المطلب الثالث المنطوق والمفهوم وفیه فصول

الفصل الثالث فی مفهوم الغایة

الفصل الثالث فی مفهوم الغایة

‏ ‏

‏هل الحکم المُغیّیٰ بغایة یدلّ علی انتفائه عمّا بعد الغایة، بناءً علیٰ دخول الغایة‏‎ ‎‏فی المغیّیٰ، أو عنها وما بعدها؛ بناءً علیٰ خروجها؛ بحیث یعارض ما لو صرّح بثبوت‏‎ ‎‏الحکم لما بعدها أو لا؟ فیه خلاف‏‎[1]‎‏.‏

والحقّ هو التفصیل‏ ـ کما اختاره کثیر‏‎[2]‎‏ منهم ـ بأنّه لو جعلت الغایة قیداً‏‎ ‎‏للموضوع ـ بأن لاحظ الآمر الموضوع مقیّداً بغایة، کالسیر المقیّد إلی الکوفة، وعلّق‏‎ ‎‏علیه الحکم ـ فلا مفهوم لها، ولا تدلّ ـ حینئذٍ ـ علیٰ انتفاء سِنْخ الحکم عمّا بعدها،‏‎ ‎‏حتّیٰ أنّه لو صرّح بثبوته لما بعدها لم یناقض الحکم الأوّل، فهو مثل مفهوم الوصف.‏

بل ذکر الشیخ الأعظم ‏قدس سره‏‏ :‏‏ أنّه لیس المراد بالوصف النعت الاصطلاحی، بل‏‎ ‎‏یشمل مثل الحال والتمییز‏‎[3]‎‏، فتشمل الصفةُ بهذا المعنی الغایة التی اُخذت قیداً‏‎ ‎‏للموضوع، فإذا لم یکن للوصف مفهوم فالغایة کذلک أیضاً، بل مفهوم الغایة أضعف‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 313
‏من مفهوم الوصف.‏

‏وإن کانت الغایة غایة للحکم فتدلّ علیٰ انتفاء سنخ الحکم عمّا بعد الغایة؛‏‎ ‎‏بحیث لو صرّح بثبوته لما بعدها لناقضها.‏

وقد ذکروا لبیان ذلک تقریبات، أوجهها ماذکره فی «الدرر»، وحاصله: ‏أنّه قد‏‎ ‎‏ثبت فی محلّه: أنّ الهیئة فی الأوامر موضوعة للطلب الحقیقی وطبیعة الطلب،‏‎ ‎‏والمفروض أنّه قُیِّد الطلب الحقیقی بغایة معیّنة، مثل: «اجلس إلی الظهر»، فحقیقة‏‎ ‎‏وجوب الجلوس إنّما هی إلی الظهر، ویلزم ذلک انتفاء الوجوب بعد الظهر، وإلاّ یلزم‏‎ ‎‏عدم ما جعل غایة بغایة‏‎[4]‎‏.‏

‏لکنّه ‏‏قدس سره‏‏ عدل عن ذلک فی أواخر عمره الشریف، وقال ما حاصله: إنّ ما‏‎ ‎‏ذکرناه من البیان لإثبات مفهوم الغایة لایفی لإثباته؛ لأنّه لاریب فی أنّ لکلّ حکم‏‎ ‎‏علّةً وسبباً یمتنع الحکم بدونه، فإنْ فُرض أنّ وجوب الجلوس إلی الظهر معلول لعلّة‏‎ ‎‏مُنحصرة له دلّ ذلک علی المفهوم، وأمّا إذا فُرض أنّها لیست بمنحصرة فلا تدلّ علیه؛‏‎ ‎‏وذلک لأنّ المعلول لکلّ علّة لا مطلقٌ بالنسبة إلی العلّة، ولا مقیَّد بها، لکن له ضیق‏‎ ‎‏ذاتیّ بها، ولا یمکن أن یکون أوسع من علّته وبالعکس.‏

