المطلب الثانی فی النواهی وفیه فصول

التحقیق فی جواز الاجتماع

التحقیق فی جواز الاجتماع

‏ ‏

إذا عرفت ذلک فاعلم :‏ أنَّ الحق هو جواز اجتماع الأمر والنهی المتعلّقین‏‎ ‎‏بعنوانین مُتصادقین علیٰ موضوع واحد، وتوضیحه یحتاج إلیٰ تقدیم اُمور :‏

الأوّل :‏ أنَّه إذا تعلّق الأمر أو النهی بعنوان، فلا یُعقل تعدّیه وتجاوزه عنه إلی‏‎ ‎‏مُلازماته أو مقارناته الذهنیة أو الخارجیة، فالأمر فی قوله: «صلِّ» مُتعلّق بنفس‏‎ ‎‏الطبیعة مُجرّدة عن کافة الخصوصیّات، ولا یُعقل تعدّیه عنها إلی ما هو خارج عنها،‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 221
‏وکذلک النهی فی «لا تغصب»؛ وذلک لأنّه کما یستحیل تعلّق إرادته تعالیٰ بشیء جُزافاً‏‎ ‎‏وبدون الملاک أو المناط، کذلک لو فرض أنّ المصلحة قائمة بشیءٍ یستحیل ولا یُعقل‏‎ ‎‏تعلّق إرادته به مقیّداً بشیء آخر، کما أنّه لو فُرض أنَّ المصلحة فی شیءٍ مقیّداً بقید، فلا‏‎ ‎‏یُعقل تعلّقها به بدون ذلک القید.‏

الثانی :‏ لیس معنی الإطلاق لحاظ سرایة الحکم لجمیع الحالات وشموله لجمیع‏‎ ‎‏الخصوصیّات، فإنَّ ذلک هو معنیٰ العموم لا الإطلاق ، بل الإطلاق عبارة عن جعل‏‎ ‎‏الطبیعة مُطلقة مُتعلَّقة للأمر أو النهی بدون قید أصلاً؛ بحیث یظهر منه أنَّها تمام‏‎ ‎‏الموضوع للحکم، فمعنیٰ أنّ «صلِّ» مُطلق أنَّ الحکم الوجوبی تعلّق بطبیعة الصلاة‏‎ ‎‏بدون قید، وأنّ تمام الموضوع والمطلوب هو نفس الطبیعة بلا لحاظ الحالات‏‎ ‎‏والخصوصیّات.‏

وبالجملة :‏ معنیٰ الإطلاق هو عدم لحاظ الحالات والخصوصیات، لا لحاظ‏‎ ‎‏عدمها؛ حتیٰ یصیر معنی إطلاق «صلِّ» إنشاء وجوب طبیعة الصلاة، سواء وقعت فی‏‎ ‎‏مکان غصبی أم لا، فالموضوع فی المُطلق هو نفس الطبیعة، ویستحیل سرایة الحکم‏‎ ‎‏إلی الخصوصیات الفردیة بأن تُجعل الطبیعة حاکیةً عنها.‏

الثالث :‏ أنَّ اتحاد الطبیعة مع جمیع الأفراد والخصوصیات فی الخارج، وقولهم:‏‎ ‎‏اللابشرط یجتمع مع ألف شرط، لیس معناه حکایة الطبیعة عن الأفراد‏‎ ‎‏والخصوصیات الخارجیة، بل معناه أنَّها فی الخارج هی ذلک الفرد وذاک، فإنّ اتحادها‏‎ ‎‏مع الخصوصیات فی الخارج بهذا المعنی مسألة، وحکایتها ـ وأنّها مرآة لها ـ مسألة‏‎ ‎‏اُخریٰ، والاُولیٰ مُسلَّمة، والثانیة ممنوعة.‏

الرابع :‏ ـ وهو العُمدة ـ هو أنَّه لا إشکال فی أنَّ الأوامر والنواهی متعلِّقة بنفس‏‎ ‎‏الطبائع الُمجردة؛ وذلک لأنَّ هنا ثلاثة أشیاء : أحدها الموجود فی الخارج کزید الموجود‏‎ ‎‏فیه، الثانی الموجود فی الذهن، الثالث نفس الطبیعة المجرّدة عن الوجودین.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 222
‏فالأوّل جزئی حقیقی خارجی، والثانی جزئی حقیقی ذهنی، وأمّا الثالث أی‏‎ ‎‏نفس الطبیعة فهی وإن لا تحقق لها فی ذاتها، إلاّ أنّها عین الموجود فی الخارج من‏‎ ‎‏أفرادها، وفی الذهن عین الموجود الذهنی، لکن إذا تصورها الإنسان فلیست جزئیاً،‏‎ ‎‏إلاّ بلحاظ وجودها فی الذهن بلحاظ آخر ثانٍ، ولا یمکن لحاظها کذلک بتصوّرٍ‏‎ ‎‏واحدٍ، بل إذا تصوّرها الإنسان فهی توجد بهذا التصوّر فیه.‏

