المقدمة وتشتمل علی اُمور

الحقّ فی تحریر محلّ النزاع

الحقّ فی تحریر محلّ النزاع

فالحق : ‏تبدیل عنوان البحث إلی آخر، وهو أن یقال : هل الألفاظ المخصوصة‏‎ ‎‏موضوعة للماهیّات التامة الأجزاء والشرائط المعتبرة، أو أنّها موضوعة للأعمّ منها‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 99
‏ومن الفاقدة لبعض الأجزاء أو الشرائط، وتفسیر الصحّة بإسقاط القضاء من الفقهاء‏‎ ‎‏أو بموافقة الشریعة من المتکلّمین، لیس تفسیراً لماهیّتها، بل باللوازم والآثار.‏

وبالجملة : ‏لا وجه لجعل عنوان البحث فی أنّ الألفاظ موضوعة للصحیحة أو‏‎ ‎‏الأعمّ؛ کی یلجأ إلی أنّهما أمران إضافیّان‏‎[1]‎‏ مع وضوح فساده؛ لعدم التضایف بینهما،‏‎ ‎‏ولیس بینهما تقابل العدم والملکة أیضاً، بل هما من الکیفیّات العارضة للموجود‏‎ ‎‏الخارجی، فالبطّیخ ونحوه یُطلق علیه الفاسد إذا أنتن مثلاً، ولیس الفساد عبارة عن‏‎ ‎‏عدم الصحّة عمّا من شأنه أن یکون صحیحاً؛ حتّی یکون بینهما تقابل العدم والملکة،‏‎ ‎‏نعم لو اُرید من الصحّة التمامیّة، ومن الفاسد الناقص مجازاً وبضربٍ من العنایة، بل‏‎ ‎‏غلطاً لعدم وجود العلاقة المُصحّحة للتجوّز کان بینهما العدم والملکة؛ لأنّ النقصان هو‏‎ ‎‏عدم التمامیّة عمّا من شأنه أن یکون تامّاً.‏

‏فالحق فی عنوان البحث هو ما ذکرناه، وحاصله : أنّ الألفاظ المخصوصة هل‏‎ ‎‏هی موضوعة للماهیّة المنتزعة عن الأفراد الجامعة لجمیع الأجزاء والشرائط المعتبرة،‏‎ ‎‏أو الأعمّ منها ومن المنتزعة من الأفراد الفاقدة لبعض الأجزاء أو الشرائط المعتبرة.‏

‏ویشهد لذلک التعبیرات الواردة فی الأخبار‏‎[2]‎‏ من قاطعیّة القهقهة ومانعیّة کذا،‏‎ ‎‏والقاطعیّة والمانعیّة إنّما تُتصوّران فیما له حقیقة وماهیّةً بسیطة مُنتزعة عن عدّة من‏‎ ‎‏الأفراد کالصلاة.‏

‏ثمّ إنّه لا إشکال فی دخول الأجزاء فی محطّ البحث.‏

وأمّا الشرائط فهی علی أقسام

‏منها : ‏‏ما هی قابلة لأن یتعلّق بها الأمر، وتعلَّقَ الأمر بها بالفعل أیضاً‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 100
‏کالستر والاستقبال.‏

ومنها : ‏ما یمکن تعلّق الأمر بها، لکن لم یتعلّق بها بالفعل؛ لکونها شروطاً‏‎ ‎‏عقلیّة محضة، کاشتراط عدم مزاحمة المأمور به بضدّه الأهمّ، ونحو ذلک.‏

ومنها : ‏ما لا یمکن تعلّق الأمر بها، کقصد الوجه والامتثال.‏

فقد یقال : ‏بدخول جمیع الشرائط فی محطّ البحث، وأنّ الکلام فی المقام هو أنّ‏‎ ‎‏الصلاة ـ مثلاً ـ هل هیموضوعة للماهیّة الواجدة لجمیع الأجزاء والشرائط أوللأعمّ‏‎[3]‎‏؟‏

