المطلب الثانی فی النواهی وفیه فصول

الفصل الأوّل فی متعلَّق النهی

الفصل الأوّل فی متعلَّق النهی

‏ ‏

‏هل النهی مثل الأمر فی الدلالة علی الطلب بمادّته وهیئته، وأنّ الفرق بینهما إنّما‏‎ ‎‏هو فی المتعلّق، وأنّ متعلّق الأمر هو الوجود ومتعلّق النهی هو العدم، أو أنّه لا فرق‏‎ ‎‏بینهما فی المُتعلّق، وأنّه الوجود فیهما، والفرق فی أنفسهما ؟‏

وجهان :‏ اختار أوّلهما فی «الکفایة»، لکن لابدّ من بیان أنّ الفرض الأوّل هل‏‎ ‎‏هو متصوّر عقلاً أو لا؟‏

فنقول :‏ لا ریب فی أنّ الطلب مسبوق بمقدّمات الإرادة من التصوّر والتصدیق‏‎ ‎‏بأنّ المطلوب ذو مصلحة فی الأمر ومفسدة فی النهی، والاشتیاق إلیه فی بعض الأوقات‏‎ ‎‏لتتعلّق به الإرادة والبعث إلیه، وهذه کلّها غیر متصوّرة فی العدم لا عقلاً ولا عرفاً،‏‎ ‎‏فإنّ العدم المطلق منه والمضاف لیس شیء یوجد فیه المصلحة أو المفسدة، أو یشتاق‏‎ ‎‏إلیه أو یراد ویبعث نحوه، وأیضاً قولُنا: العدم ذو مصلحة أو مشتاق إلیه أو مراد، قضیّةٌ‏‎ ‎‏موجبة لابدّ لها من وجود الموضوع، فلا یصحّ جعل العدم موضوعاً لها.‏

وبالجملة :‏ توهُّم أنّ العدم متعلَّق للطلب فی النواهی والبعث وغیرهما غیر معقول.‏

‏وأمّا بملاحظة العرف فالأمر مرکّب من مادّة وهیئة فهو بمادّته یدلّ علیٰ نفس‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 195
‏الطبیعة وبهیئته یدلّ علیٰ البعث والإغراء إلیها، وأمّا النهی، مثل «لا تضرب» فمادّته‏‎ ‎‏هی مادّة الأمر مثل «إضرب»، تدلّ علیٰ طبیعة الضرب مع زیادة کلمة «لا»، ولیس‏‎ ‎‏فیه ما یدلّ علیٰ الطلب، بل هیئته تدلّ علیٰ الزجر عن الوجود.‏

وبالجملة :‏ کلّ واحد من الأمر والنهی متعلِّق بالوجود، ولا فرق بینهما فی ذلک،‏‎ ‎‏وإنّما الفرق بینهما فی أنفسهما، وأنّ الأمر هو طلب الوجود، والنهی زجر عن الوجود،‏‎ ‎‏وذلک هو مُقتضیٰ العقل والعرف.‏

‏ثمّ إنّه لا وجه للنزاع والبحث فی أنّ النهی عبارة عن طلب الکفّ عن الفعل،‏‎ ‎‏أو نفس أن لا تفعل‏‎[1]‎‏، سواء قلنا بأنّ النهی هو طلب العدم، أم قلنا بأنّه زجر عن‏‎ ‎‏الوجود:‏

‏أمّا علیٰ الثانی فواضح؛ لأنّه لا طلب حتّیٰ یتوهّم أنّه طلب للکفّ، أو نفس أن‏‎ ‎‏لا یفعل.‏

‏وأمّا علیٰ الأوّل ـ الذی اختاره فی الکفایة ـ فهو ـ أیضاً ـ کذلک؛ لأنّه‏‎ ‎‏ـ حینئذٍ ـ وإن کان طلباً، لکن مُتعلّقه العدم لا الوجود.‏

‏ثمّ إنّ ما ذکره فی «الکفایة» من أنّ الترک ـ أیضاً ـ مقدور، وإلاّ لما کان الفعل‏‎ ‎‏مقدوراً ـ أیضاً ـ فإنَّ القدرة بالنسبة إلیٰ طرفی الوجود والعدم علیٰ حدٍّ سواء، وأنّها‏‎ ‎‏ذات إضافة إلیٰ طرفی الوجود والعدم، کما فُصّل ذلک فی الکتب الحَکَمیّة‏‎[2]‎‏، فإن أراد‏‎ ‎‏بذلک أنّ للمکلّف إضافة إلیٰ وجود الأفعال الاختیاریّة وعدمها؛ سواء اُرید بها‏‎ ‎‏الإضافة الإشراقیّة، أو الإضافة المقولیّة، فلا معنیٰ له، فإنّ الإضافة تحتاج إلیٰ‏‎ ‎‏المتضایفین، ولا یمکن تحقُّقها مع أحد المُتضایفین فقط، وإن اُرید بذلک أنّ المکلّف قادر‏‎ ‎‏علیٰ إیجاد الفعل فی المستقبل، فهو صحیح .‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 196

  • )) معالم الدین : 94 ـ 95 .
  • )) الأسفار 6 : 308 .