الفصل الثانی عشر فی مقدّمة الواجب

ثمرة القول بوجوب المقدّمة الموصلة

ثمرة القول بوجوب المقدّمة الموصلة :

ثمّ إنّه ذکر بعضهم :‏ أنّه تظهر ثمرة القول بوجوب المقدّمة الموصلة فی بطلان‏‎ ‎‏العبادة فیما إذا توقّف الواجب الأهمّ کالإزالة علیٰ ترک الصلاة؛ بناءً علیٰ توقّف فعل‏‎ ‎‏الضدّ علیٰ ترک فعل الضدّ الآخر، فعلیٰ القول بوجوب مطلق المقدّمة ـ کما اختاره فی‏‎ ‎‏«الکفایة»‏‎[1]‎‏ ـ فترک الصلاة فی المثال واجب، فیحرم ضدّه المطلق، وهو فعل الصلاة،‏‎ ‎‏فتفسد لو فعلها، فإنّ فعلها وإن لم یکن نقیضاً لترک الصلاة الواجب مفهوماً، فإنّ‏‎ ‎‏نقیض کلّ شیء رفعه وعدمه، وهو ترک ترکها، لکن الصلاة متّحدة معه فی الخارج،‏‎ ‎‏فتصیر منهیّاً عنها وفاسدة، بخلاف ما لو قلنا بوجوب المقدّمة الموصلة، فإنّ الواجب‏‎ ‎‏هو ترک الصلاة الخاصّ؛ أی المقیّد بالإیصال إلیٰ فعل الإزالة، فالواجب هو الترک‏‎ ‎‏الخاصّ، ونقیضه المحرّم هو رفع هذا المقیّد، وحیث إنّ له فردین : أحدهما فعل الصلاة،‏‎ ‎‏وثانیهما الترک المجرَّد؛ لأنّ عدم الترک الخاصّ أعمّ من فعل الصلاة والترک المجرّد عن‏‎ ‎‏فعل الصلاة والإزالة، فلا تصیر الصلاة منهیّاً عنها ولا فاسدة، فإنّ ترکها لیس مقدّمة‏‎ ‎‏واجبة مطلقاً، بل إذا کان موصلاً إلیٰ فعل الإزالة ومع فعلها انتفیٰ الإیصال فلا تحرم‏‎[2]‎‏.‏

وأورد علیه الشیخ الأعظم ‏قدس سره‏‏ علیٰ ما فی التقریرات بأنّ الصلاة علیٰ کلا‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 82
‏التقدیرین لیست نقیضاً للترک الواجب مقدّمة بعینه، سواء قلنا بوجوب مطلق‏‎ ‎‏المقدّمة، أم خصوص المقدّمة المُوصلة، بل هی من مصادیق النقیض وأفراده، غایة‏‎ ‎‏الأمر أنّه بناءً علیٰ وجوب مطلق المقدّمة، هی مصداق الترک الواجب مقدّمة،‏‎ ‎‏ومنحصرة فی واحد، وهو الفعل، وبناءً علیٰ وجوب المقدّمة الموصلة للنقیض‏‎ ‎‏مصداقان: أحدهما الصلاة، وثانیهما ترک الترک مجرّداً عن فعل ذی المقدّمة، وهذا لیس‏‎ ‎‏ممّا یوجب الفرق؛ لتکون الصلاة محرّمة بناءً علیٰ وجوب مطلق المقدّمة، وغیر محرّمة‏‎ ‎‏بناءً علیٰ وجوب المقدّمة الموصلة، فإن لم یکفِ ذلک فی حرمتها وفسادها فهو کذلک‏‎ ‎‏فی الصورتین، وعلیٰ کلا القولین لما عرفت من عدم الفرق بینهما کی یوجب الفساد فی‏‎ ‎‏احداهما دون الاُخریٰ‏‎[3]‎‏.‏

وأجاب فی «الکفایة» عن ذلک‏ بأنّ الصلاة علیٰ القول بالمقدّمة الموصلة من‏‎ ‎‏مقارنات النقیض المحرّم؛ حیث إنّها قد توجد، وقد لا توجد مع تحقّق النقیض، وهو‏‎ ‎‏ترک الترک الخاصّ فی کلتا الصورتین، بخلاف ما لو قلنا بوجوب مطلق المقدّمة، فإنّ‏‎ ‎‏الصلاة وإن کانت مغایرة للنقیض مفهوماً، لکنّها متّحدة مصداقاً ـ وفی الخارج ـ معه،‏‎ ‎‏فتفسد.‏

‏وأمّا علیٰ القول بالمقدّمة الموصلة فالصلاة من مقارنات النقیض المحرّم ولا‏‎ ‎‏یتعدّیٰ حکم الشیء إلیٰ ما یلازمه، فضلاً عمّا یقارنه.‏

