ولایة الفقیه و مشروعیة الانتخاب

‏ ‏

‏ ‏

ولایة الفقیه و مشروعیة الانتخاب

‏ ‏

قاسم الابراهیمی

‏ ‏

‏مقدمة‏

‏یعتبر البحث عن مسألة ولایة الفقیه ـ مضافاً إلیٰ ابتلائیة موردها وانفتاح البحث علیها فی الفترة المتأخرة ـ من الموضوعات الفقهیة الشائکة والمعقّدة التی تتطلّب إطّلاعاً عمیقاً علیٰ المبانی الفقهیة والاصولیة واستیعاباً للروایات التی قد تنفع فی بحث الولایة لأدنیٰ مناسبة.‏

‏ومن هنا فأنا لا اعتبر البحث عن هذه الأُمور مما یتیسر لغیر المتخصّص الضالع فی صمیم البحوث الفقهیة الخبیر فی استنباط الاحکام الشرعیة.‏

‏وإذ کان هذا الأمر مما یقصر عن أن أقوم به وحدی فقد قمتُ بعرض البحث علیٰ مجتهدٍ أثق بحسن رأیه وهو استاذی وشیخی سماحة الشیخ آل راضی أحد اساتذة البحث الخارج فی قم، فأبدیٰ بعض الملاحظات القیّمة علیه وبارکه بتأییداته جزاه الله  عن ذلک یوم القیامة بعد الشکر منّی أفضل جزاء المحسنین.‏

‏وقد تناولت فی هذا البحث ولایة الفقیه من حیث النصب والانتخاب مفرعاً ذلک بحسب الفروض المحتملة، ثم ابرزت الرأی المختار فی المسأله.‏

‏و نظر التوقف البحث علیٰ اثبات مشروعیة الانتخاب وإلزامیة قراره لغیر المنتخبین والمخالفین لم یکن بدّ من البحث استطراد فی هذا الموضوع.‏

کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 55

ولایة الفقیه بین النصب والانتخاب

‏هل الولایة الثابتة للفقیه ثابتة بالنصب، أم بالانتخاب، أم بالنصب والانتخاب معاً، أو بالنصب والانتخاب علی نحو التلفیق، أو بالنصب أو الانتخاب علی سبیل البدل ؟ وجوه.‏

‏وربما ربطها البعض بموضوع أن الحکومة حق لله  أو للناس.‏

‏ولکن الظاهر أن الربط فی غیر محلّه فإن کون الحکومة حقاً للناس وإن نتج عنه جزماً لزوم دخالة إرادتهم فی تعیین الحاکم ورسم شکل الحکم مما یشکّل الانتخاب ابرز مصادیقها، لکن کونه حقّاً لله  لا یقتضی انحصاره بالنصب والتعیین مثلاً، بل قد یفوّض الله  أمر الحکم إلی الأُمّة أیضاً لکی تختار الحاکم علیها. فلم یختصّ الانتخاب بترتبه علی کونه حقّاً لله  کی یقال بأن القول بأحد الأمرین مترتّب علی تنقیح القول بمصدر شرعیة الحکومة وأنه الله  أو الشعب.‏

‏ومن حسن الصدف أن فقهاء الإمامیة، بل ربما غیرهم مجمعون علی أن الحکم حق الله  سبحانه لورود النصّ الصریح به‏‎[1]‎‏، مع انهم مختلفون فی أن الحاکم هل یتمّ تعیینه بالنصب أم بالانتخاب.‏

‏ ‏

الاقوال فی المسألة:

‏الظاهر أن المشهور بین الفقهاء القائلین بالولایة للفقیه یذهبون إلیٰ أن ولایته تتعیَّن بالنصب کما استفید من کلماتهم‏‎[2]‎‏، وهو ما یظهر من الإمام الخمینی ‏‏رحمه الله‏‏ فی بعض کلماته حیث قال فی مقام الاستدلال بما ورد فی التوقیع الشریف لحضرة صاحب الأمر(عج) ما نصَّه: « وعلیه فیستفاد من قوله ‏‏علیه السلام‏‏: ‏أنا حجة الله  وهم حجَّتی علیکم ‏ أن المراد أن ما هو لی من قبل الله  تعالیٰ لهم من قبلی. ومعلوم أن هذا یرجع إلیٰ جعل إلهی له(ع)، وجعل من قبله للفقهاء، فلابدّ للإخراج من هذه الکلیة من دلیل مخرج فیتبع.»‏‎[3]‎

‏واوضح منها علیٰ قوله بالنصب ما ذکره فی الحکومة الإسلامیة حیث قال فی بیان الاستدلال بمقبولة عمر بن حنظلة الوارد فیها قول أبی عبدالله  ‏‏علیه السلام‏‏: ‏«فإنی جعلته علیکم حاکماً»‏ لدیٰ بلوغه هذه الفقرة من الحدیث: ‏«أی منصوباً من قبلی للحکم والإمارة وللقضاء بین المسلمین».‎[4]‎

کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 56

‏لکن الشیخ المنتظری یریٰ غیر ذلک حیث یذهب إلیٰ أن الأدلّة التی یتمسک بها القائلون بالنصب لا تثبت اکثر من شأنیة الفقیه للولایة وأما ولایته الفعلیة فلا تتحقق إلاّ بالانتخاب من قبل الامة‏‎[5]‎‏. واحتمل فی بعض المواضع اشتراط کلِّ منه ومن النصب‏‎[6]‎‏.‏

‏ویظهر من السید الصدر؛ المخالفة أیضاً حیث یریٰ أن الفقیه ولی الامة بالنصب فی زمان قصورها وتسلّط الظالم علیها فقط. وأمّا بعد تحرّرها فالولایة لها وهی المسؤولة عن تدبیر أمرها، لکن یثبت للفقیه الإشراف والشهادة علیها، فیتدخّل حیث یحدث الانحراف فی مسیرتها‏‎[7]‎‏.‏

‏کما أن السید الحائری یریٰ للفقیه ولایتین إحداهما فعلیة تثبت بالنصب علیٰ الناس والاخریٰ تثبت بالانتخاب علیٰ سائر الفقهاء‏‎[8]‎‏.‏

‏وکیفما کان فمحل الکلام بین الاعلام هو ثبوت الولایة بالنصب أو بالانتخاب أو بهما معاً أو بأحدهما فعلاً لا شأناً وإلاّ فإن انکار شأنیة الفقیه للتصدّی یساوق انکار ولایته أصلاً. ومع کونه کذلک فانما یثبت الحق للفقیه بالتصرف کولی علیٰ القول بالانتخاب حیث یتحقق، وقبله لا یثبت وإن ثبتت له شانیة التصدّی.‏

‏ ‏

منهج البحث:

‏وحق البحث فی المسألة یقتضی التعرّض أوّلاً إلیٰ اوجه الاستدلال التی تمسک بها القائلون بالاقوال السابقة أو ما یمکن أن یتمسّکوا به لها؛ ثم مناقشة کل دلیل علیٰ حِدَةٍ، واثبات صحته وسقمه وحدود ما یثبت به، ثم إبراز الوجوه التی یقتضیها النظر فی الادلة وملاحظة ما قد یرد علیها أو ما یعارضها من أدلّة ومناقشات.‏

‏لکن لمّا کان اتّباع هذا النهج مما یطول به المقال، ونخرج به عن مقتضیٰ الحال، فقد آثرنا أن نتناول جمیع الوجوه المحتملة للأدلة المثبتة لولایة الفقیه، وما یمکن أن یعارضها من الادلة، ومقتضیٰ القاعدة عند التعارض. ثم نتعرض بعد ذلک إلیٰ الرأی المتبنیٰ فی المسألة ثم نختم بحثنا ببحث استطرادی حول مشروعیة الشوریٰ وإلزامیة قرارها، وما یمکن أن یثار بشأنها.‏

‏ ‏

کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 57

الأدلة بالنظرة البدویة:

‏ونحن إذا لاحظنا الأدلة المتوفّرة لدینا علیٰ ثبوت الولایة للفقیه وجدناها تتألف من نوعین من الأدلة:‏

الأوّل: ‏الأدلّة التی یستفاد من لسانها اثبات الولایة للفقیه بحکم ولائی من قبل الإمام  ‏‏علیه السلام‏‏فهو نصب له من قبله لإدارة امور الدولة الاسلامیة ویکون بمقتضیٰ هذا النصب نائباً عنه. فمن ذلک قول الصادق  ‏‏علیه السلام‏‏ فی مقبولة عمربن حنظله و مشهورة أبی خدیجة: ‏« فإنی جعلته علیکم حاکماً »‎[9]‎‏ أو ‏« قاضیاً »‎[10]‎‏ وصاحب التوقیع الشریف(عج) لاسحاق بن یعقوب: ‏« فإنهم حجتی علیکم وأنا حجة الله ».‎[11]‎‏ فإن ظاهرها انتساب هذا الجعل إلیٰ الإمام  ‏‏علیه السلام‏‏لا إلیٰ الله ، فالإمام لیس بصدد بیان حکم شرعی وإنما بصدد اصدار حکم ولائی من طرفه.‏

