التحقیق فی تصویر الجامع
والتحقیق فی المقام : یحتاج إلی تقدیم مقدّمة؛ هی أنّک قد عرفت أنّ الصحّة والفساد من طوارئ الوجود وعوارضه، لا الماهیّة؛ فإنّها من حیث هی لا تتّصف بالصحّة والفساد، بل إذا وُجدت فی الخارج فهی إمّا صحیحة، أو فاسدة، فرتبة فرض الجامع متقدّمة علی رتبة الاتّصاف بهما.
لا یقال : یمکن أن یقال : إنّ مرادهم هو أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ هل هی موضوعة لماهیّة إذا وجدت کانت صحیحة فقط، أو لأعم منها وممّا إذا وجدت کانت فاسدة؟
لأنّه یقال : إنّهم استثنوا القسمین الأخیرین من أقسام الشرائط المتقدّمة عن محطّ البحث، وبدونهما فهی لا توجد إلاّ فاسدة، ومعه لا معنی للبحث فی أنّها هل هی موضوعة لماهیّة إذا وجدت کانت صحیحة أو لأعمّ؟ بل هی ـ حینئذٍ ـ موضوعة لماهیّة توجد فاسدة دائماً، وهو بعینه مقالة الأعمّی وإن لم تساعد علیه عبارته.
ومنه یظهر : عدم الحاجة إلی فرض الجامع وتصویره للصحیحی، بل لا معنی له؛ لأنّ الموضوع له لیس هو الصحیح علی أی تقدیر؛ لما عرفت من خروج القسمین الأخیرین من الشرائط، ومعه لا تقع صحیحة.
فظهر من ذلک : أنّ الحقّ أن یقال فی محطّ البحث : إنّ الصلاة ـ مثلاً ـ هل
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 108
هی موضوعة للماهیّة التامّة الأجزاء مع القسم الأوّل من الشرائط ـ بناءً علی دخوله فی محلّ البحث ـ أو الأعمّ منها ومن الفاقدة لبعض ذلک بإلغاء لفظی الصحّة والفساد فی عنوان البحث؛ لما عرفت من تأخّر مرتبة الاتّصاف بالصحّة والفساد عن ما هو محطّ البحث، وأنّ الحقّ خروج الشرائط المعتبرة فی الصحّة ـ یعنی القسمین الأخیرین من الشرائط ـ عن محلّ النزاع ودخول ما هو من مقوّمات الماهیّة، والقسمان الأخیران من الشرائط لیسا کذلک، وأمّا القسم الأوّل منها فیحتمل أنّها من شرائط الصحّة، لا من مقوّمات الماهیّة، فتخرج عن محطّ البحث أیضاً، ویحتمل کونها من مقوّمات الماهیّة فتدخل.
وأمّا الأجزاء فحیث إنّها من المقولات المختلفة، فلابدّ لها من جامع اعتبره الشارع أنّه الصلاة، فنقول :
قد یشتمل شیء علی أجزاء عدیدة اعتبرت شیئاً واحداً، وأنّ لهیئته الاجتماعیّة مدخلیّة فی صدق الاسم، وینتفی بانتفاء أحد أجزائه.
وقد لا تکون کذلک؛ بأن کان للهیئة الاجتماعیّة المرکّبة من عدّة أجزاء عرض عریض، ویصدق علیها الاسم المخصوص الموضوع لها ولو مع انتفاء بعض أجزائها أو تبدّلها بجزءٍ آخر من سنخها، فلیس لکلّ واحدٍ من الأجزاء دخْلٌ فی الإطلاق وصدق الاسم، وذلک کالبیت والدار والطیّارة والسیّارة وما أشبه ذلک، فانتفاء بعض أجزاء هذه أو تبدّله بجزءٍ آخر من سنخه، لا یوجب سلب الاسم والإطلاق، ولذلک تری صحّة إطلاق البیت علی المبنی من الطین واللّبنة أو من الحجر والآجر ونحو ذلک، فللموضوع له فی أمثال ذلک عرض عریض، وأجزاؤه مأخوذة فیه لا بشرط کمّاً وکیفاً، ولذا یطلق علی الوسیع والطویل والعریض والضیّق.