‏ولکن هذا الوجود الذهنی مغفول عنه، ولیس المتصوّر جزئیاً بهذا التصوّر، بل‏‎ ‎‏جزئیتها تحتاج إلیٰ تصوّر آخر لوجودها فی الذهن ولحاظه، وإلاّ فمع عدم اللحاظ‏‎ ‎‏الثانی فهی لیست إلاّ هی أوجدها الإنسان فی ذهنه، فهی ـ حینئذٍ ـ فی نفس الأمر من‏‎ ‎‏الموجودات الذهنیة بالحمل الشائع، لکن الأحکام الثابتة لها المجعولة علیها ذاتیة‏‎ ‎‏لنفس الطبیعة؛ لأنَّ وجودها الذهنی مغفول عنه، فلا یمکن إثبات حکم له.‏

‏ولذا ذهب جمع من المحقّقین ـ فی مبحث لوازم الماهیة کالزوجیة للأربعة ـ إلیٰ‏‎ ‎‏أنّها لازمة لنفس الطبیعة، مُنفکة عن الوجودین الذهنی والخارجی؛ من جهة أنَّ‏‎ ‎‏تصورها وإن کان هو وجودها الذهنی بالحمل الشائع، لکن حیث إنَّ هذا الوجود‏‎ ‎‏مغفول عنه ومع ذلک تثبت لها لوازمها‏‎[1]‎‏.‏

‏یستکشف منه أنّها لازمة لنفس الطبیعة، ویدل علیٰ ذلک ـ أیضاً ـ تقسیم‏‎ ‎‏الماهیة إلی الموجودة والمعدومة، والظاهر أنَّ المُراد منها هو نفس الطبیعة الکلیّة، لا‏‎ ‎‏مقیّدة بالوجود الذهنی؛ فإنّها کذلک قسم لا مقسم، وغیر قابلة للتقسیم المذکور.‏

وبالجملة :‏ لا إشکال فی أنَّ هنا أحکاماً ثابتة لنفس الطبائع المجرّدة عن‏‎ ‎‏الوجودین، والأوامر والنواهی مُتعلقة بها کذلک بتصوّرها وجعل الحکم من الوجوب‏‎ ‎‏والحُرمة وغیرهما لها نفسها، فإنَّ هذا التصوّر وإن کان هو وجودها الذهنی، لکنَّه‏‎ ‎‏مغفول عنه عند جعل الحکم لها، ولا یثبت لهذا الوجود شیء، ویدل علیٰ ذلک أنّا‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 223
‏مُکلَّفون بالصلاة والصیام فعلاً، مع أنّا لم نکن فی زمن صدور الأحکام، ولیس ذلک إلاّ‏‎ ‎‏لأجل أن الموضوع نفس الطبیعة، ولا یُعقل تعلّق الأمر والنهی بالخارج؛ لأنّه‏‎ ‎‏ـ حینئذٍ ـ لابُدَّ أن یوجد المأمور به فیه، ثمّ یتعلّق به الأمر، وإلاّ لزم وجود المتعلِّق‏‎ ‎‏ـ بالکسر ـ قبل وجود المتعلَّق ـ بالفتح ـ وهو محال، وبعد وجوده یستحیل الأمر به؛‏‎ ‎‏لأنّه تحصیل للحاصل، وکذلک فی النهی؛ لأنّه ـ حینئذٍ ـ لا یتعلّق إلاّ بعد الوجود،‏‎ ‎‏وبعده لا معنیٰ للنهی عنه.‏

‏ولا یُعقل تعلّقهما بالوجود الذهنی ـ أیضاً ـ لا لعدم القدرة علیٰ إیجاده فی‏‎ ‎‏الخارج، ولذلک وقع الاُستاذ الحائری ‏‏قدس سره‏‏ فی «الدرر» فی حیص وبیص؛ حیث أخذ فی‏‎ ‎‏متعلّق الأوامر والنواهی الإیجاد، وأجاب عن الإشکالات‏‎[2]‎‏ بما لا یخلو عن الإشکال.‏