‏وأورد علیه بوجوه :‏

الوجه الأوّل : ‏أنّ الأجزاء فی مرتبة المقتضی ، والشرائط فی مرتبة متأخّرة‏‎ ‎‏عن المقتضی.‏

وبعبارة اُخری : ‏الماهیّة فی تقرّرها الماهوی متقدِّمة فی الرتبة علی شرائطها،‏‎ ‎‏ویلزم من دخولها فی المسمّی اتحادها مع الأجزاء فی الرتبة‏‎[4]‎‏ وهو مُحال.‏

الوجه الثانی : ‏أنّ شرطیّة شیء لشیء منتزعة عن تقیید المسمّی به، مثل قوله :‏‎ ‎‏«صلّ مع الطهارة» فهی ـ لا محالة ـ متأخّرة عن الأجزاء، والأجزاء متأخرة فی الرتبة‏‎ ‎‏عن المسمّی، فالشرائط متأخّرة برتبتین علی المسمّی، فیستحیل دخولها فی المسمّی؛‏‎ ‎‏لاستلزامه اتحادها مع الأجزاء فی الرتبة، مع أنّها متأخّرة عنها.‏

الوجه الثالث : ‏اتّفق الأصحاب علی أنّ الصلاة من الأفعال القصدیّة، التی‏‎ ‎‏یتوقّف تحقّقها فی الخارج علی قصد عنوانها، واتّفقوا أیضاً علی أنّ بعض الشرائط‏‎ ‎‏لیس من الاُمور القصدیّة؛ بمعنی أنّه یمکن أن توجد فی الخارج وإن لم یقصدها فاعلها،‏‎ ‎‏کالطّهارة من الخبث، فلو کان المسمّی مرکّباً من الأجزاء والشرائط، لزم أن یکون‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 101
‏بعض الصلاة من الاُمور القصدیّة دون بعض، وهو یُنافی اتّفاقهم‏‎[5]‎‏.‏

وأجاب عنها المحقّق العراقی ‏قدس سره‏‏ : ‏‏بأنّه ـ مضافاً إلی عدم صحّته فی نفسه ـ‏‎ ‎‏لا یلزم منه سقوطُ هذا النزاع بالنسبة إلی الشرائط، وعدمُ ترتّب ثمرة البحث علیه؛ إذ‏‎ ‎‏غایة ما ذُکر من الإشکال : هو خروج الشرائط عن المسمّی، وخروجها عنه‏‎ ‎‏لا یستلزم وضعها لنفس الأجزاء مطلقاً، بل یمکن أن یقال : إنّها موضوعة لنفس‏‎ ‎‏الأجزاء المقترنة بالشرائط؛ أعنی تلک الحصّة من مطلق الأجزاء، ومعه یمکن جریان‏‎ ‎‏النزاع فیها، وترتّب الثمرة المذکورة له علیه؛ بمعنی أنّ الصحیحی یدّعی أنّ اللّفظ‏‎ ‎‏موضوع للحصّة المقترنة لجمیع الشرائط والأعمّی یدّعی أنّه موضوع للحصّة المقترنة‏‎ ‎‏ببعض الشرائط‏‎[6]‎‏ انتهی.‏

‏ولیته اقتصر علی الإشکال الأوّل الإجمالی بقوله : «مضافاً إلی عدم صحته فی‏‎ ‎‏نفسه» ولم یتعقّبه بما ذکره، فإنّه إن أراد بقوله : «المقترنة بالشرائط» التقیید به بنحو‏‎ ‎‏القضیّة المشروطة، عاد المحذور.‏

‏وإن أراد الاقتران بنحو القضیّة الحینیّة لزم لغویّة النزاع والبحث؛ للزوم بقاء‏‎ ‎‏الصدق وصحّة الإطلاق بدون هذا الشرط علی الصحیحی أیضاً کما هو مقتضی‏‎ ‎‏أخذها بنحو القضیّة الحینیّة، فالصلاة ـ حینئذٍ ـ موضوعة للأجزاء حین وجود‏‎ ‎‏الشرائط، لا مقیّدة بها؛ حتّی یستلزم انتفاء الصدق بدونها.‏