الثانی: ‏الأدلة التی تثبت الولایة للفقیه بحکم شرعی وضعی کما فی الأدلة اللبیة المثبتة لها من جهة تعیّن هذا الاحتمال من بین الاحتمالات المتصورة لقیام دولة یجری فیها تطبیق الاحکام الاسلامیة، أو الادلة اللفظیة الدالة علیٰ إناطة أمر الدولة الاسلامیة بالفقیه دون أن یکون لسانها لسان نصب، بل هی ناظرة إلیٰ بیان من تکون له الولایة کما فی مثل حدیث ‏« الفقهاء امناء الرسل »‎[12]‎‏ أو ‏«الفقهاء حصون الاسلام »‎[13]‎‏ أو ‏« العلماء حکّام علیٰ الناس »‎[14]‎‏ وغیرها مما سبق بلسان الإخبار عن کون هذا المنصب شأن الفقیه، ومن دون الإشارة بدلیل متصل او منفصل لفظی او لبی إلیٰ المکلّف بإجراء هذا الحکم وهل هو حق أو واجب.‏

‏وهناک نوع ثالث من الأدلّة یفترض ثبوت الولایة للامة وإنها صاحبة الحق فی مباشرة الحکم. منها آیات الاستخلاف المخاطب بها المؤمنون‏‎[15]‎‏، وآیات الحدود والصلح بین المسلمین وإعداد القوة کذلک‏‎[16]‎‏، وآیات توریث العباد الأرض‏‎[17]‎‏ وأحادیث تولی المسلمین أو الامة أمرهم‏‎[18]‎‏، وآیات وروایات البیعة‏‎[19]‎‏ وغیرها. وهذه الأدلة لا تعارض أدلة النصب فحسب، بل تعارض الادلة المثبتة لولایة الفقیه أصلاً.‏

‏لکن الشیخ المنتظری جمع بین النوعین الأول والثانی فجعلهما من الادلة الدالة علیٰ‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 58

النصب فی حین جعل النوع الثالث دالاًّ علیٰ الانتخاب‏‎[20]‎‏.‏

‏ ‏

الموقف الفقهی وفروض المسألة:

‏ونحن إذا لاحظنا الأدلة المتوفّرة لدینا فی المسألة وأردنا تحدید موقف فقهی منها فتارة نلحظ کل نوع من الأدلّة علیٰ حدة ومن دون نظر إلیٰ النوع الآخر إما للطعن فی سنده أو لعدم تمامیة دلالته، واخریٰ مع الالتفات إلیٰ وجود النوع الآخر. فهنا فروض:‏

الفرض الأول:‏ أن نفترض انحصار الأدلة الواردة فی المسألة بالنوع الأوّل فلا ریب فی أن مقتضاها ثبوت الولایة للفقیه، متفرّعة عن ولایة المعصوم  ‏‏علیه السلام‏‏. فعلیة، ومتعدّدة.‏

‏وإذ کان إعمال کل هذه الولایات فی موارد التشاحّ کالولایة الکبریٰ مما یؤدی إلیٰ فقدان النظام ووقوع الأمة فی الهرج والمرج فیحصل نوع من التعارض بین الأدلّة المثبتة للولایة والأدلّة الدالّة علیٰ وجوب حفظ النظام‏‎[21]‎‏ ولو بلحاظ اللوازم والآثار، بل بینها وبین الأدلّة الدالّة علیٰ وحدة الإمام‏‎[22]‎‏ بعد فرض إرادة مطلق الإمام، منها لا خصوص المعصوم  ‏‏علیه السلام‏‏، لم یکن بدٌّ للفقیه القائل بهذا النحو من الولایة من إبدائه حلاًّ لهذه المشکلة.‏

‏وقد حاول بعض اساتذتنا الاجلاّء علاج المشکلة بتحویل الإطلاق الشمولی لأدلّة النصب إلیٰ إطلاق بدلی بعد تعذّر عمل الامة بجمیع هذه الولایات، او الحکم بتساقطها لوقوع التعارض الداخلی فی دلیل حجیتها مثبتاً التخییر للامة فی مثل هذه القضایا ذات الطبیعة الاجتماعیة کما أن الاطلاق البدلی فی الاحکام المجعولة بعهدة الفرد تثبت التخییر الفردی له. ولا معقولیة للتخییر الجمعی إلاّ بتغلیب رأی الاکثریة‏‎[23]‎‏.‏

‏ولنا علیٰ هذا الکلام عدة ملاحظتان:‏

‏ ‏

الاُولیٰ:

‏إنا لو سلّمنا تمامیة تحوّل الإطلاق الشمولی إلیٰ البدلی فی أدلة النصب بعد فرض تعذر العمل بکل هذه الولایات لکن الإطلاق البدلی لا یقتضی تخییر الناس فیمن یکون ولیّاً لأن الولایة بحسب الفرض ثابتة بالنصب مما یعد حکماً إلهیاً لاخیار للمولّیٰ علیه فیه. نعم یصّح ذلک بناء علیٰ تکلیف الامّة بجعل الفقیه حاکماً علیها فتکون مخیّرة ـ کما فی کل


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 59

مکلّف بالطبیعة ذات الأفراد المتعدّدة ـ بین أفرادها، وثبوت فعلیة الولایة للفقیه بانتخابها مما قد یستفاد من فقرة التوقیع الشریف الاولیٰ مثلاً الّتی تقول: « فارجعوا فیها إلیٰ رواة أحادیثنا».‏

‏وأمّا حیث تکون فقرة الاستدلال الثانیة هی المستند أعنی ‏« فإنهم حجتی علیکم وأنا حجة الله  » ‏والقول بفعلیة الولایة بهذا النصب ـ کما یذهب إلیه صاحب الرأی ـ فلا، لأن مطلق الفقیه أو فقیها واحداً علیٰ البدل ـ بناء علیٰ التحویل المفروض ـ منصوب بحکم إلٰهی وبنحو فعلی. هذا أوّلاً.‏

‏ ‏

والثانیة:

‏فإن اعتبار رأی الاکثریة وإلزام الاقلیة به علیٰ أنه رأی الامة یحتاج إلیٰ دلیل مثبت لذلک.‏

‏والصحیح فی المقام فرض التقیید فی أصل ثبوت الولایة للفقهاء فی الامور التی لا تقبل التعدّد بعدم ثبوتها للغیر فی مرحلة سابقة لإخراج حالة التصدّی ـ وثبوتها لواحد منهم معین عند الله  ومجهول عند الناس علیٰ سبیل الفرد المردّد او غیر معین علیٰ سبیل الجامع. وفی مثله تجری القرعة لأن مورد جریانها هو ذلک، وإنما تجب علیٰ الامة جمیعاً الطاعة بعد التعیّن لاقبله. هذا کله مع فرض عدم امکان إدارة الدولة إلاّ بولایة الواحد المستمرة أو امکان غیره وعدم حصول التراضی من الفقهاء المریدین للتصدّی وإعمال الولایة علیٰ إدارتها بوجه معیّن ولو بنظام الشوریٰ أو علیٰ التناوب وإلاّ فلا ریب فی جوازه لأن إعمال الولایة بحسب الفرض حق للفقیه لا واجب علیه ویمکن لذی الحق التنازل عن حقه والمصالحة علیه.‏

الفرض الثانی:‏ أن نفرض انحصار تمامیة الادلة الواردة فی المسألة بالنوع الثانی، ولا ریب فی أن هذه الأدلّة علیٰ فرض الانحصار مبتلاة بالإجمال من جهة النصب والفعلیة فلا مناص حینئذ من الاحتیاط والعمل بالقدر المتیقّن من الفروض اللاحقة.‏

الفرض الثالث:‏ أن یفترض انحصار الأدلة الواردة فی المسألة بالنوع الثالث وعدم تمامیة أی من النوعین الأول والثانی. ولا ریب حینئذ فی انتفاء الولایة عن الفقیه وثبوتها‏

کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 60
‏للاُمة فهی المکلّفة أو صاحبة الحق فی إقامة الحکومة الاسلامیة.‏

‏فإذا قلنا بالتکلیف بالإقامة تکون مخیرّة فی توکیل أی شاءت علیٰ أساس مبدأ الشوریٰ الذی سنثبت شرعیته وإلزامیة القرار الحاصل فیه، لمشروعیة الوکالة بلا إشکال.‏

الفرض الرابع:‏ أن یفرض تمامیة النوعین الأول والثانی دون الثالث وحینئذ یکون ظاهر الأوّل نصب الفقیه من قبل الإمام  ‏‏علیه السلام‏‏ بما هو متقمصّ لقمیص المولویة، وظاهر الثانی اثبات الولایة للفقیه من قبله بما هو متقمص لقمیص الشارعیة، واجتماعهما لا یقتضی التهافت بل مقتضاه إخراج الحکم الشرعی من حال الشأنیة إلیٰ الفعلیة بالنصب المباشر فیفید النوع الأول فعلیة الولایة للفقیه والثانی شأنیته لها.‏

