المطلب الثانی فی النواهی وفیه فصول

الأمر الثانی : فی کون المسألة اُصولیة

الأمر الثانی : فی کون المسألة اُصولیة

‏إنّ هذه المسألة هل هی من المسائل الاُصولیّة، أو من المبادئ الأحکامیّة، أو‏‎ ‎‏من المبادئ التصدیقیّة، أو من المسائل الکلامیّة، أو من الفروع الفقهیّة ؟‏

قال المیرزا النائینی ‏قدس سره‏‏ :‏‏ حیث إنّ القول بامتناع الاجتماع یؤدّی إلیٰ باب‏‎ ‎‏التعارض، فهی من المسائل التصدیقیّة‏‎[1]‎‏.‏

وقال بعض الأعاظم :‏ حیث إنّ موضوع الاُصول هو الحجّة فی الفقه، وأنّه‏‎ ‎‏یبحث فیه عن أحوال الحجّة، فهذه المسألة من المبادئ الأحکامیّة؛ لأنّه لا یبحث‏‎ ‎‏فیها عن أحوال الحجّة؛ لتکون من المسائل الاُصولیّة، بل یستأنس بها فی الأحکام‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 205
‏الشرعیّة‏‎[2]‎‏.‏

وقال فی «الکفایة» :‏ إنّه وإن کان فی هذه المسألة جهات من البحث کلّ واحدة‏‎ ‎‏من الجهات تناسب أن تکون من مسائل کلّ واحدة من المذکورات، لکن لا داعی‏‎ ‎‏لجعلها من مباحث غیر الاُصول، مع أنّهم ذکروها فی الاُصول، وإمکان جعلها من‏‎ ‎‏المسائل الاُصولیّة؛ لأنّ المناط فی المسائل الاُصولیّة هو وقوع نتیجتها فی طریق‏‎ ‎‏الاستنباط، وهذه المسألة کذلک‏‎[3]‎‏.‏

أقول :‏ أمّا ما أفاده المیرزا النائینی ‏‏قدس سره‏‏ فیظهر من کلامه أنّ مراده من المبادئ‏‎ ‎‏التصدیقیّة غیر ما هو المصطلح علیه، فإنّها فی الإصطلاح: عبارة عن البراهین‏‎ ‎‏والاستدلالات التی یتوقّف التصدیق بالمسائل علیها.‏

‏وأمّا ما ذکره البعض الآخر من أنّها من المبادئ الأحکامیّة، وأنّ الموضوع لعلم‏‎ ‎‏الاُصول هو الحجّة فی الفقه، فقد تقدّم الکلام فیه مفصّلاً:‏

‏أوّلاً : بأنّا لا نسلّم ما هو المعروف من أنّه لابدّ لکلّ علمٍ موضوعٌ یُبحث فیه‏‎ ‎‏عن أحواله وعوارضه الذاتیّة‏‎[4]‎‏؛ لاستلزامه خروج جُلّ مسائل کثیر من العلوم عنها؛‏‎ ‎‏مثلاً: أنّهم ذکروا أنّ موضوع علم الفقه هو أفعال المکلّفین‏‎[5]‎‏، مع أنّ قولهم: «الشمس‏‎ ‎‏مطهّرة» ، أو «الماء مطهّر»، أو «مقدار الکرّ کذا» ... إلیٰ غیر ذلک من أمثالها، لا یرجع‏‎ ‎‏البحث فیه إلیٰ البحث عن أحوال المکلّفین.‏

‏وثانیاً : لا نسلّم أنّ الوجوب والحرمة من العوارض .‏

وثالثاً :‏ لا نسلّم أنّها من عوارض فعل المکلّف وإن سُلِّم أنّها من العوارض.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 206
ورابعاً :‏ لو سلّمنا أنّ موضوع علم الاُصول هو الحجّة فی الفقه، فلیس المراد‏‎ ‎‏منها مفهومها، بل المراد مصادیقها الخارجیّة، وحینئذٍ فیمکن جعلها من المسائل‏‎ ‎‏الاُصولیّة بهذا المعنیٰ، فلا یصحّ جعلها من مبادئ الأحکام.‏

‏وأمّا ما ذکره فی «الکفایة» ففیه : أنّه إنّما یصحّ ما ذکره من إمکان جعل هذه‏‎ ‎‏المسألة من المذکورات، إذا کان فیها الجهات المذکورة بعنوانها وبقاء موضوعها‏‎ ‎‏ومحمولها، مع أنّهم ذکروا فی وجه کونها من المسائل الکلامیّة : أنّ مرجع البحث فیها‏‎ ‎‏إلیٰ أنّ المکلِّف ـ بالکسر ـ هل یصحّ أن یأمر بعنوان، وینهیٰ عن عنوان آخر‏‎ ‎‏متصادقین علیٰ موضوع واحد‏‎[6]‎‏؟‏

‏وفی وجه کونها من المسائل الفقهیّة : أنّ مرجع البحث فیها إلیٰ صحّة الصلاة‏‎ ‎‏الواقعة فی المکان الغصبیّ وفسادها، فغیّروا المسألة وعنوانها وهکذا.‏

‏فما ذکره ـ من إمکان جعلها من کلّ واحد من المذکورات ـ غیر صحیح.‏

فالمتعیّن هو ما ذکرناه‏ من أنّ مسائل کلّ علم عبارة عن عدّة مسائل مربوطة،‏‎ ‎‏وأنّ المناط فی المسألة الاُصولیّة هو إمکان وقوع نتیجتها فی طریق استنباط الأحکام‏‎ ‎‏الفرعیّة، وهی کذلک.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 207

  • )) اُنظر فوائد الاُصول 1 : 400 .
  • )) اُنظر حاشیة الکفایة للبروجردی 1 : 349 .
  • )) اُنظر کفایة الاُصول : 185 .
  • )) کفایة الاُصول : 22 .
  • )) معالم الدین : 25 .
  • )) نهایة الأفکار 1 : 407 .