزید وثبوت الشیء لنفسه ضروری فکأنّه قیل فی المثالین «زید زید» و «الإنسان إنسان»، وهو أیضاً محال، فیستحیل ترکّب المشتقّ.
وفیه : أنّ ذلک لیس إشکالاً عقلیّاً علی القول بترکّب المشتقّ لیؤدّی إلی الاستحالة، بل مرجعه إلی دعوی تبادر خلاف ذلک من مفهوم المشتقّ، وأنّ القول
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 183
بالترکّب یوجب عدم صحّة تمثیل المنطقیّین للفصل بالناطق، لا دخول العرض العامّ فی الفصل الواقعی فی نفس الأمر، بناءً علی الشقّ الأوّل من التردید المذکور فی کلامه قدس سره.
وأمّا علی الثانی : فمرجع إشکاله هو أنّ ترکّب المشتقّ یستلزم أن یکون تمثیلهم للممکنة بمثل «زید قائم أو ضاحک» غلطاً، لا انقلاب مادّة الإمکان إلی الضرورة فی الواقع ونفس الأمر، فإنّ الواقع لا یتغیّر عمّا هو علیه، مع أنّ إشکال الانقلاب جارٍ فی الشقّ الأوّل من التردید أیضاً؛ لأنّ ثبوت مفهوم الشیئیّة للإنسان ضروری.
وبالجملة : ما ذکره قدس سره لیس إشکالاً عقلیّاً، بل غایته دعوی تبادر غیره.
وثانیاً : علی فرض استقامة ما ذکره وصحّته، یثبت به عدم ترکّب المشتقّ من الذات وغیرها، وعدم أخذ الذات فیه ـ لا مفهوماً ولا مصداقاً ـ لا عدم ترکّبه أصلاً وبساطته مطلقاً، فلعلّ القائل بالترکّب یدّعی ترکّبه من الحدث والنسبة، کما اختاره المحقّق العراقی قدس سره.
وثالثاً : لا ارتباط لهذا الإشکال بالقول بترکّب المشتقّ، بل هو لازم سواء قلنا بترکّبه أو بساطته؛ إذ لو فرض بساطته وعدم أخذ الذات فی مفهومه، فلا أقلّ من دلالة المادّة علی الحدث.
وإن قلنا : بأنّ الهیئة موضوعة لمجرّد إمکان الحمل وإخراج المادّة عن التعصّی عن الحمل ـ کما لا مناص للقائل ببساطته عن الالتزام به ـ وحینئذٍ فمعنی «زید ناطق» أو «الإنسان ناطق» أنّه نطقٌ لا بشرط، ولا شبهة فی أنّ الحدث من الأعراض، فیلزم دخول العرض فی الفصل، وهو محال، فهذه الاستحالة ـ بناءً علی ما ذکره ـ لازمة علی کلّ تقدیر.
ورابعاً : علی فرض الإغماض عمّا ذکرناه إنّما یرد ما ذکره علی القول بالترکّب التفصیلی، وأنّ معنی «الناطق» ومفهومه أنّه شیء له النطق، وأمّا علی ما اخترناه من
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 184
أنّ مفهومه بسیطٌ لکنّه قابل للانحلال العقلی، وأنّ معنی «الإنسان ناطق» أنّه الذات المعنونة بهذا العنوان فلا، وکذلک ما ذکره من لزوم الانقلاب بناءً علی الشرطیّة الثانیة، فإنّه إنّما یلزم علی القول بالترکّب التفصیلی، وأمّا علی ما اخترناه فلا، بل علی القول بالترکّب التفصیلی یصیر مجموع لفظ «زید» و «له النطق» محمولاً؛ لأنّه خاصّة مرکّبة نحو «طائر ولود» لا الانحلال إلی قضیّتین.
وظهر ممّا ذکرنا : ما فی استدلال بعض آخر لبساطة المشتقّ : بأنّه لو اُخذت الذات فی مفهوم المشتقّ لزم التناقض بین قولنا : «زید لیس بضاحک» وبین قولنا : «زید ضارب» واللاّزم باطل، وللزم التکرار فی قولنا : «زید قائم» وقولنا : «زید شیء»، واللاّزم باطل.