الفرض الخامس:‏ أن یفرض تمامیة النوعین الأول والثالث فقط او هما مع الثانی وحینئذ یقع التنافی بین مدلولیهما فالأول یدلّ علیٰ أن الولایة مجعولة للفقیه من الإمام  ‏‏علیه السلام‏‏ بحکم ولائی فعلی مما یدل باطلاقه علیٰ عدم دخالة الأُمة فی فعلیتها والثانی یدل علیٰ أنها لها مما یدلّ باطلاقه علیٰ عدم دخالة الإمام  ‏‏علیه السلام‏‏ فی فعلیته. ویحدث تعارض بین الإطلاقین، ویتعیّن حینئذ حل التعارض المذکور إما بتقیید اطلاق إدلّة النصب بکونها فی حال عدم تحرّر الامة وقصورها عن ممارسة حقها فی الخلافة بسبب تسلّط الحاکم الجائر علیها کما ذهب إلیٰ ذلک الشهید الصدر(رض) علیٰ ما یظهر من کتابه خلافة الانسان وشهادة الانبیاء‏‎[24]‎‏، ولعلّه کذلک لاکتناف مقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة أبی خدیجة المستدل بهما علیٰ النصب بما یصلح للقرینیة علیٰ ذلک فإنما نصّب الإمام الفقهاء حکّاماً او قضاة فی ظلّ حکومة السلطان الجائر وفراراً من محذور الرجوع الی القضاة المنصوبین من قبله مع استهدافه بالاطلاق الشامل لجمیع افراد الفقیه التوسعة علیٰ الشیعة، إذ یبعُد جدّاً صدور مثل ذلک من الإمام  ‏‏علیه السلام‏‏لو فرض استتباب الأمر له وانبساط یده فإن المتوقع منه حینئذ إقامة النظام علیٰ أساس الاختیار الخاصّ لأفراده ونصب کلٍّ فی الموضع المناسب له. ومع وجود مثل هذه القرینة لا مجال للقول بالإطلاق الازمانی لمثل هذه الادلة لیشمل زمان تحرّر الامة. هذا لو لم نناقش فی الأدلّة من جهة اخریٰ فی السند واختصاص الدلیل بزمان الإمام  ‏‏علیه السلام‏‏ باعتباره حکماً ولائیاً أو بباب القضاء أو ما فی حکمه مما یقبل التعدّد دون الولایة الکبریٰ التی لا تقبلها. وهذه الاشکالات آتیة بنفسها فی‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 61

التوقیع الشریف أیضاً غایة الأمر أن القرینة فی الروایتین المتقدمتین لفظیة وفیه لبیّة. وکیفما کان فلو لم نقطع بدخالة مثل هذه القرینة فی الروایات المذکورة فلا أقلّ من احتمالها ممّا یوجب الإجمال. والمورد المذکور لیس من موارد جریان أصالة عدم القرینة فإنها کأصل عقلائی لا تجری إلاّ مع احتمال الغفلة او وجود القرینة المنفصلة وکلاهما منفی فی المقام، فیبقیٰ إطلاق النوع الثانی من الأدلة علیٰ حاله شاملاً لمورد تحرّر الامة.‏

‏هذا لو لم یقل بأن لازم النصب من الله  للأنبیاء(ص) ومنه او منهم للأوصیاء: ومنه أو منهم جمیعاً للفقهاء وهکذا بحیث لا تخلو الارض من حجة عدم المورد لتلک الادلّة فتکون لغواً.‏

‏لکن اشکال التعارض بین الاطلاقین لا ینحلّ بتخصیص ذلک بزمان تسلّط الظالم علیها فإن الإشکال یعمّ سبق نصب الفقیه حیث کان النصب للأنبیاء والأوصیاء هو الجاری فإنه یتنافی مع حق الأُمة فی استخلاف الأرض ایضاً بل إن بعض هذه الآیات کأیة توریث المستضعفین الأرض فسرت بحکومة الإمام المهدی(عج) مع أنه منصوب بلا خلاف، وبعضها الآخر کآیة «‏وَإذا حَکَمْتُمْ»‎[25]‎‏ واردة فی القضاء مع أنه لا اشکال فی أنه منصب خاص. أو تقیید إطلاق أدلة النوع الثانی بغیر حالة النصب کما فی فرض خلوّ الأرض من المعصوم  ‏‏علیه السلام‏‏ أو نائبة فی آخر الزمان لکنه فرض نادر، أو حملها علیٰ إرادة الحکومة التی تمثل المؤمنین والمستضعفین دون المستکبرین، وتسعیٰ لتحقیق آمالهم وطموحاتهم وتعتمد علیهم کقاعدة فی حکمها، لکن ذلک خلاف الظاهر خصوصاً فی الآیات المخاطبة المؤمنین الآمرة بإقامة الحدود وأحادیث تولیة المسلمین أو الأمة امرهما.‏

‏ولنا أن نبرز وجهاً للجمع بین ما دلّ علیٰ فعلیة الفقیه بالنصب وما دلّ علیٰ أن الأُمة هی مالکة أمرها وهی المولّیة له یأتی تفصیله لدیٰ البحث عن أدلة الشوریٰ مفاده إن لله  سبحانه وتعالیٰ اُموراً تهمّه فقد شرّع لها أحکاماً تتناسب والمصلحة والمفسدة الثابتین فیها أو فی متعلّقاتها، وهناک امور اخریٰ لاتهَمُّه ترک أمر تشریعها لمن تهمّه، لکنه رسم الطریق إلیٰ اتخاذ موقف منها فقال: «‏ وأمرهم شوریٰ بینهم‏».‏‎[26]‎‏ فکلّ ما لم یشرّعه المولیٰ سبحانه وتعالیٰ وترکه خلواً من التشریع فأمره متروک للناس للبتّ فیه وفق مبدأ الشوریٰ فإن الظاهر من أمر الامة وأمر المسلمین الامور المتعلّقة بهم فلا تشمل ما تعلق بالله ‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 62

سبحانه وتعالیٰ.‏

‏وحینئذ فإما أن یقال بأن الفقیه منصوبٌ من قبل الشارع المقدس فیما یخصه فیکون دوره بیان الأحکام الشرعیة الاولیة والثانویة، ورفع المنافاة بینها وبین تشریعات الاُمّة، والاشراف علیٰ إجراء الاحکام الشرعیة فی البلاد: والتدخّل عند التخلّف فیها، وتعیینه یتمّ وفقاً لما بیّن فی الفرض الاوّل المتقدّم، ویکون للأمة الحقّ فی انتخاب سلطتیها التشریعیة والتنفیذیة واتخاذ الموقف المناسب فی سائر الامور تحکیماً لمبدأ الشوریٰ. وهذا النوع من الجمع أقرب ما یکون إلیٰ نظام الجمهوریة الاسلامیة المدوّن فی الدستور وما ذکره الشهید الصدر(رض) فی کتاب لمحة فقهیة دستوریة.‏

‏لکن هذا حیث یستلزم التفکیک بین الاحکام الشرعیة وقرارات الامة المبنیة علیٰ ضوء تشخیصها لمصالحها وتنفیذها و تعدد رؤساء هذه القویٰ دونما قوة یخضع لها الجمیع، ویسلب الفقیه فی کثیر من الاحیان القدرة علیٰ التحرک المناسب، ویوجد حالة من التعدّدیة فی المواقف فقد یلجأ إلیٰ الخیار الآخر.‏

‏أو یقال بجمع امور الله  سبحانه وامور الناس بید شخص واحد بالبیعة لمن اخرجته القرعة لیکون ذلک توکیلاً من الأمة له فی امورها فیکون هو صاحب السلطة العلیا فی البلاد، ومنه تتفرع سائر اجهزة النظام امّا مع فرض بعض الحدود التی یجب علیٰ القائد مراعاتها فی تحرکه وإلاّ کان نکثاً منه لبیعتهم او لا بفرضها وهذا فی الحقیقة قول بالجمع بین النصب والانتخاب، بین القیادة الالهیة والسیادة الشعبیة.‏

‏وعلیٰ هذا المعنیٰ ینبغی حمل البیعة المستوفاة من قبل رسول الله   ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏والأئمة: من بعده حیث کانت لممارستهم السلطة، فأنه أولیٰ من عدّها عملاً تأکیدیاً صرفاً.‏

الفرض السادس:‏ أن تفرض تمامیة النوعین الثانی والثالث من الادلة فتارة یستفاد من أدلة النوع الثانی أن الولایة حق الفقیه واخریٰ أنها حکم شرعی وضعی بمعنیٰ أن شرعیة أعمال الدولة منوطة بتصدّی الفقیه لادارتها فلا تکون الولایة إلاّ له، وثالثة أنها حکم إرشادی وضعی یرشد إلیٰ ضرورة رجوع الدولة إلیٰ الفقیه من باب رجوع الجاهل إلیٰ العالم وأهل الخبرة من أجل عدم الابتلاء بالوقوع فی مخالفة الشرع، وعلیٰ جمیع هذه التقادیر فتارة یستفاد من أدلة النوع الثالث أن أمر الدولة حق الامة واخریٰ أن الامة هی‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 63

