المقدمة وتشتمل علی اُمور

أدلّة الأعمّی ومناقشتها

‏ ‏

أدلّة الأعمّی ومناقشتها

‏واستُدلّ للأعمّ بوجوه : ‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 174
الأوّل التبادر‎[1]‎‏: وقد عرفت أنّ المتبادر هو خصوص المتلبّس لا الأعمّ، وأنّ‏‎ ‎‏دعواه فی المقام فرع وجود الجامع الذاتی أو المقولی بین المتلبّس والمنقضی عنه المبدأ،‏‎ ‎‏وهو مفقود.‏

الثانی : ‏أنّه لا شبهة فی وجوب قطع ید من تلبّس بالسرقة فی زمانٍ سابق؛‏‎ ‎‏لقوله تعالی : ‏‏«‏اَلسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا اَیْدِیَهُما‏»‏‎[2]‎‏، وحدّ الزانی کذلک لقوله‏‎ ‎‏تعالی : ‏‏«‏اَلزَّانِیَةُ وَالزَّانِی فَاجْلِدُوا کُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ‏»‏‎[3]‎‏، ولا یتمّ دلالتهما‏‎ ‎‏علی وجوبهما مع انقضاء التلبّس، إلاّ علی القول بأنّه حقیقة فی الأعمّ؛ إذ علی القول‏‎ ‎‏باعتبار التلبّس بالفعل لا یصدق السّارق والزّانی علیهما، ولا تشملهما الآیتان، مع أنّ‏‎ ‎‏دلالتهما علیه ممّا لا شبهة فیه تعتری لأحد‏‎[4]‎‏.‏

وفیه : ‏أنّه إن اُرید أنّ الموضوع لوجوب الحدّ هو عنوانا «السارق» و «الزانی»‏‎ ‎‏ـ المنتزعان عن الذات ـ فهو ممنوع، بل الموضوع له فیهما هو صدور الفعل فی زمانٍ ما.‏

وبعبارةٍ اُخری : ‏صدور السرقة والزنا بمجرّده علّة تامّة لوجوب القطع والحدّ‏‎ ‎‏ولو فی الزمان السابق.‏

الثالث : ‏أنّه لا ریب فی صدق «مقتول» و «مضروب» ونحوهما علی من وقع‏‎ ‎‏علیه القتل والضرب ولو فی الزمان السابق، وهو دلیل علی أنّ المشتقّ حقیقة فی‏‎ ‎‏الأعمّ، وإلاّ لم یصدق ذلک علیهما‏‎[5]‎‏.‏

‏ومن هنا التجأ بعض من ذهب إلی أنّه حقیقة فی خصوص المتلبّس بالفعل، إلی‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 175
‏دعوی خروج اسم المفعول عن حریم النزاع ومحطّ البحث فی هذا الباب‏‎[6]‎‏.‏

ولکن لا یخفی ما فیه : ‏إذ لا فرق بین اسمی الفاعل والمفعول فی أنّه کما یمکن‏‎ ‎‏صدور الحَدَث من ذات وانقضاؤه، یمکن وقوعه علی الذات وانقضاؤه بحسب العرف‏‎ ‎‏واللّغة، ولا سبیل إلی توهّم بقاء القتل والضرب الواقعین علی الذات بعد زمان‏‎ ‎‏الوقوع، کما یشهد به العرف واللّغة، فلا مجال لتوهّم خروجه عن مورد البحث.‏

الرابع : ‏استدلال الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ فی غیر واحدٍ من الأخبار‏‎[7]‎‏ بعدم صلاحیّة عَبَدة‏‎ ‎‏الأصنام والأوثان لمنصب الإمامة والخلافة ولو بعد إسلامهم بقوله تعالی : ‏‏«‏لا یَنَالُ‎ ‎عَهْدِی الظّالمینَ‏»‏‎[8]‎‏ تعریضاً بمَن تصدّی لهما ممّن عبد الأصنام مدّةً مدیدة فی الزمان‏‎ ‎‏السابق ولو بعد إسلامهم، وهو إنّما یتمّ علی القول بالأعمّ، وإلاّ فمن المعلوم عدم‏‎ ‎‏تلبّسهم بالظلم وعبادة الأصنام حین تصدّیهم للخلافة، فیکشف استدلاله ‏‏علیه السلام‏‏ بالآیة‏‎ ‎‏عن أنّ المشتقّ حقیقة فی الأعمّ‏‎[9]‎‏.‏

