المطلب الرابع العامّ والخاصّ وفیه فصول

المقام الأوّل : فی إمکان الرجوع إلی الجمیع

المقام الأوّل : فی إمکان الرجوع إلی الجمیع

فقد یقال:‏ إنّ آلة الاستثناء : إمّا اسمٌ مثل «غیر» ونحوه، أو حرفٌ مثل «إلاّ».‏

‏وعلیٰ أیّ تقدیر المستثنیٰ : إمّا کلّیّ مثل الفسّاق، أو جزئیّ ینطبق علیه عناوین‏‎ ‎‏موضوعات الجمل التی قبله، وإمّا مشترک کزید المشترک بین زید بن عمرو وزید بن‏‎ ‎‏بکر، وکان من أفراد موضوعات الجمل من یسمّیٰ بزید.‏

‏فهذه ستّة أقسام .‏

فلو کان آلة الاستثناء اسماً‏، والمستثنیٰ کلّیّاً أو جزئیّاً، ینطبق علیه عناوین‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 403
‏موضوعات کلّ واحد من الجمل المتعدّدة، فلا ریب فی إمکان رجوع الاستثناء إلیٰ‏‎ ‎‏الجمیع وعدم استحالته، وعدم الإشکال فیه؛ لا من ناحیة آلة الاستثناء، ولا من‏‎ ‎‏ناحیة المستثنیٰ:‏

‏أمّا الأوّل : فلأنّ الموضوع له فیها عامّ کالوضع.‏

‏وأمّا الثانی : فلأنّ المستثنیٰ أمر کلّیّ قابل الانطباق علیٰ الجمیع أو‏‎ ‎‏خصوص الأخیرة.‏

‏وأمّا لو کان المستثنیٰ جزئیّاً مشترکاً امتنع الرجوع إلی الجمیع؛ لأنّه وإن لا‏‎ ‎‏یلزم منه محذور من ناحیة آلة الاستثناء؛ لأنّ المفروض أنّها اسم والموضوع له فیها‏‎ ‎‏عامّ، لکن المحذور إنّما هو من ناحیة المستثنیٰ؛ حیث إنّ رجوعه إلیٰ الجمیع یستلزم‏‎ ‎‏استعمال اللفظ المشترک فی أکثر من معنیً واحد، وهو المستثنیٰ، وهو محال، فلا یتصوّر‏‎ ‎‏رجوعه إلیٰ الجمیع.‏

وأمّا لو کان آلة الاستثناء حرفاً :‏ فإن قلنا: إنّ الموضوع له فی الحروف عامّ‏‎ ‎‏کالوضع، فالکلام فیه هو الکلام فیما لو کان اسماً فی جمیع الأقسام.‏

‏وإن قلنا : إنّ الموضوع له فیها خاصّ امتنع الرجوع إلیٰ الجمیع فی القسم‏‎ ‎‏الثالث، بل هو أسوء حالاً ممّا لو کانت اسماً؛ لأنّه یمتنع الرجوع إلی الجمیع‏‎ ‎‏ـ حینئذٍ ـ لوجهین :‏

‏أحدهما : لزوم استعمال اللفظ المشترک فی أکثر من معنیٰ واحد، وهو لفظ‏‎ ‎‏المستثنیٰ، وهو محال.‏

‏الثانی : استعمال لفظ آلة الاستثناء فی أکثر من معنیً واحد أیضاً، بل حیث إنّ‏‎ ‎‏الحروف غیر مستقلّة بالمفهومیّة، وأنّ معانیها آلة وحالة للغیر، فاستعمالها فی أکثر من‏‎ ‎‏معنیٰ واحد مستلزم لفناء اللفظ الواحد فی أکثر من واحد، وهو محال‏‎[1]‎‏.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 404
أقول :‏ هذا مبنیّ علیٰ القول بعدم جواز استعمال اللفظ المشترک فی أکثر من‏‎ ‎‏معنیً واحد فی استعمال واحد، لکن عرفت سابقاً: أنّ الحقّ هو جوازه، بل هو استعمال‏‎ ‎‏شائع فی العرف، وعرفت أنّه لیس بین المعانی الحرفیّة جامع مشترک حرفیّ هو‏‎ ‎‏الموضوع له للحروف، وأنّه لا یمکن حکایة جامع اسمیّ عنها وعن خصوصیّاتها، فلا‏‎ ‎‏محیص عن الالتزام بأنّها تابعة لمتعلَّقاتها ومدخولها فی الاستعمال، فإن کان متعلَّقها ممّا‏‎ ‎‏یدلّ علی الکثرة، مثل «کلّ» ونحوه من ألفاظ العموم، فهی ـ أیضاً ـ مستعملة فی‏‎ ‎‏الکثرة تبعاً له، وأنّ لفظة «من» الابتدائیّة فی مثل «سر من البصرة إلی الکوفة» أو‏‎ ‎‏«سر من أیّة نقطة من البصرة»، مستعملةٌ فی الکثرة.‏