‏المکلّفة باجراء الاحکام فالفروض ستّة:‏

‏1 ـ فأما استفادة أن الولایة حق الفقیه من أدلة النوع الثانی وأنها حق الامة من أدلة النوع الثالث فیأتی فیه ما أتیٰ فی الفرض الخامس من التعارض والتقییدات والمحامل المذکورة هناک لأن فعلیة کل حُکم بفعلیة موضوعه فمع تحقق الفقیه والامّة تتحقق فعلیّة الحکمین المذکورین.‏

‏2 ـ وأمّا استفادة الحقیة من النوع الثانی والحکمیة من الثالث فیجب علیٰ الامّة إیصال هذا الحقّ إلیٰ أهله وهو الفقیه فهو له مع وحدانیته ، ولمن خرجت باسمه القرعة عند التشاحّ ما لم یحصل بین الفقهاء تصالح.‏

‏3 ـ وأمّا استفادة الحکمیة من النوع الثانی، والحقیة من الثالث فکالأوّل إذ لا فرق بین الحق والحکم إلاّ من جهة أن الحق قابل للاعمال والاهمال من قبل صاحبه والحکم لیس کذلک، لکن الشیخ المنتظری‏‎[27]‎‏ ذهب إلیٰ أن الحکم بولایة الفقیه لا یکون فعلیاً بمجرد تحقق موضوعه وهو الفقیه، بل ثبوت الولایة له کذلک موقوف علیٰ انتخاب الامة و تحقق البیعة، والظاهر أن اصحاب هذا الرأی لا یقولون به فی خصوص الفقیه، بل یعم النبی والامام أیضاً.‏

‏لکن قد یقال إن هذا الرأی معترض بقیام سیرة الفقهاء و فعل الائمة(ع) علیٰ التصرف فی الوجوهات الشرعیة والاوقاف واموال الیتامیٰ والقصّر واصدار الاحکام الولائیة الاخریٰ و اباحة الانفال والخمس علیٰ قول للشیعة و غیرها فی زمان قصور یدهم مما یعنی ثبوت الولایة فعلاً لهم فیه و عدم توقفها علیٰ بیعة الامة.‏

‏فیقال فی مقام الدفاع بأنّ القول المذکور علیٰ فرض شموله للائمة و عدم ابتناء سیرة الفقهاء علیٰ مبنیٰ فاسد یمکن تخصیصه بالولایة الکبریٰ دون سائر الافعال.‏

‏4 ـ وأمّا استفادة الحکمیة من أدلة النوع الثانی والحکمیة من الثالث فیکون نصب الفقیه ولیاً علیٰ الأمة واجباً علیها غیر أنها تکون مخیّرة بین إقامة الشوریٰ أو انتخاب الفقیه الواحد عند التعدّد لو فرض عدم قیام الدلیل علیٰ اعتبار الوحدانیة وإلاّ کان الثانی هو المتعیّن لکنها تکون مخیّرة تخییراً عقلیاً بین أفراده لإفادة الأمر بالطبیعة القابلة للانطباق علیٰ اکثر من فرد واحد طولی أو عرضی ذلک، بلا فرق بین کون المأمور بها الفرد أو‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 64

‏الجماعة لاستواء الجمیع فی الملاک وهو تحقق غرض المولیٰ بأحد أفرادها. والفرق بین هذا وما فرضه الشیخ المنتظری دخیلاً فی فعلیة الولایة أن ذلک مرحلة المجعول وهذا فی مرحلة الامتثال.‏

‏5 و 6 ـ واما استفادة الارشادیة من أدلة النوع الثانی فلا تنافی بینه وبین کون أمر الامة بیدها سواء قلنا باستفادة الحقیة أم الحکمیة من الأدلة المساقة علیٰ ذلک، إذ غایة مخالفتها الحکم الارشادی مخالفتها لحکم العقل القاضی بذلک، و تنجز احتمال وقوعها فی المحذور غیر المؤمّن علیه من جهة الشارع وتعرّضها للعقوبة المحتملة.‏

‏ ‏

الرأی فی المسألة:

‏وبعد استعراض کل فروض المسألة یأتی الدور لبیان ما نختاره من رأی فیها. فالظاهر أن الولایة غیر ثابتة للفقیه بالنصب من قبل الإمام  ‏‏علیه السلام‏‏ لا من أجل ضعفها السندی واختصاصها بالقضاء أو الافتاء، بل من جهة احتفافها بما یصلح للقرینیة المتصلة اللفظیة أو اللبیة الموجبة لتخصیصها بحالة قصور ید الامة عن إعمال إرادتها أو فیما یقبل التعدد. وإنما تکون ثابتة للفقیه باعتباره حکماً شرعیاً وضعیاً ولو من جهة قیام السیرة العقلائیة الممضاة من قبل المعصوم  ‏‏علیه السلام‏‏ علیٰ ضرورة تصدّی المتخصص فی المشاریع التخصصیة فإن إقامة الدولة المطبّقة لاحکام الشریعة مشروع تخصّصی بحت مجاله التخصصی الفقه، والعلم باحکام الله  مما لا یتیسر لغیر الفقیه فیجب أن یکون هو المتصدّی له والمضطلع به.‏

‏لکنه مع ذلک غیر مکلّف بإجراء هذا الحکم ولا سائر الاحکام إلاّ بما هو أحد أفراد الأمة، والأمة هی المکلّفة بإجرائها لما تقدم من ظهور آیات الحدود وغیرها فی أنها هی المجریة فعلیها نصبه فی المنصب الذی اختاره الشارع له، وإن کان له التصدّی فی الامور الحسبیة فی حال قصور الامة لعلمه بعدم رضا الشارع المقدس بتفویتها، أو لوقوع التکلیف علیه فی زمان قصور الامة.‏

‏أو علیٰ کل حال ففعلیة ولایة الفقیه بفعلیة موضوعها وهو الفقیه وإن کان المکلف بحکمها الامة.‏

کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 65

وحینئذ یثبت الاختیار للامّة فی تعیین فقیه واحد أو شوریٰ فقهاء لإدارة الدولة مع عدم القول باعتبار وحدانیته، وإلاّ فتنتخب فقیهاً واحداً وفقاً لمبدأ الشوریٰ واستناداً إلیٰ استفادة التخییر العقلی لها فی ذلک.‏

‏ ‏

اختیارات الفقیه:

‏إن الظاهر من جمیع الادلة المقامة علیٰ ولایة الفقیه أن الولایة تثبت له فی خصوص الامور المتعلقة بالشارع دون الامور المتعلقة بالناس، فلا یتصوّر أن القول بالولایة المطلقة للفقیه یثبت له الحقّ فی إلغاء دور الناس فیما یرتبط بهم فإن ولایة النبی  ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏والأئمة ‏‏علیهم السلام‏‏ اجتمعت مع وجود النصّ بـ ‏«أمرهم شوریٰ بینهم» ‏مما یقتضی عدم منافاته لها. فلا بدّ أن یکون هذا النصّ قد تلقّی باعتباره حکماً أوّلیاً یعطی للناس حق التشریع فیما هو أمر مرتبط بهم. وإلاّ کان ورودها لغواً تعالیٰ الشارع عنه.‏

‏کما أن مقتضیٰ خطاب المؤمنین فی آیات الاحکام أن الامة هی المسؤولة عن تطبیقها. فالنبی  ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ والإمام  ‏‏علیه السلام‏‏ لهما الولایة علیٰ الناس فی حدود ما یدخل فی دائرة اهتمامات الشارع دون ما هو خارج عنها مما ترک فیه الأمر إلیٰ الناس فهی تشمل بیان الاحکام الشرعیة والإشراف علیٰ حسن تنفیذها ورفع التنافی بینها وبین تشریعات الامة وتشخیص اولویة المصالح الثانویة وتقدّمها علیٰ ملاکات الاحکام الاولیة والحکم بموجبها.‏

‏کما أن لهما البت فی الخصومات والقضایا والنزاعات الحادثة بین الناس وفقاً لموازین القسط والعدل لیکونا فی مجموع ذلک مصداقاً للآیة الکریمة: «کان الناس امة واحدة فبعث الله النبیین مبشرین ومنذرین. و انزل معهم الکتاب بالحق لیحکم بین الناس فیما اختلفو فیه، و ما اختلف فیه الاّ الذین آوتوه من بعد ما جاءهم البینات بغیاً بینهم فهدیٰ الله الذین آمنوا لما اختلفوا فیه من الحق باذنه...» حیت یقومان یرفع الاختلاف فی الدین ببیان الاحکام و فی الدنیا باقرار الحق.‏

