المطلب الخامس المطلق والمقیّد

الفصل الثانی فی الفرق بین الإطلاق وأقسام الماهیة

الفصل الثانی فی الفرق بین الإطلاق وأقسام الماهیة

‏ ‏

ثمّ إنّ الإطلاق والتقیید وصفان إضافیّان‏، فیمکن أن تکون الماهیّة مطلقة‏‎ ‎‏بالنسبة إلیٰ قید لم تُقیَّد به ، وبالإضافة الیٰ قید آخر قُیِّدت به مقیّدة، مثل «الرقبة» فی‏‎ ‎‏الأوّل و «الرقبة المؤمنة» فی الثانی، فالتقابل بینهما أشبه بتقابل العدم والملکة، وإن لم‏‎ ‎‏تکونا کذلک حقیقةً؛ لأنّه یعتبر فی الموضوع فی تقابل العدم والملکة قابلیّتُهُ للتقیید،‏‎ ‎‏کالعمیٰ والبصر، فإنّ الأعمیٰ قابل للبصر، ومن شأنه ذلک، وبعد أن صار بصیراً تزول‏‎ ‎‏عنه القابلیّة، ویصیر فعلیّاً، بخلاف المطلق، فإنّه لیس له حالة منتظرة؛ لیصیر بعد‏‎ ‎‏التقیّد فعلیّاً.‏

‏ثمّ لا فرق فی أنّ معنیٰ الإطلاق عبارة عن اللاقیدیّة بین موارده؛ سواء کان فی‏‎ ‎‏الماهیّات المجرّدة کالرقبة، أم فی الأعلام الشخصیّة، کالبیت العتیق فی قوله تعالیٰ:‏‎ ‎‏«‏وَلْیَطَّوَّفُوا بِالْبَیْتِ الْعَتِیقِ‏»‏‎[1]‎‏، فإنّه مطلق بالإضافة إلی القیود والحالات المتصوّرة‏‎ ‎‏فیه، کالمسقّفیّة وعدمها ونحو ذلک، وکذلک الجواهر والأعراض من الماهیّات‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 415
‏المتأصّلة، والعرضیّات من الماهیّات الغیر المتأصّلة؛ سواء اُخذ فی متعلَّق الأمر‏‎ ‎‏والحکم، أم فی موضوعه، وکذلک الإطلاق فی نفس الحکم والماهیّة فی عالم التصوّر‏‎ ‎‏وفی مقام الثبوت؛ لما عرفت من أنّ الإطلاق والتقیید لا ینحصران فی مقام الإثبات‏‎ ‎‏والدلالة فقط، بل یُتصوّران فی مقام الثبوت أیضاً، لکن نظرهم إنّما هو الإطلاق‏‎ ‎‏والتقیید فی مقام الإثبات والدلالة؛ لأنّه محلّ ظهور الثمرة.‏

‏وهذا الّذی ذکرناه فی معنیٰ الإطلاق لا ارتباط له بتقسیم الماهیّة إلیٰ الماهیّة‏‎ ‎‏اللابشرط والبشرط لا والبشرط شیء‏‎[2]‎‏؛ لأنّ هذه الأقسام إنّما هی للماهیّات‏‎ ‎‏المتأصّلة، ولا اختصاص للإطلاق والتقیید بها، بل الماهیّات الاعتباریّة قد تتّصف‏‎ ‎‏بالإطلاق والتقیید ـ أیضاً ـ کالبیع والنکاح ونحوهما.‏

لکن لا بأس ببسط الکلام فی بیان هذه الأقسام تبعاً للقوم، فنقول :

