الحقّ فی المسألة وأدلّة الأخصّی
والحقّ : أنّه حقیقة فی خصوص المتلبّس؛ بمعنی أنّه موضوع لمفهوم لا ینطبق إلاّ علی المتلبِّس بالفعل، والدلیل علی ذلک هو التبادر فقط.
وأمّا الاستدلالات المذکورة فی کتب الاُصولیین فهی مخدوشة :
کالاستدلال : بأنّه لابدّ فی الحمل من وجود خصوصیّة فی الموضوع توجب صحّته، وإلاّ یلزم صحّة حمل کلّ شیء علی کلّ شیء، فهذه الخصوصیّة فی مثل «زید ضارب» : إمّا التلبّس الفعلی بالضرب، وهو المطلوب، أو غیره من الاُمور المنتزعة،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 172
ولیس فیه ما یصلح لذلک.
وکالاستدلال : بأنّ هذا النزاع مبنی علی النزاع فی أنّ مفهوم المشتقّ : بسیط، أو مرکّب : فعلی الأوّل فهو موضوع لخصوص المتلبِّس، وعلی الثانی للأعمّ، وحیث إنّ الحقّ هو الأوّل، وأنّه لا فرق بین المشتقّ ومبدئه إلاّ باللابشرطیّة والبشرط اللاّئیّة، فالحقّ هو أنّه موضوع لخصوص المتلبّس، کما ذهب إلیه المحقّق الدَّوانی.
وأنت خبیر : بأنّ هذه الاستدلالات لا تلائم هذا البحث؛ لما عرفت من أنّ البحث فیه إنّما هو فی المفهوم التصوّری للمشتقّ، وأنّ البحث لُغوی لا عقلی، کما هو مقتضی استدلال المحقّق المزبور، إذ لا ارتباط له بالبحث اللّغوی.
وکالاستدلال : بأنّه لا شبهة فی أنّ مثل الأبیض والأسود ونحوهما من الأوصاف المتقابلة المتضادّة یمتنع اجتماعهما فی موضوع واحد، وحینئذٍ فلو فرض اتّصاف جسم أوّلاً بالسواد، ثمّ زال السواد عنه، واتّصف بالبیاض، وفرض أنّ المشتقّ حقیقة فی الأعمّ، لزم صدقُ عنوانی الأسود والأبیض علی الجسم المذکور وارتفاعُ التضادّ بینهما، ولکنّه محال فیلزمه استحالة القول بالأعمّ.
إذ فیه : أنّ حکمَ العقل ـ بأنّ الأسود والأبیض متضادّان لا یمکن اجتماعهما علی موضوع واحد ـ مرهونُ التبادر، وإلاّ فلا مضادّة بینهما، فحیث إنّ المتبادر هو خصوص المتلبّس، فلا یطلق علیه الوصف الآخر.
وکالاستدلال بصحّة السلب.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 173
فإنّ فیه ما عرفت : من أنّها مسبوقة دائماً بالتبادر، واُورد علی الاستدلال بصحّة السلب أیضاً بما حاصله : أنّه إن اُرید صحّته مطلقاً وبدون القید، فهی ممنوعة، وإن اُرید صحّته مقیّداً بالحال فغیر مفیدة؛ لأنّ ما هو علامة المجاز هو صحّته مطلقاً.
وأجاب عنه فی «الکفایة» بما حاصله : أنّه إن کان القید قیداً للمحمول؛ کأن یقال : «زید لیس بضارب فی الحال» إذا فرض تلبّسه بالضرب وزواله، واُخذ الموضوع والسلب مطلقین، فهو صحیح؛ لأنّ سلب المقیّد أعمّ من سلب المطلق.
وأمّا لو کان القید للسلب؛ کأن یقال : «زید لیس فی الحال بضارب»، أو للموضوع؛ کأن یقال : «زید فی الحال لیس بضارب»، فغیر ضائر بکونها علامة؛ ضرورة صدق المطلق علی أفراده علی کلّ حال انتهی.
وأنت خبیر : بأنّ القید إذا کان للموضوع فربّما یصیر الحمل غلطاً، کما لو قیل : «زید الآن إنسان» إذا جعل القید جزءاً للموضوع، وعلی تقدیر جعله قیداً للسلب أیضاً لا یتمّ الاستدلال بها للمطلوب؛ لأنّ المطلوب هو عدم صحّة إطلاق الضارب علی ما انقضی عنه الضرب علی نحو إطلاقه علی المتلبّس به فعلاً، وهذا الدلیل لا یفی بإثباته؛ حیث إنّ القید إذا جعل للموضوع أو السلب فالمسلوب هو الضاربیّة المطلقة عن الموضوع المقیّد أو سلب الضاربیّة المقیّدة بالحال عن زید المطلق لا السلب المطلق. وبالجملة : هذا الاستدلال أیضاً لا یخلو عن المناقشة، فالدلیل علی هذا القول ینحصر بالتبادر.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 174