‏وأمّا ما یرتبط بالامة مما هو خارج عن دائرة اهتمامات الشارع کبعض التشریعات الخاصة من قبیل إقامة نظام المرور والاحوال المدنیة وغیرها وتشخیص موضوعات الاحکام الاجتماعیة خارجاً مما هو وظیفة الفرد فی الاحکام الفردیة، والمصالح الاولیة‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 66

‏للامة فی عقد المعاهدات الاقتصادیة وغیرها وإقامة المناسبات مما هو متروک لاختیار الفرد فی الشخصیة الحقیقیة فقد ترک أمره إلیٰ الامة لتتخذ فیه الموقف المناسب.‏

‏نعم یحق لهما بما لهما من الولایة أن یعطّلا حکم الشارع الاولی بترک الأمور الخارجة عن نطاق اهتمامات الشارع للامة إذا اقتضت مصلحة ثانویة أهم ذلک.‏

‏کما یمکن للأمّة أن تبایع من ثبتت له شأنیة الولایة نبیاً کان أم إماماً أم فقیهاً علیٰ إدارة امورها بحسب ما یراه کما فصلت الأمر نفسه فی زمان النبی ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ وبعض الأئمة المعصومین:، فلا تعدّ بیعته نصباً له لتحققه، بل لتوکیله فی سائر امورها الخارجة عن دائرة اهتمامات الشارع.‏

‏وعلیٰ هذا الاساس یمکن بیان ما یثبت للفقیه من الولایة بما یلی:‏

‏1 ـ بیان الاحکام الشرعیة الاولیة.‏

‏2 ـ الإشراف علیٰ حسن تطبیق الاحکام الشرعیة.‏

‏3 ـ الادلال علیٰ مواضع التنافی بین الاحکام الشرعیة الثابتة وقوانین الامة وتشریعاتها، وعدم امضائها إلاّ برفعها من قبل السلطة التشریعیة، وهو ما تجسّد عملیاً فی الجمهوریة الاسلامیة بمجلس صیانة الدستور.‏

‏4 ـ نصب من یتولیٰ الحکم والقضاء وحلّ المنازعات وفصل الخصومات بین الناس سواء بین الشخصیات الحقیقیة أو الحقوقیة أو بینهما.‏

‏5 ـ تحدید المصالح الثانویة وتقدیم احکامها علی الاحکام الاولیة لو ثبت رجحانها علیٰ مصالحها، وقد یتطلب هذا الامر تعطیل بعض المؤسسات الدستوریة فضلاً عن قراراتها وتشریعاتها، والإشراف علیٰ عدم مخالفة قوانین البلاد لاحکام الشریعة.‏

‏ ‏

بحث فی أدلة الشوریٰ:

‏ان البحث فی أدلة الشوریٰ تارة یجری فی أصل مشروعیتها واخریٰ فی کیفیة إجرائها، ومن له حق ممارستها. وقد کفانا الشیخ المنتظری مؤونة البحث فی الأمر الأوّل بما أورده من أدلة کثیرة علیٰ ذلک مما یحصل معه القطع بتمامیة بعض الأدلة جزماً دلالة ووروداً‏‎[28]‎‏.‏

‏وإنما ینبغی البحث فی الأمر الثانی لکنا مع ذلک سنختار من بین مجموع الادلة‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 67

‏المساقة لذلک آیة الشوریٰ لحصول الغرض بها، ونبحث فیها عن کلا الجهتین:‏

‏فقد جاء فی کتاب الله  سبحانه وتعالیٰ قوله: ‏«وما عند الله  خیر للذین آمنوا وعلیٰ ربّهم یتوکّلون* والذین یجتنبون کبائر الإثم والفواحش، وإذا ما غضبوا هم یغفرون * والذین استجابوا لربّهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شوریٰ بینهم وممّا رزقناهم ینفقون».‎[29]‎

‏وفقرة الاستدلال الواردة فی الآیات الکریمة هو قوله تعالیٰ: ‏«وأمرهم شوریٰ بینهم».‎[30]‎‏ فهذه الفقرة یمکن الاستدلال بها علیٰ شرعیة الانتخاب من جهة وإلزامیة النتیجة للجمیع من جهة اخریٰ. لکن لابدّ من بیان بعض المقدمات المرتبطة بالدلیل قبل الشروع فی بیان الاستدلال.‏

‏ ‏

معنیٰ الأمر:

‏ذکرت للأمر فی اللغة معانٍ عدیدة منها «الطلب» و «الشیء» و«الحادثة»‏‎[31]‎‏ و «الشأن»‏‎[32]‎‏ و «الحال».‏‎[33]‎‏ وقد أرجع بعض الاصولیین جمیع هذه المعانی إلیٰ أصل واحد تارة بمعنیٰ الواقعة والحادثة المقیدتین بالخطورة والأهمیة أو بدونهما‏‎[34]‎‏ واخریٰ بمعنیٰ العقل والحدث،‏‎[35]‎‏ فی حین ذهب بعض آخر إلیٰ رجوعها إلی أصلین هما الطلب والشیء غیر العَلَم.‏‎[36]‎

‏وأمّا أهل اللغة فربما جعلوا اصولها خمسة بعضها الاصلان المتقدّمان، لکن المصدر فی الاصول الثلاثة الباقیة مفتوح العین م‏‎[37]‎‏.‏

‏والظاهر صواب ما ذهب إلیه الرأی الثانی من رجوع هذه المعانی إلیٰ أصلین أحدهما الطلب، وإن کنّا نریٰ أن الاصل الثانی یساوق معنیٰ « الموضوع » المعبّر به عن کل ما یؤخذ بنظر الاعتبار، فهو یلتقی مع معنیٰ لفظة « شیء » إلاّ أنه یختلف عنها فی أن لفظة شیء تنطوی علیٰ صفة التحقق والوجود فی حین لا یَنطوی لفظ الأمر علیٰ هذا المعنیٰ، ولذا صحّ الاخبار بلفظ شیء فیقال: « الکتاب شیء» بمعنیٰ أنه موجود ولا یصح فی الأمر کأن یقال « الکتاب أمر ». نعم لو اتصف الأمر بصفة صحّ أن یعبر عنه بالأمر کأن یقال « الکتاب أمر حسن » و «النار أمر ضروری فی الشتاء ».‏

‏وکیفما کان فلفظ الأمر مستعمل عندنا بأحد معنیین الطلب، والموضوع.‏

کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 68

والأمر قد یأتی مفرداً معرفاً بالألف واللاّم کما قد یأتی مضافاً إلیٰ ذات أو جماعة معینة فالأوّل لا شک فی انصرافه إلیٰ المعهود عند العرف أو خصوص المخاطب، والثانی إلیٰ أهم المواضیع المرتبطة بهما. وبهذا النحو ینبغی أن تحمل لفظة الأمر الواردة فی الآیات والروایات منها:‏

‏قوله تعالیٰ: (‏ قل إن الأمر کلّه لله  )‎[38]‎‏ و (‏ یقولون لو کان لنا من الأمر شیء ما قتلنا هٰهنا)‎[39]‎‏ و (‏لو انزلنا ملکاً لقضی الأمر ثم لا ینظرون )‎[40]‎‏ و (‏لله  غیب السماوات والأرض وإلیه یرجع الأمر کلّه)‎[41]‎‏ و (‏بل لله  الأمر جمیعاً )‎[42]‎‏ وقول علی  ‏‏علیه السلام‏‏: ‏« فلما نهضتُ بالأمر نکثت طائفة »‎[43]‎‏ والإمام الحسین  ‏‏علیه السلام‏‏ فی کتابه إلیٰ معاویة: ‏« ولاّنی المسلمون الأمر بعدهُ »‎[44]‎‏ والرضا  ‏‏علیه السلام‏‏باسناده عن النبی ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ أنه قال: ‏« من جاءکم یرید أن یفرّق الجماعة ویغصب الاُمة أمرها..»‎[45]‎‏ إلیٰ غیر ذلک مما لا یسع إیراده هذا المختصر.‏

‏ ‏

المراد بالشوریٰ:

‏والشوریٰ مشتقة من مادة شور التی ذکرت فیها عدّة معانٍ منها الإبداء والعرض‏‎[46]‎‏؛ والأخذ والجنی‏‎[47]‎‏، والإشارة والإیماء‏‎[48]‎‏، والاعانة‏‎[49]‎‏، وحسن الهیئة‏‎[50]‎‏، وبدو السوءة‏‎[51]‎‏ وغیرها.‏

‏لکن اللغویین أرجعوا الشوریٰ إلیٰ أحد المعانی الثلاثة الاولیٰ فظاهر الفراهیدی‏‎[52]‎‏ والجوهری‏‎[53]‎‏ وابن عباد‏‎[54]‎‏ أنها مشتقة من الشور بمعنیٰ الإیماء والإشارة وهو المنقول عن اللیث‏‎[55]‎‏ والاصمعی‏‎[56]‎‏، وصریح ابن فارس‏‎[57]‎‏ والراغب‏‎[58]‎‏ أنها مشتقة منه بمعنیٰ الأخذ والجنی، والمطرّزی‏‎[59]‎‏ وابن الأثیر‏‎[60]‎‏ والفیّومی‏‎[61]‎‏ أنها مشتقة منه بمعنیٰ الإبداء والعرض. وهو المنقول عن شمر‏‎[62]‎‏.‏

