المفاهیم المنتزعة غیر المشتقّة وکلام فخر المحقّقین
وأمّا المفهوم المنتزع الغیر المشتقّ ـ کالزوجیّة والرِّقّیّة ونحوهما والألفاظ المنسوبة کالحمّامی والتمّار والبقّال والعطّار ونحوها ـ فالحقّ دخولها فی محطّ البحث، کما یظهر عن فخر المحقّقین قدس سره فی «الإیضاح» فی مسألة من له زوجتان کبیرتان أرضعتا زوجته الصغیرة؛ حیث قال ما هذا لفظه : تحرم المرضعة الاُولی والصغیرة مع الدخول بإحدی الکبیرتین، وأمّا المرضعة الاُخری ففی تحریمها خلاف، فاختار والدی المصنّف وابن إدریس تحریمها؛ لأنّها یصدق علیها اُمّ زوجته؛ لأنّه لا یُشترط فی المشتقّ بقاء المشتقّ منه انتهی.
لکن بناء فخر المحقّقین کلا شقّی المسألة علی مسألة المشتقّ غیر واضح؛ لاحتمال استناده فی الشقِّ الأوّل إلی الروایتین الواردتین فی المسألة :
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 153
إحداهما : روایة علی بن مهزیار، عن أبی جعفر علیه السلام.
قال : قیل له : إنّ رجلاً تزوّج بجاریة صغیرة، فأرضعتها امرأتُه، ثمّ أرضعتها امرأتُه الاُخری.
فقال ابن شبرمة : حرمت علیه الجاریة وامرأتاه.
فقال أبو جعفر علیه السلام : (أخطأ ابن شبرمة؛ حرمت علیه الجاریة وامرأته التی أرضعتها أوّلاً، فأمّا الأخیرة فإنّها لا تحرم علیه؛ لأنّها أرضعتها وهی بنته).
والمناقشة فیها بضعفها للإرسال لأنّ المراد بأبی جعفر علیه السلام حیث یُطلق هو الإمام الباقر علیه السلام، ویؤیّده قرینة فتوی ابن شبرمة الذی کان فی عصره علیه السلام، وابن مهزیار من أصحاب الإمام أبی جعفر الثانی علیه السلام، فلا یمکنه أن یروی عن أبی جعفر الباقر علیه السلام بلا واسطة فی محلّها، وعلی أی تقدیر فالظاهر بناؤه الحکم فی الشقِّ الأخیر علی مسألة المشتقّ، بل الظاهر من الروایة أیضاً ذلک، وأمّا الشقّ الأوّل فلا.
نعم : یظهر من صاحب «الجواهر» بناء الحکم فیها أیضاً علی تلک المسألة؛ حیث وجّه الحکم بالحرمة فی الشقّ الأوّل علی القول بأنّ المشتقّ حقیقة فی خصوص المتلبّس بالمبدأ، وعدم الحرمة فی الشقّ الثانی.
ثمّ قال ما حاصله : إنّ هنا ثلاثة أشیاء : تحقّق اُمّ الزوجة، وبنتها، وزوال زوجیّتها، وتحقّق ذلک کلّه إنّما هو بالرضاع المحرّم، وتحقّقُ اُمومة الزوجة والبنتیّة وإن کانتا سببین وعلّتین لزوال زوجیّة الصغیرة، ومقتضاه عدم اجتماعهما فی زمانٍ واحد لاستحالته، فلا یصدق علی الکبیرة أنّها اُمّ زوجته، لکن لمّا کان آخر زمان الزوجیّة متّصلاً بأوّل زمان صدق الاُمومة کفی ذلک فی کونها مصداقاً لاُمَّهات النساء
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 154
عرفاً انتهی.
أقول : ولازم ما ذکره اعتبار مضی زمان یصدق به الانقضاء عقلاً وإن لم یصدق علیه عرفا فی نفس الأمر، ولهذا تحرم المرضعة الاُولی اتّفاقاً؛ لصدق التلبّس عرفاً، دون المرضعة الثانیة؛ لتحقّق الانقضاء عرفاً مع عدم کون المشتقّ حقیقةً فی الأعمّ.
وفیه : أنّ الظاهر من قوله تعالی : «وَاُمَّهاتُ نِسائِکُمْ» حرمة اُمّ الزوجة، والحرمة هنا وضعیّة، ویلزمها عدم اجتماع هذین العنوانین؛ أی الاُمومة للکبیرة والزوجیّة معاً، وهذا کافٍ فی إثبات المطلوب، ولا یحتاج إلی هذه التکلّفات.
ویظهر من بعض الأعاظم : ابتناء الحکم الأوّل علی مسألة المشتقّ؛ حیث ذکر فی وجه حرمة الکبیرة الاُولی أنّ غایة ما یمکن أن یقال : هو أنّ الرضاع المحرِّم علّة لتحقّق عنوان الاُمومة وعنوان البنتیّة، وتحقّق عنوان البنتیّة، للزوجة المرتضعة علّة لانتفاء عنوان الزوجیّة عنها، فانتفاء عنوان الزوجیّة عن المرتضعة متأخّر رتبةً عن تحقّق عنوان البنتیّة؛ لاستحالة ارتفاع النقیضین فی تلک المرتبة، وبما أنّ عنوان اُمومة المرضعة ملازم لعنوان بنتیّة المرتضعة وفی رتبته، تکون المرضعة اُمّاً للزوجة المرتضعة فی رتبة بنتیّتها، لا فی رتبة انتفاء زوجیّتها المتأخّرة، فیصدق أنّها اُمّ زوجته فی رتبة بنتیّتها، وهذا القدر من الصدق کافٍ فی شمول دلیل تحریم اُمّ الزوجة لمثل الفرض انتهی.
وفیه : إن أراد بالعلّة المذکورة العلّة التکوینیّة فهو ممنوع، وإن أراد بها العلّة التشریعیّة فلابدّ من استفادتها من الدلیل الشرعی، والدلیل فی المقام هی الآیة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 155
الشریفة والأخبار الواردة فی ذلک، وعرفت أنّ المستفاد منها عدم إمکان اجتماع الاُمومة والزوجیّة فی واحد، فهذا الحکم یُستفاد من الآیة الشریفة، ولا یبتنی علی مسألة المشتقّ کی یحتاج إلی هذه التکلّفات.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 156