المقدمة وتشتمل علی اُمور

المبحث الخامس : فی بیان أوضاع هیئات الجمل التامّة والناقصة والإنشائیّة والإخباریّة وغیرها

المبحث الخامس : فی بیان أوضاع هیئات الجمل التامّة والناقصة والإنشائیّة والإخباریّة وغیرها

فنقول : ‏أمّا الحملیّة الموجبة : فهی علی أقسام بحسب أقسام الحمل : ‏

فمنها : ‏الحمل الأوّلی الذاتی، والمناط فیه هو حمل مفهوم علی مفهوم مساوٍ نحو:‏‎ ‎‏«الإنسان حیوان ناطق».‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 52
ومنها : ‏الحمل الشائع الصناعی، والمناط فیه الاتّحاد فی المصداق مع تغایر‏‎ ‎‏الموضوع والمحمول بحسب المفهوم، والمحمول فیه کلّی یحمل علی المصداق الخارجی،‏‎ ‎‏فإن کان مصداقا لذلک الکلّی المحمول علیه یُسمّی حملاً شائعاً ذاتیّاً، مثل : «زید‏‎ ‎‏إنسان» وإن لم یکن من مصادیق ذلک الکلّی یُسمّی شائعاً عرضیّاً، نحو «هذا الجسم‏‎ ‎‏أبیض» وله أقسام اُخر لا حاجة إلی ذکرها.‏

فنقول : ‏لیس الموضوعُ له لهیئة الجمل الحملیّةِ الکونَ الرابط، بل هی‏‎ ‎‏موضوعة للحکایة عن الهُوهُویّة الحقیقیّة أو العُرفیّة؛ أی الاتّحاد الخارجی بین‏‎ ‎‏الموضوع والمحمول کما فی «زید إنسان» و «هذا زید» و «زید زید» لعدم الربط بین‏‎ ‎‏الموضوع والمحمول فی هذه الأمثلة؛ لتحکی عن الهیئة لافتقار الربط إلی مرتبطین‏‎ ‎‏متغایرین، ولا تغایر بین الموضوع والمحمول فیها، ویشهد لذلک صحّة قولنا : «زیدٌ‏‎ ‎‏زیدٌ» و «هذا زیدٌ»، و «الوجودُ موجود»، و «الله تعالی موجود» وعدم صحّة قولنا :‏‎ ‎‏«زید له زید»، و «الوجودُ له الوجود»، فیکشف ذلک أنّ الحمل فیها یفید الهُوهُویّة‏‎ ‎‏والاتّحاد فی الخارج.‏

وبعبارة اُخری : ‏لکلّ واحدٍ من الحمل الأولی الذاتی والشائع العرضی قضیّة‏‎ ‎‏ملفوظة وقضیّة معقولة وقضیّة محکیّة عنها فی الخارج.‏

أمّا الحملُ الذاتی : ‏فلیس فیه فی الخارج «إنسان» و «حیوان ناطق» مُغایر له،‏‎ ‎‏ارتبط أحدهما بالآخر، بل الإنسان فی الخارج عین الحیوان الناطق، ومُتّحد معه، وإذا‏‎ ‎‏کان الخارج کذلک فالقضیّة الملفوظة الحاکیة عن الخارج، والمعقولة التی یُنتقل منها‏‎ ‎‏إلی الخارج أیضاً کذلک؛ أی لم تشتمل واحدة منهما علی ما یدلّ علی الربط، وإلاّ امتنع‏‎ ‎‏حکایتهما عن الخارج والإنتقال منها إلیه، فقولنا : «الإنسان حیوان ناطق» حاکٍ عن‏‎ ‎‏الهُوهُویّة الخارجیّة الحقیقیّة.‏

وأمّا الحمل الشائع الصناعی الذاتی : ‏نحو «زید إنسان» و «هذا البیاض‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 53
‏أبیض» إذا اُخذ لا بشرط، لا ذات ثبت لها البیاض، فهو أیضاً کذلک لا یشتمل علی‏‎ ‎‏الربط؛ إذ لیس فی الخارج زید وإنسان مُغایر له مرتبط به، بل هما فی الخارج واحد،‏‎ ‎‏فإذا کان الخارج کذلک فالقضیّة الملفوظة الحاکیة عن الخارج والمعقولة التی ینتقل منها‏‎ ‎‏إلی الخارج کذلک؛ لما مرّ.‏