فالذی ینبغی البحث عنه فی المقام أمران :

‏الأمر الأوّل : ‏‏الکلام فی إمکان أخذ الشرائط مع الأجزاء فی الموضوع له بحیث‏‎ ‎‏تُؤخذ الشرائط جزءً للموضوع له فی عرض الأجزاء أو لا.‏

‏ولا شبهة فی إمکانه، ولا یُنافیه تقدّم الأجزاء علی الشرائط فی الرتبة؛ لإمکان‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 102
‏جعل الواضع مجموع المتقدّم والمتأخّر فی الرتبة موضوعاً له للّفظ أو مسمّیً بهذا‏‎ ‎‏الاسم؛ بأن یفرض أنّ الشارع لاحظ الأجزاء والشرائط بالأسر، ووضع لفظ الصلاة‏‎ ‎‏لها، أو سمّـاها بها.‏

الأمر الثانی : ‏أنّ الظاهر من کلام بعضهم عدم اختصاص هذا النزاع بالأجزاء‏‎ ‎‏والقسم الأوّل من أقسام الشرائط المذکورة، بل هو شامل للقسمین الأخیرین من‏‎ ‎‏أقسامها، حتّی فی مثل قصد الوجه وامتثال الأمر، کما یظهر من کلام «الفصول»‏‎[7]‎‏،‏‎ ‎‏وهو مقتضی استدلال صاحب «الکفایة» ‏‏قدس سره‏‏ أیضاً؛ حیث إنّه استدلّ لوجود الجامع‏‎ ‎‏علی الصحیح بقوله : «ولا إشکال فی وجوده بین الأفراد الصحیحة...» إلی أن قال :‏‎ ‎‏«فإنّ الاشتراک فی الأثر کاشف عن جامع واحد یؤثّر فی الکلّ بذلک الجامع»‏‎[8]‎‏.‏

‏ومُراده ‏‏قدس سره‏‏ أنّه ورد فی الآیات والأخبار أنّ للصلاة آثاراً، وأنّها ناهیة عن‏‎ ‎‏الفحشاء والمنکر‏‎[9]‎‏ وأنّها (‏قربان کلّ تقی)‎[10]‎‏ أو (‏عمود الدین)‎[11]‎‏ ونحو ذلک، وهذه‏‎ ‎‏الآثار تکشف عن وجود عنوان بسیط مؤثّر فیها، وإلاّ یلزم صدور الواحد عن‏‎ ‎‏المتعدّد، ولا یصدر الواحد إلاّ من الواحد، ومن المعلوم أنّ تلک الآثار إنّما هی للصلاة‏‎ ‎‏الجامعة لجمیع الأجزاء والشرائط کلّها، فهی الموضوع له للفظ الصلاة.‏

اللهمّ إلاّ أن یقال : ‏إنّ مثل قصد الوجه وامتثال الأمر عنده لیسا من الشرائط،‏‎ ‎‏لکنّه إنّما یتمّ فی القسم الثالث من أقسام الشرائط، لا القسم الثانی.‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 103

  • )) نفس المصدر السابق.
  • )) وسائل الشیعة 4 : 1252، کتاب الصلاة، باب بطلان الصلاة بالضحک مع القهقهة لا بمجرّد التبسم.
  • )) اُنظر الفصول الغرویّة : 53 .
  • )) اُنظر بدائع الأفکار (تقریرات العراقی) 1 : 111.
  • )) اُنظر نفس المصدر.
  • )) نفس المصدر 1 : 111 ـ 112.
  • )) الفصول الغرویّة : 52.
  • )) کفایة الاُصول : 39.
  • )) العنکبوت (29) : 45.
  • )) الکافی 3 : 265 / 6 باب فضل الصلاة.
  • )) عوالی اللآلی 1 : 322 / 55.