‏الماهیّة ـ کرجل ـ قد تلاحظ فی الذهن، وهی ـ حینئذٍ ـ من الموجودات‏‎ ‎‏الذهنیّة، وحیث إنّ وجودها الذهنی ـ ولحاظها الذی وُجدت به فیه ـ مغفولٌ عنه‏‎ ‎‏للاّحظ، وأنّه یتصوّر نفس الماهیّة المجرّدة عن جمیع القیود، یمکن أن یوضع لفظ‏‎ ‎‏«الرجل» لها بدون تقییده بقید من القیود، حتّیٰ قید وجودها الذهنی، فأسماء الأجناس‏‎ ‎‏موضوعة لنفس الطبیعة المجرّدة بلحاظها کذلک.‏

فما یظهر من بعض الُمحشّین علیٰ «الکفایة»‏ ـ المحقّق الاصفهانی ‏‏قدس سره‏‏ـ : من أنّ‏‎ ‎‏الواضع یتصوّر الماهیّة بقید الإرسال، فیضع اللفظ لنفسها، ولحاظ الإرسال إنّما هو‏‎ ‎‏لأجل السریان فی جمیع أفرادها‏‎[3]‎‏.‏

فیه :‏ أنّ الوضع لنفس الماهیّة بتصوُّرها کذلک، کافٍ فی السریان بدون‏‎ ‎‏الاحتیاج إلیٰ لحاظ الإرسال، مع أنّ مجرّد لحاظ الإرسال لا یُفید ما لم یوضع اللفظ‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 416
‏بإزائها مقیّداً به.‏

فالحقّ ما عرفت :‏ من أنّ أسماء الأجناس موضوعة لنفس الماهیّة بلحاظها‏‎ ‎‏کذلک، ومعنیٰ صدقها علیٰ الأفراد هو اتّحادها مع کلّ واحد منها، لا انطباقها علیها‏‎ ‎‏وحکایتها عنها.‏

ثمّ إنّ‏ تقسیم الماهیّة إلی المطلقة والمخلوطة والمجرّدة‏‎[4]‎‏، هل هو تقسیم لنفس‏‎ ‎‏الماهیّة، أو أنّه تقسیم لها مقیسة إلیٰ الاعتبارات الثلاثة، وهی البشرط شیئیّة‏‎ ‎‏والبشرط لائیّة واللاّبشرطیّة، فالمَقْسم ـ حینئذٍ ـ هو الماهیّة المقیسة إلیها، لا نفس‏‎ ‎‏الماهیّة، وحینئذٍ فالماهیّة المقیسة إلیٰ جمیع اللواحق العارضة لها ـ کالبیاض والسواد‏‎ ‎‏مثلاً ـ هو اللابشرط القسمی، أو أنّه تقسیم للحاظ الماهیّة، لا لنفس الماهیّة، ولا‏‎ ‎‏الماهیّة المقیسة إلیٰ الاعتبارات الثلاثة ؟‏

فنقول :‏ لابدّ من ملاحظة أنّ هذا التقسیم من الفلاسفة العظام، هل هو مجرّد‏‎ ‎‏فرض واعتبار؛ بحیث یمکن أن یُفرض شیء واحد لا بشرط وبشرط شیء وبشرط‏‎ ‎‏لا، أو أنّ الأقسام المذکورة إنعکاسات عن الخارج وصور له وحاکیة عن الحقائق‏‎ ‎‏الواقعیّة، وإنّما ذکروها فی مقام التعلیم والتعلُّم، کما أنّ مراتب الفصول والأجناس من‏‎ ‎‏العالی والسافل منهما والمتوسّطات صور للعالَم؛ حیث إنّ الهیولیٰ الاُولیٰ التی هی مادّة‏‎ ‎‏الموادّ، لمّا تحرّکتْ قَبِلت الصورة الجسمیّة أوّلاً، فمنها ما وقفت علیها وتعصّت عن‏‎ ‎‏الترقّی إلیٰ ما فوقها؛ أی الصورة المعدنیّة کالحجر والمدر، ومنها ما تحرّکت إلیٰ ما‏‎ ‎‏فوقها، وقبلت الصورة المعدنیّة، والمعدنیّات ـ أیضاً ـ ما وقفت علیٰ صورتها متعصّیة‏‎ ‎‏عن التحرّک إلیٰ ما فوقها؛ أی الصورة النباتیّة کالشجر وسایر النباتات، ومنها ما‏‎ ‎‏تحرّکت عنها إلیٰ ما فوقها، وقبلت الصورة الحیوانیّة، والحیوانات ـ أیضاً ـ کذلک منها‏‎ ‎‏ما وقفت علیٰ صورتها، ومنها ما تحرّکت إلیٰ ما فوقها، وهی الصورة الإنسانیّة.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 417
‏وهذه الحرکة من الهیولیٰ الاُولیٰ فی هذه المراتب، منها ما یحتاج إلیٰ فصل‏‎ ‎‏زمانٍ، وفی بعضها بدون فاصلة من الزمان، فالمعدن الذی هو فی الذهب غیر المعدن‏‎ ‎‏الذی هو فی الإنسان، والحیوانیّة التی فی البقر ـ مثلاً ـ غیر الحیوانیّة التی فی الإنسان،‏‎ ‎‏فمراتب الأجناس والفصول لیست مجرّد فرض واعتبار، بل هی صور عالَم الکون.‏

