إشکال ودفع
ربّما یشکل: بأنّ ظاهر الحدیث بقرینة لفظة «اُمّتی» یعطی کونه صلی الله علیه و آله و سلم بصدد الامتنان علی اُمّته، فلا یکون الآثار المترتّبة علی نفس الخطأ والنسیان مرفوعة بل المرفوع متعلّقاتهما أی ما أخطأ وما نسی، فیحتاج إلی ادّعائین: أحدهما ادّعاء کونها جمیع الآثار، والثانی: ادّعاء رفع المبدء برفع آثاره، فیلزم أن یکون المرفوع فی بعض تلک العناوین هو آثار نفسه کالحسد والوسوسة والطیرة؛ فإنّه لا إشکال فی أنّ المراد ارتفاع آثار هذه الاُمور نفسها، وفی بعضها الآخر کالخطأ
کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 378
والنسیان آثار متعلّقه مع أنّ الرفع مستند إلیها بالذات ادّعاءً.
ولکن یجاب عن الإشکال وبعض ما ربما یتوهّم فی المقام: بأنّ المتبادر والمنساق فی مثل عنوان الخطأ والنسیان وغیرهما من العناوین المرآتیة هو معنوناتها لا أنفسها، ولذا إذا قیل: «عفی الکریم خطأ بعض عبیده أو نسیانه» یتبادر منه العفو عن آثار أفعاله الصادرة عنه خطأً أو نسیاناً کما هو الشأن فی عنوان الجهالة، فإذا قیل: «عفی المولی عن جهالات بعض غلمانه» فالمنساق منه هو العفو عن مجهولاته وما صدر عنه عن جهالة، فلا یستفاد من رفع الخطأ أو النسیان إلا ما استفید من رفع ما استکرهوا وما اضطرّوا علیه.
فإذاً یکون المتبادر والمنساق من رفع الخطأ والنسیان هو المنساق من رفع ما اضطرّوا وما استکرهوا، من دون أن تکون لفظة الخطأ مثلاً مستعملة فی ما أخطأ أو یکون هناک تقدیر، بل ـ کما أشرنا ـ یتبادر منها أنّ المرفوع آثار الخطأ والنسیان بلا احتیاج إلی الادّعاء.
مضافاً إلی أنّ مناسبة الحکم والموضوع ووحدة السیاق یقتضی ذلک أیضاً، ولذا عبّر الإمام أبو الحسن فی صحیح البزنطی لرفع آثار المتعلّق بقوله «ما أخطأوا» مع أنّ الوارد فی حدیث الرفع إنّما هو الخطأ لا ما أخطأوا، فتدبّر.
فظهر: أنّ الرفع فی الواقع ونفس الأمر وبحسب الإرادة الجدّیة تعلّق بنفس العناوین فی جمیع تلک الخصال، غایة الأمر عبّر فی بعضها بنفس تلک العناوین کعنوان الحسد والطیرة والوسوسة، وفی بعضها بذکر ما هو طریق إلیها من الخطأ والنسیان أو بتوسّط الموصول، فلم یلزم تفکیک أو ارتکاب خلاف الظاهر.
فتحصّل ممّا ذکرنا: أنّ المرفوع فی الجمیع لبّاً إنّما هو آثار تلک الاُمور
کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 379
الخارجیة، سواء عبّرت عنها بأنفسها ادّعاءً أو بما هی مرآة لها، فلا یلزم التفکیک ولا تعدّد الادّعاء.
وظهر أیضا أنّ ظاهر الحدیث یقتضی کون المرفوع جمیع الآثار؛ ضرورة أنّ خلوّ الموضوع عن کلّ أثر مساوق لرفع الموضوع، مضافاً إلی أنّ إطلاق التنزیل یقتضی رفع الموضوع بجمیع آثاره.
کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 380