المطلب الرابع العامّ والخاصّ وفیه فصول

الفصل السابع الکلام فی المخصَّص بالمجمل

الفصل السابع الکلام فی المخصَّص بالمجمل

وله أقسام :

‏لأنّ الشبهة والإجمال : إمّا فی مفهومه؛ بأنّ لا یُعلم أنّه لأیّ شیء وضع؟ وإمّا‏‎ ‎‏فی المصداق مع تبیُّن مفهومه.‏

‏والإجمال فی القسم الأوّل أیضاً : إمّا لأجل تردُّده بین المتباینین، أو الأقلّ‏‎ ‎‏والأکثر.‏

‏وعلیٰ جمیع التقادیر : الکلام إمّا فی المخصّص المتّصل، أو المنفصل.‏

أمّا القسم الأوّل : وهو الشبهة المفهومیّة مع تردّده بین الأقلّ والأکثر فی‎ ‎المخصّص المتّصل،‏ کما لو قال : «أکرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم»، وتردَّد مفهومُ الفاسق‏‎ ‎‏بین مرتکب الکبیرة فقط، وبین مرتکب کلّ ذنب ولو من الصغائر، فقالوا: إنّه لا یجوز‏‎ ‎‏التمسُّک بالعامّ فی خصوص المشکوک؛ أی مرتکب الصغیرة؛ وذلک لأنّ کلّ واحد من‏‎ ‎‏مفردات «أکرم کلّ رجل عالم» وإن کان ظاهراً فی معناه الموضوع له، لکن حیث إنّه‏‎ ‎‏متّصل باستثناء ما لا یعلم مفهومه؛ لتردّده بین الأقلّ والأکثر، یسری إجماله إلیٰ العامّ،‏‎ ‎‏ویصیر هو ـ أیضاً ـ مجملاً بالنسبة إلیٰ الأکثر، ولیس لمجموع المستثنیٰ والمستثنیٰ منه‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 343
‏إلاّ ظهور واحد، والمفروض إجماله بالنسبة إلیٰ الفرد المشکوک، ففی مقام المخاصمة‏‎ ‎‏والاحتجاج بین العبد ومولاه، لا یصحّ لواحد منهما الاحتجاج به علیٰ الآخر.‏

وبالجملة :‏ الموضوع لوجوب الإکرام هو العالم الغیر الفاسق لیس إلاّ،‏‎ ‎‏والمفروض أنّ الفاسق مجمل مردَّد بین الأقلّ والأکثر، فلا یصحّ التمسُّک بالعموم‏‎ ‎‏بالنسبة إلیٰ الأکثر أیضاً لصیرورته مجملاً لا یصحّ الاحتجاج به.‏

القسم الثانی : ما إذا کانت الشبهة فی المفهوم لأجل تردُّد المخصِّص بین الأقلّ‎ ‎والأکثر أیضاً، لکن فی المخصِّص بالمنفصل،‏ فذهبوا إلیٰ أنّه لا یسری إجمال مفهوم‏‎ ‎‏المخصِّص إلیٰ العامّ؛ لأنّه صدر عند انعقاد ظهور العامّ فی العموم ابتداءً، وبعد الظفر‏‎ ‎‏بالمخصِّص تُرفع الید عن ظهوره بالنسبة إلیٰ المعلوم دخوله فی المخصِّص، وأمّا بالنسبة‏‎ ‎‏إلیٰ المشکوک دخوله فیه ـ کالمرتکب للصغیرة فی المثال المذکور ـ فلا تُرفع الید عن‏‎ ‎‏ظهور العامّ بالنسبة إلیه، فهو حجّة بالنسبة إلیه‏‎[1]‎‏.‏

