الفصل الثانی عشر فی مقدّمة الواجب

المبحث الرابع فی التقرّب بالواجبات الغیریّة

المبحث الرابع فی التقرّب بالواجبات الغیریّة

‏ ‏

‏هل یمکن أن تقع سائر الواجبات الغیریّة ـ مثل الستر والاستقبال ونحوهما ـ‏‎ ‎‏مقرّبة للعبد إلیٰ الله تعالیٰ بإتیانها بقصد الأمر النفسی المتعلّق بذی المقدّمة، لا بداعی‏‎ ‎‏الأمر الغیری؟ وحکم العقل بذلک ـ أی لزوم فعلها من باب توقّف الواجب علیها ـ‏‎ ‎‏وإن لم تصر بذلک عبادة؛ لما عرفت من أنّه یمکن أن یکون فعلٌ مقرّباً إلیه تعالیٰ من‏‎ ‎‏دون أن یکون عبادة، کالزکاة والخمس ونحوهما، فإنّهما مقرّبان إذا قصد بهما ذلک، مع‏‎ ‎‏أنّهما لیستا من العبادات؛ نعم ، فعلهما إطاعة، لا عبادة التی تسمّیٰ بالفارسیة بـ‏‎ ‎‏«پرستش»، فنقول: لاریب فی أنّه لا داعویّة ومحرّکیّة للأمر المتعلّق بالصلاة ـ مثلاًـ‏‎ ‎‏إلیٰ إیجاد مقدّماتها؛ لا مستقلاًّ ولا تبعاً؛ لأنّ المفروض أنّه متعلّق بالصلاة فقط، والأمر‏‎ ‎‏لایدعو إلاّ إلیٰ متعلَّقه لاغیر، بل الداعی إلیٰ المقدّمات هو الأمر الغیری، أو الحکم‏‎ ‎‏العقلی من باب التوقُّف، وهو غیر فعلها بداعی الأمر الشرعی، والمفروض أنّ مثل‏‎ ‎‏الستر والاستقبال لیس ممّا یصلح للعبادیّة ذاتاً، کما فی الطهارات، ولم یتعلّق بها أمرٌ‏‎ ‎‏من الشارع غیر الأمر الغیری؛ لیتقرّب به إلیه تعالیٰ.‏

‏فما یظهر من «الکفایة» والمحقّق العراقی ـ قدّس سرّهما ـ من أنّه یمکن صیرورة‏‎ ‎‏المقدّمات التوصّلیّة کلّها مقرّبةً للعبد إلیٰ الله تعالیٰ ویترتّب علیها الثواب إذا فعلها‏‎ ‎‏بداعی الأمر المتعلّق بذیها‏‎[1]‎‏.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 63
‏فیه ما لا یخفیٰ، فلایمکن القرب والمثوبة بالمقدّمات التوصّلیة بوجه.‏

نعم ، ‏المقدّمة التی تصلح ذاتاً للعبادیّة والمقرّبیّة، کالطهارات إذا أتیٰ بها‏‎ ‎‏مستشعراً بذلک حین فعلها، فهی مقرِّبة وعبادة یترتّب علیها المثوبة، فإنّها بما أنّها ممّا‏‎ ‎‏تصلُح للعبادیّة تعلّق بها الأمر الغیری، فمع قصده ـ أیضاً ـ تقع عبادة، وقد تقدّم أنّه لا‏‎ ‎‏تنافی بین استحبابها ذاتاً ووجوبها بالغیر، خلافاً للمحقق العراقی؛ حیث ذکر أنّ‏‎ ‎‏الطهارات الثلاث تنحلّ إلیٰ مقدّمتین : إحداهما ذواتها، وثانیتهما کونها عبادة، فیتعلّق‏‎ ‎‏بکلّ واحد منهما أمر غیریّ وجوبیّ، فیلزم أن تکون ذواتها مستحبّة وواجبة کلیهما‏‎ ‎‏بعنوان واحد، فیضمحلّ الاستحباب.‏

وأمّا بناءً علیٰ ما ذکرناه:‏ من أنّها بما أنّها عبادة مُقدّمة للصلاة وتعلّق بها أمر‏‎ ‎‏غیری، فلا منافاة بین استحبابها ذاتاً ووجوبها بالغیر؛ لاختلاف متعلَّقَی الوجوب‏‎ ‎‏والاستحباب باختلاف العنوان، فهی ـ بما أنّ ذواتها تصلح للعبادیّة ـ مستحبّةٌ، وبما‏‎ ‎‏أنّها عبادة وتتوقّف علیها الصلاة واجبةٌ، نظیر النذر إذا تعلّق بصلاة اللیل کما تقدَّم.‏

‏وأمّا ما یظهر من بعض : من أنّ الأمر النذری یکتسب العبادیّة من صلاة اللیل‏‎ ‎‏فی المثال، وصلاة اللیل تکتسب الوجوب من الأمر النذری‏‎[2]‎‏، فلم نتعقّله، ولم یُعلم‏‎ ‎‏المراد منه.‏

‏وإذا عرفت أنّ الطهارات الثلاث ممّا تصلح ذواتها للعبادیّة والمقرّبیّة، فلو‏‎ ‎‏توضّأ قبل دخول الوقت بداعی الاستحباب، جاز الصلاة به والاکتفاء به؛ لعدم توقّف‏‎ ‎‏الصلاة إلاّ علیٰ طهارة قربیّة، وهی متحقّقة، وکذا لو دخل الوقت، لکن توضّأ بداعٍ‏‎ ‎‏آخر غیر داعی التوصُّل بها إلیٰ الصلاة، مثل قراءة القرآن، ولو توضّأ للتوصُّل بها إلیٰ‏‎ ‎‏الصلاة بدون قصد القربة، فهی باطلة مُطلقاً، سواء کان قبل دخول الوقت أم بعده،‏‎ ‎‏ولو توضّأ قبل دخول الوقت بداعی الاستحباب، لکن یعلم بأنّه سیدخل الوقت،‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 64
‏فقَصَد التوصُّل بها إلیٰ الصلاة بعد دخول الوقت، کفیٰ وصحّ أیضاً، وکذا لا إشکال فی‏‎ ‎‏الصحّة لو توضّأ بداعی الاستحباب الذاتی مع الغفلة عن وجوبها الغیری رأساً، فإنّه‏‎ ‎‏وإن غفل عن ذلک، لکنّه غیرغافل عن رجحانه ذاتاً، ویجوز الاکتفاء به للصلاة أیضاً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 65

  • )) کفایة الاُصول : 142، مقالات الاُصول : 114 ـ 115، بدائع الأفکار (للمحقّق العراقی): 384.
  • )) فوائد الاُصول 1 : 229 .