وأمّا تقسیم الماهیّة إلیٰ الأقسام الثلاثة، فیظهر من بعضهم :‏ أنّها مجرّد فرض‏‎ ‎‏واعتبار، وأنّها قد تعتبر لا بشرط، وقد تعتبر بشرط لا، وقد تعتبر بشرط شیء‏‎[5]‎‏.‏

وأجابوا عن الإشکال‏ فی هذا التقسیم ـ بأنّه تقسیم للشیء إلیٰ نفسه وإلیٰ غیره،‏‎ ‎‏واتّحاد المَقْسم مع بعض الأقسام‏‎[6]‎‏ ـ بالفرق بین اللابشرط القسمی واللابشرط‏‎ ‎‏المَقْسمی، وأنّ اللا بشرط القسمی هو ما لوحظ فیه اللابشرطیّة، وقُیّدت الماهیّة بها،‏‎ ‎‏بخلاف المقسمی، فإنّه لم یلاحظ فیه مع الماهیّة شیء حتّیٰ اللابشرطیّة‏‎[7]‎‏.‏

ونظیر ذلک الفرق بین المادّة والجنس والنوع،‏ فقالوا: إنّ الماهیّة إن اعتُبرت‏‎ ‎‏بشرط شیء فهی النوع، وإن اعتُبرت بشرط لا فهی المادّة، وإن اعتبرت لا بشرط‏‎ ‎‏فهی الجنس‏‎[8]‎‏، فالفرق بینهما إنّما هو بالاعتبار، وأنّها إذا اعتبرت لا بشرط أمکن‏‎ ‎‏حملها، وإن اعتبرت بشرط لا امتنع حملها.‏

لکن هذا کلّه خلاف مراد الفلاسفة والحکماء؛‏ لأنّ الفرق بین المادّة والجنس‏‎ ‎‏والنوع لیس بمجرّد الفرض والاعتبار الذهنیّ، بل الفرق بینها أمر واقعیّ تکوینیّ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الهیولیٰ بعدما قبلت صورةً من الصور النوعیّة کالجوزة ـ مثلاً ـ صارت المادّة فعلیّة،‏‎ ‎‏ثمّ ان کان فیها استعداد کونها شجرة، فهی مادّة للشجرة ، فالمادّة الاُولیٰ للصورة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 418
‏النوعیّة للجوزة بشرط شیء عند صیرورتها جوزة، وترکیبها مع صورة الجوزة‏‎ ‎‏اتّحادیّ؛ بمعنیٰ أنّ المادّة صارت فعلیّة، والمادّة الثانیة التی فی الجوزة ـ أی الاستعداد‏‎ ‎‏للشجریّة وقبولها لصورة الشجریّة ـ هی اللابشرط بالنسبة إلیٰ صورة الجوزة،‏‎ ‎‏وترکیبهما انضمامیّ؛ بمعنیٰ أنّ لها الاستعداد لقبول صورة الشجریّة، وهو موجود مع‏‎ ‎‏صورة الجوزة، لا أنّها شیء التصق بها، فالأوّل هو النوع، والثانی هو المادّة.‏