والحاصل :‏ أنّ العامّ حجّة حیث لا حجّة أقویٰ منه أو مطلقاً علیٰ الخلاف،‏‎ ‎‏والمفروض وجود الحجّة بالنسبة إلیٰ الأقل؛ أی مرتکب الکبائر، وأمّا بالنسبة إلیٰ‏‎ ‎‏الأکثر فلم تثبت حجّیّة الخاصّ فیه؛ حتّیٰ ترفع الید عن ظهور العموم، کیف؟! ولو‏‎ ‎‏صدر المخصِّص المذکور ابتداءً قبل صدور العامّ، لما صحّ الاحتجاج به بالنسبة إلیٰ‏‎ ‎‏الأکثر الذی لم یُعلم شمول عنوان الخاصّ له، فکیف فیما نحن فیه المفروض وجود‏‎ ‎‏الحجّة علیٰ خلافه وهو العامّ؟!‏

‏لکن هذا الذی ذکروه فی هذا القسم، إنّما یتمّ إذا لم یکن المخصِّص المنفصل ناظراً‏‎ ‎‏إلی العامّ ومفسّراً له، کما فی بعض أقسام الحکومة، وأمّا إذا کان المخصِّص المنفصل‏‎ ‎‏ناظراً إلیٰ العامّ وشارحاً له بعد صدور العامّ، ففیما ذکروه تأمّل وإشکال؛ لأنّه ـ حینئذٍ ـ‏‎ ‎‏کالمخصِّص المتّصل کأدلّة نفی العسر والحرج؛ حیث إنّها ناظرة إلیٰ أدلّة التکالیف‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 344
‏ومفسِّرة لها.‏

قال ‏قدس سره‏‏ فی «الدرر» ما حاصله :‏‏ إنّه إذا فرض أنّ عادة المتکلّم ودیدنه جاریة‏‎ ‎‏علیٰ ذکر المخصِّص منفصلاً عن کلامه، فحال المخصِّص المنفصل فیه کالمخصِّص المتّصل‏‎ ‎‏فی کلام غیره؛ فی أنّه یحتاج فی التمسُّک بعموم کلامه إلیٰ عدم إحراز المخصِّص إمّا‏‎ ‎‏بالقطع أو بالأصل، ولا یمکن إحرازه فیما نحن فیه بواحد منهما: أمّا القطع فواضح، وأمّا‏‎ ‎‏الأصل فلأنّه إنّما یجری فیما لم یوجد فیه ما یصلح للمخصِّصیة، وأمّا فیما نحن فیه الذی‏‎ ‎‏یوجد فیه ما یصلح لها فلا‏‎[2]‎‏. انتهیٰ.‏

أقول :‏ هذا الذی ذکره إنّما یصلح للاستدلال به لوجوب الفحص عن المخصّص،‏‎ ‎‏وعدم جواز التمسُّک بالعامّ قبل الفحص والیأس عنه، کما فی سائر الموارد غیر هذا‏‎ ‎‏المورد، وأمّا الاستدلال به لما ذکره من عدم جواز التمسُّک بالعامّ الصادر من المتکلِّم‏‎ ‎‏الذی دیدنه کذا، ولو بعد الفحص عن المخصِّص والیأس عنه؛ لإجماله ـ حینئذٍ ـ‏‎ ‎‏لسرایة إجمال المخصِّص المنفصل إلیه، فلا.‏

القسم الثالث : ما إذا کانت الشبهة فی مفهوم المخصِّص وإجماله لأجل تردّده‎ ‎بین المتباینین،‏ کما لو قال: «أکرم العلماء، ولا تکرم زیداً»، ولم یعلم أنّ المراد زید بن‏‎ ‎‏عمرو أو زید بن بکر، فاللازم فی هذا الفرض هو الاحتیاط؛ للعلم الإجمالی بوجوب‏‎ ‎‏إکرام أحدهما الغیر المعلوم، کما فی سائر موارد العلم الإجمالی، إلاّ إذا دار الأمر فیه بین‏‎ ‎‏المحذورین، کما لو علم بوجوب إکرام أحدهما وحرمة إکرام الآخر، ولا فرق فیه بین‏‎ ‎‏المخصِّص المتّصل والمنفصل.‏