إذا عرفت ما ذکرناه نقول :‏ إنّ الأمرَ متعلِّقٌ بعنوان الصلاة وطبیعتها، والنهیَ‏‎ ‎‏بعنوان الغصب وطبیعته، وهما ـ فی عالم تعلُّق الأمر والنهی بهما ـ عنوانان متغایران،‏‎ ‎‏ولا یسری حکم أحدهما إلیٰ الآخر بمقتضیٰ ما ذکرنا فی الأمر الأوّل، ولا یمکن‏‎ ‎‏الاستدلال للسرایة بالإطلاق؛ لما عرفت فی الأمر الثانی من معنیٰ الإطلاق، وأنّه لیس‏‎ ‎‏عبارة عن لحاظ التسویة بین الخصوصیّات والأفراد، بل معناه جعل الطبیعة متعلَّقة‏‎ ‎‏للحکم بدون لحاظ الخصوصیّات، وأنّها تمام الموضوع، فتمام موضوع الأمر هو طبیعة‏‎ ‎‏الصلاة، وتمام موضوع النهی هو طبیعة الغصب، ولا ارتباط لأحدهما بالآخر،‏‎ ‎‏وعرفت فی الأمر الثالث معنیٰ اللابشرط، وأنّه لیس معناه حکایة الطبیعة عن‏‎ ‎‏الخصوصیّات. ولا یجتمعان ـ أی الأمر والنهی ـ فی الخارج ـ أیضاً ـ لأنّ الخارج‏‎ ‎‏ظرف للسقوط ـ أی سقوط الأمر والنهی ـ لا الثبوت، فبالإتیان بالصلاة فی الدار‏‎ ‎‏المغصوبة یسقط الأمر بالإطاعة والنهی بالعصیان؛ لما عرفت من عدم إمکان تعلُّق‏‎ ‎‏الأمر والنهی بالخارج.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 224
‏والذی أوقع القوم فی الاشتباه هو ما ذکره الفلاسفة من أنّ الماهیّة من حیث‏‎ ‎‏هی لیست إلاّ هی؛ لا محبوبة، ولا مبغوضة، ولا کلّیّة، ولا جزئیّة، والنقائض عنها‏‎ ‎‏مرتفعة‏‎[3]‎‏، وغیر ذلک، فتوهّموا : أنّه لا یمکن تعلّق الأمر والنهی بها نفسها، بل هی‏‎ ‎‏متعلّقة بالوجود الخارجی، وفرّعوا علیه القول بالامتناع فی المسألة، وذهب القائلون‏‎ ‎‏بجواز الاجتماع إلیٰ أنّها مُتعلِّقة بإیجاد الماهیّة، فأخذوا فی متعلَّقها الوجود المجرّد منضماً‏‎ ‎‏إلی الماهیّة؛ فراراً عن المحذور المذکور، فلابدّ من توضیح ذلک وبیان شبهتهم، فنقول:‏

معنیٰ قولهم :‏ «الماهیّة من حیث هی لیست إلاّ هی» أنّ الکلّیّة والجزئیّة‏‎ ‎‏ونحوهما لیست عینها ولا جزأها فی مرتبة ذاتها، وأنّ طبیعة الإنسان ـ مثلاً ـ فی‏‎ ‎‏مرتبة ذاتها لیست إلاّ طبیعة الإنسان، ولذا صرّحوا بارتفاع النقیضین والضدّین‏‎ ‎‏اللّذین لا ثالث لهما عنها‏‎[4]‎‏، مع أنّ ارتفاع النقیضین محال واقعاً، ولاریب فی أنّ طبیعة‏‎ ‎‏الإنسان کلّیّة ـ أیضاً ـ یمکن صدقها علیٰ کثیرین.‏

وبالجملة :‏ فمرادهم من الجملة المذکورة : أنّ الکلیّة والجزئیّة وغیرهما من‏‎ ‎‏المسلوبات عنها لیست عین ذاتها ولا جزأها، وأنّها غیر مأخوذة فیها أصلاً، ولا ربط‏‎ ‎‏لهذا المطلب بما نحن فیه، ولا منافاة له لما نحن بصدده، فإنّ المُدّعیٰ هو أنّ الأحکام‏‎ ‎‏متعلِّقة بنفس الطبائع الُمجرَّدة، ولا یلزم من ذلک دخل شیء فی ذاتها عیناً أو جزءً حتّیٰ‏‎ ‎‏ینافی ما ذکره الفلاسفة؛ لما عرفت أنّ الاحتمالات بحسب مقام التصوّر ثلاثة: أحدها‏‎ ‎‏تعلّق الأحکام بالخارج، وثانیها تعلُّقها بالموجود فی الذهن، الثالث تعلُّقها بنفس‏‎ ‎‏الطبائع، والأوّلان مستحیلان ـ کما عرفت مُفصَّلاً ـ فتعیّن الثالث، فالأمر متعلّق بنفس‏‎ ‎‏الطبیعة، ویُتوسَّل به إلی إیجاد فردها الخارجی.‏

