المقدمة وتشتمل علی اُمور

المفاهیم المنتزعة غیر المشتقّة وکلام فخر المحقّقین

المفاهیم المنتزعة غیر المشتقّة وکلام فخر المحقّقین

‏وأمّا المفهوم المنتزع الغیر المشتقّ ـ کالزوجیّة والرِّقّیّة ونحوهما والألفاظ‏‎ ‎‏المنسوبة کالحمّامی والتمّار والبقّال والعطّار ونحوها ـ فالحقّ دخولها فی محطّ البحث، کما‏‎ ‎‏یظهر عن فخر المحقّقین ‏‏قدس سره‏‏ فی «الإیضاح» فی مسألة من له زوجتان کبیرتان أرضعتا‏‎ ‎‏زوجته الصغیرة؛ حیث قال ما هذا لفظه : تحرم المرضعة الاُولی والصغیرة مع الدخول‏‎ ‎‏بإحدی الکبیرتین، وأمّا المرضعة الاُخری ففی تحریمها خلاف، فاختار والدی المصنّف‏‎ ‎‏وابن إدریس تحریمها؛ لأنّها یصدق علیها اُمّ زوجته؛ لأنّه لا یُشترط فی المشتقّ بقاء‏‎ ‎‏المشتقّ منه‏‎[1]‎‏ انتهی.‏

‏لکن بناء فخر المحقّقین کلا شقّی المسألة علی مسألة المشتقّ غیر واضح؛ لاحتمال‏‎ ‎‏استناده فی الشقِّ الأوّل إلی الروایتین الواردتین فی المسألة : ‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 153
إحداهما : ‏روایة علی بن مهزیار، عن أبی جعفر ‏‏علیه السلام‏‏.‏

قال : ‏قیل له : إنّ رجلاً تزوّج بجاریة صغیرة، فأرضعتها امرأتُه، ثمّ أرضعتها‏‎ ‎‏امرأتُه الاُخری.‏

فقال ابن شبرمة : ‏حرمت علیه الجاریة وامرأتاه.‏

فقال أبو جعفر ‏علیه السلام‏‏ : ‏(أخطأ ابن شبرمة؛ حرمت علیه الجاریة وامرأته التی‎ ‎أرضعتها أوّلاً، فأمّا الأخیرة فإنّها لا تحرم علیه؛ لأنّها أرضعتها وهی بنته)‎[2]‎‏.‏

‏والمناقشة فیها بضعفها للإرسال لأنّ المراد بأبی جعفر ‏‏علیه السلام‏‏ حیث یُطلق هو‏‎ ‎‏الإمام الباقر ‏‏علیه السلام‏‏، ویؤیّده قرینة فتوی ابن شبرمة الذی کان فی عصره ‏‏علیه السلام‏‏، وابن‏‎ ‎‏مهزیار من أصحاب الإمام أبی جعفر الثانی ‏‏علیه السلام‏‏، فلا یمکنه أن یروی عن أبی جعفر‏‎ ‎‏الباقر ‏‏علیه السلام‏‏ بلا واسطة فی محلّها، وعلی أی تقدیر فالظاهر بناؤه الحکم فی الشقِّ الأخیر‏‎ ‎‏علی مسألة المشتقّ، بل الظاهر من الروایة أیضاً ذلک، وأمّا الشقّ الأوّل فلا‏‎[3]‎‏.‏

نعم : ‏یظهر من صاحب «الجواهر» بناء الحکم فیها أیضاً علی تلک المسألة؛‏‎ ‎‏حیث وجّه الحکم بالحرمة فی الشقّ الأوّل علی القول بأنّ المشتقّ حقیقة فی خصوص‏‎ ‎‏المتلبّس بالمبدأ، وعدم الحرمة فی الشقّ الثانی.‏