القسم الرابع : ما لو کانت الشبهة فی مصداق الخاصّ مع تبیُّن مفهومه،‏ فمحطّ‏‎ ‎‏البحث فیه هو ما إذا ثبت حکمٌ لعامّ ـ أی لکلّ فرد فرد منه ـ ثمّ اُخرج عدّة من‏‎ ‎‏أفراده عن تحته، لا فیما کان الحکم ثابتاً لعنوان، ثمّ قُیّد ذلک العنوان بدلیل خاصّ،‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 345
‏کالعالم والعالم العادل؛ لما عرفت غیر مرّة: أنّ مسألة العامّ والخاصّ غیر مربوطة‏‎ ‎‏بمسألة المطلق والمقیّد.‏

فانقدح بذلک‏ ما فی کلام المحقّق المیرزا النائینی ‏‏قدس سره‏‏ فی المقام حیث ذکر ما‏‎ ‎‏حاصله: أنّ ظاهر قوله: «أکرم العالم» هو أنّ عنوان «العالم» تمام الموضوع لوجوب‏‎ ‎‏الإکرام، ویُستکشف بالمخصِّص أنّ عنوان «العالم» لیس تمام الموضوع له، بل هو جزء‏‎ ‎‏الموضوع، والجزء الآخر هو عنوان «العادل» مثلاً، وأنّ تمام الموضوع هو عنوان‏‎ ‎‏«العالم» المقیّد بالعادل، فکما لا یجوز التمسُّک فی فرد شُکّ فی أنّه عالم أو لا بالعموم،‏‎ ‎‏فکذلک فیما لو شُکّ فی أنّه عادل أو لا؛ لعدم الفرق فی ذلک بین الجزءین للموضوع، بل‏‎ ‎‏لابدّ فی جواز التمسُّک بالعامّ من إحراز الموضوع بتمام جزءَیْه‏‎[3]‎‏.‏

أقول :‏ ما أفاده ‏‏قدس سره‏‏ من عدم جواز التمسُّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیّة‏‎ ‎‏للمخصِّص ـ حقٌّ، لکن البیان الذی ذکره لذلک غیر صحیح؛ لما عرفت أنّه وقع الخلط‏‎ ‎‏فیه بین بابی المطلق والمقیّد وبین العامّ والخاصّ، وحینئذٍ نقول :‏

إنّ المخصِّص فی الفرض :‏ إمّا متّصل، وإمّا منفصل:‏

أمّا الأوّل :‏ فلا ریب فی عدم جواز التمسُّک فیه بالعامّ فی الشبهة المصداقیّة‏‎ ‎‏للمخصِّص، کما لو قال: «أکرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم» وشکّ فی فرد أنّه فاسق أو لا،‏‎ ‎‏مع تبیُّن مفهوم الفُسّاق؛ لأنّه لا ینعقد للکلام إلاّ ظهور واحد فی وجوب إکرام العالم‏‎ ‎‏الغیر الفاسق، فمع الشکّ فی فرد أنّه فاسق أو لا، فحیث إنّه لا ظهور للکلام بالنسبة‏‎ ‎‏إلیه، لا یجوز التمسُّک بالعامّ فیه.‏

وأمّا المخصّص المنفصل : فقد یقال‏ بجواز التمسُّک بالعامّ فیه؛ لانعقاد ظهوره‏‎ ‎‏أوّلاً فی عموم العلماء الفُسّاق منهم والعدول، وبعد صدور المخصِّص المنفصل ترفع الید‏‎ ‎‏عن ظهوره بالنسبة الی الفرد المعلوم فسقه، وأمّا المشکوک فسقه فلا وجه لرفع الید‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 346
‏عن ظهور العامّ بالنسبة إلیه مع شموله له قطعاً.‏

وبالجملة :‏ لم یُعلم دخول ذاک الفرد تحت الخاصّ حتّیٰ یُزاحم العامّ فی ظهوره،‏‎ ‎‏فهو من قبیل مُزاحمة الحجّة بلا حجّة‏‎[4]‎‏. انتهیٰ.‏

أقول :‏ یرد علیه : أنّ العامّ قاصر عن الحجّیّة بالنسبة إلیٰ الفرد المشکوک‏‎ ‎‏دخوله تحت الخاصّ.‏

