فی تصویر الجامع عند المحقّق العراقی
وقال المحقّق العراقی قدس سره فی المقام ما حاصله : إنّ الجامع عبارة عن مرتبة خاصّة من حقیقة الوجود، فإنّ الصلاة وإن ترکّبت من مقولات، والمقولات متباینة ماهیّةً، لکن مع ذلک بینها اشتراک وجودی سارٍ فی وجود تلک المقولات، فصورة تلک المرتبة هو مفهوم الصلاة انتهی.
وفیه : أنّه لا معنی للوجود الساری بالمعنی الذی ذکره؛ لعدم معقولیّة سریانه من الصلاة الواقعة فی أوّل الوقت والواقعة فی آخر الوقت.
ثمّ قال : لا یقال إذا کان الجامع عبارة عن عدد معلوم من المقولات فی مثل
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 105
الصلاة، أمکن تطبیق هذه الصورة علی أی عدد یختاره الفاعل من المقولات العشر بلا ترجیح لبعضها علی بعض، بل یکون تطبیق صورة تلک المرتبة من الوجود المحدود بحدود مضبوطة العدد وعلی أی عدّة من المقولات، راجعاً إلی نظر المکلّف حسب ما یشتهی ویقترح.
ولا یخفی فساد هذا الوهم : لأنّا نقول إنّا لم نقصد بالمرتبة الخاصّة من الوجود الساری فی المقولات خصوصیّة العدد والمقولة فقط، بل المقصود بالمرتبة الخاصّة هی الحصّة من الوجود الساری فی المقولات التی أمر الشارع بها.. إلی أن قال :
فإن قلت : علی هذا یکون مفهوم الصلاة هی تلک الحصّة من الوجود الساری فی المقولات المزبورة، ولا ریب فی فساد هذه الدعوی أیضاً.
قلت : مفهوم الصلاة ـ کسائر مفاهیم الألفاظ ـ منتزع عن مصادیقه الخارجیّة، ولکن عند التحلیل نقول : إنّ معنی الصلاة هی الحصّة المقترنة بالمقولات الخاصّة، نحو مفهوم المشتق مثل «ضارب».. إلی أن قال :
فاتّضح بما ذکرنا : أنّه یمکن تصویر جامع بسیط غیر الجامع العنوانی وغیر الجامع الماهوی، وهی مرتبة من الوجود الساری فی جملة من المقولات، المحدود من طرف القلّة بعدد أرکان الصلاة ـ مثلاً ـ ومن طرف الزیادة لوحظ لا بشرط بنحوٍ یصحّ حمله علی الفاقد لها والواجد.
وبهذا ظهر صحّة تشبیه الجامع فی الصلاة ـ مثلاً ـ بالجامع فی مثل «الکلمة والکلام» فکما أنّ الجامع بین أفراد الکلمة عبارة عن المرکّب من جزءین من حروف المبانی الهجائیّة فما فوق؛ بنحو یکون ذلک المعنی بشرط شیء فی طرف القلّة ولا بشرط من طرف الزیادة، ولهذا تجد مفهوم «الکلمة» یصدق علی الکلمة المرکّبة من حرفین وعلی المرکّبة من الثلاثة، وأکثر، کذلک الجامع بین أفراد الصلاة انتهی.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 106
أقول : إن أراد أنّ لفظ الصلاة موضوع لمفهوم الوجود الساری فیرد علیه :
أوّلاً : أنّه یلزم أن یکون لفظ «الصلاة» قد وضع لمعنیً هو غیر ماهیّتها.
وثانیاً : یلزم أن یکون لفظ «الصلاة» مساوقا للوجود ومرادفاً له، وهو واضح الفساد.
وإن أراد أنّها موضوعة للوجود بالحمل الشائع فیلزمه القول بأنّ الموضوع له فیها خاص.
وإن أراد أنّها موضوعة لعنوانٍ آخر ذاتی مقولی، فهو کرّ علی ما فرّ منه، أو لعنوان عرضی فکذلک.
مضافاً إلی ما تقدّم من أنّه لا معنی للوجود الساری.
وأمّا تنظیر الصلاة بالکلمة والکلام فهو لا یناسب مذهبه؛ إذ «الکلمة» لیست موضوعة للوجود الساری، بل هی موضوعة للّفظ المفرد، سواء کان حرفاً واحداً، کهمزة الاستفهام ونحوها، أم حرفین، أم ثلاثة أحرف فصاعداً، فإنّه ـ حینئذٍ ـ ماهیّة واحدة تصدق علی أفراد کثیرة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 107