وکذلک فیما نحن فیه،‏ فإنّ تقسیم الماهیّة إلیٰ الاعتبارات الثلاثة بمجرّد الفرض‏‎ ‎‏والاعتبار، بل کلّ ماهیّة إذا قیست بحسب ذاتها أو وجودها الخارجیّ إلیٰ شیء آخر‏‎ ‎‏من لوازمها ولواحقها، فهی بالإضافة إلیه : إمّا بشرط شیء أو بشرط لا أو لا بشرط،‏‎ ‎‏مثلاً: إذا قیست الماهیّة فی وجودها الخارجی ـ کالجسم ـ بالنسبة إلیٰ التحیُّز، فهی‏‎ ‎‏بشرط شیء بالنسبة إلیه؛ لعدم انفکاکه عنه فی وجوده، وإذا قیست إلیٰ التجرُّد فهی‏‎ ‎‏بشرط لا بالنسبة إلیه؛ لاستحالة اتّصافها به، وإذا قیست إلیٰ مثل البیاض والسواد‏‎ ‎‏فهی لا بشرط؛ لإمکان اتّصافها بهما وعدمه.‏

وهکذا الماهیّة‏ بحسب ذاتها إذا قیست إلیٰ شیء آخر فلا تخلو عن أحد الاُمور‏‎ ‎‏الثلاثة: فإنّها بالنسبة إلیٰ ما لا یمکن انفکاکها عنه کلوازمها بشرط شیء، وبالنسبة‏‎ ‎‏إلیٰ ما لا یمکن اتّصافها به بشرط لا، وبالنسبة إلیٰ ما أمکن فیه الأمران، ولیست آبیة‏‎ ‎‏عنه وعن عدمه، فهی لا بشرط، فالفرق بین الأقسام المذکورة لیس مجرّد الفرض‏‎ ‎‏والاعتبار الذهنّی؛ بحیث إذا لوحظت بشرط لا عن شیء واحد فهی بشرط لا، وإذا‏‎ ‎‏اعتُبرت بشرط ذلک الشیء فهی بشرط شیء، وإذا اعتُبرت لا بشرط عن ذلک‏‎ ‎‏الشیء فهی اللابشرط، وأنّها إذا اعتُبرت لا بشرط شیء أمکن حملها، وإن اعتُبرت‏‎ ‎‏بشرط للا عن هذا الشیء امتنع حملها.‏

‏بل الفرق بینها واقعیٌّ کما عرفت، وحینئذٍ فالمَقْسم فی الأقسام المذکورة، هی‏‎ ‎‏نفس الماهیّة المطلقة المتّحدة مع کلّ واحد من الأقسام، ولا یرد علیه إشکال لزوم‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 419
‏تقسیم الشیء إلیٰ نفسه وغیره.‏