توضیح ذلک :‏ أنّه لا ریب فی أنّه لا یصحّ التمسُّک بالعامّ إلاّ فیما یجری فیه أصالة‏‎ ‎‏الجدّ، وهی إنّما تجری فیما تجری فیه أصالتا الحقیقة والظهور، ففی العامّ الغیر المخصَّص‏‎ ‎‏الاُصول الثلاثة جاریة : أمّا أصالتا الحقیقة والظهور فواضح، وأمّا أصالة الجدّ فلبناء‏‎ ‎‏العقلاء علیٰ تطابق الجدّ والاستعمال فیه، ولا ریب فی أنّ العامّ فیه مستعمل فی معناه‏‎ ‎‏الحقیقی، واستقرّ بناؤهم ـ أیضاً ـ علیٰ أن العموم مراد جدّی له، وأنّه لم یُتکلّم به هَزْلاً‏‎ ‎‏ولَغْواً، کما لا یخفیٰ.‏

‏وأمّا فیما نحن فیه؛ أی العامّ المخصَّص بالخاصّ المنفصل المبیَّن مفهومه، ولکن‏‎ ‎‏شُکّ فی فرد أنّه مصداق له أو لا، فکلُّ واحدٍ من مفردات جملة «أکرم العلماء» ـ أی‏‎ ‎‏العامّ ـ و«لا تکرم الفسّاق منهم» ـ أی الخاصّ ـ مستعملٌ فی معناه الحقیقی الموضوع‏‎ ‎‏له، ولیس لمجموعهما وضع علیٰ حِدة، فأصالتا الحقیقة والظهور جاریتان فیها؛ لأنّ‏‎ ‎‏المفروض أنّ المعنیٰ اللُّغوی لکلٍّ من المفردات معلوم مبیّن واضح، لکن لا تجری‏‎ ‎‏هنا أصالة الجدّ بالنسبة إلی الفرد المشکوک أنّه من أفراد الخاصّ، لا فی العامّ، ولا‏‎ ‎‏فی الخاصّ:‏

‏أمّا فی العامّ : فلأنّ بناء العقلاء علیٰ حمل العامّ علیٰ الجدّ وعدم الهَزْل إنّما هو فیما‏‎ ‎‏لم یکن مخصَّصاً، وأمّا مع تخصیصه فلا.‏

‏وأمّا فی الخاصّ : فلأنّ المفروض أنّ انطباقه علیٰ الفرد المشکوک فسقه‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 347
‏مشکوک فیه، فلا تجری أصالة الجدّ فیه أیضاً.‏

‏وبالجملة : مع العلم الاجمالی بأنّ الفرد المشکوک فسقه إمّا داخل تحت مفهوم‏‎ ‎‏العامّ أو الخاص، ولیس واحدٌ منهما حجّة فیه، فلیس ما نحن فیه من قبیل مزاحمة‏‎ ‎‏الحجّة مع اللاحجّة؛ لعدم حجّیّة العامّ فیه کالخاصّ، فما ذکره المستدلّ ـ من أنّ العامّ‏‎ ‎‏بعمومه یشمل الفرد المشکوک فی مصداقیّته، وأنّه حجّة فیه دون الخاصّ ـ فهو غیر‏‎ ‎‏صحیح؛ لما ذکرناه من أنّه لا یکفی مجرّد العموم والظهور فی ذلک ما لم تجرِ فیه أصالة‏‎ ‎‏الجدّ وبناء العقلاء علیه، وهو ممنوع.‏

فانقدح بذلک :‏ الفرق بین الشبهة المصداقیّة للمخصِّص وبین الشبهة المفهومیّة‏‎ ‎‏له فی المخصِّص المتّصل، فإنّه لیس فی الثانی إلا ظهور واحد وموضوع واحد للحکم،‏‎ ‎‏وإجمال مفهوم المخصِّص المتّصل یسری إلی العامّ فیه، فیصیر ـ أیضاً ـ مجملاً، فلا یصحّ‏‎ ‎‏التمسُّک بعمومه أیضاً.‏

