المقدمة وتشتمل علی اُمور

تنبیهات

تنبیهات

أحدها : ‏أنّ من أهمّ المعانی التی یُراد إفهامها فی المحاورات هی المعانی التصدیقیّة‏‎ ‎‏ـ أی النسب الجزئیّة أو الإنتساب إلی فاعل ما ـ فهل لها ألفاظ موضوعة فی لغة العرب‏‎ ‎‏تدلّ علیها؟ مثلاً : لو قیل : «زیدٌ قائم» فالذی یدلّ علیه لفظ «زید» معنیً تصوُّری،‏‎ ‎‏وکذلک «القائم»، وأمّا المعنی التصدیقی الذی تشتمل علیه هذه الجملة ـ أی الاتّحاد‏‎ ‎‏والهُوهُویّة أو النسب الجزئیّة ـ فلا یدلّ علیه لفظ «زید وقائم» لا بمادّته ولا بهیئته،‏‎ ‎‏فالدالّ علیه إمّا مجموع «زید قائم» بأن یقال : إنّه موضوع لهذا المعنی التصدیقی مضافاً‏‎ ‎‏إلی وضع کلّ واحد منهما لمعناه التصوُّری، أو أنّ هیئة الجملة المتحقّقة فی هذه القضیّة‏‎ ‎‏وسائر القضایا موضوعة له، والحقّ هو الثانی والشاهد له هو الوجدان، لکن الأوّل‏‎ ‎‏ـ أیضاً ـ ممکن لا یلزم منه محذور.‏

فما فی «الکفایة» : ‏من أنّه یلزمه دلالة الجملة علی المعنی مرّتین‏‎[1]‎‏، فیه : أنّ‏‎ ‎‏غایة ما یلزمه أنّ الهیئة والمجموع مترادفان، ولا استحالة فی وجود دالّین علی معنیً‏‎ ‎‏واحد فی کلام واحد.‏

وکذلک ما قیل : ‏ـ من استلزامه اللَّغویّة؛ لعدم الحاجة إلی وضع المجموع له بعد‏‎ ‎‏دلالة الهیئة علیه‏‎[2]‎‏ ـ فإنّ الألفاظ المترادفة واقعة فی کلامهم، وربّما لا یلزم منه‏‎ ‎‏اللَّغویّة أیضاً.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 73
وکذا ما ذکره بعض آخر : ‏من أنّه لو کان المجموع موضوعاً لهذا المعنی التصدیقی،‏‎ ‎‏لزم صدق جمیع القضایا ومطابقتها للواقع؛ وذلک لأنّ هنا مقامات لا ارتباط لأحدها‏‎ ‎‏بالآخر : مقام وضع الألفاظ للمعانی المفردة أو التصدیقیّة، ومقام الدلالة، ومقام إرادة‏‎ ‎‏المعنی من اللّفظ، ومقام أنّه مطابق للواقع أو لا. فمقام مطابقته للواقع وعدمها غیر مقام‏‎ ‎‏الدلالة، فهو دالّ علی هذا المعنی طابق الواقع أو لا، ولا ملازمة بین الدلالة والمطابقة‏‎ ‎‏للواقع، فإذا قیل : «زیدٌ قائم» ینسبق إلی ذهن المخاطب هذا المعنی التصدیقی، وأمّا أنّه‏‎ ‎‏مطابق للواقع أو لا فیحتاج إلی الإثبات.‏

نعم : ‏یرد علیه ما أورد علیه ابن مالک، وهو أنّه لو کان مجموع المسند والمسند‏‎ ‎‏إلیه موضوعاً بإزاء المعنی التصدیقی، لزم تعدّد الأوضاع بتعدّد القضایا، وأنّ لـ «زید‏‎ ‎‏قائم» وضعاً، ولـ «عمرو جالس» وضعاً آخر، وهکذا، وفساده أظهر من أن یخفی.‏

وحینئذٍ فالحقّ : ‏أنّ الموضوع له للمعانی التصدیقیّة هی الهیئة.‏

الثانی : ‏أنّهم قسّموا اللّفظ إلی المفرد والمرکَّب‏‎[3]‎‏ وهو لا یخلو عن إشکال؛ لأنّ‏‎ ‎‏«اللّفظ» فی اللّغة : الرمی، و «الملفوظ» هو المرمی‏‎[4]‎‏ ووجه التسمیة واضح، فإنّه یُرمی‏‎ ‎‏من الفم إلی خارجه، یقال : «أکلتُ التمرة ولفظتُ النواة»؛ أی رمیتُها، وحینئذٍ فإن اُرید‏‎ ‎‏من «اللّفظ» ـ الذی جُعل مَقْسماً للمفرد والمرکّب ـ اللّفظ الحقیقی، فلا ریب فی أنّ‏‎ ‎‏الألفاظ فی الحقیقة هی الحروف التی هی بسائط، فإنّها التی تُرمی من الفم إلی‏‎ ‎‏خارجه، فإذا قیل : «زید» فالملفوظ هو «الزاء» و «الیاء» و «الدال»، لا مجموعها،‏‎ ‎‏وحینئذٍ فاللّفظ الحقیقی بسیط، کهمزة الاستفهام، وکاف الخطاب، والضمیر، ونحوها.‏

‏ثمّ علی فرض الإغماض عن ذلک والتسلیم بأنّ الملفوظ هو مجموع هذه‏‎ ‎‏الحروف ولو بالمسامحة فی الإطلاق، لکن مع ذلک لا یصحّ التقسیم المذکور أیضاً، فإنّ‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 74
‏اللّفظ هو المرکّب من الحروف، وهو المفردات فقط.‏