‏وأیاً کان مصدر الکلمة فمعناها واضح وهو عرض المسألة وأخذ الرأی فیها.‏

‏والظاهر اختلاف الشوریٰ عن المشاورة والمشورة فإن هاتین تطلقان علیٰ الفعل وتلک تطلق علیٰ ما تقع فیه المشورة. والظاهر أنها صفة مشبهة بالفعل علیٰ وزن فُعلیٰ‏‎[63]‎‏ فیکون قوله تعالیٰ إخباراً عن أن أمر المؤمنین من الامور التی یتشاور فیها کما صرّح بذلک الراغب‏‎[64]‎‏ والمطرّزی‏‎[65]‎‏. لکن الظاهر من ابن عبّاد أنها فعل أو اسم فعل‏‎[66]‎‏ وبالاسم صرّح ‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 69

صاحب المصباح‏‎[67]‎‏.‏

‏ ‏

مضمون آیة الشوریٰ:

‏تفرض آیة الشوریٰ للمؤمنین الذین یعود علیهم ضمیر الإضافة فی «أمرهم» أموراً تتعلق بهم خاصة ولا تتعلّق بالله  سبحانه.‏

‏فإن لله  سبحانه وتعالیٰ فی خلق الکون والانسان اغراضاً ومقاصد حیث قال: (‏ وما خلقنا السماوات والأرض وما بینهما لاعبین )‎[68]‎‏ وقد کشف عن هذه الأغراض نظریاً بتعالیمه، وترجمها إلیٰ قوانین عملیة بأحکامه وتشریعاته، وبذلک حدّد الهدف ورسم الطریق إلیه.‏

‏وإذ أتمّ الله  تشریعاته وأحکامه حیث قال: (‏ الیوم أکملت لکم دینکم، واتممت علیکم نعمتی)‎[69]‎‏ فقد أتمّ اغراضه، وأتیٰ علیٰ مقاصده واهدافه فما بقی مما لم یشرّعه لا یدخل فی غرضه ولا یهمّه، وإن کان شیء من ذلک یهمّ أحداً او شخصاً فإنما یهمّ الناس ویرتبط بهم. فالامور علیٰ هذا علیٰ قسمین: اُمور ترتبط بالله  سبحانه فقد شرع لها الاحکام المناسبة من وجوب وحرمة واستحباب وکراهة وإباحة ونجاسة وطهارة وصحة وبطلان، وامور لا ترتبط به ولا تدخل فی حیز اهتماماته بل ترتبط بمن أهمّته من الناس. ومن ذلک ما یکون اثره عائداً علیٰ فرد واحد فهو أمر شخصی، ومنه ما یکون أثره عائداً علیٰ جماعة من الناس فهو أمر جماعی.‏

‏وقد ترک الله  سبحانه القرار فی الامور الشخصیة لأصحابها ونهیٰ عن التعرّض إلیهم فیها بحکم قاعدة السلطنة، واما الامور الجماعیة وهی ما عبّر عنه الله  بـ « أمرهم » فمع أنه سبحانه لم یشأ التدخل فی مضمونه إیجاباً ولا نفیاً ولا وضعاً أو رفعاً لکنه تدخّل فی تحدید طریق العمل به منعاً للاختلاف، وحیلولة من الفرقة والنزاع ما یفوت به الغرض من بعث الانبیاء والرسل.‏

‏ ‏

بیان الاستدلال:

‏والاستدلال بهذه الآیة یکون تارة علیٰ حکم العمل بالشوریٰ، واخریٰ علیٰ حکم‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 70

قرارها فإنّ القرار الصادر منها قد لا یکون إلزامیاً لمن لم یصوّت لصالحه وإن اثبتنا مشروعیة عمل الشوریٰ فالکلام یقع فی جهتین:‏

‏ ‏

الجهة الاولیٰ: حکم العمل بالشوریٰ:

‏یمکن تقریب حکم العمل بالشوریٰ من الآیة بعدة تقریبات أهمها:‏

‏ ‏

التقریب الأوّل:

‏إن الله  سبحانه عدّ فی الآیة الشریفة العمل بمبدأ الشوریٰ فیما یرتبط بالجماعة من صفات الذین آمنوا، ومقتضیٰ ذلک أن کل قرار یرتبط بالجماعة ولا یقوم علیٰ أساس الشوریٰ لا یکون من صفات المؤمنین، ویکون باطلاً.‏

‏ولازم ذلک لزوم العمل بالشوریٰ علیٰ المؤمنین لدیٰ تصدّیهم لاتخاذ أی قرار یرتبط بالجماعة وعدم مشروعیة الاستبداد فیه الذی هو معنیٰ آخر عن عدم ترتّب أثر شرعی علیه.‏

‏وهذا التقریب مناقش فیه أوّلاً: بأن انتفاء الوصف لا یقتضی انتفاء الموصوف لأن اثبات شیء لشیء لا یعنی نفی ما عداه عنه، نعم لو علم دخالة الوصف وهو العمل بمبدأ الشوریٰ فی الاتصاف بالإیمان وعدمه أمکن انتزاع لزوم العمل به، لکن إثبات ذلک ممتنع.‏

‏ ‏

ثانیاً:

‏إن الضمیر المضاف إلیه لفظ الأمر لا یعود علیٰ المؤمنین وإن ذهب جملة من الفقهاء والمفسرین إلیٰ ذلک... ‏‎[70]‎‏ بل مرجعه اسم الموصول المستعمل فی جمع العقلاء ولفظ « آمنوا » التی اُرجع إلیها الضمیر فی أمرهم » جملة صلة الموصول الأوّل فلا خصوصیة لها لیعود الضمیر بل عطف العبارات الأخریٰ من اسماء الموصول وصلتها علیٰ مدخول شبه الجملة اعنی اسم الموصول الأوّل وصلة یقتضی انقطاعه عن صفة الإیمان، فکأن الله  سبحانه وتعالیٰ قال: وما عند الله  خیر للمؤمنین والمتوکلین علیٰ ربهم وکذا المجتنبین کبائر الإثم والفواحش والغافرین عند الغضب وکذا المستجیبین لربهم والمقیمین الصلاة‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 71

‏والعاملین بالشوریٰ فی الأمر المرتبط بهم والمنفقین مما رزقناهم.‏

‏ ‏

التقریب الثانی:

‏إن الصفة المذکورة وردت فی الآیة ضمن سیاق الحدیث عن الصفات الواجب علیٰ الناس الاتصاف بها، فتکون واجبة مراعاة لوحدة السیاق.‏

‏وفیه أولاً: إن من جملة الصفات الواردة فی ضمن الآیة ما یقطع بعدم وجوب التحلّی به کقوله تعالیٰ: (‏ وإذا ما غضبوا هم یغفرون ‏) فإن غفران الذنب للمذنب لیس واجباً قطعاً، وإنما هو مستحبٌّ فیکون السیاق وإلاّ علیٰ مطلوبیة هذه الصفات لا أکثر ومعه لا یمکن الاستدلال بلزوم العمل بالشوریٰ.‏

‏ ‏

ثانیاً:

‏إن أصالة وحدة السیاق مختلف فیها کبرویاً بین الإعلام فمنهم من لا یریٰ ثبوتها.‏

‏فالاستدلال ممنوع کبریٰ وصغریٰ.‏

‏ ‏

التقریب الثالث:

‏تقدم ان امور الناس علیٰ قسمین: أحدهما: الامور المختصة بالاشخاص فذلک مما ترک امره إلیهم بمقتضیٰ قاعدة السلطنة، وثانیهما: الامور المرتبطة بالجماعة فالتصرف فیها مما یحتاج إلیٰ دلیل. وقد أقر الله  سبحانه وتعالیٰ بمقتضیٰ آیة الشوریٰ العمل بهذا المبدأ فی هذا القسم فهو بمثابة حکم وضعی بمشروعیة العمل المذکور ومقتضیٰ الإطلاق عدم عدل آخر، کما لا دلیل منفصل علیٰ جواز غیر الشوریٰ أیضاً، فثبت من کل ذلک لزوم العمل بالمبدأ المذکور فیما یخصُّ اُمور الجماعة.‏

‏وقد یناقش هذا الدلیل أولاً: بکفایة اجراء أصل البراءة الشرعیة فی القرارات المتخذة بناء علیٰ مسلک حق الطاعة، والعقلیة علیٰ مسلک قبح العقاب بلا بیان خصوصاً فیما لا ینافی ذلک حقاً أو حکماً للآخرین.‏

‏وفیه: أن الاصل مقطوع بقاعدة السلطنة فإنها وإن طبقت عادة فیما یتعلّق بالأفراد من‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 72