‏وأمّا فی المخصِّص المنفصل فإنّه ینعقد للعامّ ظهور فی العموم ابتداءً، ولا تجری‏‎ ‎‏أصالتا الحقیقة والظهور فی الخاصّ؛ لأنّ المفروض أنّ مفهومه مجمل، ولا ینعقد له‏‎ ‎‏ظهور أصلاً، بخلاف العامّ؛ حیث إنّه ینعقد له ظهور فی الابتداء، وتجری فیه أصالتا‏‎ ‎‏الحقیقة والظهور، وتجری فیه أصالة الجدّ بالنسبة إلیٰ غیر المتیقِّن دخوله تحت‏‎ ‎‏الخاصّ، فهو حجّة فی الفرد المشکوک من جهة الشبهة المفهومیّة للمخصِّص، بخلاف ما‏‎ ‎‏نحن فیه؛ أی الشبهة المصداقیّة، کما عرفت.‏

وقال المحقّق العراقی ‏قدس سره‏‏ فی وجه عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة‏‎ ‎‏المصداقیّة ما حاصله:‏‏ إنّ الظهور الذی یمکن الاحتجاج به هو الظهور التصدیقی،‏‎ ‎‏لا التصوّری، وهو إنّما یتحقّق فیما إذا کان المتکلِّم فی مقام الإفادة والاستفادة،‏‎ ‎‏وبصدد إبراز مرامه وإظهار مراده، وهو ـ أیضاً ـ إنّما یتحقّق إذا التفت إلیٰ مرامه،‏‎ ‎‏ولیس هو ملتفتاً إلیٰ الموضوعات الخارجیّة وخصوصیّاتها الشخصیّة؛ لیکون بصدد‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 348
‏بیان أحکامها، وحینئذٍ فلا یصحّ الاحتجاج بالعامّ فی فرد یشکّ فی دخوله تحت‏‎ ‎‏عنوان الخاصّ.‏

ثمّ قال :‏ وهذا هو مراد شیخنا فی «الکفایة»‏‎[5]‎‏ والشیخ الأنصاری‏‎[6]‎‏أیضاً.‏‎ ‎‏انتهیٰ‏‎[7]‎‏ خلاصة کلامه.‏

أقول :‏ الموضوع لحکم العامّ ـ الذی فرض أنّ المتکلّم بصدد بیان أحکامه ـ هو‏‎ ‎‏الأفراد الخارجیّة بعنوان «کلّ عالم» ـ مثلاً ـ ولا یستلزم ذلک لحاظ خصوصیّات‏‎ ‎‏الأفراد حسباً ونسباً وعوارضها الشخصیّة؛ بأن یُلاحظ کلّ واحد من زید وعمرو فی‏‎ ‎‏«أکرم کلّ عالم» ـ مثلاً ـ فإنّ الموضوع فی جمیع القضایا الحقیقیّة والخارجیّة هو‏‎ ‎‏الأفراد، کما فی قولنا: «کلّ نار حارّة» ونحوه، ولا یستلزم ذلک تصوُّر کلّ فرد فرد‏‎ ‎‏من النار بخصوصیّاتها؛ کیف؟! وقد لا یوجد فرد منه فی الخارج، مع وجود الحکم‏‎ ‎‏المتعلِّق بالعامّ.‏

وبالجملة :‏ إنّما تتعلّق الأحکام بالأفراد والحاکم متعرّض لها وملتفت إلیها‏‎ ‎‏بدون استلزامه للالتفات إلیٰ خصوص زید وعمرو وغیرهما.‏

‏مع أنّه یَرِد علیه النقض بما لو فرض أنّ المتکلّم قال : «أکرم کلَّ عالم»، ثمّ قال:‏‎ ‎‏«لا تکرم الفُسّاقَ منهم»، واعتقد أنّ زیداً ـ الذی هو عالم ـ فاسقٌ، واعتقد المکلّف‏‎ ‎‏بخلافه، وفرض أنّه الصواب، فهل یصحّ للعبد الاحتجاج علیٰ المولیٰ فی ترک إکرامه:‏‎ ‎‏بأنّک کنت معتقداً بفسقه؟! حاشا وکلاّ .‏