إذا عرفت هذا فاعلم :‏ أنّ أسماء الأجناس موضوعة لنفس الطبیعة المطلقة‏‎ ‎‏اللابشرط المَقْسمی، ‏وتعرف ما فی کلام المیرزا المحقّق النائینی ‏قدس سره‏‏ علیٰ ما فی‏‎ ‎‏التقریرات، فإنّه قال ما حاصله: إنّ الماهیّة قد تعتبر بشرط لا؛ بمعنیٰ أنّها تعتبر علیٰ‏‎ ‎‏نحوٍ لا تتّحد مع ما هو معها، فهی بهذا الاعتبار مغایرة لما هی تتّحد معه باعتبار آخر،‏‎ ‎‏والماهیّة المعتبرة علیٰ هذا النحو، تقابلها الماهیّة المعتبرة لا بشرط بالإضافة إلیٰ‏‎ ‎‏الاتّحاد، وهذا کما فی المشتقّات بالإضافة إلیٰ مبادئها، وکما فی الجنس والفصل‏‎ ‎‏بالإضافة إلیٰ المادّة والصورة، فهی ـ أی المبادئ ـ آبیة عن حمل بعضها علیٰ بعض‏‎ ‎‏وعلیٰ الذوات المعروضة لها؛ لأنّها اُخذت بشرط لا، وأمّا المشتقّات فهی قابلة لحمل‏‎ ‎‏بعضها علیٰ بعض آخر، لا بمعنیٰ أنّها تعتبر علیٰ نحوٍ لا یکون معها شیء من‏‎ ‎‏الخصوصیّات، واللابشرط بهذا المعنیٰ خارج عمّا هو محلّ الکلام.‏

‏وقد تعتبر الماهیة بشرط لا؛ بمعنیٰ أنّها تعتبر علیٰ نحوٍ لا یکون معها شیء من‏‎ ‎‏الخصوصیّات اللاحقة لها، ویُعبَّر عنها بالماهیّة المجرّدة، فهی بهذا الاعتبار من الکلّیّات‏‎ ‎‏العقلیّة التی یمتنع صدقها علیٰ الموجودات الخارجیّة، والماهیّة المأخوذة بشرط لا بهذا‏‎ ‎‏المعنیٰ یقابلها أمران:‏

الأوّل :‏ الماهیّة المعتبرة بشرط شیء؛ أی الماهیّة الملحوظ معها اقترانها‏‎ ‎‏بخصوصیّة من الخصوصیّات اللاحقة لها؛ سواء کانت تلک الخصوصیّة وجودیّة أو‏‎ ‎‏عدمیّة، ویعبّر عنها بالماهیّة المخلوطة، والماهیّة بهذا الاعتبار تنحصر صدقها علیٰ‏‎ ‎‏الأفراد الواجدة لتلک الخصوصیّة، ویمتنع صدقها علیٰ الفاقدة لها.‏

الثانی :‏ الماهیّة المعتبرة لا بشرط؛ أعنی بها ما لا یعتبر فیه شیء من‏‎ ‎‏الخصوصیّتین المعتبرتین فی الماهیّة المجرّدة والمخلوطة، ویُعبّر عنها بالماهیّة المطلقة‏‎ ‎‏والماهیّة المأخوذة بنحو اللابشرط القسمی، وهو المراد بلفظ المطلق حیثما اُطلق فی‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 420
‏المباحث، والماهیّة بهذا الاعتبار قابلة للصدق علیٰ جمیع الأفراد المعتبرة کلٌّ منها‏‎ ‎‏بخصوصیّة تغایر خصوصیّة الفرد الآخر.‏

فظهر بذلک :‏ أنّ الکلی الطبیعی الصادق علیٰ کثیرین إنّما هو اللابشرط‏‎ ‎‏القسمی، دون المقسمی؛ لأنّ اللابشرط المقسمی أی نفس الطبیعة من حیث هی‏‎ ‎‏جامعة بین الکلی المعبّر عنه باللابشرط القسمی الممکن صدقه علیٰ کثیرین، والکلی‏‎ ‎‏المعبّر عنه بالماهیّة المأخوذة بشرط شیء، الذی لا یصدق إلاّ علیٰ الأفراد الواجدة لما‏‎ ‎‏اعتبر فیه من الخصوصیّة، ومن الواضح أنّه یستحیل أن یکون الجامع بین هذه‏‎ ‎‏الأقسام هو الکلی الطبیعی؛ لأنّ الکلی الطبیعی هو الکلی الجامع بین الأفراد الخارجیّة‏‎ ‎‏الممکن صدقه علیها، فهو ـ حینئذٍ ـ قسیم للکلی العقلی الممتنع صدقه علیٰ الأفراد‏‎ ‎‏الخارجیّة، ولا یعقل أن یکون قسیم الشیء مَقْسماً له ولنفسه؛ لأنّ المقسم لابدّ أن‏‎ ‎‏یکون متحقّقاً فی جمیع أقسامه، فالمقسم هو الجامع القابل للصدق علیٰ الخارج وعلیٰ‏‎ ‎‏الکلی العقلی، ولا یُعقل أن یکون الکلی الطبیعی هو الجامع بین الماهیّة المجرّدة والأفراد‏‎ ‎‏الخارجیّة، بل هو المتمحِّض فی کونه جهة جامعة بین جمیع الأفراد الخارجیّة المعبَّر‏‎ ‎‏عنها باللابشرط القسمی، والجامع بین جمیع هذه الأقسام هی الماهیّة المأخوذة علیٰ‏‎ ‎‏نحو اللابشرط المقسمی.‏