إذا عرفت هذا فنقول : إنّ الصلاة من قبیل الثانی؛ لأنّ أجزاءها المختلفة ـ من القیام والرکوع والسجود وغیرها ـ ماهیّة اعتباریّة ممتدّة ذات عرض عریض حالّة فی
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 109
تلک الأجزاء، واعتبرت تلک الأجزاء فیها لا بشرط، ولهذا تصدق علی الفاقدة لبعض تلک الأجزاء، أو مع تبدیله بجزءٍ آخر من سنخه، وعلی المأتی بها جهراً وإخفاتاً، صحیحةً أو ملحونة، قاعداً وقائماً ومضطجعاً.
وبالجملة : تصدق علی جمیع أفرادها الاختیاریّة والاضطراریّة، حتّی مثل صلاة الغرقی ونحوها، إلاّ ما لا تصدق علیها، کالإشارة إلیها لا نفسها.
وحینئذٍ : فوقع النزاع فی أنّ لفظ الصلاة موضوعة للهیئة الجامعة لجمیع الأجزاء المعتبرة فیها مع اختلاف الحالات، ولا تصدق مع فقد بعضها، أو للأعمّ منها ومن الفاقدة لبعضها، وتلک الهیئة متحقِّقة فی جمیع الحالات، فلا یحتاج إلی فرض جامع للصحیحی وآخر للأعمّی؛ لکلّ منهما مستقلاً عن الآخر، بل یکفی تصویر جامع واحد لکلا القولین، وتقدّم أنّه لا یحتاج إلی ذکر لفظ الصحیح والفاسد فی عنوان البحث، بل هو مخلّ بالإفهام والمقصود وموجب للتعمیة فی البحث، وما ذکرناه فی محطّ البحث هو الموافق للعرف والوجدان والشرع وانطباق الأخبار علیه أیضاً. ولعلّه مراد اُستاذنا الحائری قدس سره فی «الدرر» أیضاً، وتعلّق الأمر بهذه الهیئة هو عین تعلّقه بالأجزاء یدعو إلی الإتیان بالأجزاء؛ إذ لیست الهیئة أمراً آخر سوی الأجزاء فالأمر بها أمر بالأجزاء.
وبهذا یظهر فساد ما قیل : من أنّ الأمر بالأجزاء ضمنی أو غیری وإنّ الأمر الأصلی النفسی متعلّق بالهیئة؛ إذ لو کان الأمر بالأجزاء غیریّاً لزم الصحّة وتحقّق الامتثال بالإتیان بها ولو بدون قصد القربة والوجه، ولا یلتزم به أحد.
وظهر أیضاً اندفاع ما یمکن أن یورد علی ما ذکرناه : بأنّه مستلزم للقولِ بالاشتغال وعدم جریان البراءة لو شُکّ فی شرطیّة شیء أو جزئیّتة للصلاة بتوهم أنّه من قبیل الشکّ فی المحصّل؛ لأنّ لمتعلّق الأمر حینئذٍ ـ وهو الهیئة ـ مفهوماً مُبیَّناً،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 110
والشکّ إنّما هو فی محصِّلة ـ أی الأجزاء ـ وتقرّر فی محلّه أنّ مقتضی القاعدة فی مثله الاشتغال؛ إذ قد عرفت أنّ الهیئة لیست أمراً مُغایراً للأجزاء، بل هی نفسها والأمر بها أمر بالأجزاء، یدعو نحوها، فلو شُکَّ فی جزئیة شیء أو شرطیّة لها فمتعلّق الأمر غیر معلوم، ولا حجّة علی وجوب الإتیان به، فلا مانع من جریان البراءة فیه.
نعم: بناءً علی ما ذهب إلیه فی «الکفایة» ـ من أنّ الموضوع له للفظ الصلاة ماهیّة بسیطة مستکشفة بالآثار ـ فالشکّ فی جزئیة شیء أو شرطیّته علی مبناه شکّ فی المحصّل فلابدّ أن یقول بالاشتغال.
وأمّا ما یظهر من المحقّق القمیّ قدس سره ـ من أنّ الموضوع له للفظ الصلاة هو الأرکان الأربعة أو الخمسة، وباقی الأجزاء والشرائط خارجة عن المسمّی الموضوع له عارض علیها ـ ففیه ما لا یخفی؛ إذ کیف یعقل عروض القراءة ـ مثلاً ـ علی الرکوع والسجود.
هذا کلّه فی بیان محطّ البحث.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 111