المقدمة وتشتمل علی اُمور

فائدة

فائدة :

‏هل الألفاظ موضوعة للمعانی النفس الأمریّة من حیث هی، أو لها من حیث‏‎ ‎‏أنّها مرادة؟‏

‏لا شُبهة فی أنّ الحقّ هو الأوّل، وقد تقدّم أنّ حقیقة الوضع هو جعل اللّفظ‏‎ ‎‏للمعنی، وهو أمرٌ اعتباری لا جعل العلاقة بینهما تکویناً، ولا التعهّد والالتزام بأنّه متی‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 69
‏اُطلق اللّفظ الفلانی یُراد به المعنی الکذائی.‏

‏وأمّا توهّم أنّ الألفاظ موضوعة للمعانی المرادة‏‎[1]‎‏: فإن اُرید بها المعانی‏‎ ‎‏المقیّدة بالإرادة النفسانیّة التی یحمل علیها مفهوم الإرادة بالحمل الشائع؛ لأنّ الإرادة‏‎ ‎‏النفسانیّة جزئیّة؛ لأنّه لابدّ فی تحقّقها وتحقّق مبادئها ـ من الشوق والخطور‏‎ ‎‏وغیرهما من المبادئ ـ من متعلَّقٍ؛ لامتناع تحقّقها کُلّیّةً بدون المتعلّق، فهو لیس مُراد‏‎ ‎‏القائلین بهذا القول.‏

‏وإن اُرید أنّ الموضوع له لها مقیّد بالإرادات العرضیّة بملاحظة الواضع مفهوم‏‎ ‎‏الإرادة وتقییده المعنی الموضوع له بالإرادات الجزئیّة الخارجیّة العرضیّة؛ لما له نحو‏‎ ‎‏حکایة عنها، فهذا ـ أیضاً ـ لیس مراد القائلین بهذا القول قطعاً.‏

وحینئذٍ یمکن أن یقال : ‏إنّ مراد القائلین بهذا القول : هو أنّ للمعنی الموضوع له‏‎ ‎‏نحوَ تضیّقٍ ناشٍ من ناحیة الواضع، فإنّ الوضع من الأفعال الاختیاریّة المسبوقة‏‎ ‎‏بمبادئ الإرادة، ومن مبادئها تصوّر غایة الوضع، التی هی عبارة عن إفهام المخاطَب‏‎ ‎‏ذلک المعنی بهذا اللّفظ، فالمعانی الموضوع لها متقیّدة ذاتاً بکونها مرادة فی نفس الأمر،‏‎ ‎‏لا أنّ الواضع قیَّدها بالإرادة، وهذا نظیر وضع الأعلام الشخصیّة کزید، فإنّ لذاته‏‎ ‎‏المشخّصة حدّاً خاصّاً معیَّناً ذاتاً بحسب الطول والعرض، مع أنّ الواضع لم یلاحظ ذلک‏‎ ‎‏حین وضعَ لفظ «زید» له لیکون هذا القید للموضوع له.‏

وحینئذٍ : ‏فیمکن أن یرید القائل بأنّ الألفاظ موضوعة للمعانی المرادة هو ذلک‏‎ ‎‏المعنی، وعلیه فالإشکالات ـ التی أوردها فی «الکفایة» علی هذا القول ـ بین ما لیس‏‎ ‎‏بوارد وبین ما لا یضرّ، ولیس تالیاً فاسداً :‏

أمّا الأوّل : ‏کلزوم تقدّم الشیء علی نفسه لو کان الموضوع له مقیّداً بالإرادة‏‎[2]‎‏؛‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 70
‏للزوم تحقّق الإرادة قبل استعمال اللّفظ فی المعنی، فیلزم تقدّمها علی نفسها،‏‎ ‎‏وکالإشکال بلزوم التجرید عند الحکم والحمل فی القضایا.‏

أمّا الإشکال الثانی الذی لا یضرُّ : ‏فکالإشکال بلزوم خصوصیّة المعنی‏‎ ‎‏الموضوع له فی جمیع الألفاظ‏‎[3]‎‏ فإنّه فی نفسه ممکن لا محذور فیه علی فرض استلزام‏‎ ‎‏هذا القول له، لکنّه ـ أیضاً ـ ممنوع.‏

هذا، لکن لقائلٍ أن یقول : ‏إنّ العلّة الغائیّة ـ التی هی علّة فاعلیّة الفاعل ـ وإن‏‎ ‎‏کانت ممّا لابدّ منها فی الأفعال الاختیاریّة، حتّی فعل العابث؛ فإنّ لفعله ـ أیضاً ـ غایة،‏‎ ‎‏غیر أنّها لیست عقلائیّة، ولابدّ ـ أیضاً ـ من تقدّمها علی الفعل ذهناً وتأخّرها عنه‏‎ ‎‏خارجاً، لکنّه لا یقتضی أزید من أنّه لابدّ أن یکون الفعل بحیث یصلح لأن یترتّب‏‎ ‎‏علیه تلک الغایة، وبهذا تفترق عن الفائدة التی قد تترتّب علی الفعل، ولا تُثبت هذه‏‎ ‎‏المقدّمات تضییق دائرة المعنی ومحدودیّته فی حدّ نفسه وذاته.‏

