الحقّ فی تحریر محلّ النزاع
فالحق : تبدیل عنوان البحث إلی آخر، وهو أن یقال : هل الألفاظ المخصوصة موضوعة للماهیّات التامة الأجزاء والشرائط المعتبرة، أو أنّها موضوعة للأعمّ منها
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 99
ومن الفاقدة لبعض الأجزاء أو الشرائط، وتفسیر الصحّة بإسقاط القضاء من الفقهاء أو بموافقة الشریعة من المتکلّمین، لیس تفسیراً لماهیّتها، بل باللوازم والآثار.
وبالجملة : لا وجه لجعل عنوان البحث فی أنّ الألفاظ موضوعة للصحیحة أو الأعمّ؛ کی یلجأ إلی أنّهما أمران إضافیّان مع وضوح فساده؛ لعدم التضایف بینهما، ولیس بینهما تقابل العدم والملکة أیضاً، بل هما من الکیفیّات العارضة للموجود الخارجی، فالبطّیخ ونحوه یُطلق علیه الفاسد إذا أنتن مثلاً، ولیس الفساد عبارة عن عدم الصحّة عمّا من شأنه أن یکون صحیحاً؛ حتّی یکون بینهما تقابل العدم والملکة، نعم لو اُرید من الصحّة التمامیّة، ومن الفاسد الناقص مجازاً وبضربٍ من العنایة، بل غلطاً لعدم وجود العلاقة المُصحّحة للتجوّز کان بینهما العدم والملکة؛ لأنّ النقصان هو عدم التمامیّة عمّا من شأنه أن یکون تامّاً.
فالحق فی عنوان البحث هو ما ذکرناه، وحاصله : أنّ الألفاظ المخصوصة هل هی موضوعة للماهیّة المنتزعة عن الأفراد الجامعة لجمیع الأجزاء والشرائط المعتبرة، أو الأعمّ منها ومن المنتزعة من الأفراد الفاقدة لبعض الأجزاء أو الشرائط المعتبرة.
ویشهد لذلک التعبیرات الواردة فی الأخبار من قاطعیّة القهقهة ومانعیّة کذا، والقاطعیّة والمانعیّة إنّما تُتصوّران فیما له حقیقة وماهیّةً بسیطة مُنتزعة عن عدّة من الأفراد کالصلاة.
ثمّ إنّه لا إشکال فی دخول الأجزاء فی محطّ البحث.
وأمّا الشرائط فهی علی أقسام
منها : ما هی قابلة لأن یتعلّق بها الأمر، وتعلَّقَ الأمر بها بالفعل أیضاً
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 100
کالستر والاستقبال.
ومنها : ما یمکن تعلّق الأمر بها، لکن لم یتعلّق بها بالفعل؛ لکونها شروطاً عقلیّة محضة، کاشتراط عدم مزاحمة المأمور به بضدّه الأهمّ، ونحو ذلک.
ومنها : ما لا یمکن تعلّق الأمر بها، کقصد الوجه والامتثال.
فقد یقال : بدخول جمیع الشرائط فی محطّ البحث، وأنّ الکلام فی المقام هو أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ هل هیموضوعة للماهیّة الواجدة لجمیع الأجزاء والشرائط أوللأعمّ؟
وأورد علیه بوجوه :
الوجه الأوّل : أنّ الأجزاء فی مرتبة المقتضی ، والشرائط فی مرتبة متأخّرة عن المقتضی.
وبعبارة اُخری : الماهیّة فی تقرّرها الماهوی متقدِّمة فی الرتبة علی شرائطها، ویلزم من دخولها فی المسمّی اتحادها مع الأجزاء فی الرتبة وهو مُحال.
الوجه الثانی : أنّ شرطیّة شیء لشیء منتزعة عن تقیید المسمّی به، مثل قوله : «صلّ مع الطهارة» فهی ـ لا محالة ـ متأخّرة عن الأجزاء، والأجزاء متأخرة فی الرتبة عن المسمّی، فالشرائط متأخّرة برتبتین علی المسمّی، فیستحیل دخولها فی المسمّی؛ لاستلزامه اتحادها مع الأجزاء فی الرتبة، مع أنّها متأخّرة عنها.
الوجه الثالث : اتّفق الأصحاب علی أنّ الصلاة من الأفعال القصدیّة، التی یتوقّف تحقّقها فی الخارج علی قصد عنوانها، واتّفقوا أیضاً علی أنّ بعض الشرائط لیس من الاُمور القصدیّة؛ بمعنی أنّه یمکن أن توجد فی الخارج وإن لم یقصدها فاعلها، کالطّهارة من الخبث، فلو کان المسمّی مرکّباً من الأجزاء والشرائط، لزم أن یکون
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 101
بعض الصلاة من الاُمور القصدیّة دون بعض، وهو یُنافی اتّفاقهم.
