الفصل الثالث عشر فی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه

مقالة الشیخ البهائی قدس ‏سره

مقالة الشیخ البهائی قدس سره

‏ثمّ لو سُلِّم أنّ الأمر بالشیء یستلزم النهی عن ضدّه، وأنّه یستلزم فساده لوکان‏‎ ‎‏عبادة، فهل یصحّ ما ذکره الشیخ البهائی ‏‏قدس سره‏‏ ردّاً علیٰ الثمرة المذکورة: من أنّه یکفی فی‏‎ ‎‏فساد العبادة عدم الأمر بها‏‎[1]‎‏، فهی فاسدة، سواء قلنا باستلزام الأمر بالشیء النهیَ‏‎ ‎‏عن ضدّه أم لا؛ لأنّه لا أقلّ من عدم الأمر بها، وهو کافٍ فی بطلانها، فلا یحتاج إلیٰ‏‎ ‎‏إثبات أنّ الأمر بالشیء یستلزم النهی فی بطلان الضدّ العبادی؟‏

قال فی «الکفایة» ردّاً علیه :‏ إنّه یکفی فی صحّة العبادة وجود ملاک الأمر فیها‏‎ ‎‏وإن لم یتعلّق بها أمر فعلاً لمانع، والملاک موجود فی الصلاة مع ضدّیّتها للإزالة، ولا‏‎ ‎‏یحتاج إلیٰ تعلّق الأمر بها‏‎[2]‎‏.‏

وقال المحقّق الثانی ‏قدس سره‏‏ :‏‏ إنّ الأمر متعلِّق بالصلاة فی الفرض، وموجود فیما إذا‏‎ ‎‏فُرض أنّ وقتها موسّع، والأمر المتعلّق بالإزالة مضیّق؛ لأنّه فوریّ عند الزوال؛ وقال‏‎ ‎‏تعالیٰ: ‏‏«‏أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلیٰ غَسَقِ اللَّیْلِ‏»‏‎[3]‎‏ فبناءً علیٰ ما هو الحقّ من‏‎ ‎‏تعلُّق الأوامر والنواهی بالطبائع المطلقة من دون دَخْلٍ لخصوصیّات الأفراد فیه أصلاً،‏‎ ‎‏فالتخییر بین الأفراد عقلیّ لا شرعیّ، فبما أنّ للواجب الموسّع أفراداً غیر مزاحمة أمکن‏‎ ‎‏أن یتعلّق الأمرُ بالطبیعة؛ أی طبیعة الصلاة؛ لأنّ بعض أفرادها لا مُزاحم له، والأمرُ‏‎ ‎‏بالإزالة ـ أیضاً ـ فوراً معاً؛ لأنّ المفروض أنّ الأمر بالصلاة موسّع بالأصالة، ولو‏‎ ‎‏فُرِض صیرورتها مُضیّقة بتأخیرها إلیٰ أن بقی من الوقت بمقدار فعلها، وفُرض الأمر‏‎ ‎‏بالإزالة ـ أیضاً ـ فی ذلک الوقت، فلا مانع ـ حینئذٍ ـ من الالتزام بتعلُّق الأمر بطبیعة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 119
‏الصلاة ولو ضاق وقتها، وکذا بطبیعة الإزالة؛ حیث إنّ هذا الفرد من الصلاة وإن‏‎ ‎‏انحصرت أفراد طبیعتها به بالعَرض، لکن أصل الطبیعة (هی) المتعلَّقة للأمر، فیمکن‏‎ ‎‏أن یُؤتیٰ بهذا الفرد بقصد الأمر المتعلّق بالطبیعة‏‎[4]‎‏. انتهیٰ حاصل کلامه.‏

أقول :‏ لا إشکال فیما ذکره ‏‏قدس سره‏‏ من تعلّق الأوامر بالطبائع المجرّدة من‏‎ ‎‏الخصوصیات الفردیّة، لکن المقصود من الأمر بها إیجادها فی الخارج، والطبیعة قد‏‎ ‎‏تکون لها أفراد، وقد تنحصر فی فرد، والأفراد ـ أیضاً ـ إمّا عرضیّة، کالصلاة فی هذا‏‎ ‎‏المکان وذاک، أو أفراد طولیّة کثیرة، کالصلاة فی أوّل الوقت وثانیه وثالثه إلیٰ آخر‏‎ ‎‏الوقت، ولا ریب فی عدم إمکان الأمر بالضدّین فیما لو انحصرت الطبیعة فی فرد، کما إذا‏‎ ‎‏ضاق الوقت وبقی بمقدار فعل الصلاة فقط والمسجد متنجِّس، فإنّ الأمر بالصلاة‏‎ ‎‏والأمر بالإزالة فی الفرض لیس أمراً بالضدّین؛ لأنّ الأمرین متعلّقان بالطبیعتین، لکن‏‎ ‎‏ملاک استحالة الأمر بالضدّین موجود هنا؛ حیث إنّ الأمر وإن تعلّق بالطبیعة، لکن‏‎ ‎‏المقصود منه هو إیجاد الطبیعة، وملاک استحالة الأمر بالضدّین هو عدم قدرة العبد‏‎ ‎‏علیٰ امتثالهما، وهو متحقّق فیما نحن فیه أیضاً.‏

‏وأمّا لو فرض أنّ للطبیعة أفراداً طولیّة، کما لو أمر بالإزالة فی أوّل الوقت،‏‎ ‎‏وأمر بالصلاة لدلوک الشمس إلیٰ غسق اللیل، فإنّه لیس فی أوّل الوقت أمر بالضدّین؛‏‎ ‎‏لتعدّد الأمر ـ تعلّق أحدهما بطبیعة الصلاة، والثانی بطبیعة الإزالة ـ ولیس فیه‏‎ ‎‏ـ أیضاً ـ ملاک الأمر بالضدّین لسعة وقت الصلاة، لکن لا یمکن الأمر الفعلیّ بالصلاة‏‎ ‎‏فی أوّل الوقت؛ لأنّه ینتهی إلیٰ الاستحالة، وکذلک لو فرض للطبیعة أفراد عرضیّة،‏‎ ‎‏لکن بالنسبة إلیٰ الفرد المزاحَم لا غیر.‏

وبالجملة :‏ ما ذکره لتصحیح وجود الأمر بالصلاة محلّ إشکال ومنع؛ فإنّه وإن‏‎ ‎‏لم یکن أَمرَ بالضدّین، لکن ملاک الاستحالة فی الصورة الاُولیٰ موجود، وفی الصورة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 120
‏الثانیة والثالثة ـ أیضاً ـ بالنسبة إلیٰ الفرد المزاحم، فإنّه فیهما ـ أیضاً ـ ینتهی فعلیّة‏‎ ‎‏الأمر بالصلاة إلیٰ الاستحالة.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 121

  • )) اُنظر زبدة الاُصول : 99 سطر 2 .
  • )) اُنظر کفایة الاُصول : 166 .
  • )) الإسراء : 78 .
  • )) جامع المقاصد 5 : 13 ـ 14 .