‏وبالجملة : لابدّ فی ثبوت المفهوم للغایة من إحراز أنّ علّة الحکم منحصرة،‏‎ ‎‏وأمّا بدونه فلا مفهوم‏‎[5]‎‏ لها، انتهیٰ.‏

أقول :‏ لو سلّمنا : أنّ هیئة الأمر موضوعة لحقیقة الطلب وطبیعته، فالحقّ هو‏‎ ‎‏ما ذکره أوّلاً من ثبوت المفهوم للغایة؛ لأنّه لاریب فی أنّ الحکم المُغیّی بغایة، ظاهر‏‎ ‎‏عرفاً فی انتفائه عمّا بعدها، وهذا الظهور العرفیّ ممّا لاریب فیه، وحینئذٍ فإن قلنا: إنّ‏‎ ‎‏الأحکام الشرعیّة مُسبَّبات عن أسباب وعلل موجبة لها، وأنّ العرف والعقلاء‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 314
‏ـ أیضاً ـ یُدرکون ذلک کشف هذا الظهور عن أنّ العلّة منحصرة.‏

وإن قلنا :‏ إنّهم لا یُدرکون ذلک فلا مصادم لهذا الظهور أیضاً. وعلیٰ أیّ تقدیر‏‎ ‎‏فالظهور العرفی باقٍ بحاله، ولا مصادم له، وهو کافٍ فی المقام.‏

‏وکأنّه ‏‏قدس سره‏‏ زعم أنّ المفهوم فی باب الغایة مثل المفهوم للشرط؛ فی أنّه ناشٍ عن‏‎ ‎‏العِلّیّة المُنحصرة للشرط أو الموضوع، لکن لیس کذلک، فإنّ استفادة العِلّیّة المُنحصرة‏‎ ‎‏والمفهوم من الشرطیّة، إنّما هو لأجل أنّها موضوعة لذلک، أو لاقتضاء الإطلاق لهما،‏‎ ‎‏بخلاف ما نحن فیه، فإنّ استفادة المفهوم إنّما هی لأجل الظهور العرفی فی ذلک.‏

‏هذا لو قلنا بأنّ هیئات الأوامر موضوعة لحقیقة الطلب، لکنّه ممنوع؛ لما عرفت‏‎ ‎‏فی المعانی الحرفیة ‏‏[‏‏من‏‏]‏‏ أنّها جزئیّة دائماً، وأنّ هیئات الأوامر موضوعة لإیقاع البعث‏‎ ‎‏وإیجاده، کما أنّ أحرف النداء موضوعة لإیقاع النداء وإیجاده، فهی موضوعة لمعنیً‏‎ ‎‏جزئیّ؛ أی ما یصدق علیه إیجاد النداء، ولیست مثل المعانی الاسمیّة فی أنّ لها معنیً‏‎ ‎‏کلّیّاً ومعنیً جزئیّاً، بل معانیها جزئیّة دائماً، ولکن یکفی فی ثبوت المفهوم للغایة انتزاع‏‎ ‎‏الوجوب ـ بلا قید الکلّیّة والجزئیّة عرفاً ـ من إیجاد البعث فی الخارج، فیقولون: إنّه‏‎ ‎‏أوجب الجلوس إلی الظهر ـ مثلاً ـ فیدلّ علیٰ أنّه لا وجوب للجلوس بعد الظهر،‏‎ ‎‏بدون أن یتفطّن ویستشعر أنّ معنیٰ الهیئة جزئیّ، وهو کافٍ فی ثبوت المفهوم.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 315

  • )) مطارح الأنظار : 185 ـ 186 سطر 33.
  • )) کفایة الاُصول : 246، درر الفوائد : 204 .
  • )) اُنظر مطارح الأنظار : 168 .
  • )) درر الفوائد : 204 .
  • )) الظاهر أنه مستفاد من مجلس بحثه الشریف.