وفیه : ‏أنّه إنّما یتمّ لو کان الموضوع والعلّة التامّة لعدم الصلاحیة لتصدّی‏‎ ‎‏الخلافة هو صدق عنوان الظالم علیه، ولیس کذلک، بل الموضوع والعلّة التامّة لذلک‏‎ ‎‏هو صدور الظلم ولو آناً ما، سواءً کان قابلاً للبقاء کعبادة الصنم، أم لا کدفنهم البنات،‏‎ ‎‏فلا یتمّ هذا الاستدلال أیضاً.‏

‏وتوضیح الکلام علی وجه یرتفع النقاب عن وجه المرام : هو أنّ الآیة الشریفة‏‎ ‎‏فی مقام بیان عِظم قدر الخلافة، وجلالة منصبها، وعلوّ درجتها وشأنها، وعِظم خطر‏‎ ‎‏الرئاسة الإلهیّة علی الناس، والسلطة علیهم وعلی أموالهم، وأنها أجلّ المناصب‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 176
‏الإلهیّة، کما یشهد لذلک سیاق الآیة، وهو قوله تعالی : ‏‏«‏وَإِذِ ابْتَلَی إِبْراهِیمَ رَبُّهُ‎ ‎بِکَلِماتٍ فَاَتَمَّهُنَّ قالَ إنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّیَّتِی قالَ لا یَنالُ عَهْدِی‎ ‎الظَّالِمِینَ‏»‏‎[10]‎‏، وذکر الصدوق ‏‏قدس سره‏‏ نحواً من عشرین قضیّة اتّفقت لإبراهیم ابتلاه الله ‏‎ ‎‏بها، التی من جملتها أمره تعالی بذبح ولده‏‎[11]‎‏، فإنّ ابتلاء الله تعالی إیّاه لم یکن لأجل‏‎ ‎‏الاختبار والامتحان الحقیقی؛ لعلمه تعالی بحاله قبل وجوده ووجود کافّة الممکنات،‏‎ ‎‏بل لأجل تکمیله لأجل الصبر وتحمّل الشدائد والمشاقّ وتقویة روحه ونفسه؛ لافتقار‏‎ ‎‏الرئاسة علی الناس والخلافة ودعوتهم إلی التوحید والصراط المستقیم إلی ذلک، وإلی‏‎ ‎‏عصمته وعدم صدور الظلم منه ولو آناً ما، فصدورُ الظلم وعبادة الأصنام ولو فی‏‎ ‎‏الأزمنة السابقة، مانعٌ عن وصول الشخص إلی هذه المرتبة العظمی، التی هی فوق‏‎ ‎‏منصب الخلّة ونیلها، ولمّا أراد إبراهیم أن یعرف أنّه هل یوجد من ذرّیّته من یلیق لهذا‏‎ ‎‏المنصب؟ قال : ‏‏«‏وَمِنْ ذُرِّیَّتِی‏»‏‏، لا لاشتیاقه وحبّه أن یکون ذُرّیّته رؤساء علی‏‎ ‎‏الناس؛ لتنزّهه وتنزّه جمیع الأنبیاء عن المقاصد الدنیویّة، بل لمجرّد أن یعرف ذلک‏‎ ‎‏ویطّلع علیه، فقال الله : ‏‏«‏لا یَنالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ‏»‏‏، ولیس هذا نفیاً لما سأله إبراهیم،‏‎ ‎‏بل مفاده أنّ اللاّئق لهذا المنصب هو من لم یصدر منه ظلم أصلاً، وحینئذٍ فالآیة أجنبیّة‏‎ ‎‏عمّا نحن فیه.‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 177

  • )) هدایة المسترشدین : 84.
  • )) المائدة (5) : 38.
  • )) النور (24) : 2.
  • )) اُنظر مفاتیح الاُصول : 17، وهدایة المسترشدین : 84.
  • )) اُنظر کفایة الاُصول : 67.
  • )) أجود التقریرات 1 : 75 و 83 ـ 84.
  • )) معانی الأخبار : 131 / 1، الخصال : 310 / 84.
  • )) البقرة (2) : 124.
  • )) هدایة المسترشدین : 84، کفایة الاُصول : 68، نهایة الأفکار 1 : 139.
  • )) البقرة (2) : 124.
  • )) الخصال : 304 / 84.