‏نعم ، لا یمکن أن یکون الملازم محکوماً بحکم آخر مغایر لحکم اللازم‏‎[4]‎‏.‏

أقول :‏ لو قلنا إنّ نقیض کلّ شیء رفعه فنقیض ترک الصلاة المقیّد بالإیصال‏‎ ‎‏رفع ذلک المقیّد؛ وبعبارة اُخریٰ ترک الترک الخاصّ، وهو أمر عدمی، والصلاة فعل‏‎ ‎‏وجودی، وحیثیّة الوجود تناقض حیثیّة العدم، فلا یعقل أن تکون الصلاة عین ترک‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 83
‏الترک الخاصّ لا مفهوماً ولا مصداقاً؛ کی یقال إنّها متّحدة معه خارجاً وذاتاً، وکذلک‏‎ ‎‏لو قلنا بوجوب مطلق المقدّمة، فإنّ ترک الترک المطلق ـ حینئذٍ ـ نقیض للواجب‏‎ ‎‏مقدّمة، والصلاة أمر وجودی، وقد عرفت أنّ حیثیّة الوجود تطرد حیثیّة العدم، ولا‏‎ ‎‏یعقل الاتّحاد الذاتی بینهما.‏

‏فما ذکره من الفرق بین القولین فی الثمرة غیر سدید، وقضیّة ما ذکرنا عدم بطلان‏‎ ‎‏الصلاة علیٰ کلا القولین، کما أفاده الشیخ ‏‏قدس سره‏‎[5]‎‏.‏

وإن قلنا :‏ إنّه یکفی فی الحرمة والفساد لو کان بینهما نحو اتّحاد عَرَضیّ، وفی‏‎ ‎‏اصطلاح بعض : مصدوقیّة شیء للمحرّم وإن لم یتّحدا ذاتاً، فمقتضاه فساد الصلاة علیٰ‏‎ ‎‏کلا القولین، فلا وجه للتفصیل بینهما.‏

هذا کلّه لو قلنا :‏ إنّ نقیض کلّ شیء رفعه‏‎[6]‎‏.‏

وإن قلنا :‏ إنّ نقیض کلّ شیء رفعه، أو المرفوع به‏‎[7]‎‏ ـ لعدم قیام الدلیل علیٰ‏‎ ‎‏الأوّل ـ فالصلاة ـ حینئذٍ ـ نقیض للترک الواجب علیٰ کلا القولین؛ لأنّها ممّا یرفع به‏‎ ‎‏الواجب، وهو ترک الصلاة، فلا فرق بین القولین حینئذٍ ـ أیضاً ـ وذلک لأنّ الصلاة کما‏‎ ‎‏أنّها نقیض للواجب بهذا المعنیٰ علیٰ القول بوجوب مطلق المقدّمة، کذلک هی نقیض‏‎ ‎‏له علیٰ القول بوجوب المقدّمة الموصلة، لا أنّها من مقارناته.‏

وتوهّم :‏ أنّها من مقارنات النقیض علیٰ مذهب صاحب الفصول؛ باعتبار أنّه‏‎ ‎‏قد یتحقّق النقیض بدونها، فلیس بصحیح؛ لأجل أنّ عدم کونها نقیضاً له إنّما هو‏‎ ‎‏باعتبار سلب الموضوع، ففی صورة عدم الإتیان بها فهی لیست موجودة حتّیٰ تکون‏‎ ‎‏نقیضاً، وإلاّ فهی مع وجودها نقیض لازم للترک الخاصّ الواجب.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 84
وبالجملة :‏ ما ذکروه ثمرةً للقول بالمقدّمة الموصلة غیر صحیح.‏

وقال بعض المحقّقین فی المقام:‏ إنّ المراد بالمقدّمة الموصلة هی العلّة التامّة،‏‎ ‎‏فهی تنحلّ إلیٰ ذات العلّة والإرادة، أو المقدّمة التی لا ینفک وجودها عن وجود ذی‏‎ ‎‏المقدّمة، وهی ـ أیضاً ـ تنحلّ إلیٰ ذاتٍ وقیدِ عدمِ الانفکاک، وعلیٰ أیّ تقدیر فإرادة‏‎ ‎‏المولیٰ متعلّقة بمجموع المقدّمة المرکّبة من الجزءین، ونقیض ذلک المجموع هو مجموع‏‎ ‎‏نقیض کلّ واحد من الجزءین، وهو المنهیّ عنه المحرّم، فالواجب ـ فیما نحن فیه ـ مقدّمةً‏‎ ‎‏هو مجموع ترک الصلاة مع الإرادة أو عدم الانفکاک، فنقیض ترک الصلاة هو الصلاة،‏‎ ‎‏ونقیض الإرادة أو عدم الانفکاک عدمُهما، فمجموع الصلاة مع عدم الإرادة أو‏‎ ‎‏الانفکاک هو المنهیّ عنه المحرّم، فالصلاة منهیّ عنها، فتصیر فاسدة؛ لأنّه مع الإتیان‏‎ ‎‏بالصلاة یتحقّق الجزء الآخر للنقیض، وهو عدم الإرادة أو عدم عدم الانفکاک لا‏‎ ‎‏محالة؛ بناءً علیٰ القول بوجوب المقدّمة الموصلة.‏