وإن شئت قلت :‏ إنّها متعلّقة بإیجاد الطبیعة فی الخارج ـ أی مفهوم الإیجاد ـ‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 225
‏فمتعلّق الأمر هو عنوان الصلاة، والنهی متعلّق بعنوان الغصب، وهما ـ فی عالم عنوانهما‏‎ ‎‏وتعلّق الأمر والنهی بهما ـ متغایران لا یسری أحدهما إلی الآخر، ولاریب فی إمکان‏‎ ‎‏الأمر بالأوّل والنهی عن الثانی، وأمّا الخارج فالصلاة فی الدار المغصوبة وإن تعنونت‏‎ ‎‏فیه بعنوانین وصارت مصداقاً لطبیعتین تعلّق بإحداهما الأمر وبالثانیة النهی، لکن‏‎ ‎‏الخارج ـ کما عرفت ـ لیس متعلّق الأمر والنهی کی یجتمعان.‏

ومن هنا یظهر‏ فساد ما ذکره فی «الکفایة» من أنّ متعلَّق الأحکام هو الفعل‏‎ ‎‏الخارجی الصادر من المکلّف لا العنوان‏‎[5]‎‏، وکذلک ما ذکره فی «الفصول»‏‎[6]‎‏.‏

ویظهر ـ أیضاً ـ‏ أنّ المُقدّمات التی ذکرها المیرزا النائینی ‏‏قدس سره‏‏ لإثبات الجواز لا‏‎ ‎‏ربط لها بالمقام؛ لأنّه ـ کما عرفت ـ ذکر فی المقدّمات أنّ محطّ البحث إنّما هو فیما إذا کان‏‎ ‎‏الترکُّب بینهما فی الخارج انضمامیّاً لا اتّحادیّاً‏‎[7]‎‏؛ وذلک ـ لما عرفت ـ أنّ الأوامر‏‎ ‎‏والنواهی لا یمکن تعلُّقها بالخارج، مع أنّه لو فرض أنّ الترکُّب بینهما انضمامیّاً، وأنّ فی‏‎ ‎‏الخارج شیئان : أحدهما متعلّق للأمر، والثانی متعلّق للنهی، فلا یتوهّم ـ حینئذٍ ـ‏‎ ‎‏الامتناع، بل الأمر بالعکس، وأنّ محطّ البحث إنّما هو فیما إذا کان الترکُّب اتّحادیاً؛ لما‏‎ ‎‏عرفت من أنّ عنوان البحث هو أنّه هل یجوز تعلُّق الأمر بعنوانین متصادقین علیٰ‏‎ ‎‏واحد، ولا ریب فی أنّ المراد بالواحد هو المصداق الجزئی الموجود فی الخارج لا‏‎ ‎‏المتعدّد.‏

بقی فی المقام دفع إشکال :

‏أمّا الإشکال :‏‏ فهو أنّه لا یمکن اجتماع الإرادة والکراهة والحبّ والبغض معاً فی‏‎ ‎‏المصداق الخارجی للعنوانین، وکذلک المفسدة والمصلحة بناءً علیٰ الجواز، فکیف یمکن‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 226
‏القول بالجواز فی المسألة؟!‏

‏وهذا هو أجود التقریرات للقائلین بالامتناع.‏

وأمّا الدفع :‏ فهو موقوف علیٰ ملاحظة کیفیّة صدور الأمر والنهی من المبدأ‏‎ ‎‏الأعلیٰ سبحانه وتعالیٰ؛ لیتّضح بذلک أنّه لیس للقائلین بالامتناع ما یتمسّکون به‏‎ ‎‏لمذهبهم.‏

فنقول :‏ لاریب فی أنّ الاُمور التی هی دخیلة فی تحقّق البعث والزجر عبارة‏‎ ‎‏عن تصوّر الآمر والناهی نفس الطبیعة، ثم التصدیق بالفائدة، وکذلک سائر مبادئ‏‎ ‎‏الإرادة، وإرادة البعث إلیها، أو الزجر عنها، ولاریب ـ أیضاً ـ فی أنّه لو لم یلاحظ أنّ‏‎ ‎‏الطبیعة فی وجودها الخارجی مشتملة علیٰ المصلحة فی الأمر والمفسدة فی النهی،‏‎ ‎‏لاتنقدح الإرادة والاشتیاق إلیها، مثل أنّ الصلاة الخارجیّة معراج المؤمن‏‎[8]‎‏، أو قُربان‏‎ ‎‏کلّ تقیّ‏‎[9]‎‏، وهکذا فی النهی، إلاّ أنّ جمیع هذه التصوّرات إنّما هی قبل وجود الطبیعة فی‏‎ ‎‏الخارج، ومن الواضح أنّ الصلاة فی وعاء الذهن غیرها فی وعاء الخارج، وکذلک‏‎ ‎‏الغصب، وکذلک عنواناهما فی عالم الذهن عنوانان متغایران، ولیسا موجودین بوجود‏‎ ‎‏واحد، بل یتصوّر المصلحة فی الصلاة والمفسدة فی الغصب، مع قطع النظر عن الوجود‏‎ ‎‏رأساً.‏

