الفصل التاسع عشر فی الواجب الموسَّع والمضیَّق

مقتضی الاستصحاب

مقتضی الاستصحاب

‏ثمّ مع عدم دلالته علیٰ ذلک فهل یمکن استصحاب الوجوب بعد خروج الوقت؟‏

والحقّ عدم جریانه‏، توضیح ذلک یحتاج إلیٰ بیان مقدّمة : وهی أنّهم ذکروا أنّه‏‎ ‎‏یُعتبر فی الاستصحاب بقاء الموضوع‏‎[1]‎‏، والأولیٰ أن یُقال: إنّه یُعتبر فی الاستصحاب‏‎ ‎‏اتّحاد القضیّة المشکوکة مع المُتیقّنة، فإذا تعلّق الحکم بعنوان کلی مقیّد بقید، کما لو قال:‏‎ ‎‏«الماء إذا تغیّر ینجس» فالموضوع لهذا الحکم هو عنوان الماء المُتغیّر، بخلاف ما إذا‏‎ ‎‏جعل الموضوع مطلق الماء.‏

‏والحاصل : أنّ الموضوع لحکمٍ إذا کان کلیّاً، فهو مع التقیید بقیدٍ موضوعٌ،‏‎ ‎‏وبدون التقیید به موضوع آخر، کما إذا قال: «العنب إذا غلیٰ ینجس»، فإنّ الموضوع‏‎ ‎‏فیه مغایر للزبیب، فإنّه موضوع آخر. ‏هذا إذا کان الموضوع هو العنوان الکلی.

‏وأمّا إذا جعل الموضوع مصداقاً خارجیّاً‏‏، کما لو فرض وجود ماءٍ متغیّر فی‏‎ ‎‏الخارج، فیقال : «هذا الماء متغیّر، وکل ماءٍ مُتغیّر نجس، فهذا الماء نجس»، فالموضوع‏‎ ‎‏هو المشار إلیه بقولنا: «هذا»، فإذا فُرض زوال التغیُّر عنه فی الخارج، واحتُمل أنّه لا‏‎ ‎‏یکون زوال التغیُّر بنفسه مُطهِّراً، أمکن جریان استصحاب النجاسة حینئذٍ، فإنّ‏‎ ‎‏الموضوع هو المشار إلیه الخارجیّ، والتغیّر واسطة فی الثبوت ـ أی ثبوت حکم‏‎ ‎‏النجاسة له ـ فلا یضرّ انتفاؤه فی جریان الاستصحاب، وکذلک الکلام فی العنب‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 190
‏الموجود فی الخارج، فإنّه محکوم بأنّه إذا غلیٰ ینجس، فإنّه إذا صار زبیباً یُستصحب‏‎ ‎‏ذلک الحکم؛ لما بیّناه.‏

‏وبالجملة : إذا جعل وعُلّق الحکم علی عنوان کلی وجُعل موضوعاً لحکمٍ، فهو‏‎ ‎‏یختلف باختلاف القیود وجوداً وعدماً، وأمّا الموضوع الخارجیّ فلیس کذلک، لا‏‎ ‎‏یختلف باختلاف قیوده وحالاته إلاّ أن یتغیّر ماهیّته، کما إذا صار الکلبُ مِلحاً.‏

إذا عرفت ذلک نقول :‏ حیث إنّ الموضوع فیما نحن فیه هو العنوان الکلی؛ أی‏‎ ‎‏الصلاة من دلوک الشمس إلیٰ غسق اللیل، والمفروض أنّه لم یوجد فی الخارج، وإلاّ لم‏‎ ‎‏یحتجْ إلیٰ الاستصحاب، فبانتفاء قیده الذی هو الوقت المعیّن بخروج الوقت، یتغیّر‏‎ ‎‏الموضوع، ویصیر طبیعةَ الصلاة، لا المقیّدة بالوقت المحدود، فلا یجری الاستصحاب؛‏‎ ‎‏لعدم اتّحاد القضیّة المتیقّنة مع المشکوکة والمفروض أنّ الموضوع هو العنوان الکلی لا‏‎ ‎‏المصداق الخارجیّ لأنّ المفروض أنّه لم یوجده المکلّف وإلاّ انتفی الوجوب لأنّ‏‎ ‎‏الخارج ظرف للسقوط لا الثبوت فالمقام مجریٰ البراءة لا الاستصحاب.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 191

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 192

  • )) فرائد الاُصول : 399 سطر 19، درر الفوائد : 573 .