واتّضح بذلک :‏ أنّ الفرق بین اللابشرط القسمی وبین المقسمی: هو أنّ‏‎ ‎‏اللابشرط المقسمی قد اُخذ لا بشرط بالإضافة إلیٰ خصوصیّات الأقسام الثلاثة،‏‎ ‎‏الممتاز کلُّ واحدٍ منها عن الآخر باللحاظ، واللابشرط القسمی قد اُخذ لا بشرط‏‎ ‎‏بالإضافة إلیٰ الخصوصیّات والأوصاف اللاحقة لها باعتبار اتّصاف أفرادها بها،‏‎ ‎‏کالعلم والجهل بالنسبة إلیٰ الإنسان.‏

ومن ذلک یظهر‏ أنّه یمکن تقسم الماهیّة إلیٰ أقسامها الثلاثة بوجه آخر: وهو أن‏‎ ‎‏یقال : إنّ الماهیّة إمّا أن تلاحظ علیٰ نحو الموضوعیّة وغیرَ فانیةٍ فی مصادیقها‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 421
‏الخارجیّة، فهی الماهیّة المجرّدة المأخوذة بشرط لا، وإمّا أن تلاحظ علیٰ نحو الطریقیّة‏‎ ‎‏وفانیةً فی جمیع المصادیق؛ بحیث یکون المحمول الثابت لها ثابتاً لجمیعها، فهی الماهیّة‏‎ ‎‏المطلقة المأخوذة علیٰ نحو اللابشرط القسمی، وإن لوحظت فانیةً فی قسم خاصّ من‏‎ ‎‏الأقسام دون غیره، فهی الماهیّة المأخوذة بشرط شیء.‏

ثمّ قال :‏ إنّا مهما شککنا فی شیء لا نشکّ فی أنّ الإطلاق مساوق لأخذ الماهیّة‏‎ ‎‏علیٰ نحوٍ یسری الحکم الثابت لها إلیٰ جمیع أفرادها، فیکون مفادُ «أعتق رقبةً» مثلاً‏‎ ‎‏ـ بعد فرض تمامیّة مقدّمات الإطلاق فی الکلام ـ مساوقاً لمفاد «أعتق أیّة رقبة»،‏‎ ‎‏وهذا المعنیٰ لا یتحقّق فی فرض کون اللابشرط القِسمی مَقْسماً‏‎[9]‎‏. انتهیٰ ملخّص کلامه‏‎ ‎‏علیٰ ما فی تقریرات درسه.‏

أقول :‏ فی کلامه ‏‏قدس سره‏‏ مواقع للنظر والإشکال والتناقض الغیر القابل للجمع،‏‎ ‎‏ولنذکر بعضها :‏

أمّا أوّلاً :‏ فلأنّ ما ذکره من التقسیم أوّلاً: بأنّ البشرط لا: عبارة عن أخذ‏‎ ‎‏الماهیّة واعتبارها علیٰ نحوٍ لا یکون معها شیء من الخصوصیّات، وبشرط شیء:‏‎ ‎‏عبارة عن أخذها واعتبارها مع خصوصیّةٍ من الخصوصیّات، ولا بشرط: عبارة عن‏‎ ‎‏أخذها واعتبارها علیٰ نحوٍ لا یعتبر فیها شیء من الخصوصیّتین.‏