وحینئذٍ نقول : ‏الوضع من الأفعال الاختیاریّة، التی لابدّ فیها من غایة هی‏‎ ‎‏إفهام المعانی بالألفاظ فی مقام التفهیم والتفهّم، فلابدّ أن یکون الوضع بحیث یترتّب‏‎ ‎‏علیه تلک الغایة، لا أنّ الموضوع له مقیّد فی نفس الأمر بالإرادة.‏

ومنه یظهر : ‏ما فی الاستدلال بما ذکرنا لإثبات أنّ الألفاظ موضوعة‏‎ ‎‏للمعانی المرادة.‏

فتلخّص : ‏أنّ الحقّ أنّ الألفاظ موضوعة للمعانی النفس الأمریّة من حیث هی‏‎ ‎‏بلا تقیید ذاتاً ولا تقیید فی مقام الوضع بالإرادة، سواء کانت استعمالیّة أو تفهّمیّة.‏

واستدلَّ أیضاً لهذا القول : ‏بأنّه لولا ذلک لزم لَغویّة الوضع؛ لأنّ الوضع إنّما هو‏‎ ‎‏لإرادة المعنی من اللّفظ حیث یطلق فی مقام التفهیم والتفهّم، فلولا تقیید المعنی‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 71
‏الموضوع له بهما لزم اللغویّة‏‎[4]‎‏.‏

والجواب : ‏أنّه یکفی فی دفع محذور اللَّغویّة صلاحیّةُ الوضع لأن یترتّب علیه‏‎ ‎‏تلک الغایة، التی هی إفهام الغیر هذا المعنی من ذاک اللّفظ.‏

وأمّا ما ذکره العَلَمان : ‏ـ الشیخ الرئیس والمحقِّق الطوسی ـ من أنّ الدلالة‏‎ ‎‏تتبع الإرادة‏‎[5]‎‏ فقد یتوهّم أنّه مستلزم للقول بأنّ الموضوع له للألفاظ هی المعانی‏‎ ‎‏المرادة، وأنّ الإرادة جزء المعنی الموضوع له، وإلاّ لم یدلّ اللّفظ علی معناه، کما هو‏‎ ‎‏ظاهر کلامهما.‏

‏وأوّلَه فی «الکفایة» بما لا یرضیان به، وهو أنّ مرادهما هو أنّ التصدیق بأنّ هذا‏‎ ‎‏المعنی مراد للاّفظ من هذا اللّفظ، إنّما یتحقّق إذا کان قد أراده ثبوتاً؛ کی یستکشف‏‎ ‎‏باللّفظ، وإلاّ لم یکن الکشف حقیقیّاً‏‎[6]‎‏.‏

والحقّ : ‏أنّ مرادهما لیس هو ذلک، بل إنّما ذکر المحقّق الطوسی ذلک، لدفع‏‎ ‎‏الإشکال المشهور علی تعریف الدلالات الثلاث : بانتقاض تعریف کلّ منها بتعریف‏‎ ‎‏الآخر فیما لو کانت الأوضاع متعدِّدة : وُضع لفظ مرّةً لمرکّب، واُخری لأحد جزءیه،‏‎ ‎‏وثالثة للازمه، علی ما فُصِّل فی المنطق‏‎[7]‎‏ فراجع.‏

وحاصل جوابه : ‏أنّ دلالة اللّفظ علی معنی تتبع الإرادة؛ بمعنی أنّ المتکلّم إن أراد‏‎ ‎‏المعنی المطابقی للّفظ فدلالة اللّفظ تابعة له، فلا تدلّ ـ حینئذٍ ـ علی جزئه أو لازمه‏‎ ‎‏بالمطابقة، وإنْ أراد جزء الموضوع له بما أنّه جزء له، فاللّفظ ـ أیضاً ـ یدلّ علیه‏‎ ‎‏بالتضمّن، وإنْ أراد لازمه بما أنّه لازم فالدلالة التزامیّة لا مطابقیّة وإن کان بلحاظ‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 72
‏وضع آخر مطابقة فالدلالة تابعة لإرادة المتکلّم، فلا وجه لحمل کلامهما علی ما ذکره‏‎ ‎‏فی «الکفایة»‏‎[8]‎‏.‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 73

  • )) اُنظر شرح الإشارات 1 : 32، والجوهر النضید : 8 .
  • )) کفایة الاُصول : 31.
  • )) نفس المصدر.
  • )) الفصول الغرویّة : 17.
  • )) اُنظر الشفاء (قسم المنطق) 1 : 42 ـ 43، وشرح الإشارات 1 : 32، والجوهر النضید : 8.
  • )) اُنظر کفایة الاُصول : 32.
  • )) اُنظر الجوهر النضید : 8.
  • )) کفایة الاُصول : 31 ـ 32.