وبالجملة :‏ أنّ صاحب الکفایة زعم: أنّ نقیض المرکّب واحد، وهو رفعه، وأنّ‏‎ ‎‏الصلاة من مقارناته، فلا تصیر محرّمة، لکنّه لیس کذلک، فأنّ نقیض المرکّب هو‏‎ ‎‏المرکّب من نقیض کلّ واحد من أجزائه. انتهیٰ ملخّص کلامه‏‎[8]‎‏.‏

وقال المحقّق العراقی ‏قدس سره‏‏ مثل قوله، وزاد ما ملخّصه : أنّ اللازم من تعدُّد‏‎ ‎‏النقیض للواجب المتعدّد، هو مبغوضیّة أوّل نقیض یتحقّق فی الخارج؛ لأنّه بوجود‏‎ ‎‏یتحقّق عصیان الأمر، فیسقط، فلا یبقیٰ موضوع لمبغوضیّة غیره؛ لعدم الأمر علیٰ‏‎ ‎‏الفرض، فأوّل نقیض یتحقّق فی الخارج هو فعل الصلاة، فتصیر مبغوضة؛ لصیرورتها‏‎ ‎‏نقیضاً لترک الصلاة الموصل، وإذا کان الآتی بالصلاة غیر مُرید للإزالة علیٰ تقدیر عدم‏‎ ‎‏الإتیان بالصلاة، فعدم إرادة الإزالة هو المبغوض، ولا تصل النوبة إلیٰ مبغوضیّة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 85
‏الصلاة؛ لسقوط الأمر الغیری بعصیانه بترک الإرادة‏‎[9]‎‏.‏

أقول :‏ الکلام هنا إمّا فی مقام الثبوت والواقع، وإمّا فی متعلّق الإرادة:‏

‏أمّا الأوّل : فمجموع المرکّب من أمرین أو أکثر لیس من الموجودات التکوینیّة‏‎ ‎‏سویٰ وجود الأجزاء، فإنّ مجموع زید وعمرو لیس أمراً متحقّقاً غیر وجودهما، بل‏‎ ‎‏المجموع أمر اعتباری، وحینئذٍ فنقیض ذلک ـ أیضاً ـ کذلک، فنقیض زید عدمه،‏‎ ‎‏ونقیض عمرو کذلک، ولیس مجموعهما أمراً ثالثاً غیر کلّ واحد، لا مجموع النقیضین.‏‎ ‎‏هذا کلّه فی مقام الثبوت.‏

‏وأمّا إذا لاحظنا متعلّق الإرادة ـ بناءً علیٰ القول بالمقدّمة الموصلة ـ فإرادة‏‎ ‎‏المولیٰ تعلّقت بمجموع ترک الصلاة مع إرادة الإزالة ـ مثلاً ـ باعتبارهما شیئاً واحداً‏‎ ‎‏واستراح المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ منه؛ حیث ذهب إلی أنّ وحدة الموضوع وتعدّده إنّما هو‏‎ ‎‏بوحدة الحکم وتعدّده، ولکن قد تقدّم: أنّ هذا فاسد، فإنّ المرید لمجموعٍ مرکّب من‏‎ ‎‏أجزاء یلاحظه ویعتبره شیئاً واحداً أوّلاً، ثمّ یبعث نحوه، فیکون متعلّق البعث واحداً‏‎ ‎‏اعتباراً قبل تعلّق الحکم به، وعلیٰ أیّ تقدیر فالمراد والمبعوث إلیه شیء واحد‏‎ ‎‏اعتباری، ونقیضه ـ أیضاً ـ أمر اعتباری متعلَّق للإرادة الأکیدة، وهو مجموع نقیض‏‎ ‎‏الجزءین، وهو عدم ذلک الأمر الاعتباری، وحینئذٍ فإن قلنا: ـ إنّه یکفی فی فساد‏‎ ‎‏الصلاة انطباق العنوان المحرّم بنحوٍ ما وإن لم یکن المنطبق متّحداً مع المنطبق علیه ذاتاً‏‎ ‎‏وحقیقةً ـ تصیر الصلاة محرّمة بناءً علیٰ القول بالمقدّمة الموصلة أیضاً.‏

‏وإن قلنا بأنّه لا یکفی فی الفساد ذلک، بل لابدّ فیه من اتّحادها مع عنوان المحرّم‏‎ ‎‏حقیقةً، فلا تصیر باطلة.‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 86

  • )) کفایة الاُصول : 142 .
  • )) هدایة المسترشدین : 220 سطر 1.
  • )) اُنظر مطارح الأنظار : 78 سطر 26 .
  • )) اُنظر کفایة الاُصول : 151 ـ 152 .
  • )) مطارح الأنظار : 72 سطر7.
  • )) حاشیة ملا عبدالله : 82، الأسفار 7 : 193 .
  • )) شرح المنظومة (المنطق) : 60 .
  • )) نهایة الدرایة 1 : 210 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) 1 : 395 ـ 396 .