المطلب الثالث المنطوق والمفهوم وفیه فصول

التنبیه الأوّل : فی حقیقة المفهوم

التنبیه الأوّل : فی حقیقة المفهوم

قال فی «الکفایة» :‏ إنّ المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم المُعلَّق علیٰ الشرط عند‏‎ ‎‏انتفائه، لا انتفاء شخصه؛ ضرورة انتفائه عقلاً بانتفاء موضوعه ولو ببعض قیوده، ولا‏‎ ‎‏یتمشّیٰ القول بأنّ للقضیّة الشرطیّة مفهوماً أو لا، إلاّ فی مقامٍ یمکن ثبوت سنخ الحکم‏‎ ‎‏ـ أی الجزاء ـ وانتفاؤه عند انتفاء الشرط، فیقع البحث: فی أنّ لها دلالة علیٰ الانتفاء‏‎ ‎‏عند الانتفاء، أو لا.‏

ومن هنا ظهر :‏ أنّه لیس من المفهوم ودلالة القضیّة علیٰ الانتفاء عند الانتفاء ما‏‎ ‎‏توهِّم فی الوصایا والأوقاف والنذور والأیمان‏‎[1]‎‏؛ لأنّ انتفاءها عن غیر ما هو المتعلَّق‏‎ ‎‏لها ـ من الأشخاص بألقابها أو بوصف شیء أو بشرطه المذکورة فی العقد أو مثل‏‎ ‎‏العهد ـ لیس من دلالة الشرط أو الوصف أو اللقب علیه، بل لأجل أنّه إذا جُعل شیءٌ‏‎ ‎‏وقفاً علیٰ شخص أو اُوصی به له أو نُذِر له.. إلیٰ غیر ذلک، لا یمکن أن یصیر وقفاً علیٰ‏‎ ‎‏غیره أو وصیّةً أو نذراً له، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصیّة عن غیر مورد‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 284
‏المتعلَّق ـ قد عرفت ـ أنّه عقلیّ مطلقاً؛ ولو قیل بعدم المفهوم فی مورد یصلح له.‏

ثمّ اُورد علیه بما حاصله :‏ أنّ الجزاء المعلَّق علی الشرط إنّما هو الحکم الحاصل‏‎ ‎‏بالإنشاء، فالجزاء فی مثل قوله: «إن جاءک زید فأکرمه» هو إیجاب الإکرام، وهو‏‎ ‎‏شخصیّ، فغایة قضیّتها هو انتفاء ذلک الحکم الخاصّ بإنشائه بانتفاء الشرط.‏

وأجاب عن ذلک بما حاصله :‏ أنّ الإشکال إنّما یرد لو قلنا : إنّ الموضوع له فی‏‎ ‎‏الهیئات خاصّ، وأمّا بناءً علیٰ ما حقّقناه من عموم الموضوع له فیها کوضعها، وأمّا‏‎ ‎‏الشخص والخصوصیّات الناشئة من قِبَل استعمالها فیه لا تکاد تکون من خصوصیّات‏‎ ‎‏معناها المستعملة فیه، فلا یرد الإشکال المذکور؛ لأنّ الجزاء هو طبیعةُ إیجاب الإکرام‏‎ ‎‏فی المثال وکلِّیُّهُ، لا شخص خاصّ منه‏‎[2]‎‏. انتهیٰ ملخّص کلامه.‏

أقول :‏ هذا الجواب مبنیّ علیٰ ما ذکره من عموم الموضوع له فی الحروف، وأمّا‏‎ ‎‏بناءً علیٰ أنّ الموضوع له فیها خاصّ ـ کما اخترناه ـ فلایندفع الإشکال بما ذکره.‏

والتحقیق فی الجواب ـ بناءً علیٰ ما اخترناه ـ :‏ هو أنّه وإن کان المعلَّق علی‏‎ ‎‏الشرط فی المثال هو إیجاب الإکرام ـ الذی هو مدلول قوله: «فأکرمه» بحسب الظاهر‏‎ ‎‏ـ لکن لا إشکال فی أنّ المتبادِر من القضیّة الشرطیّة فی المثال عرفاً، هو أنّ المرتبط‏‎ ‎‏بالشرط هو طبیعة الإکرام، لا إیجاب الإکرام، فالمناسبة إنّما هی بین تحقُّق الشرط‏‎ ‎‏وتحقّق الجزاء، لا بین الشرط والإیجاب، وإلاّ فلِمَ لا یتعلّق إیجاب الصلاة مثلاً‏‎ ‎‏بالشرط المذکور، ولا بینه وبین إیجاب الإکرام معاً وذلک واضح، وأمّا الإیجاب الذی‏‎ ‎‏هو مدلول الهیئة فهو آلة ووسیلة إلیٰ بیان ذلک.‏

والحاصل :‏ أنّه بناءً علیٰ ثبوت المفهوم للقضیّة الشرطیّة، وانحصار علّیّة‏‎ ‎‏الشرط فیها بذکر ما یدلّ علیها، وهو کلمة «إنْ» الشرطیّة، أنّ الآمر ـ حیث إنّه رأیٰ‏‎ ‎‏أنّ بین طبیعة المجیء وطبیعة الجزاء ارتباط ومناسبة ـ تعلّقت إرادته ببعث المکلّف الی‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285
‏تحصیل الجزاء، وهو الإکرام عند تحقُّق الشرط؛ بإیجاب ذلک علیه عنده، وإلاّ فلولا‏‎ ‎‏المناسبة بینهما لزم الجزافُ فی الأمر بالجزاء، وإرادتُهُ بلا مناسبة وملاک، فمنشأ الأمر‏‎ ‎‏والإبجاب هو وجود تلک المناسبة بینهما، وهذا معنیٰ أنّ الواجبات الشرعیّة ألطافٌ فی‏‎ ‎‏الواجبات العقلیّة‏‎[3]‎‏، وهذا الذی ذکرناه قد أشار إلیه الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ فی «کتاب‏‎ ‎‏الطهارة»‏‎[4]‎‏، فلا یرد علیه ـ حینئذٍ ـ الإشکال المذکور.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286

  • )) تمهید القواعد (الملحق بکتاب الذکری) : 14 .
  • )) کفایة الاُصول : 236 ـ 237 .
  • )) کفایة الاُصول : 414 .
  • )) کتاب الطهارة : 49 سطر 29 .