وأمّا الحمل الشائع العرضی : ‏مثل «زید أبیض» و «عمرو أسود» ونحو ذلک‏‎ ‎‏ففیه اُمور : أحدها «زید» والثانی «البیاض» والثالث الربط بینهما، ولذا یمکن الحکایة‏‎ ‎‏عنها بقولنا : «زید له البیاض» نعم یمکن الحکایة عنها بمثل «زید أبیض» بدون اشتماله‏‎ ‎‏علی أداة الربط، فالأوّل یدلّ علی الربط بینهما، والثانی یدلّ علی الهُوهُویّة، بخلاف‏‎ ‎‏القسمین الأوّلین؛ لعدم إمکان الحکایة فیها بنحوٍ یشتمل علی الربط بین الموضوع‏‎ ‎‏والمحمول، کأن یُقال : «الإنسان له حیوان ناطق» أو «زید له الإنسان».‏

وأمّا فی مثل : ‏«زیدٌ فی الدار» ونحوه فهو من القضایا الحملیّة المؤوّلة بتقدیر‏‎ ‎‏«کائن» ونحوه من أفعال العموم کما ذکره النحویّون‏‎[1]‎‏ وإلاّ فهی لا تشتمل فی الظاهر‏‎ ‎‏علی الحمل، وفیها فی الخارج أربعة أشیاء : أحدها ذات زید، الثانی الدار، الثالث‏‎ ‎‏الربط بینهما، الرابع تحقّق ذلک الربط، فالدالّ علی الأوّل لفظ «زید» وعلی الثانی لفظ‏‎ ‎‏«الدار» وعلی الثالث لفظة «فی»، وعلی الرابع الهیئة، وأمّا الهیئة فی مثل «زید إنسان»‏‎ ‎‏فهی تدلّ علی الهُوهُویّة لعدم وجود الربط بینهما؛ لتدلّ علی تحقّقه کما عرفت. هذا کلّه‏‎ ‎‏فی الموجبات.‏

وأمّا السوالب : ‏فهی تدلّ علی سلب الربط، لا ربط السلب؛ لعدم اشتمالها علی‏‎ ‎‏الربط أصلاً، فإذا قیل : «زید لیس بحمارٍ» فهو صادق، ولو مع عدم وجود «زید» وهی‏‎ ‎‏السالبة بانتفاء الموضوع، نحو : «شریک البارئ لیس بموجود» ویمکن صدقه مع‏‎ ‎‏وجود الموضوع دون المحمول، وقد یصدق مع وجودهما مع عدم الربط بینهما وعلی أی‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 54
‏تقدیر فهی تدلّ علی سلب الربط لا ربط السلب.‏

وأمّا الجمل الناقصة : ‏مثل «زید العالم» فالهیئة فیه تدلّ علی الهُوهُویّة‏‎ ‎‏التصوّریّة، وفی مثل «غلام زید» علی الإضافة التصوّریّة.‏

وانقدح ممّا ذکرناه : ‏ما فی کلام المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ من أنّ الهیئة فی القضایا‏‎ ‎‏موضوعة للکونِ الرابطِ والنسبةِ بین الطرفین‏‎[2]‎‏ لما عرفت من خُلُوّ کثیرٍ من القضایا‏‎ ‎‏والجمل عن الربط، کما فی «زیدٌ زید» و «زیدٌ إنسان» و «الإنسانُ حیوان ناطق»، فلا‏‎ ‎‏معنی لدلالتها علیه فیها.‏

ثمّ قال : ‏إنّ الهیئة قد تطرأ علی القول المرکّب ترکیباً ناقصاً، کما فی «زید العالم»‏‎ ‎‏و «غلام زید»، وقد تطرأ علی المرکّب ترکیباً تامّاً، کالجمل الإنشائیّة والإخباریّة،‏‎ ‎‏والفرق بینهما من وجوه :‏

