المبحث الثانی : فی الواضع
فاعلم : أنّ الألفاظ وضعت متدرّجةً بمرور الدهور والأعصار، فإنّ البشر کان یقتصر ابتداءً فی عیشه بما یسدّ به الرمق، ویرفع الجوع، وبما یقضی حاجته من سائر أسباب المعیشة من الظروف والألبسة ونحوهما، فوضعوا للمعانی المقصود إفهامها المحتاج إلیها فی معاشهم وحیاتهم ألفاظاً خاصّةً معدودةً، وهکذا کلّما احتاجوا إلی إفهام معنیً من المعانی للغیر وضعوا له لفظاً.
فأوضاع الألفاظ للمعانی إنّما وقعت تدریجاً بمرور الأیّام والأعوام، لا أنّه وضعها شخص خاصّ معیّن دفعةً واحدة وفی زمانٍ واحدٍ، کما تُوهّم ذلک لیرد علیه: أنّه خارج عن الطاقة البشریّة؛ لعدم تناهی الألفاظ والمعانی، وفرّعوا علیه أنّ
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 29
الواضع هو الله تعالی شأنه لا غیر مع أنّه لو اُرید من عدم التناهی معناه الحقیقی فهو ممنوع؛ لتناهی الألفاظ والمعانی بهذا المعنی.
وإن اُرید منه الکثرة ـ أی معناه العرفی ـ فهو مُسلّم، إلاّ أنّک قد عرفت أنَّ الألفاظ قد وضعت للمعانی تدریجاً، لا دفعةً من واضع واحد.
فاتّضح بذلک : أنّ الواضع لیس هو الله تعالی، ولا النبی، ولا وصی نبی، ولا شخص واحد معیّن، بل أشخاص متعدّدة تدریجاً، کما نشاهد بالعیان وضع بعض الألفاظ فی زماننا هذا لمعانٍ جدیدة مُخترعة لم تکن سابقاً، وهو السرّ فی وقوع الألفاظ المشترکة والمترادفة؛ حیث إنّ الواضع للّفظ لمعنیً من المعانی وضعه له من دون اطّلاعه علی وضع شخص آخر لفظاً آخر لذلک المعنی أو وضع هذا اللّفظ لمعنیً آخر.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 30