‏وأمّا ما ذکره الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ فحاصله : أنّه إنّما یصحّ التمسُّک بظهور کلام المتکلّم إذا‏‎ ‎‏کان بصدد بیان ذلک، لا فی غیره، فلو فُرض أنّه بصدد بیان وجوب إکرام العلماء،‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 349
‏فقال: «أکرم العلماء»، صحّ التمسُّک والاحتجاج بظهور کلامه فی وجوب إکرام زید‏‎ ‎‏العالم، ولو شک فی أنّه عالم أو لا، لا یصحّ التمسُّک بالظهور والاحتجاج به؛ لأنّه‏‎ ‎‏لیس بصدد بیان أنّ زیداً عالم أو لا، وهذا حقّ لا ریب فیه، لکن لا ربط له بما ذکره،‏‎ ‎‏بل الظاهر أنّ مراد صاحب الکفایة هو ما ذکرناه من البیان الذی یقرب ممّا ذکره‏‎ ‎‏الشیخ ‏‏قدس سره‏‎[8]‎‏.‏

ولا فرق فیما ذکرناه‏ ـ من عدم جواز التمسُّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیّة‏‎ ‎‏للمخصّص ـ ‏بین المخصِّص اللفظی واللُّبّی‏ کالإجماع وحکم العقل، فلو قال المولیٰ:‏‎ ‎‏«أکرم جیرانی»، وقطع العبد بأنّه لا یرید أعداءهم منهم، فلو شَکّ فی عداوة زید له‏‎ ‎‏الذی هو جاره، فکما أنّه لا یتمسّک به فی المخصِّص اللفظی فی الشبهة المصداقیّة،‏‎ ‎‏فکذلک فی المخصِّص اللُّبّی، ولیس بناء العقلاء علیٰ التمسُّک بالعموم لوجوب إکرام زید‏‎ ‎‏المذکور، کما فی «الکفایة»‏‎[9]‎‏ فی المخصِّص اللُّبّی، الذی لا یصحّ أن یتّکل علیه المتکلّم؛‏‎ ‎‏لانفصاله وعدم احتفاف الکلام به.‏

فظهر :‏ أنّ محطّ البحث فی المخصِّص اللُّبّی هو ما إذا فُرض خروج عدّة من‏‎ ‎‏أفراد العامّ بمخصِّص؛ بعنوان خاصّ بتلک الأفراد، وشُکّ فی فرد أنّه من مصادیق ذلک‏‎ ‎‏العنوان الُمخرَج عن العامّ، أو لا.‏

وحینئذٍ یظهر ما فی کلام المحقّق المیرزا النائینی ‏قدس سره‏‏ حیث قال ـ علی ما فی‏‎ ‎‏التقریرات ـ ما حاصله : أنّ العنوان الُمخرَج بالتخصیص اللُّبّی إذا کان من العناوین التی‏‎ ‎‏لا تصلح إلاّ لتقیید الموضوع به، مثل (انظروا إلیٰ رجل قد رویٰ حدیثنا...)‏‎[10]‎‏ إلخ؛‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 350
‏حیث إنّه عامّ یشمل العادل وغیره، إلاّ أنّه قام الإجماع علیٰ اعتبار العدالة فی المجتهد‏‎ ‎‏الذی یُرجع إلیه فی القضاء، فإنّ العدالة قید للموضوع فیه، فلا فرق فی ذلک بین‏‎ ‎‏المخصِّص اللُّبّی وبین اللفظیّ فی عدم جواز التمسُّک فیه بالعامّ فی الشبهة المصداقیّة، وإلاّ‏‎ ‎‏ـ أی وإن لم یکن الُمخرج من العناوین التی لا تصلح إلاّ أن تکون قیداً للموضوع بل‏‎ ‎‏تصلح لتقید الحکم لا الموضوع ـ یجوز التمسُّک فیه فیها بالعامّ، مثل (‏لعن الله بنی اُمیّة‎ ‎قاطبةً)‎[11]‎‏؛ حیث إنّ العقل حاکم بأنّ الحکم لا یعمّ المؤمن منهم؛ لأنّ اللعن لا یُصیب‏‎ ‎‏المؤمن، فلو علمنا من الخارج: أنّ خالد بن سعید ـ مثلاً ـ مؤمن، فهو لا یندرج تحت‏‎ ‎‏هذا العامّ، ولکن المتکلّم لم ینبِّه علیٰ ذلک؛ لمصلحة مقتضیة لذلک، أو للغفلة عن ذلک،‏‎ ‎‏کما یتّفق ذلک فی الموالی العرفیّة، فلا یجوز لعنه، وإذا شککنا فی إیمان فرد من بنی اُمیّة‏‎ ‎‏صحّ التمسُّک فیه بالعموم، ویستکشف منه أنّه غیر مؤمن، فأصالة العموم فیه جاریة،‏‎ ‎‏ویکون المعلوم خروجه من التخصیصات الفردیّة؛ حیث إنّه لم یؤخذ العنوان قیداً‏‎ ‎‏للموضوع، ولم یخرج من العموم إلاّ بعض الأفراد.‏