فیه :‏ أنّه إن أراد من الأخیر ـ أی اللابشرط القسمی ـ أنّه ما لوحظ واعتبر‏‎ ‎‏فیه عدم اعتبار شیءٍ من الخصوصیّات ـ کما هو الظاهر ـ فاللابشرط بهذا المعنیٰ کلّیّ‏‎ ‎‏عقلیّ، لا موطن له إلاّ العقل والذهن، ویمتنع صدقه علیٰ الخارج؛ لتقوّمه بالاعتبار‏‎ ‎‏واللحاظ الذی هو أمر ذهنیّ، ولا یمکن صدقه علیٰ الخارج.‏

فإن قلت :‏ إنّ ذلک مُسلّم لو اُخذ لحاظ عدم الاعتبار بالمعنیٰ الاسمیّ، وأمّا لو‏‎ ‎‏اُخذ بالمعنیٰ الحرفیّ فلا یمتنع صدقه علیٰ الخارج وحمله علیه، کما ذکره صاحب الدُّرر‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 422
‏ردّاً علیٰ «الکفایة»‏‎[10]‎‏؛ حیث قال: وفیما أفاده ـ أی صاحب الکفایة من امتناع الصدق‏‎ ‎‏علیٰ الخارج ـ نظر؛ لإمکان دخل الوجود الذهنی علیٰ نحو المرآتیّة فی نظر اللاحظ،‏‎ ‎‏کما أنّه تنتزع الکلّیّة عن المفاهیم الموجودة فی الذهن، لکن لا علیٰ نحوٍ یکون الوجود‏‎ ‎‏الذهنی ملحوظاً للمتصوِّر بالمعنیٰ الاسمی؛ إذ هی بهذه الملاحظة مباینة مع الخارج،‏‎ ‎‏ولا تنطبق علیٰ شیء، ولا معنیٰ لکلّیّة شیءٍ لا ینطبق علیٰ الخارج أصلاً‏‎[11]‎‏. انتهیٰ ما‏‎ ‎‏فی «الدُّرر».‏

قلت :‏ المراد من المعنیٰ الحرفیّ هو عدم لحاظ عدم اعتبار مقارنتها مع احدی‏‎ ‎‏الخصوصیّات، فی قِبال المعنیٰ الاسمی الذی هو عبارة عن لحاظ ذلک، وحینئذٍ فإذا‏‎ ‎‏قُسِّمت الماهیّة إلیٰ الأقسام الثلاثة: فإمّا أن یجعل اللابشرط القسمی نفس الماهیّة، أو‏‎ ‎‏الماهیّة الملحوظة عدم مقارنتها مع إحدی الخصوصیّات‏‎[12]‎‏:‏

فعلیٰ الأوّل :‏ یلزم اتّحاد القسم والمَقْسم، کما ذکرنا أوّلاً.‏

وعلیٰ الثانی :‏ فهو من الکلّیّات العقلیّة؛ لتقوُّمه بالاعتبار العقلی، ویمتنع صدقه‏‎ ‎‏علیٰ الخارج؛ لأنّه یلزم أن لا یکون الموجود فی الخارج نفس الإنسان وماهیّته، بل‏‎ ‎‏الإنسان مع قید الاعتبار، وهو محال، فإنّ الموجود فی الخارج هو نفس ماهیّة‏‎ ‎‏الإنسان، ویمتنع حمل الإنسان مع قید لحاظ عدم اعتبار خصوصیّة معه علیٰ الإنسان‏‎ ‎‏الموجود فی الخارج.‏

