الفصل الثانی عشر فی مقدّمة الواجب

المبحث الثامن فی الأصل عند الشّک فی الملازمة

المبحث الثامن فی الأصل عند الشّک فی الملازمة

‏ ‏

‏ثمّ لو شکّ فی ثبوت الملازمة وعدمه، فهل یوجد فی المقام أصل موضوعی أو‏‎ ‎‏حکمی یرجع إلیه أو لا؟‏

فأقول :‏ یظهر من المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ وکذا صاحب الکفایة ‏‏رحمه الله‏‏ : أنّه لا أصل‏‎ ‎‏موضوعی فی المقام یرجع إلیه؛ لأنّ الملازمة وعدمها أزلیّة؛ لأنّها من لوازم الماهیّة؛ أی‏‎ ‎‏ماهیّة وجوب المقدّمة ووجوب ذیها، وأنّ لازم الماهیّة عبارة عمّا هو لازم لها مع قطع‏‎ ‎‏النظر عن الوجود الذهنی والخارجی، کالزوجیّة لماهیّة الأربعة‏‎[1]‎‏.‏

أقول :‏ لکنّه لیس کذلک، فإنّ ثبوت الزوجیّة للأربعة لا معنیٰ له إلاّ أنّ الأربعة‏‎ ‎‏بحیث إذا لوحظت مع الزوجیّة، یجزم العقل بأنّها لازمة لها؛ أی لماهیّتها بدون دخالة‏‎ ‎‏الوجود الذهنی أو الخارجی فی ثبوتها لها، لکن هذا اللحاظ هو وجود ذهنیّ للأربعة‏‎ ‎‏بحسب الواقع ونفس الأمر وإن لا یستشعر اللاحظ بذلک حین اللحاظ ولا یلتفت‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 92
‏إلیه.‏

والحاصل :‏ أنّ الوجودین وإن لم یکونا دخیلین فی ثبوت اللازم للماهیّة، لکنّهما‏‎ ‎‏لا ینفکان عن نحو وجود لها.‏

‏وعلیٰ أیّ تقدیر فالاستصحاب الموضوعی ـ أی استصحاب عدم الملازمة ـ‏‎ ‎‏غیر جارٍ؛ لأنّ عدم الملازمة لوجوب المقدّمة، إمّا بنحو السلب المحصل، أو بنحو سلب‏‎ ‎‏الحمل، کأن یقال: وجوب المقدّمة لم یکن لازماً لوجوب ذی المقدّمة، أو وجوب‏‎ ‎‏المقدّمة الذی لم یکن لازماً :‏

‏فعلیٰ الأوّل فحیث إنّ السالبة یمکن صدقها بانتفاء الموضوع لم یجرِ‏‎ ‎‏الاستصحاب.‏

‏وعلیٰ الثانی لم یتحقّق عدم وجوب المقدّمة فی زمانٍ مع اتّصافه بعدم لزومه‏‎ ‎‏لوجوب ذی المقدّمة کی یستصحب .‏

‏مُضافاً إلیٰ أنّه یعتبر فی الاستصحابات الموضوعیّة ترتُّب أثر شرعیّ علیه،‏‎ ‎‏ولیس فی المقام ذلک الأثر الشرعی العملی، فإنّ القائل بعدم الملازمة ـ أیضاًـ قائل‏‎ ‎‏بوجوب المقدّمة عقلاً ولو مع القطع بعدم الملازمة، فضلاً عن استصحابه.‏

‏وأمّا الاستصحاب الحکمی ـ أی استصحاب عدم الوجوب ـ فهو وإن کان‏‎ ‎‏مسبوقاً بالعدم ولو قبل وجوب ذی المقدّمة، لکن لا أثر عملی یترتّب علیٰ هذا‏‎ ‎‏الاستصحاب؛ لما عرفت من أنّ القائل بعدم الملازمة ـ أیضاً ـ قائل بوجوب المقدّمة‏‎ ‎‏عقلاً.‏

فتلخّص :‏ أنّه لا أصل موضوعی أو حکمی عند الشکّ فی وجوب المقدّمة.‏

وأمّا توهّم :‏ أنّ الاستصحاب الحکمی یستلزم التفکیک بین الوجوبین‏‎[2]‎‏،‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 93
‏فمدفوع: بأنّ المفروض أنّ الملازمة مشکوکة، فکیف یتوهّم استلزامه لذلک؟!‏

‏وأجاب عنه فی «الکفایة» : بأنّ الاستصحاب إنّما یستلزم التفکیک بین‏‎ ‎‏الوجوبین الفعلیّین ـ لو کان هو المدّعیٰ ـ لا الوجوبین الواقعیّین‏‎[3]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّک قد عرفت أنّ المفروض أنّ الملازمة مشکوکة، ولیست ثابتة، ومعه‏‎ ‎‏لا وقع لهذا الجواب.‏

‏مع أنّه لو فرض جریان الاستصحاب فالملازمة شأنیّة علیٰ فرض ثبوتها‏‎ ‎‏واقعاً، کما حُقّق ذلک فی مقام الجمع بین الحکم الظاهری والواقعی.‏

والحاصل :‏ أنّه لو تمّ أرکان الاستصحاب فلا مانع من جریانه باحتمال عدم‏‎ ‎‏إمکانه واقعاً، وإلاّ یلزم عدم جریانه فی کثیر من موارده لمکان هذا الاحتمال فیها.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 94

  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی 1 : 398 ، کفایة الاُصول : 155.
  • )) کفایة الاُصول : 156 .
  • )) نفس المصدر : 156 .