‏امور، مما ربما یتوهم إرادة العموم الاستغراقی بخصوصه بصیغة الجمع الوارد فیها لا العموم المجموعی وحده ولا هو والعموم الاستغراقی لاستلزامه استعمال الصیغة فی أکثر من معنیٰ واحد لکن تطبیقها کذلک لیس من هذا الباب، بل لا خصوصیة لصیغة الجمع فی ذاتها، وإنما لرجوع القاعدة إلیٰ نکتة مرکوزة لدیٰ العقلاء هی ان المالک لشیء مسلط علیه.‏

‏ ‏

ثانیاً:

‏بأنّ شورویة الأمر الوارد فی الآیة لیس حکماً وضعیاً إمّا لأن الحکم الوضعی اعتبار لوضع وفقرة الاستدلال لیست کذلک، أو لأن الله  سبحانه فی مقام الوصف لا التشریع.‏

‏والجواب: أنه وإن فرض عدم کونه حکماً وضعیّاً، لکن امتداح هذه الصفة من قبل الله  سبحانه لا یعطیها الاعتبار والمشروعیة فحسب بل یجعل التحلّی بها أمراً مستحباً.‏

‏ ‏

التقریب الرابع:

‏إن الآیات الکریمة رتّبت الثواب الاُخروی علیٰ من توفّرت لدیهم الصفات المذکورة. ومن الواضح أن الثواب الاخروی لا یترتّب علیٰ کل صفة وحدها، بل علیٰ مجموع الصفات المذکورة لعدم کفایة الإیمان وحدهُ لترتبه، ولا التوکّل کذلک وحینئذ فلو کانت الصفة المذکورة غیر واجبة التحصیل والعمل لما توقّف ترتّب الثواب علیها.‏

‏ووجود بعض الصفات غیر الواجبة کذلک کغفران الذنب لا یضرّ بالاستدلال فلیکن تخصیصاً.‏

‏وهکذا یثبت لزوم العمل بمبدأ الشوریٰ.‏

‏لکن فیه أنه من غیر الواضح استفادة توقّف الثواب الاخروی علیٰ الاشتمال علیٰ هذه الصفات، بل لا إشعار فی الآیة بالتوقف وإنما هی بصدد بیان فضل الثواب الاخروی علیٰ متاع الدنیا مع ذکر متعلّقهما لا علیٰ سبیل الحصر وفی مقام البیان.‏

‏فتحصّل من کل ما تقدّم عدم تمامیة الدلیل علیٰ وجوب العمل بالشوریٰ فیما یتعلّق بجماعة الناس ومعنیٰ ذلک إنّ الأُمة غیر ملزمة شرعاً باتباع طریق الشوریٰ فیما یتعلّق بها‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 73

فیمکن أن تقر تصدی المتصدّی لذلک او ما اتّفق علیه أهل الحلّ أو العقد أو ایّة جماعة أخریٰ، لکنه مع ذلک یستحب لها أن تتبع هذا المبدأ فی مثل هذه الامور ویکون هذا حکماً أولیاً مجعولاً من قبل الشارع یقضی بجعل هذه الامور بید الاُمّة، بل لنا أن نقول بأن ما یناسب شأن الشارع بما هو شارع التدخل فیما هو داخل فی حیّز اهتماماته مما أبان عنه بتشریعاته دونما خرج عن ذلک مما یرتبط بالناس. فالاختلاف بین القائلین بالولایة المطلقة مع النصب وبین القائلین بالشوریٰ معه هو فی صغریٰ کون هذه الامور مما تخصّ الشارع أم لا کی ینصب من ینوب عنه فیها أم لا ؟‏

‏ ‏

الجهة الثانیة:

‏واما حکم قرار الشوریٰ فیمکن بیانه من عدة وجوه:‏

‏ ‏

الوجه الأول:

‏أن یقال بأن الأمر الوارد فی الآیة الشریفة وارد بمعنیٰ الطلب وظاهر فی الطلب الوجوبی، لکن لمّا کان الاخبار عنه بأنه شوریٰ بینهم لا یستقیم للتباین وعدم التصادق عرفاً فلا بدّ من حمل الأمر فی الآیة علیٰ الأمر الادعائی لا الحقیقی فالشارع ینزّل الشوریٰ بین الناس منزلة الأمر العرفی الظاهر فی الوجوب. وبه یکون قرار الشوریٰ لازماً للغیر ولو کان مخالفاً.‏

‏لکن قد یناقش هذا الوجه بأن حمله علیٰ هذا المعنیٰ خلاف أصالة الحقیقة. نعم لو کانت هناک قرینة علیٰ إرادة هذا المعنیٰ لم یکن فی ذلک ضیر.‏

‏ ‏

الوجه الثانی:

‏أن یقال بأن اعتبار الشارع العمل بمبدأ الشوریٰ فیما یتعلّق بالجماعة بأحد التقریبات الاربعة المتقدّمة فی البحث السابق امضاء لقرارها بما یستلزم ذلک من موافقة ومخالفة وامتناع فإن إطباق اعضاء الشوریٰ علیٰ رأی واحد لا یقع إلاّ نادراً فمثله لا یصرف إلیه الاعتبار المذکور.‏

کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 74

الوجه الثالث:

‏تتمیم الأدلّة المتمسک بها فی البحث السابق بالتمسک بآیة ولایة المؤمنین بعضهم علیٰ بعض فیقال إن الشارع جوّز بموجب الأدلة المتقدمة عمل الشوریٰ فما یختاره اکثر اعضاء الشوریٰ یکون بموجب ولایة المؤمنین علیٰ بعضهم ملزماً للبعض الآخر المخالف أو الممتنع. وإلیٰ هذا الرأی ذهب السید الشهید محمد باقر الصدر (رض)‏‎[71]‎‏.‏

‏لکن هذا الوجه یواجه مشکلة من ناحیة تطبیق آیة الولایة علیٰ خصوص الاکثریة دون الأقلیة أو المساویة فإن الجمیع مما یصدق علیهم أنهم مؤمنون اللهمّ إلاّ أن تحلّ بإضافة أصل عقلی أو عقلائی ممضیٰ به شرعاً یقضی بإخضاع رأی الاقلیّة لها. لکنه المتممّ علیٰ هذا لا الآیة المذکورة.‏

‏وقد تحصل من مجموع البحث أن الشوریٰ طریق شرعیة لإقرار کلّ ما یرتبط بالجماعة من امور وأن قرارها ملزم للجمیع.‏

‏ ‏

حدود تطبیق مبدأ الشوریٰ:

‏انتهینا لحد الآن إلیٰ إثبات أن الانتخاب أمر مکمّل للنصب علیٰ أغلب المبانی الفقهیة القائلة بولایة الفقیه وأن الانتخاب طریق شرعی لاتخاذ القرارات فیما یکون من شؤون الناس، وان قراراته ملزمة لجمیع الأفراد موافقة او مخالفة أو ممتنعة.‏

‏وبقی الکلام فی بیان حدود تطبیق مبدأ الشوریٰ فما هی حدود الامور التی یجری تطبیق مبدأ الشوریٰ بشأنها ؟‏

‏من الواضح أن موضوع آیة الشوریٰ هو الاُمور المتعلقة بجماعة الناس فلا تقیید فیه إلاّ من هذه الجهة وقد بیّنّا أن کل أمر یتعلّق بالله  سبحانه فقد بیّنه بمقتضیٰ آیة إکمال الدین وإتمام النعمة وما عداه فهو من اُمور الناس. هذا من حیث الموضوع.‏

‏وأمّا من حیث الحکم فلا یوجد تقیید أیضاً فکل ما کان من اُمور الناس فهو شوریٰ بینهم.‏

‏ولما کانت جماعة الناس المضاف إلیها لفظ الأمر عنوان کلی مشکّک یصدق علیٰ أفراده بالتفاوت فإن حدود هذه الجماعة تتسع وتضیق بحسب من یرتبط بهم الأمر فقد‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 75

‏تکون الجماعة کل الشعب إذا کان الأمر مرتبطاً به کما فی إقرار نظام الحکم وتعیین الحاکم العام، وقد تکون ابناء المدینة کما إذا کان الأمر انتخاب رئیس بلدیتها، کذلک قد تکون طلاب المدرسة بل الفصل کما إذا کان الأمر انتخاب ممثلین عنهم وهکذا یکون مبدأ الشوریٰ جاریاً علیٰ جمیع المستویات.‏

‏نعم، قد یحدّ من جریانه بعض القوانین المشرّعة فی مستویٰ أعلیٰ بتطبیق مبدأ الشوریٰ أو وفقاً للصلاحیات المخوّلة لتلک الجهة استناداً إلیٰ هذا المبدأ.‏

‏ ‏

تخلّف من لهم حق المشارکة فی التصویت:

‏قد یتخلّف فی بعض الحالات عدد ممن لهم حق المشارکة فی التصویت عن الحضور فلا یشارکون فی الانتخاب وقد یکون التخلّف بدرجة عالیة لا یمکن معها القول بتحقق أکثریة فی اعضاء الشوریٰ فکیف یمکن تخریج ذلک فقهیاً ؟‏

