الفصل الثانی عشر فی مقدّمة الواجب

المبحث السادس فی الواجب الأصلی والتبعی

المبحث السادس فی الواجب الأصلی والتبعی

‏ ‏

‏قد یقسّم الواجب إلیٰ الأصلیّ والتبعیّ، واختلفوا فی أنّ هذا التقسیم هل هو‏‎ ‎‏بلحاظ الواقع وفی مقام الثبوت، أو فی مقام الإثبات والدلالة؛ أی ظاهر الأدلّة؟‏

فذهب صاحب الفصول إلی الثانی؛‏ حیث قال: ینقسم الواجب إلیٰ أصلیّ‏‎ ‎‏وتبعیّ، والأصلیّ ما فُهم وجوبه من خطاب مُستقلّ؛ أی غیر لازم لخطاب آخر وإن‏‎ ‎‏کان وجوبه تابعاً لوجوب آخر، والتبعیّ بخلافه، وهو ما فُهم وجوبه لا بخطاب‏‎ ‎‏مستقلّ، بل لازم خطاب آخر؛ أی ما فهم وجوبه تبعاً لخطاب آخر وإن کان وجوبه‏‎ ‎‏مستقلاًّ، والمراد بالخطاب هنا ما دلّ علیٰ الحکم الشرعی، فیعمّ اللفظی وغیره‏‎[1]‎‏.‏

‏یعنی یشمل الدلالة الالتزامیّة أیضاً، فدلالة الإشارة داخلة فی القسم الثانی‏‎ ‎‏مثل دلالة الآیتین، وهما قوله تعالیٰ: ‏‏«‏وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً‏»‏‎[2]‎‏ وقوله‏‎ ‎‏تعالیٰ: ‏‏«‏وَالْوَالِداتُ یُرْضِعْنَ أَولادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کَامِلَیْنِ‏»‏‎[3]‎‏ علیٰ أنّ أقلّ الحمل ستّة‏‎ ‎‏أشهر.‏

‏وهذا التقسیم الذی ذکره تقسیم معقول لکنّه لا ینتج نتیجة.‏

وقال فی «الکفایة» :‏ إنّ هذا التقسیم إنّما هو بلحاظ الأصلیّة والتبعیّة فی مقام‏‎ ‎‏الثبوت والواقع؛ حیث إنّ الشیء إمّا متعلَّق للإرادة والطلب مستقلاًّ؛ للالتفات إلیه بما‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 87
‏هو علیه ممّا یوجب طلبه، فیطلبه نفسیّاً أو غیریّاً، وإمّا متعلّق لهما تبعاً للإرادة‏‎ ‎‏الاُخریٰ الملازمة للاُولیٰ، من دون التفات إلیٰ ما یوجب إرادته، لا بلحاظ الأصالة‏‎ ‎‏والتبعیّة فی مقام الدلالة والإثبات‏‎[4]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّ هذا التقسیم غیر سدید، فإنّ المناسب ـ حینئذٍ ـ أن یقول : إمّا أن‏‎ ‎‏یکون الشیء مُلتفَتاً إلیه بالنسبة للمولیٰ المرید مفصّلاً، فهو الأصلیّ، أو لا کذلک، فهو‏‎ ‎‏التبعیّ.‏

ولذا عدل عنه بعض الأعاظم‏ من الُمحشّین وذهب إلیٰ أنّ هذا التقسیم إنّما هو فی‏‎ ‎‏مقام الإثبات والدلالة، وقال: إنّه لمّا کانت إرادة ذی المقدّمة علّة لإرادة المقدّمة‏‎ ‎‏وفاعلیّة الفاعل یترشّح وینشأ منها إرادة المقدّمة؛ باعتبار أنّ إرادة ذی المقدّمة علّة‏‎ ‎‏لإرادة المقدّمة فوجوب المقدّمة غیریّ، ووجوب ذیها نفسیّ، وباعتبار أنّ وجوب‏‎ ‎‏المقدّمة ترشّحیّ وناشٍ من إرادة ذی المقدّمة، فوجوب المقدّمة تبعیّ، ووجوب ذیها‏‎ ‎‏أصلیّ‏‎[5]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّه قد مرّ مراراً: أنّه لا معنیٰ لترشّح إرادة من إرادة اُخریٰ، بل کلّ‏‎ ‎‏واحدة منها مستقلّة مغایرة للاُخریٰ، ولیست إحداهما علّة للاُخریٰ، بل الفاعل‏‎ ‎‏للإرادة هو النفس فی إرادة المقدّمة وذی المقدّمة کلیهما، وأنّ إرادة ذی المقدّمة ناشئة‏‎ ‎‏عن الاشتیاق إلیه، وتتبعه إرادة المقدّمة، ولو کانت إرادة ذی المقدّمة علّة لإرادة‏‎ ‎‏المقدّمة للزم وجوب شیءٍ یعتقد المرید أنّه مقدّمة، مع أنّه لیس بمقدّمة واقعاً وفی علم‏‎ ‎‏المکلَّف؛ لوجود العلّة، وهی إرادة ذی المقدّمة.‏

فالحقّ‏ هو ما ذکره صاحب الفصول ‏‏قدس سره‏‏ فی مقام التقسیم، وأنّ هذا التقسیم إنّما‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 88
‏هو فی مقام الإثبات والدلالة‏‎[6]‎‏.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 89

  • )) الفصول الغرویّة : 82 سطر 6 .
  • )) الاحقاف : 15 .
  • )) البقرة : 233 .
  • )) اُنظر کفایة الاُصول : 152 .
  • )) اُنظر نهایة الدّرایة 1 : 212 سطر 1.
  • )) الفصول الغرویّة : 82 سطر 6 .