الفصل الثالث عشر فی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه

الفصل الثالث عشر فی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه

‏ ‏

‏الأمر بالشیء هل یقتضی النهی عن ضدّه أو لا؟ وقبل الخوض فی البحث لابدّ‏‎ ‎‏من تقدیم أمرین :‏

الأمر الأوّل :‏ أنّهم جعلوا هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة العقلیّة منها‏‎ ‎‏لا اللفظیّة‏‎[1]‎‏؛ لأنّ المناط فی المسألة الاُصولیة هو أن تقع نتیجتها کبریٰ القیاس فی‏‎ ‎‏استنباط الحکم الشرعیّ الفرعیّ، وهی کذلک، فإنّه لو فرض أنّ الضدّ من العبادات،‏‎ ‎‏فبناءً علی إثبات الاقتضاء تصیر العبادة منهیّاً عنها ومحرّمة فتفسد، دون ما إذا لم نقل‏‎ ‎‏بالاقتضاء.‏

‏لکن قد عرفت : أنّه لا فرق بین کثیر من المسائل الاُصولیّة وبین البحث عن‏‎ ‎‏«الصعید» ـ مثلاً ـ فی أنّه موضوع لأیّ شیءٍ، فی دخله ووقوعه فی طریق الاستنباط،‏‎ ‎‏وإنّما ذکروا هذه المسألة وکثیراً من المباحث اللغویة ـ کالبحث عن دلالة الأمر علیٰ‏‎ ‎‏الوجوب، وبحث المرّة والتکرار، ونحوهما ـ فی الاُصول وتعرّضوا لها فیه؛ لکثرة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 103
‏دورانها فی جمیع أبواب الفقه، والاحتیاج إلیها فیه، وإلاّ فهی من المباحث اللغویة،‏‎ ‎‏یبحث فیها عمّا هو مدلول اللفظ لغةً وعرفاً لا غیر، وإلاّ فلیست هی من المسائل‏‎ ‎‏الاُصولیّة.‏

الأمر الثانی :‏ أنّهم ذکروا: أنَّ المُراد بالاقتضاء فی عنوان المسألة لیس هو معناه‏‎ ‎‏اللُّغویّ؛ لأنّه لا تأثیر وتأثّر فی المقام، بل المراد به ما هو الأعمّ من العینیّة والجزئیّة‏‎ ‎‏واللزوم اللفظی؛ من جهة التلازم بین طلب أحد الضدّین وطلب ترک الآخر، أو من‏‎ ‎‏جهة المقدّمیّة‏‎[2]‎‏؛ لیشمل جمیع الوجوه والأقوال المذکورة فی المسألة.‏

‏وفیه ما لا یخفیٰ :‏

أمّا أوّلاً :‏ فلأنّ ذلک یُنافی عدّهم هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة العقلیّة، فإنّ‏‎ ‎‏دلالة المطابقة ـ کما هو مُقتضیٰ دعویٰ العینیّة، وکذلک التضمّن والالتزام بناءً علیٰ‏‎ ‎‏مذهبهم ـ من الدلالات اللفظیّة، فکیف یمکن التوفیق بین عدّ هذه المسألة من المسائل‏‎ ‎‏العقلیّة وبین تفسیر الاقتضاء بهذا المعنیٰ الأعمّ من الدلالات الثلاث؟!‏

وأمّا ثانیاً :‏ فإطلاق لفظ الاقتضاء بالمعنیٰ المذکور فی عنوان المسألة غلط،‏‎ ‎‏ولیس مجازاً؛ لأنّه یعتبر فی المجاز واستعمال اللفظ فی غیر ما وضع له من المناسبة‏‎ ‎‏والعلاقة بینه وبین المعنیٰ الموضوع له، وهی فیه منتفیة، مضافاً إلیٰ أنّه لا جامع بین‏‎ ‎‏المعانی المذکورة یُستعمل لفظ الاقتضاء فیه، فالأولیٰ إسقاط لفظ الاقتضاء فی العنوان؛‏‎ ‎‏لعدم الاحتیاج إلیه، بل هو مُخلٌّ بالمقصود، ویقال فی عنوان البحث: الأمر بالشیء هل‏‎ ‎‏یستلزم النهی عن ضدّه أو لا ؟ کما سیظهر.‏

‏والاستلزام ـ أیضاً ـ إمّا من جهة المقدّمیّة، کما هو العمدة فی المقام، فإنّ الحقّ‏‎ ‎‏أنّ هذه المسألة من شُعب مسألة مقدّمة الواجب، وإمّا لأجل التلازم بین إرادة طلب‏‎ ‎‏الشیء وبین إرادة طلب ترکه، أو بین البعث إلیٰ الشیء وبین الزجر عن ضدّه.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 104
‏إذا عرفت ذلک نقول : هل الأمر بالشیء یستلزم النهی عن ضدّه مطلقاً، أو لا‏‎ ‎‏یستلزم النهی عن ضدّه مطلقاً، أو التفصیل بین الضدّ العامّ وبین الضدّ الخاصّ؛‏‎ ‎‏بالاستلزام فی الأوّل دون الثانی؟‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 105

  • )) فوائد الاُصول 1 : 301، نهایة الأفکار 1 : 359 .
  • )) اُنظر کفایة الاُصول : 160، وفوائد الاُصول 1 : 301 .