‏والجواب عن هذا الاشکال یحتاج إلیٰ تقصٍ لحالات التخلف والتعرّف علیٰ اسبابها.‏

‏فمن حالات التخلّف ما یؤدّی إلیٰ عدم اکتمال عدد الحضور النصاب القانونی المقرّ فی قانون سابقٍ مصوّت علیه من قبل جهة أعلیٰ هی المانحة للشوریٰ التی حصل التخلّف فیها فمن الواضح عدم صحة التصویت المذکور لمغایرته للقوانین المصوّت علیها. فهذا الفرض خارج قانوناً.‏

‏وانّما تبقیٰ الحالات التی لم یفترض فیها نصاب معیّن أو التی فرض لها وبلغ عدد الحضور النصاب المعتبر.‏

‏والتخلف فی هذه الحالات إما أن ینشأ من اعتراضٍ وعدم رضا علیٰ قانون الانتخاب أو علیٰ کیفیة تنفیذه أو من عدم اهتمام ومبالاة.‏

‏فاما القانون المعترض علیه فإن کان علیٰ حکم شرعی لم یکن لاعتراضهم مورد لأنه لیس من الامور المرتبطة بهم کی یجری التصویت لصالحها او ضدها وإنما من امور الله  الخارجة تخصصاً، وإن کان تشریعاً شرّعته الامّة أو الجهة المعتبرة قانوناً فیمکن تقدیم اعتراض المعترضین إلیها واتخاذ موقف بشأنه رفعاً أو إقراراً أو تغییراً.‏

‏وأما کیفیة تنفیذ القانون فإن مردّه إلیٰ الجانب العملی ولا علاقة له بالجانب النظری لأن‏


کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 76

الفرض مبنیّ علیٰ صحة تطبیقه.‏

‏واما لو کان ناشئاً من عدم الاهتمام والمبالاة فهو عبارة عن رضا وقبول للنتیجة أیّاً کانت، فلا یؤثر الامتناع عن التصویت علی نتیجته سلباً ولا ایجاباً.‏

‏ ‏

کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 77

پی نوشت ها:

‏ ‏

‏ 

کتابامام خمینی و حکومت اسلامی: پیشینه و دلایل ولایت فقیهصفحه 78

  •  )) «إنْ الحکْمُ إلاّ لِلهِ» یوسف (12) آیة 40.
  •  )) انظر: حسین علی منتظری، ولایة الفقیه: ج1 / ص408 ـ 425.
  •  )) البیع، الإمام الخمینی: ج 2 / ص 475.
  •  )) الحکومة الاسلامیة: 138. وانظر: السید کاظم الحائری، المرجعیة والقیادة: ص126.
  •  )) حسین علی منتظری، المصدر السابق: ج1 / ص405.
  •  )) المصدر السابق: ص413 ـ 414.
  •  )) محمد باقر الصدر، خلافة الانسان وشهادة الانبیاء: ص 52 ـ 54. وانظر: محمد باقر الصدر، لمحة فقهیة دستوریة: ص23 ـ 26.
  •  )) السید کاظم الحائری، المرجعیة والقیادة: ص159.
  •  )) وسائل الشیعة: ج18 / ص98، ابواب صفات القاضی، ح1.
  •  )) نفس المصدر: ج18 / ص100.
  •  )) نفس المصدر: ج18 / ص101.
  •  )) الکافی 1: 38، کتاب فضل العلم، باب فقه العلماء ح3.
  •  )) الکافی 1: 46، کتاب فضل العلم، باب المستأکل بعلمه... ح5، وبحار الأنوار: 2 / 36 کتاب العلم ص38.
  •  )) الغرر والدرر 1: 137 ح 506.
  •  )) انظر: سورة النور، الآیة 55، الانعام: 165، فاطر: 39.
  •  )) انظر: النساء: 16، والنور: 2 ـ 4، والمائدة: 38 ـ 39، والمائدة: 33 والحجرات: 9، والانفال: 60.
  •  )) انظر: الانبیاء: 105، الاعراف: 100، الاحزاب: 27 ـ 137، الزمر: 74، القصص:9، مقاتل الطالبیین: 36.
  •  )) عیون اخبار الرضا: 2 / 62، ب 31، ج254، وصحیح البخاری: 3 / 91، ونهج البلاغة، ح92، تاریخ الطبری: 6 / 3076، 3066.
  •  )) الممتحنة: 12، الفتح: 10 ـ 18، ومسند أحمد: 3 / 292، ومجمع البیان: 9: 117، ونور الثقلین: 5 / 307، ونهج البلاغة: ح136، 137، 229، الکتاب 6، ح5.
  •  )) حسین علی المنتظری، ولایة الفقیه: ج1 / ص427 ـ 510.
  •  )) عیون أخبار الرضا: ج2 / ص101 و 342، ح1؛ وعلل الشرائع: ج1 / ص253، ب182، ح9؛ ونهج البلاغة، خ40، الغرر الحکم: ج6 / ص236، ح 10109 ، ج1 / ص274، ح1095، وج2 / 86، ح1941.
  •  )) الکافی: ج1 / ص178 کتاب الحجة، باب أن الارض لا تخلو من حجة، ح1، وج1: 321 باب الإشارة والنص علیٰ أبی جعفر الثانی، ح7؛ وبصائر الدرجات، ص372، باب الفرق بین أئمة العدل من آل محمد وأئمة الجور من غیرهم، ح 16، ونفس الکتاب ص486، باب الارض لا تخلو من حجة، ح11؛ کمال الدین، ص233 باب اتصال الوصیة من لدن آدم  علیه السلام وأن الأرض لا تخلو من حجة، ح41.
  •  )) ولایة الامر فی عصر الغیبة: 214 ـ 220.
  •  )) خلافة الانسان وشهادة الانبیاء: ص53 ـ 54.
  •  )) النساء، الآیة 58.
  •  )) الشوریٰ: الآیة 38.
  •  )) انظر: الحسین علی المنتظری، ولایة الفقیه: ج1 / ص460.
  •  )) المصدر السابق: ج1 / ص413 ـ 511.
  •  )) الشوریٰ: الآیة 36 ـ 38.
  •  )) الشوریٰ: الآیة 38.
  •  )) انظر: لسان العرب، ج 1، ص204، والقاموس المحیط، ج1، ص688.
  •  )) الراغب الاصفهانی، مفردات ألفاظ القرآن: 88 والمنجد فی اللغة.
  •  )) المصباح المنیر، ص21.
  •  )) اجود التقریرات، ج1، ص86 وما بعدها.
  •  )) نهایة الدرایة، ج1، ص250 وما بعدها.
  •  )) بحوث فی علم الاصول، ج2، ص11 ـ 14.
  •  )) معجم مقاییس اللغة، ج1،ص137.
  •  )) آل عمران (3) آیة 154.
  •  )) الآیة السابقة.
  •  )) الانعام (6) آیة 8.
  •  )) هود (11) آیة 123.
  •  )) الرعد (13) آیة 31.
  •  )) نهج البلاغة، الخطبة 3.
  •  )) مقاتل الطالبیین، ص36.
  •  )) عیون اخبار الرضا، ج2، ص62.
  •  )) للمثال انظر: العین، ج6، ص281؛ ومعجم مقاییس اللغة، ج3، ص226 ـ 227؛ وجمهرة اللغة، ج2، ص735 وتهذیب اللغة، ج11، ص403 ـ 404.
  •  )) مفردات الراغب، ص469.
  •  )) العین، ج6، ص280 والصحاح، ج2، ص704.
  •  )) لسان العرب، ج7، ص233 ـ 235.
  •  )) للمثال انظر: العین، ج6، ص281.
  •  )) انظر النهایة، ج2، ص508.
  •  )) العین، ج6، ص281.
  •  )) الصحاح، ج2، ص704.
  •  )) المحیط فی اللغة، ج7، ص378.
  •  )) لسان العرب، ج7، ص233 ـ 235.
  •  )) تهذیب اللغة، ج11، ص403 ـ 404.
  •  )) معجم مقاییس اللغة، ج3، ص226 ـ 227.
  •  )) مفردات غریب القرآن، ص469.
  •  )) المغرب، ص258.
  •  )) النهایة، ج2، ص508.
  •  )) المصباح المنیر، ص327.
  •  )) لسان العرب، ج7، ص233 ـ 235.
  •  )) الممتع الکبیر، التصریف، ص68.
  •  )) المفردات غریب القرآن، ص469.
  •  )) المغرب، ص258.
  •  )) المحیط فی اللغة، ج7، ص378.
  •  )) المصباح المنیر، ص327.
  •  )) الانبیاء (21) آیة 16، والدخان (44) آیة 38.
  •  )) المائدة (5) آیۀ 3.
  •  )) انظر للمثال المیزان فی تفسیر القرآن، ج18، ص62 ـ 63 والسید کاظم الحائری، المرجعیة والقیادة، ص44.
  •  )) خلافة الانسان وشهادة الانبیاء، ص54.