وما فی استدلال بعض آخر : بأنّه لو اُخذت الذات فی مفهومه لزم الالتزام باشتمال قولنا : «زید ضارب» علی أربع نسب، وهو کما تری.
ولا ینبغی تطویل الکلام فی هذه.
ویظهر أیضاً ما فی «الکفایة» : حیث قال الفرق بین المشتقّ ومبدئه : هو أنّه بمفهومه لا یأبی عن الحمل علی من تلبّس بالمبدأ، ولا یعصی عن الجری علیه؛ لما هما علیه من نحوٍ من الاتّحاد، بخلاف المبدأ، فإنّه بمعناه یأبی عن ذلک، بل إذا قیس ونسب إلیه کان غیره لا هو، وملاک الحمل والجری إنّما هو نحوٌ من الاتّحاد والهُوهُویّة، وإلی هذا یرجع ما ذکره أهل المعقول فی الفرق بینهما : من أنّ المشتقّ یکون لا بشرط، والمبدأ بشرط لا، وأنّ مفهوم المشتقّ غیر آبٍ عن الحمل، ومفهوم المبدأ آبٍ عنه انتهی.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 185
فإنّ فیه : أنّ ما أفاده فی الفرق بین المشتقّ ومبدئه صحیح، إلاّ أنّ المهمّ إنّما هو بیان الوجه والعلّة لإباء المبدأ عن الحمل دون المشتقّ، وعرفت أنّ اللاّبشرطیّة والبشرط لائیّة من الاُمور الواقعیّة النفس الأمریّة لا الاعتباریّة، وحینئذٍ فإن أراد أنّ المبدأ مأخوذ فی المشتقّ مع أنّه بشرط لا، یلزم أخذ المادّة فی ضمن المشتقّ بشرط لا ولا بشرط کلیهما، وهو غیر معقول، وإن أراد أخذه فی مفهوم المشتقّ بدون قید البشرط لائیّة، فلم تؤخذ المادّة بتمامها فی المشتقّ، فلا یدلّ علی تمام المبدأ، بل علی بعضه.
والتحقیق أن یقال : إنّ هنا اُموراً : أحدها الذات التی یجری علیها المشتقّ، وثانیها المادّة؛ أی طبیعة الحدث، الثالث هیئة المشتقّ، ورابعها المصدر واسمه.
والفرق بین الذات والمصدر واضح، وکذلک بین الذات والهیئة، وکذا بین المصدر والهیئة، وأمّا طبیعة الحدث التی هی مدلول المادّة فلیس لها تحصّل، فلا یمکن التعبیر عنها کی یفرّق بینها وبین غیرها، ولابدّ فی تحصّلها من تلبّسها بهیئة، فإن تلبّست بهیئة المصدر أو اسم المصدر فهی غیر قابلة للحمل علی الذات، وإن تهیّأت بهیئة فاعل أو مفعول تقبل الحمل علیها، فالدالّ علی الذات فی قولنا : «زید ضارب» هو لفظ «زید» الغیر القابل للتحلیل، ولفظ «ضارب» دالّ علی الذات المعنونة بهذا العنوان بنحو الحمل الشائع، لا التقیّد المفهومی، فهو معنیً بسیط، لکنّه قابل للانحلال بما أنّه مدلول، والدالّ علی نفس العنوان هو المبدأ.
قال فی «الفصول» : ـ بعد بیان أنّ الحمل یستدعی التغایر من وجه والاتّحاد من وجهٍ آخر ـ ما ملخّصه :
أنّ التغایر بین الموضوع والمحمول : إمّا اعتباری والاتّحاد حقیقی، مثل «زید إنسان» و «الإنسان حیوان ناطق».