‏مضافاً إلیٰ أنّه لا معنیٰ لأخذ اللحاظ فی مقام التقسیم بالمعنی الاسمی.‏

‏وإن أراد أنّ اللابشرط القسمی هو ما لم یعتبر فیه لحاظ عدم الاعتبار، بل‏‎ ‎‏لوحظ فیه نفس الماهیّة فقط، یتوجّه علیه إشکال لزوم الاتّحاد بین المقسم وبعض‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 423
‏الأقسام، لکن الظاهر أنّ مراده هو الأوّل.‏

وثانیاً :‏ أنّه ‏‏قدس سره‏‏ ذکر فی صدر کلامه عدم اعتبار شیء من الخصوصیّتین فی‏‎ ‎‏اللابشرط القسمی‏‎[13]‎‏، وهو مناقض لما ذکره من الفرق بین المقسم والأقسام: من أنّ‏‎ ‎‏اللابشرط القسمی عبارة عمّا اُخذ لا بشرط بالإضافة إلیٰ الخصوصیّات والأوصاف‏‎ ‎‏اللاحقة لها باعتبار اتّصاف أفرادها بها، کالعلم والجهل بالنسبة إلیٰ الإنسان.‏

وثالثاً :‏ ما ذکره ‏‏قدس سره‏‏ فی التقسیم الأخیر من معنیٰ اللابشرط القسمی مناقض‏‎ ‎‏لما ذکره أوّلاً لمعناه؛ لتقوُّمه فیما ذکره أخیراً بالفناء فی الأفراد، واعتبار ذلک فیه‏‎ ‎‏دون الأوّل.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یکون تقسیماً آخر وهو کما تریٰ، مضافاً إلیٰ أنّه غیر مستقیم‏‎ ‎‏فی نفسه؛ لامتناع صدقه ـ حینئذٍ ـ علیٰ الخارج؛ لتقوّمه باعتبار الفناء الذی هو‏‎ ‎‏أمر ذهنیّ.‏

ورابعاً :‏ ما ذکره أخیراً فی مقام الفرق بین المَقسم والأقسام ـ أیضاً ـ مناقض‏‎ ‎‏لما ذکره أوّلاً؛ فإنّ المقسم ـ بناءً علیٰ ما ذکره أوّلاً ـ هو نفس الماهیّة والطبیعة، وجعله‏‎ ‎‏هنا الماهیّة التی اُخذت لا بشرط بالإضافة إلیٰ خصوصیّات الأقسام الثلاثة بلحاظ‏‎ ‎‏الماهیّة، وتصوّرها فی کلّ واحد منها علیٰ نحوٍ یُغایر لحاظها فی الآخر، وحینئذٍ فلا‏‎ ‎‏محیص إمّا عن الالتزام بأنّ الفرق بین الأقسام والمقسم بمجرّد الاعتبار والفرض، کما‏‎ ‎‏یظهر من المحقّق السبزواری فی المنظومة؛ حیث قال:‏

‏ ‏

‏مخلوطة مطلقة مُجرَّدة‏

‎ ‎‏عند اعتباراتٍ علیها مُوْرَدة‏‎[14]‎

‏ ‏

‏أو عن ما ذکرناه وحقّقناه مفصّلاً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 424

  • )) الحج : 29 .
  • )) شرح المنظومة ـ قسم الفلسفة : 95 سطر 16 .
  • )) نهایة الدرایة 1 : 353 سطر 1 .
  • )) شرح المنظومة ـ قسم الفلسفة : 95 سطر 14 .
  • )) شرح المنظومة ـ قسم الفلسفة : 95 سطر 15 .
  • )) الاسفار 2 : 19 قرّره .
  • )) اُنظر الأسفار 2 : 19 .
  • )) اُنظر الأسفار 2 : 18 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 522 ـ 526 .
  • )) کفایة الاُصول : 283 .
  • )) درر الفوائد : 232 .
  • )) اُنظر أجود التقریرات 1 : 522 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 523 .
  • )) شرح المنظومة ـ قسم الفلسفة : 95 سطر 15 .