الثالث : ‏قال فی «الفصول» : النسب الجزئیّة ـ والمراد هیئة الجمل الخبریّة ـ‏‎ ‎‏موضوعة بإزاء النسب الذهنیّة من حیث کشفها عن الواقع وإراءتها له، سواءً طابقته‏‎ ‎‏أم لا.‏

‏واستدلّ علیه بالتبادر وبأنّ العلم من ذوات الإضافة یحتاج فی وجوده إلی‏‎ ‎‏المضاف إلیه، وحینئذٍ فلو کانت الهیئات فی القضایا الخبریّة موضوعة للنسب الجزئیّة‏‎ ‎‏الخارجیّة، لا الذهنیّة، لزم أن لا یکون للقضایا الکاذبة معنیً أصلاً؛ لانتفاء النسبة‏‎ ‎‏الواقعیّة الخارجیّة فیها، ولزم أن لا یحصل العلم للمخاطَب فیها؛ لامتناع وجود‏‎ ‎‏المضاف بدون المضاف إلیه‏‎[5]‎‏ انتهی بتوضیح منّا.‏

أقول : ‏أمّا التبادر فلا أظن أن یعتمد هو ‏‏قدس سره‏‏ علیه أیضاً مع قطع النظر عن دلیله‏‎ ‎‏الآخر، بل لا یبعد دعوی التبادر علی خلافه.‏

وأمّا دلیله الآخر : ‏فإن قلنا بعموم الموضوع له فی الهیئات فالجواب عنه واضح،‏‎ ‎‏فإنّ الهیئة ـ حینئذٍ ـ دائماً مستعملة فی طبیعی النسبة أو مفهوم الاتّحاد والهُوهُویّة علی‏‎ ‎‏ما اخترناه إلاّ أنّه ینطبق علی الأفراد انطباقاً حقیقیّاً بالنسبة إلی الأفراد الخارجیّة،‏‎ ‎‏وغیر حقیقی فی غیرها.‏

وإن قلنا : ‏بأنّ الموضوع له فیها خاصّ ـ کما هو الحقّ وقد تقدّم ـ فنقول : إنّ ما‏‎ ‎‏ذکره ـ من أنّ العلم من ذوات الإضافة التی لا یمکن تحقّقها بدون المضاف إلیه ـ‏‎ ‎‏صحیح، لکن لا یجب أن یکون المضاف إلیه من الاُمور الواقعیّة المعلومة بالعرض، بل‏‎ ‎‏یکفی فی تحقّقه وجود الصورة الذهنیّة التی هی معلومة بالذات؛ وذلک لأنّه إذا قیل :‏‎ ‎‏«زیدٌ قائم» ونحوه، انتقش فی ذهن المخاطب صورة «زید» ومعنی «القائم» واتّحادهما أو‏‎ ‎‏النسبة بینهما، وتسمّی بحضور النفس، وینتقل بها إلی الخارج، سواءً کانت النسبة ثابتة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 75
‏ومتحقّقة فی نفس الأمر أم لا، فمع تحقّقها فالانتقال إلیه حقیقی، وإلاّ فصوری، وحینئذٍ‏‎ ‎‏فالبرهان المذکور لا یفی بإثبات ما رامه؛ لابتنائه علی أنّ المضاف إلیه للعلم هو‏‎ ‎‏خصوص الواقعی، وقد عرفت خلافه.‏

‏مضافاً إلی أنّه علی فرض التسلیم بأنّ الهیئات موضوعة للصور الذهنیّة من‏‎ ‎‏حیث إنّها کاشفة عن الواقع، فإمّا أنّ هذا الکشف فی القضایا الکاذبة حقیقی، أو لا : ‏

فلو قال : ‏إنّه حقیقی لزم وجود الکشف ـ الذی هو أیضاً من ذوات الإضافة ـ‏‎ ‎‏بدون المضاف إلیه.‏

ولو قال : ‏إنّه لیس بحقیقی فمرجعه إلی القول بأنّها موضوعة للصورة الذهنیة‏‎ ‎‏من حیث هی وهو ‏‏قدس سره‏‏ لا یقول به.‏

فالحقّ هو ما تقدّم : ‏من أنّ الهیئات موضوعة فی القضایا الحملیّة للهوهویّة‏‎ ‎‏الخارجیّة، أو لإفادة تحقّق النسب الجزئیّة، من غیر فرق فیه بین القضیّة الصادقة‏‎ ‎‏والکاذبة، ولا یلزم تحقُّق المعنی فی الخارج أوّلاً ثمّ استعمال اللّفظ والهیئة فیه، بل‏‎ ‎‏الاستعمال لیس إلاّ إعمال اللّفظ فی المعنی لإیجاد صورة المعنی فی ذهن الُمخاطَب لینتقل‏‎ ‎‏بها إلی الخارج، فإن کان متحقّقاً فی الخارج فالقضیّة صادقة، وإلاّ فکاذبة، وعلی أیّ‏‎ ‎‏تقدیر فالاستعمال صحیح، ویفید المخاطَب إیجاد الصورة فی ذهنه.‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 76

  • )) اُنظر المصدر السابق : 33.
  • )) اُنظر نهایة الأفکار 1 : 65.
  • )) شرح الکافیة : 1 : 3 ـ 4.
  • )) الصحاح 3 : 1179 ـ «لفظ».
  • )) الفصول الغرویّة : 29.