والسرّ فی ذلک :‏ أنّ ملاکَ الحکم فی الفرض الأوّل وتطبیق العنوان علیٰ‏‎ ‎‏مصادیقه، من وظیفة المکلّف والمخاطب وفی عهدته، وفی الفرض الثانی من وظیفة‏‎ ‎‏المتکلّم وفی عهدته لا المخاطب، وحیث إنّ إحراز وجود الملاک فی الثانی من وظیفة‏‎ ‎‏المتکلّم، کالبغض لأهل البیت والعداوة لهم ‏‏علیهم السلام‏‏ فی المثال، ولا یصلح إلقاء هذا العموم‏‎ ‎‏إلاّ بعد إحراز ذلک ، أمکن وصحّ التمسّک بالعموم فی الفرد المشتبِه. انتهیٰ‏‎[12]‎‏ ملخّصاً.‏

وجه ظهور الفساد :‏ أنّ ذلک خروج عن محطّ البحث؛ لما عرفت من أنّ محلّ‏‎ ‎‏البحث هنا: هو ما إذا کان الإخراج بالمخصّص اللُّبّی، وشُکّ فی فرد أنّه من مصادیق‏‎ ‎‏ذاک العنوان الُمخرَج أو لا وما ذکره فی الفرض الثانی ـ الذی ذکره ـ لیس کذلک، فإنّ‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 351
‏مرجعه إلیٰ الشکّ فی التخصیص الزائد وعدمه، ولا ارتباط له بالمقام.‏

‏ثمّ إنّه استُدلّ أیضاً ـ المستدلّ المحقّق النهاوندی ‏‏قدس سره‏‏ علیٰ ما حُکی ـ لجواز‏‎ ‎‏التمسُّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیّة للمخصِّص : بأنّ قول القائل: «أکرم العلماء» یدلّ‏‎ ‎‏بعمومه الأفرادی علیٰ وجوب إکرام کلّ واحد من العلماء، وبإطلاقه اللحاظی علیٰ‏‎ ‎‏سرایة الحکم إلیٰ جمیع حالات الأفراد التی تعرض علیها، ومن جملة تلک الحالات‏‎ ‎‏کون فرد مشکوک الفسق والعدالة، کما أنّ من جملتها معلومیّة العدالة أو الفسق،‏‎ ‎‏وبقوله: «لا تُکرم الفُسّاق منهم» خرج من هو معلوم الفسق منهم، ولم یُعلم خروج‏‎ ‎‏الباقین، فمقتضیٰ أصالة العموم والإطلاق بقاء المشکوک تحت حکم العامّ‏‎[13]‎‏. انتهیٰ.‏