وإمّا حقیقی فی تقرّرهما الماهوی، أو فی الوجود والاتّحاد اعتباری بتنزیل
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 186
الأشیاء المتغایرة منزلة الشیء الواحد وملاحظتها من حیث المجموع، فیلحقه بهذا الاعتبار وحدة اعتباریّة، فیصحّ حمل کلّ جزء من أجزائه المأخوذة لا بشرط علیه، وحمل کلّ واحد منها علی الآخر، نحو : «الإنسان جسم أو ناطق»، فإنّ الإنسان مرکّب فی الخارج حقیقة من الجسم والنفس.
فقد تحقّق : أنّ حمل أحد المتغایرین فی الوجود علی الآخر بالقیاس إلی ظرف التغایر، لا یصح إلاّ بشروط ثلاثة : أخذ المجموع ـ من حیث المجموع المرکّب منها ـ شیئاً واحداً، وأخذ الأجزاء لا بشرط، واعتبار الحمل بالنسبة إلی المجموع.
إذا تبیّن هذا فنقول : أخذ العَرَض لا بشرط لا یصحِّح حمله علی موضوعه ما لم یعتبر المجموع شیئاً واحداً، فإذا قلنا : «زید عالم أو متحرکّ»، ولم نرد بزید المرکَّب من الذات وصفة العلم أو الحرکة، بل نرید به الذات وحدها، امتنع حمل العلم والحرکة علیه وإن اعتبر لا بشرط.
والتحقیق : أنّ مفاد المشتقّ باعتبار الهیئة مفاد ذی هو، ولا فرق بین قولنا : «ذو بیاض» وبین قولنا : «ذو مال»، فکما أنّه ـ وإن اعتبر لا بشرط ـ لا یصحّ حمله علی الذات کذلک البیاض، وأنّ الحقّ أنّ الفرق بین المشتقّ ومبدئه هو الفرق بین الشیء وذی الشیء، لا أنّه مرکّب منهما، بل أمر منتزع من الذات بملاحظة قیام المبدأ بها انتهی.
وما ذکره قدس سره قریب ممّا ذکرناه بأدنی تفاوت فی بعض الجزئیات، فما أورد علیه فی «الکفایة» : ـ من أنّ ملاحظة اعتبار المجموع واعتباره شیئاً واحداً، یُنافی الحمل ومخلٌّ به ـ فی غیر محلّه؛ حیث إنّه قدس سره لم یرد اعتبار ذلک فی جمیع القضایا
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 187
الحملیّة، کما یستفاد من کلامه : أنّه فهم ذلک من «الفصول» کی یُشکل علیه بعدم لحاظ ذلک فی الحدود، نحو «الإنسان حیوان ناطق»، بل صریح کلامه هو أنّ اعتبار ذلک إنّما هو فیما لو کان التغایر بین الموضوع والمحمول حقیقیّاً فقط، فلعلّه قدس سره لم یتأمّل فی کلام «الفصول»، أو لم یکن عنده کتابه، وإلاّ لم یورد علیه بما ذکره، فالحقّ هو ما أفاده فی «الفصول».
وظهر ممّا ذکرنا أیضاً : فساد ما ذکره بعضهم : من أنّه لابدّ من اعتبار التغایر بین الموضوع والمحمول فی مثل «زید ضارب»؛ لاحتیاج النسبة إلی منتسبین متغایرین، وزاد بعضهم : أنّه لا یکفی التغایر الاعتباری، بل لابدّ من التغایر الحقیقی وفی نفس الأمر؛ لاحتیاج النسبة إلی منتسبین کذلک.
إذ قد عرفت : أنّ مفاد مثل المثال المذکور هو الهُوهُویّة والاتّحاد، والقضایا التی مفادها ذلک لا تتضمّن النسبة أصلاً، کما فی «زید زید» و «زید إنسان» ونحوهما؛ حیث إنّ مفاده : أنّه هو، لا أنّه منتسب إلی آخر، ولا حمل الصورة الذهنیّة لزید علیه.
نعم : قولنا : «زید له القیام» متضمّن للنسبة المحتاجة إلی المنتسبین المتغایرین : أحدهما «زید»، والآخر «القیام» ولفظة «له» دالّة علی النسبة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 188