الأوّل : ‏أنّ الهیئة تحکی عن النسبة الثابتة التی تعتبر قیداً مقوِّماً للموضوع أو‏‎ ‎‏المحمول، کما لو قلت : «غلامُ زیدٍ قائم»، أو «زیدٌ غلامُ عمرو»، أو «زیدٌ العالم فی‏‎ ‎‏الدار»، أو «هذا زیدٌ العالم» والهیئة الثانیة تحکی عن إیقاع النسبة نحو «زیدٌ قائم»،‏‎ ‎‏و «عبدی حرّ» فی مقام إنشاء العِتق، والإنسان یری بالوجدان أنّ المتکلّم یری‏‎ ‎‏الموضوع عاریاً عن النسبة التی یرید إثباتها إخباراً أو إنشاءً، وهو بالحمل أو‏‎ ‎‏الإنشاء یوقعها بین الموضوع والمحمول، بخلاف النحو الأوّل، فإنّ المتکلّم یری النسبة‏‎ ‎‏فیه ثابتة للموضوع والمحمول، فیعتبرها جزءً للموضوع أو المحمول، وبهذه العنایة‏‎ ‎‏یکون مفاد الترکیب الأوّل فی طول مفاد الترکیب الثانی، ومتأخِّراً عنه تأخّر الوقوع‏‎ ‎‏عن الإیقاع‏‎[3]‎‏ انتهی.‏

ویرد علیه : ‏ـ مضافاً إلی وجود التهافت فی کلامه؛ حیث صرّح هنا : بأنّ الهیئة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 55
‏موضوعة للإیقاع، وصرّح فی السابق : بأنّها موضوعة للکون الرابط والنسبة بین‏‎ ‎‏الموضوع والمحمول ـ أنّه إن أراد به غیر ما یوجده بهذا الإیقاع ـ بل بإیقاع آخر ـ ففیه:‏‎ ‎‏أنّه لا ارتباط لأحدهما بالآخر ولا نسبةَ بینهما؛ کی یقال : وبهذه العنایة یکون مفادُ‏‎ ‎‏الترکیب الأوّل فی طول الترکیب الثانی، ومتأخّراً عنه تأخّر الوقوع عن الإیقاع، کما‏‎ ‎‏لا ارتباطَ بین الوقوع والإیقاع الذین فی قولک : «زیدٌ له السوادُ» وبینهما فی قولک:‏‎ ‎‏«عمروٌ له السواد»، ولیس الوقوع فی أحدهما معلولاً لإیقاع فی الآخر؛ کی یتأخّر عنه‏‎ ‎‏ولو بالرتبة.‏

‏مضافاً إلی استلزام ما ذکره الجمعَ بین اللحاظین الآلی والاستقلالی فی استعمال‏‎ ‎‏واحد، وهو محال؛ وذلک لأنّه قد صرّح : بأنّ فی «زید العالم قائم» نسبتین : إحداهما‏‎ ‎‏تامّة، والاُخری ناقصة، أمّا الثانیة ففی «زید العالم» بزعمه، وهی معنیً حرفی قائم‏‎ ‎‏بالطرفین، فلحاظه آلی.‏

‏وصرّح ـ أیضاً ـ بأنّ هذه النسبة جزء مقوِّم الموضوع، الذی هو أحد طرفی‏‎ ‎‏النسبة التامّة، فلابدّ أن تکون معنیً اسمیّاً ینظر فیه؛ لعدم وقوع المعنی الحرفی‏‎ ‎‏موضوعاً أو محمولاً، فلابدّ من لحاظ النسبة الناقصة استقلالیّاً وآلیّاً معاً فی استعمال‏‎ ‎‏واحد، وهو محال.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 56

  • )) شرح الکافیة 1 : 93.
  • )) اُنظر بدائع الأفکار (تقریرات العراقی) 1 : 59.
  • )) نفس المصدر السابق 1 : 60.