أقول : إن أراد ‏قدس سره‏‏ إثبات الحکم الواقعی للفرد المشکوک بالإطلاق اللحاظی،‏‎ ‎‏فمرجعه إلیٰ إثبات حکمین واقعیّین مختلفین فعلیّین لفرد واحد بعنوان واحد فی بعض‏‎ ‎‏التقادیر، وهذا محال؛ وذلک لأنّه إذا فُرض أنّ الفرد المشکوک فسقه فاسق واقعاً،‏‎ ‎‏فیشمله «لا تکرم الفسّاق»؛ لأنّ حرمة الإکرام متعلّقة بالفسّاق الواقعیّین والمفروض‏‎ ‎‏أنّ هذا الفرد فاسق واقعاً، فهو محرّم الإکرام، فلو حکم بأنّه واجب الإکرام بحکم العامّ‏‎ ‎‏بعنوانه الواقعی بالإطلاق اللحاظی، لزم ما ذکرنا؛ ضرورة أنّ المراد بالإطلاق المذکور‏‎ ‎‏هو أنّ الأفراد محکومة بحکم العامّ بعنوانها الواقعی.‏

‏مضافاً إلی ما عرفت مراراً: أنّ الإطلاق اللحاظی هو معنی العموم، ولیس‏‎ ‎‏للإطلاق إلاّ قسم واحد، وهو أنّ تمام الموضوع للحکم هو هذا، من دون دَخْل شیءٍ‏‎ ‎‏فیه، ولو تُمسّک بالإطلاق بهذا المعنیٰ لإثبات وجوب الإکرام واقعاً للفرد المشکوک ـ‏‎ ‎‏أیضاً ـ لزم ما ذکرناه فی بعض التقادیر.‏

وإن أراد التمسُّک بالإطلاق لإثبات الحکم الظاهری‏؛ من وجوب الإکرام للفرد‏‎ ‎‏المشکوک، فإن اُخذ فی موضوعه الشکّ فی الفسق؛ بأن یقال: إنّ الفرد المشکوک فسقه‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 352
‏محکوم بوجوب الإکرام ظاهراً، فهو خلاف ما اصطلحوا علیه من الحکم الظاهری،‏‎ ‎‏فإنّ الحکم الظاهری المصطلح هو الذی اُخذ فی موضوعه الشکّ فی الحکم الواقعی‏‎ ‎‏لا غیر ذلک.‏

‏وإن أراد أنّه اُخذ فی موضوعه الشکّ فی الحکم الواقعی؛ بأن یقال: إنّ الفرد‏‎ ‎‏المشکوک أنّه من أفراد الخاصّ ـ من حیث إنّه مشکوک الحکم بوجوب الإکرام واقعاً ـ‏‎ ‎‏محکوم بأنّه واجب الإکرام ظاهراً، فهو وإن سَلِمَ عن الإشکال المذکور، لکن لا یمکن‏‎ ‎‏إنشاء حکمین ـ أحدهما الواقعی علیٰ أفراد العلماء العدول، وثانیهما الظاهری بالنسبة‏‎ ‎‏إلی الفرد المشکوک ـ بإنشاء واحد، فالاستدلال المذکور لجواز التمسُّک بالعامّ فی‏‎ ‎‏الشبهة المصداقیّة للمخصِّص، أسوء حالاً ممّا ذکرناه وقدّمناه.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 353

  • )) کفایة الاُصول : 258، فوائد الاُصول 2 : 524، مقالات الاُصول 1 : 149 .
  • )) درر الفوائد : 215 .
  • )) فوائد الاُصول 2 : 525.
  • )) اُنظر ما قرّره فی کفایة الاُصول : 258 ـ 259 .
  • )) کفایة الاُصول : 258 .
  • )) مطارح الأنظار : 193 سطر10 .
  • )) مقالات الاُصول 1 : 151 سطر 8.
  • )) مطارح الأنظار : 193 سطر10 .
  • )) کفایة الاُصول : 259 .
  • )) الکافی 7 : 412 باب کراهیة الارتفاع إلی قضاة الجور ح5، التهذیب 6: 301 باب 92 من کتاب القضایا والأحکام ح52، الوسائل 18: 98 باب 11 من أبواب صفات القاضی، ح1، مع تفاوت .
  • )) مصباح المتهجد : 716 ، کامل الزیارات باب 71 .
  • )) فوائد الاُصول 2 : 536 ـ 537 .
  • )) اُنظر تشریح الاُصول : 261 .