ثمّ قال ما حاصله : ‏إنّ هنا ثلاثة أشیاء : تحقّق اُمّ الزوجة، وبنتها، وزوال‏‎ ‎‏زوجیّتها، وتحقّق ذلک کلّه إنّما هو بالرضاع المحرّم، وتحقّقُ اُمومة الزوجة والبنتیّة‏‎ ‎‏وإن کانتا سببین وعلّتین لزوال زوجیّة الصغیرة، ومقتضاه عدم اجتماعهما فی زمانٍ‏‎ ‎‏واحد لاستحالته، فلا یصدق علی الکبیرة أنّها اُمّ زوجته، لکن لمّا کان آخر زمان‏‎ ‎‏الزوجیّة متّصلاً بأوّل زمان صدق الاُمومة کفی ذلک فی کونها مصداقاً لاُمَّهات النساء‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 154
‏عرفاً‏‎[4]‎‏ انتهی.‏

أقول : ‏ولازم ما ذکره اعتبار مضی زمان یصدق به الانقضاء عقلاً وإن‏‎ ‎‏لم یصدق علیه عرفا فی نفس الأمر، ولهذا تحرم المرضعة الاُولی اتّفاقاً؛ لصدق‏‎ ‎‏التلبّس عرفاً، دون المرضعة الثانیة؛ لتحقّق الانقضاء عرفاً مع عدم کون المشتقّ‏‎ ‎‏حقیقةً فی الأعمّ.‏

وفیه : ‏أنّ الظاهر من قوله تعالی : ‏‏«‏وَاُمَّهاتُ نِسائِکُمْ‏»‏‎[5]‎‏ حرمة اُمّ الزوجة،‏‎ ‎‏والحرمة هنا وضعیّة، ویلزمها عدم اجتماع هذین العنوانین؛ أی الاُمومة للکبیرة‏‎ ‎‏والزوجیّة معاً، وهذا کافٍ فی إثبات المطلوب، ولا یحتاج إلی هذه التکلّفات.‏

ویظهر من بعض الأعاظم : ‏ابتناء الحکم الأوّل علی مسألة المشتقّ؛ حیث ذکر‏‎ ‎‏فی وجه حرمة الکبیرة الاُولی أنّ غایة ما یمکن أن یقال : هو أنّ الرضاع المحرِّم علّة‏‎ ‎‏لتحقّق عنوان الاُمومة وعنوان البنتیّة، وتحقّق عنوان البنتیّة، للزوجة المرتضعة علّة‏‎ ‎‏لانتفاء عنوان الزوجیّة عنها، فانتفاء عنوان الزوجیّة عن المرتضعة متأخّر رتبةً عن‏‎ ‎‏تحقّق عنوان البنتیّة؛ لاستحالة ارتفاع النقیضین فی تلک المرتبة، وبما أنّ عنوان‏‎ ‎‏اُمومة المرضعة ملازم لعنوان بنتیّة المرتضعة وفی رتبته، تکون المرضعة اُمّاً للزوجة‏‎ ‎‏المرتضعة فی رتبة بنتیّتها، لا فی رتبة انتفاء زوجیّتها المتأخّرة، فیصدق أنّها اُمّ زوجته‏‎ ‎‏فی رتبة بنتیّتها، وهذا القدر من الصدق کافٍ فی شمول دلیل تحریم اُمّ الزوجة لمثل‏‎ ‎‏الفرض‏‎[6]‎‏ انتهی.‏

وفیه : ‏إن أراد بالعلّة المذکورة العلّة التکوینیّة فهو ممنوع، وإن أراد بها العلّة‏‎ ‎‏التشریعیّة فلابدّ من استفادتها من الدلیل الشرعی، والدلیل فی المقام هی الآیة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 155
‏الشریفة والأخبار الواردة فی ذلک، وعرفت أنّ المستفاد منها عدم إمکان اجتماع‏‎ ‎‏الاُمومة والزوجیّة فی واحد، فهذا الحکم یُستفاد من الآیة الشریفة، ولا یبتنی علی‏‎ ‎‏مسألة المشتقّ کی یحتاج إلی هذه التکلّفات.‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 156

  • )) اُنظر إیضاح الفوائد 3 : 52.
  • )) الکافی 5 : 444 و 446 / 4 و 13، وسائل الشیعة 14 : 305، کتاب النکاح، أبواب ما یحرم بالرضاع، الباب 14 .
  • )) مسالک الأفهام 1 : 379.
  • )) جواهر الکلام 29 : 329ـ330.
  • )) النساء (4) : 23.
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات العراقی) 1:161.