وأمّا ما ذکره بعضهم :‏ من أنّ اللفظ المستعمل فی المعنی فانٍ فیه‏‎[2]‎‏، فلا معنیٰ له.‏

‏وحینئذٍ فجمیع الأقسام الستّة متصوّرة وممکنة.‏

مضافاً إلیٰ أنّه یمکن أن یقال :‏ إنّه إذا کانت آلة الاستثناء حرفاً، فهی مستعملة‏‎ ‎‏فی معنیً واحد ولو مع الرجوع إلیٰ جمیع الجمل؛ لأنّه لو فرض أنّ المستثنیٰ من‏‎ ‎‏العناوین الکلّیّة مع اشتماله علی ضمیر راجع إلی المستثنیٰ منه، مثل: «أضف التجار،‏‎ ‎‏وأکرم العلماء، وجالس الطلاّب إلاّ الفُسّاق منهم»، فآلة الاستثناء مستعملة فی إخراج‏‎ ‎‏الفسّاق، وهو معنیً واحد؛ سواء رجع الضمیر إلی الجمیع أو إلی خصوص الأخیرة‏‎ ‎‏بلا فرق بینهما؛ لأنّه لیس فی الأوّل إخراجات متعدِّدة، بل إخراج واحد، وهو‏‎ ‎‏إخراج فسّاقهم.‏

‏وتقدّم أنّ الضمائر والموصولات وأسماء الإشارات حروف لا أسماء، وأنّها‏‎ ‎‏موضوعة للإشارة لا المشار إلیه، غایة الأمر أنّ الإشارة فی مثل «هذا» إنّما هو‏‎ ‎‏للإشارة إلیٰ المحسوس المشاهد، وفی الضمائر والموصولات إلیٰ الغائب، فلا فرق فی‏‎ ‎‏الإشارة بالضمیر فی «إلاّ الفُسّاق منهم» بین الرجوع إلیٰ الجمیع أو البعض؛ فی أنّ‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 405
‏«إلاّ» مستعملة فی معنیً واحد، وهو الإخراج ، وکذلک فی المستثنیٰ الجزئی المشترک،‏‎ ‎‏فإنّ رجوع الاستثناء فیه إلیٰ الجمیع ـ باستعمال المستثنیٰ فی أکثر من معنیً واحد ـ‏‎ ‎‏لایستلزم استعمال أداة الاستثناء فی أکثر من معنیً واحد، فإنّ لفظة «إلاّ» مستعملة فی‏‎ ‎‏إخراج زید بما له من المعنیً المتعدّد، وإن قلنا بعدم جواز استعمال لفظ المشترک فی أکثر‏‎ ‎‏من معنیً واحد، فزید المستثنیٰ من الجمیع مستعمل فی مسمّیً ب «زید»، فالمخرج ب «إلاّ»‏‎ ‎‏هو مسمّیً ب «زید».‏

وبالجملة :‏ رجوع الاستثناء إلیٰ الجمیع لا یستلزم استعمال أداة الاستثناء إلاّ‏‎ ‎‏فی معنیً واحد، وهو الإخراج، لا الإخراجات المتعدّدة، وذلک واضح.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 406

  • )) اُنظر مقالات الاُصول 1 : 158 ـ 159 سطر 23 .
  • )) کفایة الاُصول : 53، حاشیة المشکینی 1 : 54 ـ 55 .