وأجاب عنها المحقّق العراقی قدس سره : بأنّه ـ مضافاً إلی عدم صحّته فی نفسه ـ لا یلزم منه سقوطُ هذا النزاع بالنسبة إلی الشرائط، وعدمُ ترتّب ثمرة البحث علیه؛ إذ غایة ما ذُکر من الإشکال : هو خروج الشرائط عن المسمّی، وخروجها عنه لا یستلزم وضعها لنفس الأجزاء مطلقاً، بل یمکن أن یقال : إنّها موضوعة لنفس الأجزاء المقترنة بالشرائط؛ أعنی تلک الحصّة من مطلق الأجزاء، ومعه یمکن جریان النزاع فیها، وترتّب الثمرة المذکورة له علیه؛ بمعنی أنّ الصحیحی یدّعی أنّ اللّفظ موضوع للحصّة المقترنة لجمیع الشرائط والأعمّی یدّعی أنّه موضوع للحصّة المقترنة ببعض الشرائط انتهی.
ولیته اقتصر علی الإشکال الأوّل الإجمالی بقوله : «مضافاً إلی عدم صحته فی نفسه» ولم یتعقّبه بما ذکره، فإنّه إن أراد بقوله : «المقترنة بالشرائط» التقیید به بنحو القضیّة المشروطة، عاد المحذور.
وإن أراد الاقتران بنحو القضیّة الحینیّة لزم لغویّة النزاع والبحث؛ للزوم بقاء الصدق وصحّة الإطلاق بدون هذا الشرط علی الصحیحی أیضاً کما هو مقتضی أخذها بنحو القضیّة الحینیّة، فالصلاة ـ حینئذٍ ـ موضوعة للأجزاء حین وجود الشرائط، لا مقیّدة بها؛ حتّی یستلزم انتفاء الصدق بدونها.
فالذی ینبغی البحث عنه فی المقام أمران :
الأمر الأوّل : الکلام فی إمکان أخذ الشرائط مع الأجزاء فی الموضوع له بحیث تُؤخذ الشرائط جزءً للموضوع له فی عرض الأجزاء أو لا.
ولا شبهة فی إمکانه، ولا یُنافیه تقدّم الأجزاء علی الشرائط فی الرتبة؛ لإمکان
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 102
جعل الواضع مجموع المتقدّم والمتأخّر فی الرتبة موضوعاً له للّفظ أو مسمّیً بهذا الاسم؛ بأن یفرض أنّ الشارع لاحظ الأجزاء والشرائط بالأسر، ووضع لفظ الصلاة لها، أو سمّـاها بها.
الأمر الثانی : أنّ الظاهر من کلام بعضهم عدم اختصاص هذا النزاع بالأجزاء والقسم الأوّل من أقسام الشرائط المذکورة، بل هو شامل للقسمین الأخیرین من أقسامها، حتّی فی مثل قصد الوجه وامتثال الأمر، کما یظهر من کلام «الفصول»، وهو مقتضی استدلال صاحب «الکفایة» قدس سره أیضاً؛ حیث إنّه استدلّ لوجود الجامع علی الصحیح بقوله : «ولا إشکال فی وجوده بین الأفراد الصحیحة...» إلی أن قال : «فإنّ الاشتراک فی الأثر کاشف عن جامع واحد یؤثّر فی الکلّ بذلک الجامع».
ومُراده قدس سره أنّه ورد فی الآیات والأخبار أنّ للصلاة آثاراً، وأنّها ناهیة عن الفحشاء والمنکر وأنّها (قربان کلّ تقی) أو (عمود الدین) ونحو ذلک، وهذه الآثار تکشف عن وجود عنوان بسیط مؤثّر فیها، وإلاّ یلزم صدور الواحد عن المتعدّد، ولا یصدر الواحد إلاّ من الواحد، ومن المعلوم أنّ تلک الآثار إنّما هی للصلاة الجامعة لجمیع الأجزاء والشرائط کلّها، فهی الموضوع له للفظ الصلاة.
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ مثل قصد الوجه وامتثال الأمر عنده لیسا من الشرائط، لکنّه إنّما یتمّ فی القسم الثالث من أقسام الشرائط، لا القسم الثانی.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 103