الأمر الثانی : فی کون المسألة اُصولیة
إنّ هذه المسألة هل هی من المسائل الاُصولیّة، أو من المبادئ الأحکامیّة، أو من المبادئ التصدیقیّة، أو من المسائل الکلامیّة، أو من الفروع الفقهیّة ؟
قال المیرزا النائینی قدس سره : حیث إنّ القول بامتناع الاجتماع یؤدّی إلیٰ باب التعارض، فهی من المسائل التصدیقیّة.
وقال بعض الأعاظم : حیث إنّ موضوع الاُصول هو الحجّة فی الفقه، وأنّه یبحث فیه عن أحوال الحجّة، فهذه المسألة من المبادئ الأحکامیّة؛ لأنّه لا یبحث فیها عن أحوال الحجّة؛ لتکون من المسائل الاُصولیّة، بل یستأنس بها فی الأحکام
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 205
الشرعیّة.
وقال فی «الکفایة» : إنّه وإن کان فی هذه المسألة جهات من البحث کلّ واحدة من الجهات تناسب أن تکون من مسائل کلّ واحدة من المذکورات، لکن لا داعی لجعلها من مباحث غیر الاُصول، مع أنّهم ذکروها فی الاُصول، وإمکان جعلها من المسائل الاُصولیّة؛ لأنّ المناط فی المسائل الاُصولیّة هو وقوع نتیجتها فی طریق الاستنباط، وهذه المسألة کذلک.
أقول : أمّا ما أفاده المیرزا النائینی قدس سره فیظهر من کلامه أنّ مراده من المبادئ التصدیقیّة غیر ما هو المصطلح علیه، فإنّها فی الإصطلاح: عبارة عن البراهین والاستدلالات التی یتوقّف التصدیق بالمسائل علیها.
وأمّا ما ذکره البعض الآخر من أنّها من المبادئ الأحکامیّة، وأنّ الموضوع لعلم الاُصول هو الحجّة فی الفقه، فقد تقدّم الکلام فیه مفصّلاً:
أوّلاً : بأنّا لا نسلّم ما هو المعروف من أنّه لابدّ لکلّ علمٍ موضوعٌ یُبحث فیه عن أحواله وعوارضه الذاتیّة؛ لاستلزامه خروج جُلّ مسائل کثیر من العلوم عنها؛ مثلاً: أنّهم ذکروا أنّ موضوع علم الفقه هو أفعال المکلّفین، مع أنّ قولهم: «الشمس مطهّرة» ، أو «الماء مطهّر»، أو «مقدار الکرّ کذا» ... إلیٰ غیر ذلک من أمثالها، لا یرجع البحث فیه إلیٰ البحث عن أحوال المکلّفین.
وثانیاً : لا نسلّم أنّ الوجوب والحرمة من العوارض .
وثالثاً : لا نسلّم أنّها من عوارض فعل المکلّف وإن سُلِّم أنّها من العوارض.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 206
ورابعاً : لو سلّمنا أنّ موضوع علم الاُصول هو الحجّة فی الفقه، فلیس المراد منها مفهومها، بل المراد مصادیقها الخارجیّة، وحینئذٍ فیمکن جعلها من المسائل الاُصولیّة بهذا المعنیٰ، فلا یصحّ جعلها من مبادئ الأحکام.
وأمّا ما ذکره فی «الکفایة» ففیه : أنّه إنّما یصحّ ما ذکره من إمکان جعل هذه المسألة من المذکورات، إذا کان فیها الجهات المذکورة بعنوانها وبقاء موضوعها ومحمولها، مع أنّهم ذکروا فی وجه کونها من المسائل الکلامیّة : أنّ مرجع البحث فیها إلیٰ أنّ المکلِّف ـ بالکسر ـ هل یصحّ أن یأمر بعنوان، وینهیٰ عن عنوان آخر متصادقین علیٰ موضوع واحد؟
وفی وجه کونها من المسائل الفقهیّة : أنّ مرجع البحث فیها إلیٰ صحّة الصلاة الواقعة فی المکان الغصبیّ وفسادها، فغیّروا المسألة وعنوانها وهکذا.
فما ذکره ـ من إمکان جعلها من کلّ واحد من المذکورات ـ غیر صحیح.
فالمتعیّن هو ما ذکرناه من أنّ مسائل کلّ علم عبارة عن عدّة مسائل مربوطة، وأنّ المناط فی المسألة الاُصولیّة هو إمکان وقوع نتیجتها فی طریق استنباط الأحکام الفرعیّة، وهی کذلک.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 207