وبالجملة :‏ عالم التصوُّر واللحاظ هو وعاء امتیاز الأشیاء بعضها عن بعض،‏‎ ‎‏والغصب فی عالم التصوّر ممتاز تمام الامتیاز عن الصلاة، وبعد ذلک یلاحظ أنّ الصلاة‏‎ ‎‏لو وجدت فی الخارج اشتملت علیٰ مصلحة، والغصب ـ أیضاً ـ لو وجد فیه اشتمل‏‎ ‎‏علیٰ مفسدة، فیشتاق إلی البعث إلی الاُولیٰ بهذا العنوان والزجر عن الثانی بعنوانه،‏‎ ‎‏فیریدهما، فالاشتیاق والبعث یتعلّقان بهذین العنوانین، ولا یمکن حکایة هذین‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 227
‏العنوانین عن الخارج ومرآتیّتهما له، لکن الواقع منکشف بهذین العنوانین، ولا نعنی أنّ‏‎ ‎‏فی المقام کاشفاً ومنکشفاً ـ مثلاً ـ حیث إنّه یریٰ أنّ فی الغصب الخارجی مفسدة‏‎ ‎‏مُضِرّة بحال العبد لو ارتکبه، فینهاه عنه بواسطة تصوُّر الموجود الذهنی منه بعنوانه.‏

والحاصل :‏ أنّه لا یمکن تعلّق الأمر والنهی بالخارج، لکن حیث إنّ الخارج‏‎ ‎‏منکشف له بوجهٍ ما بتصوُّره ذهناً، کتصوُّر مفهوم الوجود الذی هو وجه الموجود‏‎ ‎‏الخارجی، فیتعلّق الأمر والنهی بالمفهوم الذهنی والعنوان فی وعاء الذهن، ولاریب فی‏‎ ‎‏أنّ المفاهیم مُتمایزات فی الذهن، لایمکن اتّحادها فیه، بل الاتّحاد إنّما هو فی الوجود‏‎ ‎‏الخارجی، الذی یصدق علیه کلّ واحد من العنوانین من «الصلاة» و «الغصب».‏

فانقدح من جمیع ما ذکرنا :‏ عدم اجتماع المحبوبیّة والمبغوضیّة والإرادة والکراهة‏‎ ‎‏والمفسدة والمصلحة فی المصداق الخارجی، بل هما یتعلّقان بالعنوانین المتمایزین‏‎ ‎‏المتغایرین. هذا کلّه فی التکوینیّات.‏

‏وأمّا التشریعیّات فهی ـ أیضاً ـ کذلک بالطریق الأولیٰ، فإذا أتیٰ العبد فی‏‎ ‎‏الخارج بفرد هو مصداق للعنوانین، فلاربط له بمقام التشریع؛ ألا تریٰ أنّه إذا صلّیٰ فی‏‎ ‎‏مکان غصبیّ مع الجهل به، فالحرکات الخاصّة الصلاتیّة معلومة ومجهولة معاً، والتضادّ‏‎ ‎‏بینهما أوضح من التضادّ بین الأحکام الخمسة.‏

وحلّه :‏ أنّ فی الذهن صورتین : إحداهما معلومة، والاُخریٰ مجهولة، وعلیک‏‎ ‎‏بالتأمّل التامّ، فإنّه مزالّ الأقدام.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 228

  • )) اُنظر منظومة السبزواری (قسم الفلسفة) : 60 .
  • )) درر الفوائد : 155 ـ 159 .
  • )) اُنظر الأسفار 2 : 3 ـ 4 ، ومنظومة السبزواری 2 : 93 .
  • )) اُنظر منظومة السبزواری 2 : 94 .
  • )) کفایة الاُصول : 193 .
  • )) الفصول الغرویة : 125 سطر 16 .
  • )) فوائد الاُصول 2 : 423 .
  • )) إعتقادات المجلسی : 39 .
  • )) الفقیه 1 : 136 / 16 باب فضل الصلاة.